إسرائيل لا تريد السلام

نبيل معروف

الصراع على ملكية أرض فلسطين ممتدٌ منذ بدايات القرن الماضي حين وعدت بريطانيا  الدولة المنتدبة على فلسطين  بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، ومنذ ذلك الحين والصراع يتصاعد عبر مراحل انتهت بإقامة دولة (إسرائيل) في نهاية أربعينيات القرن الماضي، ثم احتلال بقية الأراضي الفلسطينية إضافة إلى أراضي عربية أخرى عام 1967.

وفي المقابل فإن الشعب الفلسطيني لم يستسلم، بل استمر في مقاومته للاحتلال بحثاً عن حريته واستقلال أرضه وكرامة شعبه، وتنوعت أساليب مقاومته من المقاومة السلمية إلى المقاومة المسلحة، وقدم ما لم يُقدمه شعبٌ آخر من تضحيات، ورغم أنه لم يُحرر أرضه إلاّ أنه مازال صامداً يُقاوم دفاعاً عن حريته واستقلاله.

بعد حرب الخليج الأولى في عام 1991 وإثر مبادرة دولية قادها الرئيس الأمريكي (جورج بوش)  انعقد مؤتمر مدريد للسلام، الذي وافقت على المشاركة فيه كل الأطراف المتصارعة في الشرق الأوسط: الفلسطينيون وبقية العرب وكذلك (الإسرائيليون).

مشاركة الطرفين الفلسطيني و(الإسرائيلي) في مؤتمر مدريد يعني أن الطرفين اقتنعا بعدم جدوى الحل العسكري، فلا (إسرائيل) تمكنت من كسر الإرادة الفلسطينية ولا الفلسطينيون تمكنوا من تحرير أرضهم، ولذلك قبل الطرفان الدخول في عملية تسوية للصراع الدائر بينهما، أي محاولة الوصول إلى مصالحة تاريخية تُمكن الشعبين الفلسطيني و(الإسرائيلي) من العيش بسلام وأمن.

وقاعدة هذه المصالحة، أن يعترف كل طرف بالآخر وبحقوقه السياسية والإنسانية كما أقرتها الشرعية الدولية، عبر قراراتها 242، 338، 1397 وغيرها من القرارات التي تنص صراحة على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة على كامل أرضه التي احتُلت عام 1967، أي الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة.

وقد تبِع مؤتمر مدريد إتفاقية إعلان المبادئ في (أوسلو)، ثم العديد من الإتفاقيات الأخرى: (واي ريفر)، طابا، و(كامب ديفيد).

وقد تم تعزيز قرارات الشرعية الدولية بمبادرات سياسية مثل خطة "خارطة الطريق"، ورؤيا الرئيس (بوش) لحل الصراع على أساس إقامة دولتين فلسطينية و(إسرائيلية)، وأخيراً "المبادرة العربية" التي عرضت سلاماً شاملاً مقابل إنهاءٍ كاملٍ للاحتلال (الإسرائيلي) للأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة.

منذ عام 1990 وحتى الآن مرَّ سبعة عشر عاماً على ابتداء عملية السلام وكان من المفروض أن تُقام الدولة الفلسطينية عام 1998 أي بعد خمس سنوات من ابتداء عملية (أوسلو) في عام 1993، ولكننا الآن وفي العام 2007 لم يتحقق أي نوع من أنواع السلام ومازالت الأراضي الفلسطينية تحت الاحتلال ومازال الاستيطان (الإسرائيلي) يبتلع مزيداً من الأراضي الفلسطينية إضافة إلى إقامة "جدار الفصل العنصري" والذي يضم 58% من أراضي الضفة الغربية إضافة إلى أكثر من 600 حاجز (إسرائيلي) في الضفة الغربية يُمارس عليها كل أنواع الذل والإهانة للشعب الفلسطيني، وكذلك استمرار الاعتداءات اليومية على جميع المدن والقرى الفلسطينية، كل ذلك أدى إلى المزيد من التدهور الاقتصادي والاجتماعي في المجتمع الفلسطيني الذي يعيش أكثر من 70% منه تحت خط الفقر.

