بريطانيا واغتيال الإمام البنا

بلال محمود القصاص

الإمام الشهيد حسن البنا

بلال محمود القصاص

باحث تاريخي

[email protected]

يتهم الإخوان المسلمون بريطانيا والدول الكبرى بأنهم كانوا وراء اغتيال مرشدهم الأول ومؤسس جماعتهم الأستاذ حسن البنا، ولكن هل فعلا شاركت بريطانيا أو غيرها من الدول الكبرى في ذلك؟!، أو كان لها يد في ذلك؟! هذا ما سنحاول الإجابة عليه من خلال السطور التالية.

يبني الإخوان ادعاءهم بأن الإنجليز قاموا بمحاولة لاغتيال الإمام البنا قبل حادثة الاغتيال بحوالي ثمان سنوات وذلك في عام 1941م، وذلك حين طلب الجنرال "كلايتون" مدير عام المخابرات البريطانية في الشرق الأوسط لقاء الإمام البنا وفي هذا اللقاء عرض كلايتون جوانب الاتفاق بين ما ينادي به الإسلام من حرية وشورى وبما ينادي به العالم الحر ـ يقصد دول الحلفاء ـ من نفس المبادئ وأن هناك جوانب اختلاف بين الإسلام وبين ما ينادي به هتلر وطلب من الإمام الشهيد أن يقوم الإخوان بالدعاية لذلك وإظهار جوانب الاتفاق بين الإسلام وما يدعوا إليه الحلفاء وجوانب الاختلاف بين الإسلام وما تدعو له دول المحور الوثنية، وكان ذلك في مقابل إصدار جريدة جديدة للإخوان ومقر لهذه الجريدة مع إمدادها بأحدث أدوات الطباعة بالإضافة إلى مبلغ قدره نصف مليون جنيه كدفعة أولى يتبعها دفعات أخرى وشفع طلبه بأن كل زعماء مصر يحصلون على المال لمساعدة بريطانيا، والأولى أن يصرف هذا المال في مساعدة الدعوة الإسلامية، وقد رفض الإمام البنا هذا العرض ثم أوضح له ما جرته السياسة البريطانية على مصر والعرب من خراب ودمار وذلك رغم تسليم الإمام البنا بأن الإخوان يرفضون دعوات دول المحور وسياستها.

ولما لم تنفع محاولة الاحتواء عن طريق المال دبر الإنجليز حادثًا لاغتيال الإمام الشهيد عن طريق قيام سيارة من سيارات الجيش البريطاني بصدم الإمام الشهيد وقتله بحيث يظهر الأمر وكأنه قضاء وقدر وكأنه حادث سيارة عادي، ولكن الإخوان علموا بهذه المؤامرة عن طريق أحد الإخوان الذي كان يعمل مع أحد أعوان الإنجليز وهو الأخ عبد اللطيف سيد أحمد  والذي أبلغ الأستاذ عبد الحكيم عابدين بذلك فقام الأستاذ عبد الحكيم عابدين بإذاعة الخبر بطريقة غير رسمية حتى انتشر الخبر بين الناس مما منع الإنجليز من الإقدام على تنفيذ تدبيرهم.

أما عن مشاركة إنجلترا والقوى الكبرى في حادثة الاغتيال نفسها فإن الإخوان يعتبرون إنجلترا والقوى الاستعمارية الأخرى (أمريكا، وفرنسا، والصهيونية العالمية...) الفاعل الأصلي في جريمة اغتيال الإمام البنا، وأن الملك ووزارة الحزب السعدي لم يكونوا سوى مجرد أداة تنفيذ ليس إلا.

ويبنون ادعاءهم هذا على عدة أمور يرون أنها كانت الدافع وراء قيام هذه الدول باغتيال حسن البنا وذلك لما مثله وجود الإخوان من تهديد لمصالح تلك الدول فقد كان المركز العام للإخوان مكانًا لتجمع وانطلاق حركة التحرر في جميع الدول العربية والإسلامية التي كانت تحتلها تلك الدول أو التي كانت تهيمن عليها وتوجهها دون احتلال عسكري؛ فإنجلترا ترى أن الإخوان يمثلون خطرا على وجودهم في المنطقة وخصوصا في مصر؛ وأمريكا بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت هي الوريث لهذه القوى الاستعمارية وبدأت تنشط في المنطقة العربية والإسلامية تبحث لنفسها عن موطن لقدم ولو على حساب حلفائها، والصهيونية من وقت مبكر وهي تعتبر الإخوان مصدر إزعاج لها وخطر على دعوتها؛ وزاد على هذا أن قوة الإخوان برزت أمام هذه الدول من خلال حدثين أثارا إزعاج هذه الدول، الحدث الأول هو تدخل الإخوان في حل مشاكل اليمن الداخلية، والثاني تدخل الإخوان في حرب فلسطين عام 1948م، وفي الحالتين كان تدخل الإخوان عمليا وليس بالدعاية والخطب مما أربك مخططات تلك الدول فطالبوا بحل الإخوان ونصحوا بقتل الإمام البنا.

