بورصة الدعاة الفضائيين الجدد
بورصة الدعاة الفضائيين الجدد ,
المضمون والملامح
أحمد الفلو*
بالرغم من النمو السريع لوسائل الإعلام في العالم العربي والتوسع في انتشار التقنية الحديثة و الفضائيات والانترنت و الذي ترافق مع الانفكاك عن المؤسسات الرسمية والحكومية إلاّ أن ذلك الحيز من التحرر يتم الآن استخدامه بشكل سيء ورديء وبأساليب لا تنبيء بخير قادم على الأجيال العربية وعلى عقول الناشئة .
ومن الملاحَظ أن ذلك الانتشار الوبائي والمفزع لقنوات الانحلال الأخلاقي وتلقين الشباب فنون المجون والخلاعة والانحطاط , يقابله أيضاً وبالتوازي انتشار القنوات الدينية الإسلامية وحتى التنصيرية , فأما التنصيرية منها فهي من المؤكد أنها تحمل أهدافاً وغايات لاشك أنها تتسق تماماً مع أهداف الهجمة الاستعمارية الصهيونية ضد الأمة العربية وعلى رأس هذه الأهداف التحريض على الطائفية وإشعال نيران الفتنة بين المسلمين والنصارى في عالمنا العربي وليس أدل على ذلك من سكوت هذه القنوات عن الجرائم الإسرائيلية والتنكيل بحق النصارى الفلسطينيين والاعتداءات المتكررة على المقدسات المسيحية وفي ذات الوقت تقوم هذه القنوات بإذكاء روح الحقد على الإسلام والمسلمين , علماً بأن العدو الحقيقي للمسيحية هي الصهيونية وليس الإسلام .
أما القنوات التي يطلق عليها إسلامية أو دعوية وكذلك القنوات التي تتضمن برامجها الكثير من البرامج الدينية فإننا يمكن أن نسجل عليها الكثير من المآخذ والهنّات دون أن ننسى أن فيها جوانب مشرقة, إلاّ أن تلك المآخذ عليها تكاد تمحو جٌلَّ ما أتت فيه من الخير , ومن هذه المآخذ أننا بدأنا نرى كثرة أدعياء الإسلام وقلة دعاة الإسلام و أصبحت الدعوة مهنة يحترفها أشخاص مشكوك أصلاً في مآربهم حيث يمكن تصنيفهم بكل بساطة ما بين باحث عن الشهرة والنجومية والظهور الإعلامي أو باحث عن المال والثروة خاصة وأن الفضائيات الخليجية تدفع لهم بسخاء وربما بلغت أجرة الفيديو كليب الدعوي لبعضهم ما يزيد عن خمسين ألف دولار للحلقة الواحدة , أما القسم الآخر منهم فإن لديهم ارتباط وثيق بمخططات الدول المعادية للإسلام والتي أدرجت أمثال هؤلاء ضمن جهود مكافحة الإرهاب والتشدد الإسلامي ومواجهة الإسلام الجهادي حيث يقدم هؤلاء الأدعياء بتقديم الإسلام المعتدل أو الإسلام البورجوازي المتصالح مع التوجهات الصهيونية الأمريكية في العالم الإسلامي عموماً.
إن أهم خصائص و ملامح ما يسمى البرامج الدعوية في سوق البورصة الفضائية يمكن أن تتلخص في الآتي :
أولاً-- جهل هؤلاء الأدعياء المطبق بالفقه الإسلامي وأصول الدين و تعمدهم الخوض فيما لا يعلمون ويمكن أن لا يتعدى معرفة أحدهم بالإسلام أكثر من قراءة بعض الكتب البسيطة على غرار تعلم الفرنسية في ثلاثة أيام , رغم أنه قد تم تأهيل بعضهم علمياً في الجامعات الغربية عن طريق المنح الجامعية من قبل الجهات التي تقف وراءهم ليكونوا مناسبين للمهام التي أناطتها بهم تلك الجهات المعادية للإسلام , واكتفت ثلة من هؤلاء بالبقاء في دائرة التعريف العام لدين الإسلام مع إعادة صياغة هذه المعلومات بإسلوب ميلودرامي جاذب لجماهير البسطاء من المسلمين , ونشير أيضاً إلى فئة من هؤلاء الأدعياء تحاول إبهار عقول الناس عن طريق ما يُسمى بالإعجاز العلمي يتم من خلاله فرض حالة من التطابق القسري بين حقائق الكون المذكورة في القرآن وبين النظريات العلمية الحديثة والتي قد تصيب وقد تخطيء , و هؤلاء بمنهجهم هذا يريدون أن يضفوا نوعاً من الهالة المقدسة على أنفسهم بدعوى أنهم اكتشفوا هذا التطابق العجيب بفعل عبقريتهم النادرة بينما حقيقة الإسلام هي أن نؤمن بالحقائق القرآنية كما هي سواء تطابقت أم لم تتطابق مع النظريات العلمية لسبب بسيط هو أن القرآن حقيقة مطلقة بينما النظرية العلمية خاضعة للنقاش والخطأ والصواب .
