البخل العربي حيث يستوجب الكرم
د. صالح بكر الطيار
رئيس مركز الدراسات العربي الأوروبي
من غرائب الأمور أننا نسمع يوميًّا عن إقدام العرب على شراء مخازن تجارية، أو عقد صفقات أسلحة، أو التبرّع لنادٍ رياضي، أو لجامعة أكاديمية.. والكلفة تصل إلى مئات ملايين الدولارات؛ لأن العربي يتفاخر بأنه كريم إلى حد التبذير، وبأنه معطاء إلى حد المبالغة. ولكن حيث يجب أن يدفع فإنه لا يتوانى عن ممارسة أشد أنواع التقتير.
وهذا الكلام ليس من باب التجنّي، بل اعتمادًا على وقائع حصلت في مواقع متعددة، وتطال ليس رجال أعمال أو شخصيات معينة، بل تطال دولاً تتمنع عن دفع التزاماتها التي من حيث المبدأ هي غير مخيّرة بشأنها.
وتكفي الإشارة إلى أن جامعة الدول العربية تصل بها الأمور أحيانًا إلى حد عدم امتلاكها في موازنتها ما يكفي لتغطية رواتب موظفيها، فيما مثيلتها المفوضية الأوروبية يحق لها التصرف بموازنة تصل الى 5 مليارات يورو. علمًا أن للجامعة دورًا تحتاجه كل الدول العربية دون استثناء، حتى وإن يكن هذا الدور ليس بحجم الطموحات، ولكنه بحجم الضرورات التي لا يمكن الاستغناء عنها.وفي إشارة أخرى هناك معهد العالم العربي الذي أُنشىء منذ عقود في باريس، والذي يمر دائمًا بحالة احتضار؛ لأن عدة دول عربية تتمنع عن دفع ما تعهدت به، لا لسبب إلاّ لأن المعهد لا يقوم بما تريده هذه الدولة، أو تلك، متناسين أن المعهد هو أهم صرح ثقافي وحضاري للتعريف بتاريخ العرب وحاضرهم دون الدخول في زواريب الخلافات الضيّقة والمحسوبيات الخاصة.. علمًا أن فرنسا تشارك بنسبة 60% من موازنة المعهد، والدول العربية مجتمعة تشارك بنسبة 40%.وفي إشارة أخرى كشف المدير العام لمنظمة العمل العربية أحمد لقمان في تقرير رفعه لاجتماع مجلس إدارة المنظمة ال 73 أن دولاً عربية لم تسدد للمنظمة مبالغ قدرت حتى مايو الجاري ب 25 مليون دولار.وعدم تسديد الاشتراكات يعني إقفال هذه المنظمة المهمة والفاعلة والنشيطة، على خلاف الكثير من المنظمات العربية التي لا دور لها سوى إصدار البيانات، أو نشر صور مسؤوليها في ترحالهم وتجوالهم.فهل ما يجري يعكس الصورة الحقيقية عن النظام العربي، أم أن ما أوردناه هو الاستثناء، وأن العالم العربي لا زال بألف خير، وسيسعى من أجل إعادة تفعيل كل ما من شأنه خدمة العمل المشترك؟! وهل يجوز أن تقوم تلك المؤسسات والمنظمات المختلفة بخدمة الكل على حساب البعض من الملتزمين بسداد حصصهم وأنصبتهم المقررة عليهم، والمملكة العربية السعودية بمؤسساتها المختلفة لأكبر دليل على احترام التزاماتها المالية تجاه تلك المؤسسات بالرغم من الظروف الاقتصادية التي عاشها الاقتصاد السعودي نتيجة ما تحملته الخزانة السعودية من أموال طائلة للدفاع عن الحقوق العربية والإسلامية المشروعة.