إشكالية التسامح عند فوكاياما وهنتجتون
عماد كامل عبد الصاحب
(رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب) الإمام الشافعي
(التسامح هو قوام الإنسانية لأننا كلنا خطاؤون) حسن حنفي
أصبح مفهوم التسامح واحد من أكثر المفاهيم التي يدور حولها النقاش بين المفكرين والسياسيين للإجابة على تساؤل يراود كل فرد منا هو(كيف يمكننا العيش معا في ظل التنوع والاختلاف) ويأتي التأكيد على إشاعة هذا المفهوم لان ليس لأي وجهة نظر دينية القدرة على إثبات أنها الحق المطلق وغيرها الفساد المطلق،لذا فأن أفضل ما يمكن أن يعمل به أصحاب المعتقدات المختلفة هو أن يتخلقوا بخلق التسامح، وهذه الفضيلة تنمي لدى الفرد الاعتراف بحتمية الاختلاف بين المعتقدات والأفكار،لان ليس لأحد الحق أن يجبر أحدا على اعتناق معتقد بعينه لان المعتقدات الدينية تبنى على أساس قناعات ذاتية إذ يقول جون لوك(لا يمكن لأحد أن يكيف معتقداته بما يتوافق مع ما يمليه عليه شخص أخر،لان قوة المعتقد وحيويته تقوم على أساس الاقتناع العقلي الداخلي) ذلك لان الإجبار والاعتقاد متناقضان لا يجتمعان ولا يرتفعان.
إن مفهوم التسامح يمكن الناس أن يعيشوا بسلام مع الآخر المختلف الذي يحمل عقائد وقيم مغايرة،كما انه(التسامح) يعني تحمل ما لا نرغب بسماعه وهذا السلوك يحتاج إلى كثير من الصبر والمران،وهذا ما يجعل تحقيق (التسامح) على ارض الواقع صعب المنال وخصوصا في الوقت الراهن،إذ لا نمتلك مؤهلات نفسية تمكننا من قبول الآخر المختلف.كما إن من أهم الأسباب التي تحول دون فك قيودنا النفسية والفكرية لقبول(التسامح) هو تمسكنا بمبدأ اليقينيات المسبقة تجاه أفكارنا وأخلاقنا وعدم اتخاذ مبدأ الشك لوجهات نظرنا وقناعاتنا المسبقة حيال الأفكار والأشياء،وهذا يحتم علينا الاقتناع بإمكانية أن نكون خاطئين في ما نؤمن به إذا كنا فعلا نريد التسامح مع الآخرين الذين تتناقض وجهات نظرهم مع ما نعتقد به، كما لا يمكننا أن نتجاهل صعوبة أن يطبق الإنسان مبدأ الشك على اخص معتقداته والسماح للآخرين بتهديد هويته.
وفي عالمنا المعاصر ظهرت نظريتان غربيتان حاولت كل منهما أن تضع أجوبة عن سبب غياب التسامح وإيجاد حلول كفيلة لانتشاره وقبوله كأساس من أساسيات الحياة، الأولى تتسم بروح التفاؤل وهي القراءة التي قدمها فرانسيس فوكوياما في نظريته المشهورة(نهاية التاريخ) والتي أكد من خلالها على نهاية الإيديولوجيات وانتصار الديمقراطية الليبرالية كشكل حتمي لنظام الحكم في دول العالم وهذا النوع من الحكم حسبما يرى الكاتب هو الحل النهائي والطريقة المثلى للعيش المشترك، وان الدول التي كانت قائمة على أساس الانتماء الديني أو العرقي لم تصمد أمام مفهوم الديمقراطية الليبرالية كصيغة نهائية وعادلة للحكم، وان جميع دول العالم سوف تتطور بشكل حتمي لقبول هذا الخيار الحضاري،إلا إن هذه المقولة اتسمت بطابع الإلغاء، لان مفهوم الديمقراطية كغيره من المفاهيم لا يمكن اعتباره مقولة نهائية غير قابلة للنقاش، كما إن توافق الديمقراطية الشكلية والمشروعية المكتسبة أمر مشكوك فيه ولا يمكن قبوله،ولقد رأينا أنظمة غير شرعية في نظر المعايير الديمقراطية الليبرالية إلا إنها تحضى بشرعية في نظر مواطنيها ومن الأمثلة على ذلك نظام هتلر في ألمانيا.
أما القراءة الثانية التي اقترحها صموئيل هنتنجتون في كتابه(صراع الحضارات) ذهب فيها إلى إن المرحلة المقبلة ستشهد نوع جديد من أنواع الصراع الأيديولوجي وهو ما اسماه بـ(صراع الحضارات) والحضارات التي يذكرها هنتنجتون هي الحضارة الإسلامية والكونفوشسية والهندوسية واليابانية..الخ، وكنتيجة حتمية للاختلافات الموجودة بين تلك الحضارات فأنها ستدفع السياسة الدولية إلى نوع من الصراع الأيديولوجي، وهذه المقولة انتقدت من عدة نواحي منها ما أفرزته الحرب العالمية الأولى من ادعاء كل طرف من الأطراف المتنازعة بأنها تحمي الحضارة من الهجمة البربرية من الطرف الآخر على الرغم من انتمائهم إلى حضارة واحدة،وطرح بدائل عن تلك النظرية بظريات أخر منها(حوار الحضارات) وغيرها،وعلى الرغم من الاختلاف بين النظريتين إلا إنهم يتفقون على إن لا جدوى للتسامح لان الناس في النهاية سيكونون منغلقين في إطار حضاراتهم التي تعتبر المحدد الرئيس لهويتهم.
اما راولز فقد اقترح ما اسماه بـ(قانون الشعب) والذي هو عبارة عن تجمع دولي للمجتمعات المحلية بشكل عشوائي ويكون خليط من الكيانات السياسية التي تحكمها قيم مختلفة، محاولا في قراءته الجديدة للتسامح أن يتجاوز الأزمة الفكرية التي أثارتها نظريتا فوكوياما وهنتجتون من خلال وضع مبادئ رئيسة لمجتمع التسامح بين الأفراد والشعوب ومنها أن تلتزم الدولة بقائمة محددة من الحقوق الأساسية لضمان تطبيق الحريات وخصوصا ما يتعلق منها بدعاوى المصلحة العامة، وتطبيق الإجراءات التي تكفل حصول كافة المواطنين على الوسائل التي تمكنهم من الاستخدام الفعال لحرياتهم،لذا فهو يعتقد بأن الناس إذا ارادو أن يعيشوا بسلام فأن التسامح هو الحل الأمثل للعيش المشترك.