ثانياً-- من المؤكد أن تعامل مشايخ (النيولوك) الجدد مع الدعوة إلى الإسلام هو نوع من الصفقات أو الأعمال التي تجلب مالاً وهي مجال جديد في دنيا الأعمال (البزنس) الذي يدر ربحاً برأسمال غير مكلف سوى بدلة جديدة مع طاولة وكرسي وكاميرا فيديو وبعض الجمهور ولا مانع من استخدام مساحيق التجميل (الماكياج) لوجه الداعية والأهم من كل ذلك اجتياز دورة في علم التأثير الجماهيري وفهم الخريطة الذهنية بهدف إقناع الناس بشخصية الشيخ أولاً ثم بما يقوله ثانياً والشيء الوحيد المفقود في هذه التركيبة العجيبة هو الإسلام , ولنا أن نتصور ما كانت ستؤول إليه أحوال المسلمين لو أن الصحابة الكرام والتابعين والدعاة والأئمة لو أنهم كانوا يتعاملون مع الدعوة الإسلامية بعقلية رجال الأعمال والتجار , وهل كان الاسلام قد وصل إلينا ؟, هل يمكن فعلاً أن يكون العمل الدعوي ناجحاً لو أنه كان تجارياً كما هو حاله اليوم مع شيوخ الفضائيات الجدد؟ و المثير للتعجب أن تجد أحد هؤلاء يطلب المبالغ الخيالية ثمناً للفيديو كليب الذي يمكن اعتبار محتواه تافهاً ومعتمداً على التلاعب بنبرات الصوت أو التباكي المفتعل أو رواية قصص سمعها معظمنا في المرحلة الابتدائية أو من الوالدين في البيت , والمصيبة بعد كل هذا أن هؤلاء الأدعياء يجدون فضائيات تدفع لهم أعلى الأسعار ثمناً لتلك الترهات التي يضحكون فيها على عقول البسطاء و يستدرون عواطف النساء , ونحن في هذا المجال نعتبر أنه لا بد من إيجاد دور فاعل للمنظمات الدعوية التي تتبنى الدعاة المخلصين ودعمهم علمياً ومالياً و بعيداً عن التعامل التجاري في مضمار الدعوة إلى الإسلام .
ثالثاً-تمييع اللغة العربية والاستخفاف بها بحجة التقرب من الناس وتسهيل إيصال الأفكار للجمهور حيث يتحدث هؤلاء العامية المقززة خلال محاضرات وذلك ربما يعود إلى سببين هما الجهل باللغة العربية وهذه مصيبة المصائب أن يتحدث بالدين من يجهل لغة الدين أما السبب الآخر فهو السعي الى تمصير المسلمين بدلاً من أسلمتهم , وقد قامت الأفلام والمسلسلات بهذا الدور لسنوات طويلة قد خلت , حيث يتم لَيّ عنق العربية لتناسب أمزجة الناس بدلاً من تعويد الناس على استخدام العربية , بل وصل الأمر إلى أن شيوخاً معممين يقرأون القرآن الكريم بالعامية , والعربية هي لغة الإسلام والقرآن ولغة أهل الجنة , والعامية ليست من العربية في شيء بل إن العامية من أهم وسائل الحرب على اللغة العربية .
رابعاً- وفي أفضل حالات السوق الدعوي ينعدم وجود نهج دعوي هادف و مدروس يؤدي إلى إيجاد وعي إسلامي أممي سليم وواضح ومتفاعل مع قضايا الأمة ومدرك للمخاطر المحيطة بمجتمعاتنا سواء من جهة التغلغل الصهيوني واختراقه للثقافة والفكر أو من حيث مواجهة ثقافة التطبيع مع العدو الصهيوني أو انتشار المخدرات وشبكات الدعارة والأيدز خاصة في الدول التي تقيم علاقات طبيعية مع العدو الإسرائيلي , وكيف يمكن القيام بتلك المهام الكبيرة والنبيلة لخدمة الأمة بوجود تلك السيطرة المحكمة لمشايخ(النيولوك) الأدعياء والذين يقومون بتسطيح المفاهيم وصياغة توجهات الناس بأشكال قشرية فارغة وبدون مضمون و تركيزهم على التدين الفردي المنغلق والذي في أحسن حالاته من الوعي الجمعي لا يتجاوز إنجاز نسخة معرَّبة لعبة(المونوبولي ) واعتبارها نوعاً من صناعة حياة الأمة , ومن ضروب السخرية أيضاً أن يقوم أدعياء الفضائيات هؤلاء بشرح فوائد أكل الشعير أو فوائد العسل أو الافتاء بضرورة التطبيع مع اسرائيل أو حصول أحد هؤلاء الدعاة على خدمة الذكروالدعاء بصوته في الهاتف الجوال في فلسطين مقابل دولارين ,بل إن أخدهم يدرس أبنائه في مدرسة تنصيرية بينما الآخر على علاقة بصحفية يهودية تروج له أفكاره النيٍّرة ,بل إنه يعلن على الملأ بكل فخر أنه مستعد لمصافحة ستيفي ليفني بمناسبة نحرها لرقاب الأطفال الفلسطينيين إنهم يتاجرون حتى في زمن المأساة في الوقت الذي يعاني فيه الشعب الفلسطيني من التجويع والقتل اليومي على أيدي الصهاينة بالتعاون مع محمود عباس ومساندة من النظام في مصر لم نسمع من هؤلاء الأدعياء كلمة حق واحدة بحق المجرمين , أيها الأدعياء لقد سبقكم مبعوث الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في فلسطين جون دوغارد إلى قول الحق .
إن الدين ليس من عروض التجارة وهؤلاء يريدون العودة بنا إلى عصور الظلام في أوروبا تشبهاً برجال الكنيسة الذين كانوا يبيعون صكوك الغفران ومعها صكوك تملك أراضي الجنة , ودعاة النيولوك الفضائيون يريدون إعادة تسويق الإسلام بمتاجرة دنيئة لا يقبلها الشرع ويرفضها عقلاء المسلمين , ولابد من حملة دعوية صادقة يقودها علماء مخلصون يظهرون على الفضائيات وينطقون باللغة العربية ويكون هدفهم الوحيد هو الدعوة الصادقة لدين الله وابتغاء وجه الله الكريم.
* كاتب فلسطيني