60 حالة طلاق بين زوجات الأسرى سنويا
هيثم الشريف/فلسطين
بالرغم من أن موضوع طلاق زوجات الأسرى في مجتمعنا يتم الحديث عنه خلف أبواب مغلقة، إلا انه يثير الكثير من التساؤلات وردود الفعل المنقسمة على نفسها ما بين مؤيد ومعارض، حيث طفت على السطح منذ بداية انتفاضة الاقصى عام 2000 عدة حالات طلاق في صفوف حركتنا الأسيرة.
لذلك فإن السؤال الذي يطرح نفسه إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الاسرى المتزوجين يبلغون 2700 أسير والاسيرات المتزوجات 25 أسيرة، هو" هل عدد حالات الطلاق هي حالات فردية؟ أم أنها أصبحت تشكل ظاهرة؟ وكيف ينظر المجتمع الفلسطيني لهذه الحالات؟
حق يكفله القانون
بالرغم من أن مدير مكتب وزارة شؤون الأسرى والمحررين في محافظة الخليل منقظ أبو عطوان اعتبر أن حالات الطلاق فردية ولا تشكل ظاهرة، إلا أنه أكد أن أكثر عام شهد حالات طلاق في محافظة الخليل هو عام 2004، بدليل حدوث 6 حالات طلاق في ذلك العام وأضاف يقول"إن لهذا النوع من الحالات أثر شديد على كل أطراف المعادلة، فعلى سبيل المثال كان عندي والد أسير، وكانت زوجة ابنه الأسير قد طلبت الطلاق، فقال لي والد الأسير( مع أني متفهم طلبها الطلاق من ابني لأنه محكوم 20 سنة ، مع ذلك يبقى الأمرغير سهل عليّ !! على الرغم من قناعتي بأن ابنتي لو كانت زوجة لأسير محكوم لفترة طويلة، سأكون مستوعبا للأمر وسأدعوها لأن تفعل كما تفعل زوجة ابني الآن!!! ).
وحول ما وثقه مكتب وزارة شؤون الأسرى والمحررين في الخليل على سبيل المثال قال أبو عطوان "منذ بداية الانتفاضة سجل المكتب أكثر من 15 حالة طلاق، ولا بد أن لدى المحاكم الشرعية أعداد أكثر من ذلك، مثل حالات كتب الكتاب بلا دخله التي تسوى داخليا بين الأهل.
في ذات السياق تحدث رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي وقاضي القضاه الشيخ تيسير التميمي قائلا"الملفات التي تصل إلى ساحة القضاء لطلب التفريق بين الزوجة والأسير في الأسر لا تزيد عن عشرة حالات في السنة على مستوى فلسطين، أما الطلاق الذي يتم بالتراضي بين الزوجين من خلال الاتفاق عبر المحامي فتصل في السنة إلى ما يقارب 50 حالة، بمعنى أنه في عهد الانتفاضة الثانية لدينا 60 حالة طلاق بين زوجات الأسرى منها عشرة حالات تثبتها سجلات المحكمة".
وقد برر الشيخ التميمي هذا الإجراء إذا ما أقدمت عليه زوجة أحد الأسرى من وجهة النظر الدينية قائلا" أن من حق المرأة أن تطلب التفريق بسبب السجن مهما كان هذا السبب، فمن حقها أن تتزوج وأن تكون محصنة ، خاصة إذا كان السجن لزوجها لفترة طويلة من الزمان، معتبرا في الوقت ذاته على أن صبر الزوجة على بعد زوجها يعتبر جهادا وما ذلك الا مساندة منها لزوجها في الأسر.
زوجات عظيمات
وعلى الرغم من ذلك يؤكد أبو عطوان مدير مكتب وزارة شؤون الأسرى في الخليل أن هنالك أيضا زوجات صابرات عظيمات "مثلما هناك رجال عظام فهناك زوجات عظيمات يضحين بأعمارهن لأجل أزواجهن، وتضمد كل منهن جرحها وتذهب بابتسامة لزيارة زوجها المحكوم حكما عاليا، ومنهن على سبيل المثال زوجات إبراهيم جابر وطلال أبو الكباش وزياد غنيمات وأبو علي يطا..وغيرهن.
وقد أرجع أبو عطوان حالات الطلاق لأسباب اقتصادية واجتماعية ، إلى جانب التزام أخلاقي يخيّر فيه الأسير زوجته إن كانت ترغب في الطلاق أو الانتظار، وفي الغالب تختار الخيار الأصعب وهو الانتظار.
زوجة الأسير أبوعلي يطا المحكوم مدى الحياة منذ أكثر من ربع قرن تقول"من يخير زوجته في الطلاق فان هدفه بالضرورة اختبار زوجته في وقت محنته أو من باب الحياء، رغم انه لا يحب ذلك"،وبالنسبة لها فكلمة"مدى الحياة أفضل عندها ألف مرة من كلمة طلاق، لكون أن زوجها اعتقل لشيء فيه شرف وفيه كرامة".
من جانبها وزارة شؤون الأسرى قالت أن هناك الكثير من زوجات الاسرى اللاتي رفضن الطلاق وصبرن، ومنهن زوجة الأسير أبو علي سلمة الذي قضى أكثر من 25 عاما وحتى الآن تنتظر خروجه، وزوجة أحمد جبارة "أبو السكر"الذي خرج بعد 26 عام من الاعتقال ليجدها في انتظاره.
وعن الأسيرات قالت الوزارة "إذا ما أُسرت الفلسطينية وأطلق سراحها لا يعني أنها لا تجد فرصة للزواج، بل بالعكس ومثال ذلك الاسيرة المحررة عطاف عليّان التي خرجت بعد14 عاما وتزوجت أحد الاخوه المفرج عنهم، وكذلك الأمر بالنسبة لرولا أبو دحو، وعبير الوحيدي التي كانت محكومة بالمؤبد وقضت حوالي 8 أعوام وخرجت وتزوجت.
ناصر سعيد السعدي(34عاما) من جنين زوج الاسيرة قاهرة السعدي(29عاما) تزوج من أخرى معللا ذلك بالقول"لو أن قاهرة محكومة لسنة أو سنتين أو حتى لثلاث سنوات لهان الأمر، ولكنها محكومة مدى الحياة"مؤبد"!!، ويضيف أن لديه منها أربعة أطفال وهم بأمس الحاجة لمن يدرسهم ويطعمهم، وطبيعة عمله لا تسمح له بذلك"فكان لا بد أن أجد من ترعى أطفالي".
مشيرا الى أنه شاروها في الزواج من الثانية، فعارضت وبعد فترة اقتنعت، وما زال مستمرا بالاتصال بها ويرسل لها كل ما تطلب.
يجب تقييم الحالة وتفهمها
ويعيد رئيس قسم علم الاجتماع في جامعة النجاح الدكتور ماهر أبو زنط أسباب صبر كثير من الزوجات وانتظارهن، إما لوجود أطفال،أو لأمل بالإفراج من خلال تبادل الاسرى أو نتيجة أحداث سياسية معينة، إلا أنه يضيف بصراحة، قول الزوجة"حتى لو حكم زوجي مؤبدا فلن أتزوج…وسابقى على ذمته"،أمر غير جيد، اذ يجب تقييم الحالة ، خاصة إذا كان هنالك يأس من الإفراج، حتى بوجود الأطفال ليتم البحث عن الزواج مرة أخرى".
أما حول عقد قران بعض الاسرى على فتيات من خارج الاسر فقد اعتبر د.أبو زنط ذلك خطأ كبيرا وفيه ظلم للطرفين خاصة للزوجة لأن أصل الزواج كما يقول المعاشرة والسكن.
وحول الأسباب التي تدفع بزوجات الأسرى لهذا الوضع قال رئيس قسم الاجتماع الدكتور أبو زنط"إما بكون نتيجة صغر سن الزوجة وارتفاع مدة الحكم لدى الزوج، والسبب الثاني أنه قد يكون هناك أوضاع اجتماعية لدى الزوج أو الزوجة مثل ضغط الأهل على الزوجة، كما أن هناك عوامل أخرى اقتصادية معينة قد تكون سياسية أو نفسية معينة، وبالتالي تكون مجموعة عوامل هي التي وراء عملية الطلاق".
وللتقليل من مخاطر الطلاق الاجتماعية وتبعات هذا الطلاق دعى أبو زنط إلى توعية الشباب والفتيات في هذا الشأن"المفروض في الزوج والزوجة أن يكونوا متعلمين، وأأكد على التعليم لدى الفتيات، وأن تبحث الزوجة عن عمل حتى إذا تم اعتقال الزوج أو الزوجة يكون هناك شريك آخر يغطي المصاريف وتستكمل الحياة خاصة في ظل ظروف وجود أطفال".
الأسير عبد الوهاب الاطرش من محافظة الخليل محكوم 17 عاما،أمضى منها حتى الآن 6 أعوام، كانت له زوجتان، يقول شقيقه حسين"تطلقت زوجتاه بعد أسره بناء على طلبهما،لكنه أضاف"بالنسبة لنا الامر صعب، لكن يبقى ذلك حقا شرعيا للزوجتين".
وحين توجهنا للعديد من زوجات الأسرى المطلقات واللاتي بدأن حياة جديدة رفضن الحديث مطلقا عن هذا الموضوع وكان لسان حالهن يقول"هذا حقي..فلن انهي حياتي" بعد أن رفضن الحديث إلينا عن الموضوع.
يبدو للبعض أن حالات طلاق زوجات الأسرى ليست ظاهرة، ولكنها موجودة في النهاية، وتؤثر في بنية مجتمعنا فكان لا بد من إبراز هذه الحالات حتى وان كانت محدودة.