الإمام يفتي والدولة تقر
أحمد النعيمي
منذ مدة فاجأنا مفتي سوريا بفتوى يحرم بها جميع أنواع الدخان ويحرم بيع منتجاته وشرائها ويحرم تأجير المحلات لمن يبيعها ، في وقت كنا نتوق به إلى صدور مثل هذه الفتوى من عالم من علمائنا الأجلاء – حفظهم الله – منذ زمن بعيد ، وخصوصاً أن علمائنا – قدس الله سرهم – أخذوا على أنفسهم نصح الحاكم خلاوي ، حتى وإن كان بينهم وبين الحاكم ألف سد وسد ، أو حتى إن قضوا سنوات عمرهم في انتظار خلوهم بهم ، وتناسوا حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بأن سيد الشهداء حمزة ورجل قام لحاكم ظالم فقال له إنك ظالم فقتله ، فأسر أفئدتنا وأراح ضمائرنا ، وحقق حلماً كنا كثيراً ما نترقبه حتى وإن كان هذا قد حصل في سوريا فلا بأس به ، فإذا حلق جارك فلتبل لحيتك فالدور قريب ، وما هذا الشوق والحنين لمثل تلك الفتوى إلا لأن المدخنين قد أفسدوا علينا حياتنا ونغصوا علينا سهراتنا ، وحرمونا من الخروج إلى أي مكان إلا للضرورة ، كان الله بعون زوجة المدخن وأولاده وأهل بيته .
وبموجب فتوى سماحة الشيخ أحمد حسون قامت الحكومة السورية بتطبيق قرار يُمنع فيه التدخين في الأماكن العامة يوم الأربعاء الماضي ، وذلك بعد أن أقر القرار منذ ستة أشهر ، وأُعدت أماكن خاصة للتدخين في الدوائر الرسمية والمطاعم ، وهذا أمر جيد أن تقوم به حكومة عربية ، وإن كان الأصل بها لو كانت جادة بهذا الأمر أن تمنع التدخين بشكل رسمي وتغلق مصانع الدخان ، وتبدأ بوزرائها المدخنين أولاً ، وخصوصاً أن مفتيهم أفتى بحرمته ، وجرّم بيعه وشرائه ، فما الفائدة في أن نمنع التدخين في الأماكن العامة ، ونحن لا نستطيع أن نمنع أقاربنا وأصدقائنا المدخنين من زيارتنا فيعملوا على إزعاجنا بدخانهم رغماً عنا شئنا هذا أما أبينا ، كان الله بعوننا إضافة إلى عائلة أي مدخن !؟
وإذا كان الضرر الذي يحدثه الدخان كبيراً ، سواءً كان الشخص مدخناً أم معتداً عليه بشم ما ينفثه المدخن من دخان بالرغم عن أنفه ، فليس هناك ضرر أكبر من الأثر التدميري الذي تحدثه الأفكار الهدامة الكاذبة ، والتي تبث لنا ليل نهار ، من خلال الندوات والأفلام والمسلسلات ، الداعية إلى إفساد المجتمع وتدمير الأسرة والأخذ بيد المرأة نحو الإباحية والانحلالية باسم دعوى تحرير المرأة الزائف ، وتميع الشاب المسلم وتدميره أخلاقيا وفكرياً ، مما كان لها الدور الكبير في إفساد شريحة كبيرة من المجتمع ، ففي بداية القرن الماضي كان المجتمع الإسلامي ملتزماً ومحافظاً ، وكان من الشاذ أن ترى امرأة تخرج سافرة مائلة مميلة ، بينما في وقتنا من النادر أن ترى امرأة محجبة ، وفي السابق كذلك كان من المحرمات بل من الموبقات أن يتحدث الرجل إلى امرأة غريبة عنه بدون علاقة شرعية تجمع بينهما ، بينما اليوم أصبح المنبوذ من لا يكون له صديقة ، والمنبوذة من لا يكون لها بوي فرند ، وخصوصاً في المجتمع الجامعي والمؤسسات ، وما تدعو إليه المسلسلات التركية المدبلجة باللهجة السورية أدهى وأمر وأبشع وأسوء ، فإن كان الكثير منا قد طبّق في نفسه وأهله ما دعت إليه حكوماتنا من أفكار – إلا ما رحم ربك – فالقادم أدهى .
