بركان "ايسلاندا" يذود عن أمتنا

بركان "ايسلاندا" يذود عن أمتنا

ابتهال قدور

[email protected]

انفجر البركان في "ايسلاندا" فطرب أبناء قومي...واعتبروه عقوبة إلهية للغرب والغربيين الذين امتشقوا سيف الظلم، وأعلنوا حرباً على الإسلام والمسلمين!

ومظاهر العداء كثيرة ليس أولها دعم الكيان الصهيوني، وليس آخرها منع النقاب والمآذن!

وهذا هو حالنا، كلما حدث حادث، عدنا إلى التصنيف الاستسلامي الساذج، الذي يصنفنا شعوباً بلا حول ولا قوة تنتظر الدفاع الرباني عنها، ويصنف العالم الغربي عالماً ظالماً، سيقع عليه العقاب الإلهي ويهلكه...

إلا أن ما أصابنا بالحيرة والارتباك، وأسقط فرضياتنا، وشتت أحلامنا، هو زحف السحابة البركانية إلى الحبيبة "تركيا" ثم إلى الغالية "مصر"، ومازالت السحابة البركانية تزحف بدون أن نعلم كم من البلدان العربية ستظلل...

نتربص نحن بالظواهر المناخية والبيئية، لكي نسارع إلى التشفي، ولكي نخبئ رؤوسنا خلف فكرة كوننا الأمة المرضيّ عنها، التي سيعاقب الله كل أهل الأرض لأجلها! علما أن هذا العقاب الإلهي سيتم بدون أن يكلفنا الله أي عناء، ننام ونصبح وإذ بالقوم قد أُهلكوا!!

أولسنا مسلمين؟! أولم ننطق بالشهادتين؟! فلم إذاً لا تعاقب الأمم المحاربة لنا؟

وهذا منطق يحكم فئة غير قليلة في مجتمعاتنا، فيفوت عليها استيعاب حقيقة أن   زمن المعجزات، وزمن العقوبات الإلهية المباشرة قد انتهى، منذ أن تنزلّت رسالة "إقرأ" التي خاطبت العقول وأعلت من شأن العلوم، على رسولنا الكريم محمد عليه وعلى آله وأصحابه الصلاة والسلام ...

شاء الله مع ظهور رسالة الإسلام أن تُستَبدل المعجزات، بسنن إلهية محكمة تنسق هذا الكون، وتنظمه..

وشاء كذلك، جل وعلا أن يحكم هذا العالم من يتمكن من الإمساك بهذه السنن الإلهية..

شاء الله أن يجعل الإنسان خليفة له على الأرض، يقيم العدل وينشر الحق، ويرتقي بالبشرية، ومواصفات هذا الخليفة يجب أن تكون مشرفة تليق بالله خالق الأكوان والعوالم، و لا يدخل الضعف، ولا الاستكانة، ولا الكسل، ولا البعد عن العلوم والمعرفة، ولا الزهد في السلوك الحسن والعمل البنّاء، ضمن الصفات التي ارتضاها الله لخليفته على الأرض..

كذلك، لا يدخل في قائمة صفات "الخليفة" التناحر والتفرق والانقسام شيعاً، ولا الظلم و لا القهر ولا قمع الحريات.. ولا الغدر ولا الخيانة ولا الفساد في مختلف المجالات...

ولا يليق بخليفة الله على أرضه أن يتغاضى عن أخطائه وأمراضه ونواقصه، ويروح يتابع نواقص أقوام أخرى، معتقدا أن الله سيوقع بهم العذاب بينما يستثني نفسه من استحقاقه لهذا العذاب، لأنه شهد "أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله"!!

هي شهادة عظيمة بلا أدنى شك، ولكنها يجب أن تُوَفّى حقها، أمّا ما لم توفى حقها، فلن تكون شفيعة لنا - دنيوياً -  لكي نصبح الأفضل على الأرض، أو الأعز، أو الأكرم، ولن تكون جواز عبورنا إلى الكشف عن السنن الكونية والإمساك بها، واستخدامها من ثمة لخير ومنفعة الناس..

أمام البركان المهول يتحفز أبناء الغرب "الشرير"، لكي يكثّفوا من أبحاثهم ودراساتهم، فيطوروا بذلك الطائرات ومحركاتها، ويتمعنوا في وسائل وأساليب علميّة تؤمن سلامة المسافرين عبر الأجواء...

أمام البركان العظيم يقرأ الغرب الشرير نقاط ضعفه، ويراجع مراكز القصور في صناعته للطيران، ويحاول إعادة النظر فيها لكي تكون أكثر مقاومة لمخاطر السحاب البركاني...

أمام البركان الثائر، يحصر الغرب الظالم خسائره المادية والمعنوية، ويبحث عن وسائل لتعويض تلك الخسائر...وتُراجع شركات التأمين بنودها التي لم تراع حق المسافر في حالات كهذه..!

أمام البركان المفزع...تراجع وزارات الدفاع طائراتها الحربية، وقوتها الدفاعية والهجومية، وتعيد النظر في إمكانية مقاومتها للغبار البركاني...وتسيّر طائرات تجارب يقودها طيارون قدموا أنفسهم للمخاطرة في سبيل إعلاء العِلم...

وهكذا... تشكل الأزمات والكوارث لدى "الغرب" فرصة للبحث والتطوير، وحافزاً لاستخدام القدرات البشرية في أقصى درجاتها وأرقى مرتباتها...بدون أن يدرك وندرك، أنه يقترب أكثر منا من مهام ومواصفات "الخليفة" على الأرض...

نعم أكثر منا، نحن الذين نكتفي أمام الأزمات بالحوقلة لأن "إيماننا قوي"، ونلجأ أمام الكوارث إلى الاستجارة من الأعظم الذي يقربنا من اليوم الآخر لأن "أفقنا واسع" ونحيط علماً بعلامات اقتراب الساعة...  

وها نحن أمام البركان الرهيب...نكتفي بأن نتابع هذه السحابة، في لحظات صحونا، آملين أن تشملنا بعطفها، وتتجنب المرور عبر فضاءاتنا، ثم ندعو بخشوع واستكانة لكي يجعلها الله آية للكافرين، وعقاباً رادعاً لهم على ما تقترفه أيديهم في حقنا...