التدين يجتاح سورية تحت أنظار النظام
التدين يجتاح سورية تحت أنظار النظام
صحيفة السياسة الكويتية - السبت 26 كانون الثاني/ يناير 2008
دمشق - د ب أ: تحول كثير من المثقفين السوريين اليساريين في حقبة السبعينات والثمانينات الى متدينين تقليديين، وبالغ بعضهم في اظهار التدين، ربما كنوع من اعادة الاعتبار لنفسه، بعد سنوات أو عقود من الابتعاد عن الدين.
وتوجد معظم هذه الحالات في المدن الصغيرة، والريف السوري، الذي شهد في الستينيات والسبعينات من القرن الماضي قفزات سياسية ملموسة، دفعت بالشباب الريفي لتبني »الماركسية« أو »اشتراكية حزب البعث«. ومعظم أصحاب تلك الحالات هم من الأطباء والمهندسين والمدرسين، الذين وجدوا أن بيئتهم الاجتماعية لا تتحمل حالة المد اليساري، الذي كانوا يظهرونه دون تقدير للعواقب.
ومن بين النماذج، (فارس ل.) الذي يخرج من منزله كل يوم عند الفجر لأداء الصلاة في مسجد قريب، وعندما يعود يتوقع من زوجته وولديه أن يكونوا قد أنهوا صلاة الفجر واستعدوا لتلاوة القرآن الكريم، حتى ساعة مغادرة المنزل باتجاه العمل أو المدرسة.
وفارس الذي لا يؤمن بعمل المرأة خارج المنزل، يعمل موظفا حكوميا في دائرة عامة، بينما زوجته لا تعمل رغم حصولها على شهادة الحقوق.
ولكن الوضع الحالي لم يكن كذلك سابقا، اذ انه قبل 20 عاما، كان فارس يوزع وقته بين الحوارات السياسية الحارة حول »دكتاتورية البروليتاريا« و»حرية المرأة«، وبين حضور نشاطات ثقافية وفنية وموسيقية، بينما كانت زوجته ترتدي الجينز، وتدخن في الجامعة.
اما المدن الكبرى التي تحتوي على نماذج من الاتجاهين المعتدل والمتشدد، لم تخل بدورها من هذه الظاهرة، فالكاتب الصحافي والاعلامي المعروف في الأوساط الاعلامية السورية (ل.ك)، يحرص على أداء الشعائر الاسلامية دون مبالغة، ولا يتناول الكحوليات، في حين ان زميله الذي يعمل معه في المكتب نفسه، يمتنع عن حضور أي مناسبة فيها تناول للكحوليات، أو اختلاط »غير مبرر« بين السيدات والرجال.
الى ذلك، فالكحوليات في سورية لها قصة أخرى، اذ انه منذ اغلاق محافظة دمشق (بار فريدي)، آخر الحانات الواقعة وسط العاصمة قبل نحو عامين، جف قلب العاصمة من المشروبات الروحية تقريبا، ولا يستطيع السوريون الآن احتساء زجاجة من الجعة، الا في الفنادق السياحية، أو عدد من المطاعم في وسط المدينة، أو عندما يتوجهون الى الحي المسيحي الذي يحتوي على عدد من الحانات المكلفة، أو المطاعم التي تقدم المشروبات الكحولية.
كما ان المطاعم العملاقة، التي تتسع لبضعة آلاف شخص، والموجودة على الطريق المؤدي الى مطار دمشق، يحظر عليها تقديم المشروبات الكحولية.
واعتبر الروائي السوري خالد خليفة، ان حالة الاتجاه نحو التدين، يمكن أن يكون نتيجة كون »القفزة نفسها في القرن الفائت، »مفتعلة« أكثر منها أصيلة«.
أما الكاتب لؤي حسين، فرأى أن ثمة جهات تشجع على الحجاب، وفصل الجنسين، والانغلاق الديني، لافتا الى أن المؤسسات المدنية والجهات العقلانية في البلاد، عليها أن تلعب دورا يساعد على دفع الفكر التنويري، ومبادئ المساواة، الى الأمام.
من جانبها، تشجع الحكومة السورية منذ السبعينات ما تعتقد أنه »اسلام معتدل غير مسيس«، بهدف خلق قاعدة شعبية واسعة ضمن المجتمع، حتى لا تتهم بمعاداة الاسلام، حيث ساهمت في بناء المساجد التي وصل عددها حاليا الى نحو ثمانية آلاف، في كل أنحاء البلاد، كما أنشأت ما يسمى »معاهد الأسد لتحفيظ القرآن«، التي وصل عددها الى 120 معهدا في كافة المحافظات والمدن، اضافة الى معاهد عالية لتدريس علوم الدين، بلغ عددها أكثر من 22 معهدا، ويدرس بها طلاب من أكثر من 60 دولة عربية وأجنبية.
كما تعطي الحكومة أهمية لمادة التربية الدينية في المدارس، حيث ترعى وزارة الأوقاف نظاما تعليميا موازيا لنظام وزارة التربية، يسمى »التدريس الشرعي«، ويتضمن منهاجا اسلاميا كبيرا، اضافة الى مناهج الوزارة، وتشجع ايضا وجود مدارس تشريعية مقربة من أعين السلطات الرسمية، ك¯»مجمع أبي النور« و»مجمع الفتح« و»المدرسة الخزنوية« في شمال شرق البلاد، و»مدارس الشيخ احمد حسون«، المفتي الحالي للجمهورية، في حلب.
ويرى الباحثون المتخصصون السوريون، أن السبب، وراء ما يسميها البعض »الصحوة الاسلامية«، ويسميها آخرون »الردة الدينية«، هو تردي الأحوال المعيشية والبطالة، ويعتبر البعض أن اتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء، يلعب دورا أساسيا في هذا المنحى، بينما يعتقد البعض الآخر أن فشل المشروعات القومية وغياب البدائل المقنعة، فكريا وماديا، لا بد أن يلعبا دورا في ذلك.
لكن الروائي خالد خليفة، رأى أنه لابد من ربط ما يجري في سورية بالعوامل الاقليمية والدولية، وبالتقدم الذي يحققه »الاسلام الأصولي« في الساحات المجاورة، اذ اكد ان »أموالا كثيرة أغدقت، كي ينجح مثل هذا التحول في سورية والمنطقة«، مشيرا الى أن »انهيار الاتحاد السوفياتي، لعب مثل هذا الدور بالنسبة لملايين البسطاء، الذين كانوا يرون في الاشتراكية السوفياتية، دينا جديدا لهم، واذا بهذا الدين ينهار تاركا اياهم عراة«.
ويعتقد محللون سياسيون، أن انتصار »حزب الله« في حرب يوليو 2006 ضد اسرائيل، لابد وأن ينعكس أيضا في تعزيز التوجه نحو »الأسلمة«، داخل المجتمع الأقرب الى الساحة اللبنانية.