إن المعوقات التي وضعتها (إسرائيل) أمام التوصل إلى حلول سياسية من خلال الاستمرار في بناء المستوطنات وبناء "الجدار" واستمرار الاعتداءات كانت كلَّها مؤشرات مفادها أن (إسرائيل) لم تُقرر بعد الدخول في عملية سلام حقيقية مع الشعب الفلسطيني، الأمر الذي عزَّز قوى المعارضة الفلسطينية وأدى إلى تعزيز مكانة القوى الإسلامية الرافضة لعملية السلام.

هذه الأيام وفي أواخر العام 2007 ونتيجة لازدياد حدة التوتر في الشرق الأوسط الناجم عن الحرب الأمريكية في العراق وأفغانستان واستمرار الاحتلال (الإسرائيلي) وازدياد حدة الإرهاب المنظم الذي مارسته الدولة (الإسرائيلية) في فلسطين ولبنان وانعدام رؤية مؤشرات نجاح عملية السلام، وفي ظل هذه الظروف، أطلق الرئيس (بوش) دعوته لعقد مؤتمر دولي في (آنابوليس) بهدف إطلاق المفاوضات الفلسطينية (الإسرائيلية) استناداً إلى مرجعيات محددة وهي:

1        رؤية الرئيس (بوش).

2        خطة خارطة الطريق.

3        المبادرة العربية للسلام.

وقد انعقد المؤتمر بالفعل في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر الماضي وبحضور خمسون دولة والعديد من المؤسسات الدولية ليشهدوا جميعاً انطلاق المفاوضات الفلسطينية (الإسرائيلية) من جديد وبالأخص حول مواضيع الحل النهائي الست وهي:

1.    الحدود

2.    اللاجئين

3.    المياه

4.    المستوطنات

5.    الأمن

6.    القدس

v    الدعوة التي وجهتها الإدارة الأمريكية تنص على:

 رؤية الرئيس (بوش) بإنشاء دولتين: (إسرائيلية)، ودولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة، أي أن الدولة العتيدة يجب أن تكون مستقلة جغرافياً؛ وحتى تكون كذلك على (إسرائيل) أن تسحب المستوطنات والمستوطنين من الضفة الغربية.

 خطة خارطة الطريق: التي تنص على مجموعة من الإلتزمات على الجانبين الفلسطيني و(الإسرائيلي)؛ الإلتزامات الفلسطينية بتوفير الأمن في المدن الفلسطينية، وهو ما فعلته السلطة الفلسطينية، وإلتزامات (إسرائيل): أن توقف جميع أشكال المستوطنات حتى النمو الطبيعي فيها إضافة إلى إزالة كافة البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية والتي أصبح عددها حوالي 164 بؤرة استيطانية.

 المبادرة العربية: والتي تنص على أن جميع  الدول العربية على أتم الاستعداد للاعتراف ب (إسرائيل) وتطبيع العلاقات معها إذا قامت بالانسحاب الكامل من جميع الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة وانهاء احتلالها لهذه الأراضي.

جميع هذه الأسس التي اعتمدت عليها الدعوة إلى مؤتمر (آنابوليس) تلتقي جميعها مع نصوص وروح القرارات الدولية التي تقضي بعدم جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة، والانسحاب من الأراضي التي احتُلت عام 1967 واعتماد حدود 4 حزيران 1967 حدوداً دولية معترفٌ بها بين (إسرائيل) والدول العربية بما فيها دولة فلسطين المُزمع إنشاءها على كامل الأراضي الفلسطينية التي احتُلت عام 1967 وهي الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة.

هذا هو مضمون القرارات 242، 338، 1397، 1515.

جميع الدول التي حضرت مؤتمر (آنابوليس) وبكلماتها الرسمية التي ألقتها في المؤتمر أيدت حل الصراع على هذه الأسس، ودعت إلى إطلاق المفاوضات بُغية تحقيق السلام العادل وتوقيع إتفاقية سلام قبل نهاية 2008.

المجتمع الدولي عبر الدول الخمسين المشاركة في مؤتمر (آنابوليس)، انتقلوا إلى باريس حيث عُقد مؤتمر الدول المانحة وانضم إلى الدول الخمسين أربعين دولة أخرى وقدموا بسخاء الدعم الكامل لإنجاح عملية السلام وعلى نفس الأسس التي انعقد عليها مؤتمر (آنابوليس).