وبما أن قداسة الإمام الأعظم قد فتح على نفسه باباً ذكرنا بهم من جديد كانت هذه الكلمات ، قداسة المفتي : أليست هذه الموبقات أشد فتكاً بالمجتمع وتدميراً للأخلاق أكثر مما تفعله سيجارة !؟ أليس تدمير المجتمع فكرياً وإفساده أخلاقياً أشد خطراً لكي يحاربه علمائنا !؟ لا كما أفتى الشيخ اللحيدان السنة الماضية بأن أصحاب القنوات الفضائية التي تسعى إلى إفساد عقيدة وأخلاق المجتمع هم في حكم المفسدون في الأرض ويجب قتلهم ، ولم يمر على فتواه الليل إلا وعاد عنها ، صاغراً ذليلاً مهاناً ، وليته ما نطق بما نطق ، أليس حرياً بنا أن نأمرها بإيقاف هذا الكم الهائل من هذه الندوات والأفلام والمسلسلات المدبلجة وغيرها !؟ أليس حرياً بنا أن نطالب بمنع الممثلين – عديمي الشرف – من إفساد أخلاق المجتمع ، قد يستثقل الكثير كلمة ديوث ، ولكن مهلاً : أليس من يسمح لزوجته أو أمه أو أخته أو ابنته بأن تمثل أدوارا تمثيلية سواءً كانت زوجة أو أماً أو أياً كان دورها ، بان تمثل في غرف النوم شبة عارية وتتبادل أحاديث الغرام والهيام مع زوجها – في التمثيل طبعاً – وترتمي بأحضانه ، متقنة دورها المناط بها في غرف النوم أو غيرها ، أو أن يقبل يدها ابنها – في التمثيل كذلك – أو أو .. أليس أمراً مثل هذا يعتبر دياثة ، ومن يسمح لهن بهذا فاقد للشرف !؟ أم هناك وجهة نظر أخرى غير تلك !؟ ثم بعد كل هذا نزعم أن هذه المسلسلات تدعو إلى الأخلاق ، والذين يمثلون المسلسلات التاريخية والقديمة هم أنفسهم من يمثل أو يشارك في المسلسلات الأخرى التافهة سواء السورية أو التركية المدبلجة ، ثم بعد كل هذا نتشدق بأنهم يدعوننا إلى الأخلاق ، فكيف لمثلنا أن يأخذ أخلاقه من ديوث !؟ أم خلا تاريخنا من الأخلاق حتى لم يعد باستطاعتنا أن نأخذها إلا من هؤلاء !؟ أليس حرياً بك – قداسة الإمام الأعظم – أن تأمر حكومتك بإغلاق أوكار الدعارة ، الذين جعلوا منها على مستوى خمس نجوم ، وهو نفس حال كثيرِ من البلاد العربية !؟ أليس حرياً بنا أن نحارب الرشوة التي دمرت دوائرنا الرسمية من أولها إلى أخرها !؟ في المطارات وفي الحدود وفي الدوائر الأمنية وكل مرافق الدولة ، حتى أن الواحد منا لا يستطيع أن يقوم بأي معاملة إلا بعد أن يدفع وبالإجبار والإكراه وإلا فإن معاملتك لن ترى النور أبدا ، أليس حرياً بنا أن نهاجم تحكم حكامنا وأولادهم بكل خزائن الدولة ونهب خيرات البلاد ، واستعباد العباد ، وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً !؟ ألم يئن الوقت لنقول للظالم يا ظالم ، وللمفسد يا مفسد ، أم أن نصحكم له خلاوي قد أعطى أية نتيجة !؟
قداسة المفتي : بربك لو قامت الآن هذه الحرب التي لازال يُطبل لها منذ أن وجد هذا النظام وإلى تلك اللحظة ، فما تفعله حكومة بشعبها ما تفعله حكومتك لن يجد اليهود بديلاً عنها ولن يجد أفضل منها ، فهل سيكونون من الجنون بمكان حتى يقدموا على عمل كهذا ، فليكن لهؤلاء شعاراتهم ، وليصنعوا أبطالاً بالكلام ، ليس مهماً ، ورغم أنني اشك بقيام هذه الحرب إلا أنني سأعيد عليك سؤالي : لو قامت هذه الحرب بأي رجال سيقاتل هؤلاء !؟ أيقاتلون بضباطهم السكارى ليل نهار !؟ أم يقاتلون بأشباه الرجال الذين ربتهم السافرات المائلات المميلات !؟ بربك أهذه الدولة التي تحارب الشرفاء وتقمع الحريات وتكتم الأنفاس ، تنشر الفساد وتشجع الدعارة ، دولة ممانعة ومقاومة !؟ تخيل – قداسة المفتي – أن يعتقل شخص لأنه لم يدافع عن زوجة الرئيس ، لأنها اتهمت بالسفور !؟ وحتى لو أراد أن يدافع عنها ، فماذا سيقول بحق امرأة تكشف سوءتها كلما زارت دول مجاورة ، عندما يقوم الهواء برفع ملابسها القصيرة !؟ ثم تخيل كذلك أن تعتقل طالبة ، وليته كان طالباً ، لأنها مقتنعة بما يقوله أهل السلف !؟ بربك – قداسة الإمام الأعظم – أمثل هذه الدولة الظالمة الغاشمة التي ينخرها الفساد من رأسها حتى أخمص قدميها مهيئة لان تحمل السلاح ضد يهود !؟ ومن سيقف معها إذا كان الشعب عدوها الأول ، عجبي – قداسة الإمام الأعظم – أي محل ترتقي !؟
قداسة الإمام الأعظم : إذا كنت تعلم أنك لن تتمكن من أن تقول الحق فضلاً عن أن تمارسه فمن الأفضل لك أن تترك ما آنت فيه ، أنت وأمثالك من علماء السلطان ، بدل أن تكون جسراً من جسور جهنم ، لأن كل مشارك في هذه الأوزار أو كل من يستطيع أن يغير ثم يسكت فسوف يُسأل ، بل سوف يُحاسب حساباً يسيراً على سكوته ومشاركته في هذه الجرائم ، ومن العار أن يجعلنا وجودنا في المكان الخطأ كأهل الكتاب نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض ، نقر من شرائع الإسلام ما يرتضيه لنا حكامنا ونلقي بما يزعجهم خلف ظهورنا : " وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ ، ثُمَّ أَنتُمْ هَـؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ " البقرة 84- 85 ، فاختر لنفسك فإما أن تفسد دنياك وترضي ربك ، وإما أن تفسد آخرتك وتغضب ربك ، قبل أن يأتي يوم لن يفيد الندم ، ولن تفيد فيه العودة فإنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون .