واشنطن وإيران أقرب إلى اﻷسد
علي حسين باكير
كشف نواف الخليل، الناطق باسم حزب «الاتحاد الديمقراطي الكردي» (PYD) -الذي يعتبر النسخة السورية من حزب العمال الكردستاني المدرج على قائمة الإرهاب الأميركية والتركية- عن حصول اجتماع بين زعيم الحزب صالح مسلّم والجانب الأميركي، ممثلا بالموفد الخاص إلى سوريا دانيال روبن شتاين، وذلك في باريس لبحث «تفعيل التنسيق العسكري بين وحدات حماية الشعب الكردي والتحالف لمحاربة الإرهاب، إضافة إلى إيصال إمدادات السلاح للمقاتلين الأكراد في كوباني»، مؤكداً أنها «ليست المرة الأولى التي تحصل فيها هذه الاجتماعات وأنها بدأت حقيقة منذ عامين وكان يحضرها سفير واشنطن لدى سوريا آنذاك روبرت فورد، لكن تمّ التكتم عليها من قبل واشنطن لعدم إغضاب تركيا».
والحقيقة أن ما كشفه الخليل ليس جديدا، فقد وصلت معلومات للجانب التركي منذ فترة بأنّ واشنطن فتحت بالفعل قناة اتصال خلفية مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني (PYD)، وقد أقر السفير فورد أيضاً بهذا الموضوع في مقابلة مع الفورين بوليسي مؤخرا، والتي استعانت بوثيقة رسمية أيضاً تظهر نوع وحجم الاتصالات التي جرت مع الجانب الكردي سابقا.
ويبدو أن الهدف الحقيقي من الكشف الرسمي عن هذا الموضوع الآن، هو وضع المزيد من الضغوط على تركيا للاستجابة للمطالب الأميركية والتخلي عن المتطلبات الموضوعية التي قالت أنقرة إنه لا بد من توافرها للدخول البري في سوريا. لكن بغض النظر عن ذلك، هناك ثلاثة أمور تلفت الانتباه في هذا الإعلان:
أولا: أن تواصل الجانب الأميركي مع حزب مصنف على أنه إرهابي يعود إلى سنتين للوراء. أي أن واشنطن تواصلت مع الحزب رغم علمها بصلاته بنظام الأسد، وأنه تعاون عمليا مع النظام السوري في استلام المناطق التي انسحب منها جيشه في شمال سوريا في يوليو 2012.
ثانيا: خلال تلك الفترة قام الحزب المذكور بأعمال قمع ضد الثوّار أكرادا وعربا في المناطق التي يتواجد فيها في شمال سوريا واستخدم السلاح أيضاً لمقاتلة الأحزاب الكردية التي انضوت تحت مظلة المجلس الوطني الكردي، وقاتل أيضاً الجيش السوري الحر. ويبدو أن كل ذلك لم يمنع الجانب الأميركي من التواصل مع حزب بهذه المواصفات!
ثالثا: من المفارقات أن واشنطن رفضت في تلك الفترة تزويد الأحزاب الكردية المنضوية تحت المجلس الوطني الكردي الذي أصبح فيما بعد جزءا من المعارضة السورية بالأسلحة التي كان يطالب بها لصد اعتداءات ميليشيات الـ(PYD)، فيما تبحث اليوم تزويد الأخير بالأسلحة!
هذه المعطيات تؤكد على أن واشنطن لم تكن يوما مع الثورة السورية، وأن كل ما كان يتم إنما هو لذر الرماد في العيون وتلافيا للحرج الذي سببته الثورة لواشنطن. والحقيقة أن كل هذه الخطوات التي تقوم بها إدارة أوباما مؤخرا لا توحي بخير على الإطلاق. فقبل شهر تقريبا، نُشِرت معلومات عن تعاون غير مباشر حصل في العراق بين واشنطن وكتائب حزب الله العراقية -المصنفة أيضاً أميركيا على أنها جماعة إرهابية- في الهجوم الذي تم على مدينة أمرلي العراقية، حيث تولت واشنطن عبر طائراتها القصف من الجو، فيما تولت كتائب حزب الله العراقية وقوات من الحرس الثوري الإيراني بقيادة قاسم سليماني شخصيا التقدّم على الأرض.
واللافت للنظر أنّ كلا من حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD) وحزب الله العراقي على علاقة وثيقة مع النظامين السوري والإيراني، وهذا بدوره يعزز من النظرية القائلة إن واشنطن تنسّق فعليا على الأرض مع هذين الطرفين، وإن هذه المؤشرات تعد دليلا قويا على ذلك بغض النظر عن «الفرقات» الإعلامية التي تظهر بين الفينة والأخرى والتي يتم التأكيد فيها عن أنه لا تعاون ولا تنسيق بين واشنطن وكل من الأسد وطهران.
الغريب أن هناك من يعتقد في واشنطن وطهران أن هذه المعادلة ستجلب المنفعة المشتركة للطرفين، لكن الحقيقة أن هذه المعادلة ستجلب المزيد من الخراب والدمار للمنطقة وأهلها، وما الصفقة الأميركية-الإيرانية التي تمت في العراق سابقا وما نجم عنها من دمار إلا نموذج صغير لما ستؤول إليه الأمور في سوريا والعراق.
فكيف يتوقع أن تتم محاربة الإرهاب باستخدام ورقة الأقليات، خاصة أن بعضها كان مسؤولا بشكل مباشر (حكومة المالكي الطائفية ونظام الأسد ومن ورائهما إيران) عن خلق البيئة المناسبة لولادة «داعش»، وبعضها الآخر (حزب الاتحاد الكردستاني) كل همّها هو كيف من الممكن الاستفادة من الأحداث للانفصال تحت مسميات فيدرالية وإدارة ذاتية وغيرها من الأسامي.
وإذا كان هذا التنسيق والتعاون أو التفاهم قائما فعلا بين واشنطن وإيران والأسد، فهذا يدفعنا إلى التساؤل عن الثمن الذي سيقبضه هؤلاء نظير خدماتهم التي يقدمونها من جهة، وعن الثمن الذي سيدفعه حلفاء واشنطن في المنطقة نتيجة ذلك من جهة أخرى، وعلى من سترسو اللعبة في النهاية. على كل حال، ليس من الصعب تخمين الأجوبة عن هذه الأسئلة إذا ما بقيت الأوضاع على ما هي عليه للأسف.