هذان المؤتمران يعكسان رغبة العالم أجمع بتحقيق السلام في الشرق الأوسط وبضرورة إنصاف الشعب الفلسطيني وتمكينه من إقامة دولته الفلسطينية المستقلة والقابلة للحياة والمتصلة جغرافياً، ويعكسان أيضاً الاتفاق مع القرارات الدولية على الأسس الموضوعة لعملية السلام.

ماذا حصل بعد مؤتمر (آنابوليس):

 مباشرة بعد انتهاء مؤتمر (آنابوليس) أعلنت (إسرائيل) عن بناء 300 وحدة سكنية في مستوطنة جبل أبو غنيم (هارحوماه) وكذلك في أماكن أخرى.

 استمرار الاعتداءات (الإسرائيلية) وبوحشية أكبر وسياسة الحصار والعقاب الجماعي المفروض على أهل غزة.

 الاجتياحات المستمرة في الضفة الغربية رغم الخطط الأمنية الفلسطينية، هذه المواقف والتصرفات هي انتهاك فاضح لما تم الاتفاق عليه في (آنابوليس)، وهذا يعني أن (إسرائيل) تعمل وبوضوح على إفشال مؤتمر (آنابوليس).

إذا ما أضفنا إلى هذه المواقف والممارسات، هشاشة الائتلاف الحكومي (الإسرائيلي)، والذي يتمثل في أن حزبين من الأحزاب المشاركة في الحكومة وهما (إسرائيل بيتنا)، و(شاس) أعلنا بأنهما  سينسحبان من الحكومة في حال بدأت المفاوضات، وهذا ما قام به بالفعل (ليبرمان) رئيس حزب (إسرائيل بيتنا) والذي انسحب من الحكومة، أما حركة (شاس) فقد هددت بالانسحاب من الحكومة في حال البدء بمناقشة وضع القدس والتفاوض حولها.

هذا الوضع الداخلي سيستعمله (أولمرت) مستقبلاً كحجة للتباطؤ في عملية السلام أو كمبررٍ لعدم تمكنه من تقديم التنازلات المطلوبة والإلتزامات (الإسرائلية) تجاه عملية السلام.

لقد وعد الرئيس (بوش) الفلسطينيين و(الإسرائيلين) والعالم أجمع بتوقيع إتفاقية سلام قبل نهاية ولايته أي قبل نهاية عام 2008.

إن الرئيس (بوش)، الذي هو رئيس للولايات المتحدة الأمريكية، يستطيع أن يفي بوعده، ولكن لذلك شروط، وهو أن تلتزم الولايات المتحدة بموقف حيادي تام وتُمارس ضغطاً فعلياً وحقيقياً على (إسرائيل) لتنفيذ إلتزاماتها.

السؤال، هل ستقوم الولايات المتحدة خلال الأشهر الستة القادمة بممارسة هذا الضغط وتحقيق هذا الإنجاز أم أنها لن تفعل، وهذا يعني أنها غير راغبة بذلك!!؟؟

ما أود إضافته في هذا المجال أنه إذا رغبت الولايات المتحدة الأمريكية وأرادت فإنها تستطيع ذلك!

خلاصة القول؛ أننا سائرون في العملية السلمية، ونتفاوض بكل جدٍ واخلاص، ونقوم بإلتزاماتنا كاملة، ولكن ومع ذلك فإن كل المؤشرات على الأرض توحي وتؤشر بأن عام 2008 سينضم إلى الأعوام التي سبقته، ولن تتحقق فيه المعجزة ويتحقق السلام، لأنني أعتقد أن (إسرائيل) غير مستعدة ولم تُقرر بعد أن تدخل في عملية سلام حقيقية، وهذا يعني أن المنطقة ستدخل في الربع الأخير من العام 2008 مرحلة صعبة وقاسية، حيث ستُثبت للمتفائلين أن تفاؤلهم كان في غير محله، وستصدق رؤية القوى المتطرفة  بإن (إسرائيل) لا تريد سلاماً وبالتالي سيتعزز موقف هذه القوى وتزداد انتشاراً.

وفيما يلي سأعرض مواضيع الحل النهائي الست التي سيتم التفاوض حولها، وموقف كل طرف منها، في محاولة لجعل القارئ ملماً بأدق تفاصيل المفاوضات.

