دعاة الفضائيات
أحمد الفلو*
داعية فضائي هي مهنة من لا مهنة له , لا تتطلب مؤهلات علمية كثيرة حيث يكفي أن تقرأ ملخصاً لكتاب في السيرة النبوية الشريفة وتحفظ بعض آيات القرآن الكريم وبعض الأحاديث الضعيفة وربما الموضوعة التي تناسب موضوع (الفيديو كليب) , وأن تجيد رواية القصص والحكايات باللهجة العامية بعيداً عن العربية, وتدرس كتاباً في فن التأثير على الجمهور ودغدغة عواطف نساء الطبقة (الأرستقراطية) الغنية ثم مراهقي الطبقة الوسطى بمهارة , أما رأس مالها فهو بَدْلة من قماش السموكن مع ربطة عنق مناسبة أو غير مناسبة للون البدلة أضف إلى ذلك ذقن محلوقة بشفرات الجيليت أو الناسيت لا يهم , أو معالم ذقن تنبيء عن مشروع لحية في المستقبل البعيد أو القريب لا يهم متى ولكن المهم أن تتحقق الوسامة و النجومية والظهور الإعلامي وبعد ذلك قبض الأجر من المحطة الفضائية سواء بالشيكات أو نقداً .
في الآونة الأخيرة ازدحم الأثير ببرامج أولئك الذي يسبق أسمائهم لقب الداعية الإسلامي أو فضيلة الشيخ و لا ندري كيف يكون المرء شيخاً أو داعية بينما هو لا يجيد التحدث باللغة العربية ويطلق لسانه بلهجة المقهى ولسان الشارع متناسياً أن الإسلام واللغة العربية شقيقان متلازمان لا ينفصلان أبداً وأن الله قد أعزَّ هذه اللغة وحرَّم التلاعب بألفاظها قال تعالى( --), وحجة هؤلاء أن العامية أقرب إلى الفهم فلا مانع من تشجيعها وتبنيها و استخدامها بدلاً عن العربية بل وإن بعضهم يقرأ القرآن بلهجة عامية مبتذلة فيقلب الذال زاياً والثاء سيناً والجيم كافاً فارسية قال تعالى: (يحرفون الكلم عن مواضعه) وتجد أتباعهم يقرأون الفاتحة ويقيمون الصلاة بهذا التحريف , و قد نصحو يوماً على دعوات هؤلاء بكتابة المصحف الشريف بلهجتهم العامية ,إنما يريد هؤلاء لوي عنق الشريعة لكي تتناسب مع أمزجتهم و أمزجة أتباعهم بدلاً من تصحيح الاعوجاج والتحريف القائم على ألسنة الناس .
إن من أهم ما قام به رسولنا الكريم (عليه وعلى آله وصحبه الصلاة و التسليم) هو توحيد ألسنة العرب السبعة على لسان واحد هو لسان قريش و بها تم حفظ القرآن الكريم ثم كتابته فيما بعد على هذا اللسان , ليعود هؤلاء الفضائيون الجدد ويكرِّسوا سنن الجاهلية الأولى , وربما يعود ذلك إلى جهل هؤلاء باللغة العربية والنحو واقتصار فهمهم على ما تعوَّدوا عليه في البيت والشارع , بينما يُعتبر فهم القرآن وتفسيره والحديث الشريف والفقه ومعرفة أحكام الشريعة إلى دراسة و إتقان العربية نحواً و صرفاً وأدباً وشعراً بعيداً عن رجس العامية و وضاعتها بما يليق بهيبة العلماء و رزانة الدعاة .
ولطالما حاول الغزاة والمستوطنون عبر قرون مضت القضاء على لغتنا من خلال فرض لغاتهم اللاتينية بشكل رسمي على مناهج التعليم و الدواوين الرسمية كما فعلت فرنسا في دول المغرب العربي أو تشجيع إشاعة العامية واللهجات المحلية نطقاً وكتابةً وإنشاء المطابع وتشجيع التأليف بهذه اللهجات كما فعل سعيد عقل في لبنان و سلاّمة موسى في مصر , و ذلك بهدف القضاء على لغة القرآن بحيث لا يعود القرآن مفهوماً لدى العرب والمسلمين ومن ثَم القضاء على أهم مصدر للشريعة الإسلامية , ولكن الله تعالى تعهد كتابه بالحفظ , ومن المؤسف أن دعاة ومشايخ الفضائيات قد تولوا هذه المهمة و تعهدوا تحقيق ما لم تتمكن قوى الكفر و وكلاءها تحقيقه , و أصبحت الآلة الإعلامية في فضاءاتنا و إذاعاتنا تغص بعشرات البرامج المسماة دينية أو إسلامية يقدمها أشخاص يتحدَّثون العامّية و ينشرون وباءها في أجواءنا .
ولم يكتفِ هؤلاء في موضوعاتهم التي يطرحونها بفساد الشكل اللغوي بل يردفونه بفساد المضمون حيث يعتمدون على الشحن العاطفي و استثارة مشاعر الجماهير بشكل آني و مؤقت بعيداً عن التوجيه النبوي السليم الذي يؤسس لوعي جمعي وفهم عميق لعقيدة الأمة ومشكلاتها والتطلعات لمستقبل مشرق بعيداً عن الخطاب العاطفي الذي غالباً ما يهدف إلى استنفار عواطف الناس نحو التعلق والإعجاب بشخصية الشيخ أكثر مما يهدف إلى بناء الشباب عقائدياً و تحريرهم فكرياً , لأن الأساس في الإسلام هو ارتباط المسلم بالمباديء وليس بالأشخاص , والمحبة تكون للشخص بالقدر الذي تكون فيه عقيدة وسلوك ذلك الشخص منسجمة مع مباديء الإسلام .
وعندما نعلم بأن كل عمل لا يُقصد به وجه الله الكريم فهو باطل ثم نضيف إلى معلوماتنا حجوم المداخيل الضخمة التي يتقاضاها هؤلاء والتي تُقدّر بملايين الدولارات حصيلة السموم التي ينشرونها بين الناس , وحين نعلم أيضاً أن لبعضهم ارتباطات مع جهات صهيونية , حينئذٍ تتكشف الحقائق ونتمكَّن من معرفة الدوافع الكامنة وراء كل ما يفعل هؤلاء الأدعياء .
إن الحرب التي يشنها أعداء الإسلام على اللغة العربية ويساندهم الأدعياء من بعض مشايخ الفضائيات من خلال تعاطيهم المستمر مع اللهجات العامية إنما تهدف أولاً وأخيراً إلى القضاء على لغة القرآن و وعاء الإسلام الكبير سواء عن جهل بما يفعلون أو عن فصد وسابق إصرار , و لا يمكن بحال من الأحوال لعلماء المسلمين العاملين المخلصين أن يسكتوا على جريمة نكراء مثل هذه مهما كانت الحجج المبررات التي يسوقها محترفو الوعظ الديني الفضائي .
* كاتب فلسطيني