وفيما يلي ما يؤكد تورط هذه الدول في اغتيال الإمام البنا وفي حل جماعته:

أولا: أن قرار حل الإخوان قد صدر بناءً على طلب من سفراء إنجلترا وأمريكا وفرنسا، حيث اجتمع سفراء هذه الدول في  فايد في 10/11/1948م، وقرروا اتخاذ الإجراءات اللازمة بواسطة السفارة في القاهرة لحل جمعية الإخوان المسلمين التي فهم أن حوادث الانفجارات الأخيرة في القاهرة قد قام بها أعضاؤها، وأرسلت إفادة بذلك إلى رئيس المخابرات الإنجليزية، والذي قام بدوره بإرسال رسالة إلى السفارة البريطانية في القاهرة متضمنة ذلك، حيث أبلغت السفارة البريطانية النقراشي بهذا القرار المطلوب وهو حل جماعة الإخوان المسلمين في أسرع وقت ممكن وإلا فسوف تعود القوات البريطانية إلى احتلال القاهرة والإسكندرية، مما جعل النقراشي يعطي أوامره لعبد الرحمن عمار وكيل الداخلية وذلك باعتبار النقراشي رئيسا للوزراء ووزيرا للداخلية في آن واحد، بإعداد مذكرة الحل، وهو ما تم فعلا في 9/12/1948.

ثانيًا: ما ذكره "الماجور سانسوم" ضابط الأمن بالسفارة البريطانية في مذكراته إن كل الإجراءات التي اتخذت لمنع المظاهرات بعد الاغتيال وفي الجنازة تم تخطيطها قبل عدة أسابيع.

فمن أطلعه على ذلك إلا أن تكون سفارته قد شاركت في هذا الأمر!!

ثالثًا: في مقابلة بين "تشابمان آند روز" الوزير البريطاني المفوض وكريم ثابت المستشار الصحفي لفاروق ويدور الحديث حول الوزارة الجديدة بعد مقتل النقراشي ويرى آند روز أن الوزارة لابد أن يشارك فيها الوفد ويقرر أن بريطانيا قد بذلت مساع كبيرة لإشراك الوفد في الوزارة وذلك حتى تتم الوزارة مهمتها بنجاح وقد لخص آند روز مهمة الوزارة حيث قال: المهمة الرئيسية للحكومة الحالية هي تحطيم الإخوان.

رابعًا: عندما علم محمد وصفي قائد حرس الوزارات وكان من المشاركين في اغتيال الإمام الشهيد بأن تحقيقات الثورة في مقتل الإمام الشهيد تناولته لجأ إلى السفارة البريطانية طالبًا حق اللجوء السياسي، وأيده الماجور سانسوم ضابط أمن السفارة طلبه وقال للسفير: "أنقذوا حياة هذا الرجل الذي ساعدنا كثيرًا" ولكن السفارة والخارجية البريطانية رفضت ذلك فانتحر محمد وصفي بتناول كمية من الحبوب المنومة مؤثرًا الموت على مواجهة الموقف .

خامسًا: الاهتمام البالغ للسفارة الأمريكية والبريطانية بآثار قرار الحل والمتابعة الدقيقة لحادث الاغتيال ونقل ردود الأفعال وما يقال حول الاغتيال في تقارير رسمية من السفارتين إلى دولتيهما .

سادسًا: وفي عام 1948م وبعد الهدنة الثانية عقد "موشى ديان" مؤتمرًا صحفيًا في أمريكا وفيه سأله أحد الصحفيين هل يستطيع أن يضمن بقاء إسرائيل وسط دول كثيرة تعاديها وتضمر لها الشر فأجاب موشى ديان: إن إسرائيل لا تخشى لقاء هذه الدول مجتمعة أو متفرقة فهي كفيلة بهزيمتهم ولكنها تكره أن تلقى فئة واحدة فقط وهم الإخوان المسلمون وستكفينا حكومتهم مؤونتهم .

سابعًا: الفرحة الغامرة التي عمت أمريكا وشرب الأمريكان أنخاب الخمر عندما سمعوا بمقتل الإمام الشهيد حسن البنا كما روى ذلك الشهيد سيد قطب .

 كل هذه الأمور هي التي جعلت الإخوان يبنون ادعاءهم بأن إنجلترا والقوى الكبرى هي التي كانت وراء اغتيال البنا وأنها الفاعل الأصلي لاغتياله، وأن الملك وحكومة الحزب السعدي، ومن نفذ الجريمة من رجالها لم يكونوا إلا أداة تنفيذ لا أكثر، ونحن نعلم جيدا أن المحرض على الجريمة كفاعلها، وبالتالي فإن إنجلترا وغيرها من الدول الكبرى تعتبر مشاركة في مقتل الإمام البنا، بل تعتبر هي صاحبة اليد العليا والمصلحة الكبرى في مقتله والتخلص منه، حيث اعتقدت هذه الدول أنه بمقتله سوف تنتهي جماعته، لكن الله سلم، ورد كيدهم حيث لا تزال الجماعة بخير رغم كل ذلك ورغم كل المحن التي مرت بها الجماعة عبر تاريخها.

المراجع التي تم الاعتماد عليها:

1ـ جمعة أمين عبد العزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، الكتاب الأول ـ ظروف النشأة وشخصية الإمام المؤسس ـ ، دار التوزيع والنشر الإسلامية، ط1، 2003م.

2ـ محسن محمد: من قتل حسن البنا؟، دار الشروق، 1987م.

3ـ أحمد عادل كمال: النقط فوق الحروف، الإخوان المسلمون والنظام الخاص، الزهراء للإعلام العربي، 1987.