أسلمنا و لما نؤمن بعد

أسلمنا و لما نؤمن بعد !!!...

لبنى شرف / الأردن

[email protected]

كثيرا ما تستوقفني تلك المفارقة العجيبة التي بيننا وبين الصحابة الكرام ، فقد ضرب الصحابة أروع الأمثال والصور المشرقة في طاعة الله ورسوله ، وفي حب الله ورسوله ، وفي قوة اليقين ، وصدق التوكل ، والرضا بقضاء الله ، وفي صدق الأخوة ، والإيثار ، والبذل والعطاء ، وفي المروءة ، لقد كانوا بحق مجتمعا فريدا من نوعه لم يتكرر .

فمن الأمثلة التي ضربوها في الأخوة والإيثار : أنه أهدي إلى رجل من الصحابة رأس شاة ، فقال : إن أخي أحوج إليه مني ، فبعث به إلى رجل ، فبعث به ذلك إلى آخر ، حتى تداولته سبع أبيات ، فرجع إلى الأول .

وفي معركة اليرموك ، أتي عكرمة بن أبي جهل بالماء ، فنظر إلى سهيل بن عمرو ينظر إليه ، فقال لحامل الماء : ابدأ بهذا ، ونظر سهيل إلى الحارث ينظر إليه ، فقال : ابدأ بهذا ، وكل منهم يؤثر الآخر على نفسه بالشربة ، فماتوا كلهم قبل أن يشربوا ، فمر بهم خالد بن الوليد فقال : بنفسي أنتم .

وفي السخاء والبذل والعطاء والمروءة ، قال عروة : رأيت عائشة – رضي الله عنها – تقسم سبعين ألفا ، وهي ترقع درعها . وقيل : كان لعثمان على طلحة – رضي الله عنهما – خمسون ألف درهم ، فخرج إلى المسجد ، فقال له طلحة : قد تهيأ مالك فاقبضه ، فقال : هو لك يا أبا محمد معونة على مروءتك .

وفي الرضا بقضاء الله ، قال ابن عمر – رضي الله عنهما - : إن الرجل يستخير الله فيختار له ، فيسخط ، فلا يلبث أن ينظر في العاقبة ، فإذا هو قد خير له . ونظر علي بن أبي طالب –رضي الله عنه – إلى عدي بن حاتم كئيبا ، فقال : يا عدي ، مالي أراك كئيبا حزينا ؟ فقال : وما يمنعني ، فقد قتل ابناي ، وفقئت عيني . فقال : يا عدي ، من رضي بقضاء الله جرى عليه وكان له أجر ، ومن لم يرض بقضاء الله جرى عليه وحبط عمله . ودخل أبو الدرداء – رضي الله عنه – على رجل وهو يموت وهو يحمد الله تعالى ، فقال أبو الدرداء : أصبت ، إن الله عز وجل إذا قضى قضاء أحب أن يرضى به .

هذه أمثلة بسيطة ، وغيض من فيض ، ومن أراد المزيد فعليه بقراءة الكتب ، فسيجد نماذج فريدة وراقية جدا .

لننتقل الآن إلى الصورة المقابلة ، ولنر حالنا – نحن المسلمين – اليوم ، كيف حلت فينا الأثرة ، وكيف ضعف إيماننا فضعف يقيننا ، فنحن لا نتوكل على ربنا حق التوكل ، والتوكل كما قال سعيد بن جبير : جماع الإيمان . ولا نرضى بما قسم الله لنا ، والنبي – عليه الصلاة والسلام - يقول :" لكل شيئ حقيقة ، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه " .

ثم إننا قد انتشرت فينا دعوى الجاهلية ، فأصبحنا ننادي إلى التفاخر بالأحساب والأنساب ، قال عليه السلام :" ثلاث من عمل أهل الجاهلية ، لا يتركهن أهل الإسلام : النياحة ، والاستسقاء بالأنواء ، وكذا . قلت لسعيد : وما هو ؟ قال : دعوى الجاهلية : يا آل فلان ، يا آل فلان ، يا آل فلان " .