قضايا الحل النهائي التي سيتم التفاوض حولها هي:

1  الحدود، 2  المستوطنات، 3  اللاجئون، 4  القدس، 5  المياه، 6  الأمن

قضايا الوضع النهائي

1)    الحدود:

A.   الفلسطينيون يُطالبون أن تكون حدود الدولة هي حدود 4 حزيران 1967 مع تبادل للأراضي بنفس النسبة والنوعية لا تتجاوز 2% من مساحة الضفة الغربية حتى لا تؤثر على التواصل الجغرافي للدولة الفلسطينية.

B.    الإسرائيليون يُطالبون بدولة فلسطينية مستقلة في الضفة وغزة، مع ضم كافة الأراضي التي تقع خلف الجدار في الضفة الغربية إلى دولة (إسرائيل) مع موافقتها على  تبادل الأراضي ولكن ليس بنفس النسبة والنوعية.

2)    المستوطنات:

A.    الفلسطينيون: يوافقون على تجميع الكتل الإستيطانية الكبيرة بما لا يتجاوز 2% فقط من مساحة الضفة الغربية، ويرفض الفلسطينيون ضم الأراضي المجاورة للكتل الإستيطانية والتي تجاوز نسبتها 6% من مساحة الضفة الغربية على أن يتم تبادل نسبة ال 2% بنفس النسبة والنوعية.

B.    الإسرائيليون: يُطالبون بتجميع المستوطنات في أربع كتل إستيطانية مع إتاحة المجال لضم المناطق المجاورة لهذه الكتل، ويُطالب الإسرائيليون بأن يكون الجدار العازل هو الحدود الغربية للدولة الفلسطينية. 

3)  اللاجئون:

A.    الفلسطينيون: يُطالبون بضرورة إعتراف (إسرائيل) بحق العودة مع تفهمهم لعدم قدرة (إسرائيل) على تطبيق ذلك، كما يُطالبون بعودة رمزية لمئة ألف لاجئ على أن يتم ذلك بعد الحصول على دولة فلسطينية مستقلة على كامل أراضي عام 1967.

B.    الإسرائيليون: يرفضون الاعتراف بمسوؤلية (إسرائيل) التاريخية عن مأساة اللاجئين وحقهم في العودة  كما كفلتها  القرارات الدولية

4)  القدس

A.    الفلسطينيون: يُطالبون بالقدس الشرقية كاملة لتكون عاصمة لدولتهم مع إستعدادهم للتنازل عن المناطق اليهودية فيها.

B.     الإسرائيليون: أبدوا إستعدادهم للتنازل عن أحياء عربية في القدس الشرقية ولكنهم لم يلتزموا بتحديد هذه الأحياء.

5)  المياه:

A.     الفلسطينيون: يُطالبون بحقهم  في المياه الجوفية الواقعة في الضفة والقطاع باعتبارها في أرض دولتهم، ويُطابون أيضاً بحقهم في الأحواض المشتركة، وكذلك  حقهم في مياه الأردن كدولة مشاطئة.

B.    الإسرائيليون: يرفضون الاعتراف بحق الفلسطينيين في الأحواض المشتركة وفي نهر الأردن وفي بحيرة طبريا، ويقولون أن على الفلسطينيين أن يُفكروا بطرقٍ أخرى لتأمين المياه، ومنها على سبيل المثال  تحلية مياه غزة أو إستيراد المياه من تركيا!

6)    العلاقات المشتركة وتشمل الاقتصاد / الأمن / العلاقات السياسية / العلاقات العسكرية

A>A.    الفلسطينيون يرفضون بقاء السيطرة (الإسرائيلية) الأمنية والعسكرية في غور الأردن (علماً بأن مساحة غور الأردن الذي تريد (إسرائيل) استمرار سيطرتها عليه يُشكل 28% من مساحة الضفة الغربية) ويوافق الفلسطينيون على عدم التسلح.

B.     الإسرائيليون يُطالبون باستمرار سيطرتهم على الحدود الشرقية للضفة الغربية  غور الأردن  لفترة زمنية طويلة متفق عليها وذلك لأسباب أمنية كما يقولون، ويُطالب الإسرائيليون كذلك معاهدة تقضي بمنع تسليح الدولة الفلسطينية.