أتقزَّزُ من رجل يدهُ تسبق كلمته

أتقزَّزُ من رجل يدهُ تسبق كلمته

بيان مصطفى العمر

الدنيا حقوق وواجبات .. مبنية على المسؤولية.. ومُطعَّمةً بالإحترام والتفاهم والحب والعطف والحنان والصداقة.. فإن فقدت إحدى هذه العناصر .. تحوَّلت إلى جحيم..

الفتاة.. الفتاة العربية ما زالت كبلبل مسجون في قفص قرب نافذة بيت أو بابه .. يودُّ كل من هذا وذاك أنْ تغردَّ له.. ذاك الشخص الذي يسمى بالأب ليس إلا بالسجّان.. يود من ابنته الحصول على كلّ شيء .. ولكن ما يريد هو، ليست بطموحاتها، ولا بإمنياتها..

أنْ تتفوقَ .. والأدهى من ذلك أن تكونَ الأولى على زميلاتها!.. يدعو من يحبُّ من أصدقائه .. ويرحبُّ بأهله وأقربائه .. وهي ليس لها من خيار مع أمها سوى النفخ والطبخ .. لا يهمُّ أن يكون  عطرها مستخلص من الثوم والبصل .. المهمُ إرضاء أهله وأصدقائه..

الويل لها إن لم تجلِ أكداسَ قدور وليمة البارحة .. أو صحون إخوانها متى وأين ما أكلوا .. أو لم تُنظِّف وتكنس آثار التسونامي المدمِّرة في البيت .. بدلاً من تعاون الجميع بالتساوي..

كيف تجلسُ على فيلم أو برنامج يعجبها وأسرَّة إخوانها غير مرتَّبة ؟! .. آه ! نسيتْ .. هي ليست من أصحاب الحظوات مع جهاز التحكُّم (الريموت أو الماندو).. فإذا كان الأب جالساً استحوذ على الريموت ليرى كرة القدم وصيحاته تعجُّ في أرجاء الصالة.. أو يقلِّب ليعثر على "مسلسل باب الحارة" ليجد نفسه فيه وحسرات طويلة وعريضة على أيام زمان  

وإذا اختلتِ الأمُّ ترى دموعها تذرف على "مهند ونور" تلعنُ ذلك اليوم الذي ... وإن وقع بيد الصبيان لا يسكتهم إلا "مسلسل السيمبسونز"، يضحكون من تصرفات الأب هومر الذي يذكرهم بمعلم لهم ذو كرش يصل إلى أنفه.. ويتعجبون من ذكاء البنت ليزا.. وينبسطون أو يقلدون شقاوة الابن بارت .. وهي تنتظر أن ترمى لها عظمة الريموت لحظة ما.

ثم تصل الى العمر الكافي ليقرر لها مستقبلها .. فيفتح لها باب السجن.. ليدخلها في زنزانة أخرى بالمنفردة .. وإن اعترضت فإذاً هي ابنته العاقَّة.. وما عليها إلا أن تتحرك وتسمع وتتكلم برأيه هو.. فهي كالجهاز الذي يُبَرمج لعمل شيء .. ويجب أن تنفذ الأوامر حتى لو كان الخطأ واضحاً كوضوح الشمس في وسط الصحراء في منتصف النهار.

وتفرّ من قفصٍ لتدخلَ آخر .. إن لم يكن أضيق .. فهو أقسى .. فهي تحلمُ بنومة الصباح .. لأنه عليها أن تعدّ لسيدها الفطور.. وتحضرّ له ملابسه مكوية ومرتبة .. وإذا عاد - في الساعة التي تعجبه - ولم يجد غداءه قامت القيامة ولم تقعد .. وهكذا فهي لا يحقُّ لها أن تعرف الملل ولا الكلل .. حتى المرضَ .. نحلة تكدّ بصمت .. وجنابُهُ متعب من عمل مضنٍ..

أما ذاك الشاب.. الابن الذي يسمي نفسه بالرجل يأخذ قراراته وحده، ويفرضها على غيره.. تلك القرارات الجاهلة الباطلة؛ وهو جالس يحلمُ أو يعدُّ نجوم السماء ليلاً، أو يراقب الطيور التي تطير في أعالي الغيوم نهاراً.. إن أشاروا عليه بالعمل قال: لا اجد أي عمل.. وهو يتأمَّرُ في البيت على من هو أضعف منه.. وإن تورطتَ وقلت له: ساعدْ في البيت.. فقد كفرتَ وخرجت عن الملة، ولا بدَّ بعد الخروج عن الملة.. إقامة الحد بالضرب والشتم والتأنيب .. حتى سفك الدماء.

الفتاة .. أي البنت ليست ملاكاً منزهاً هبطَ من السماء بدون أجنحة .. لها ما لها وعليها ما عليها .. كلما كانت مثقفة ومتفهمة أكثر كلما استطاعت أن تبني أسرة ناجحة .. لكنها تكره العدوانية .. تحبُّ أن تُحترم حقوقها ومشاعرها .. تتتقزز من رجل يدهُ تسبق كلمته.. تحب من يطبق (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي).. لا تحب  الإكتئاب والقلق والإنطوائية وكره الحياة..

الفتاة الناجحة تتمنى إذا اشتركَ اثنان؛ مثلاً شابٌ وشابةٌ، في الجلوس على مائدة متقابلان .. فالشاب يرى ما لا تراه الفتاة.. والشابة ترى ما لا يراه الشاب .. والحرّ تكفيه الإشارة.