وأصبح المسلم لا يهتم بأمر أخيه المسلم ، بل انتشرت فينا القبلية والعنصرية والقومية . يقول عليه السلام :" المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ، يألم المؤمن لما يصيب أهل الإيمان ، كما يألم الرأس لما يصيب الجسد " ، ويقول :" المسلمون كرجل واحد ، إن اشتكى عينه اشتكى كله ، وإن اشتكى رأسه اشتكى كله " .

وأصبحنا نوالي ونعادي ونخاصم وننافس في أمور الدنيا ولأجل الدنيا . قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لأبي ذر:" أي عرى الإيمان – أظنه قال – أوثق ؟ " قال : الله ورسوله أعلم . قال :" الموالاة في الله والمعاداة في الله ، والحب في الله ، والبغض في الله " .

أنا  لست  أخاصم  للدنيا        دنياكم   ليست  تغريني

أنا لي هدف أسمى أعلى        نفسي لا ترضى بالدون

 قال الحسن البصري : من نافسك في دينك فنافسه ، ومن نافسك في دنياك فألقها في نحره . وقال : والله لقد أدركت أقواما كانت الدنيا أهون عليهم من التراب الذي تمشون عليه ، ما يبالون أشرقت الدنيا أم غربت ، ذهبت إلى ذا أو ذهبت إلى ذا . وقال : المؤمن في الدنيا كالغريب ، لا يجزع من ذلها ، ولا ينافس في عزها ، له شأن وللناس شأن . ويقول سيد قطب – يرحمه الله - : إن التنافس في أمر الآخرة يرفع بأرواح المتنافسين جميعا ، بينما التنافس في أمر الدنيا ينحط بهم جميعا . والسعي لنعيم الآخرة يصلح الأرض ويعمرها ويطهرها للجميع ، والسعي لعرض الدنيا يدع الأرض مستنقعا وبيئا تأكل فيه الديدان بعضها بعضا . وقيل : الدنيا لا تساوي نقل أقدامك إليها ، فكيف تعدو خلفها ؟! .

أيها المسلمون ، إن رسول الله –عليه السلام – يقول :" ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان : من عبد الله وحده ، وأنه لا إله إلا الله ، وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه ، رافدة عليه كل عام ، ولا يعطي الهرمة ، ولا الدرنة ، ولا المريضة ، ولا الشرط : اللئيمة ، ولكن من وسط أموالكم ، فإن الله لم يسألكم خيره ، ولم يأمركم بشره " ، وقال :" ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان وطعمه : أن يكون الله – عز وجل – ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب في الله ويبغض في الله ، وأن توقد نار عظيمة فيقع فيها ، أحب إليه من أن يشرك بالله شيئا " ، وقال :" من سره أن يجد طعم الإيمان فليحب المرء لا يحبه إلا لله – عز وجل – " . فهل وجدنا نحن طعم الإيمان وحلاوته ؟ هل نحن نعطي زكاة أموالنا عن طيب نفس ومن أجود ما آتانا الله ، أم نخرج الرديئ ؟ وهل نحن نحب الله ورسوله أكثر مما سواهما ، أم أننا نؤثر هوى أنفسنا على ما جاء به الشرع الحنيف ؟ وهل يحب بعضنا البعض ، ويؤاخي بعضنا البعض في الله ولله ، أم لأجل مصالحنا الذاتية ومنافعنا الدنيوية ؟ .

هذا عدا عن أن الإيمان يحتاج إلى تجديد ، فالرسول عليه السلام يقول :" إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب ، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم " . فهل نحن نحرص على تجديد الإيمان كما كان الصحابة يفعلون ؟ فقد كام أحدهم يقول لصاحبه : اجلس أو تعال بنا نؤمن ساعة .

بعد هذا التطواف ، أخرج بنتيجة ، ولكم أن تخالفوني فيها ، وهو يبدو أيها الإخوة ، أننا أسلمنا ، ولكننا ... لما نؤمن بعد!!.