التمادي بانتهاك الخصوصية
يستدعي الاتفاق على ميثاق أخلاقي ملزم
محمود خلوف
صحفي وطالب دكتوراه إعلام
كثيرا ما عانينا في الماضي كإعلاميين من الرقابة الذاتية ومن مقص الرقيب، وقد أثر ذلك سلبيا على مستوى التغطية الصحفية وعمقها في أمور كثيرة، ومع الانتشار السريع لصحافة الانترنت بين مختلف شعوب المعمورة تلاشت القيود المفروضة على الإعلام إلى حد كبير.
وعلى الرغم من الطفرات الإيجابية المميزة التي حدثت على صعيد تدفق المعلومات وهامش الحرية، إلا أن هنالك معضلة لا تقل خطورة عن حجب المعلومات ومقص الرقيب، ألا وهي التشهير والمس بخصوصية الأفراد عامة كانوا أو مسؤولين.
وكنت أمس الأول أتحدث وعدد من الأصدقاء من أحد السياسيين، الذي أثبت لنا بأنه ضحية لأقلام سامة...وبات واضحا بأن هنالك من يتجرأون ويتمادون في التعدي على خصوصيات الناس ويستسهلون التشهير مستغلين الامكانات الضخمة جدا التي تتيحها الصحافة الالكترونية، ما يتطلب من القائمين على المواقع الالكترونية صحفية كانت أو مدونات، أو مواقع عامة، أو مواقع دردشة التعامل بنوع من الحزم مع الأمور.
لم أكن بيوم من الأيام داعيا لممارسة الرقابة، ولكن بات واضحا بأن الأمور زادت عن حدها، ما يتطلب ممارسة المسؤولية الاجتماعية، ومراعاة عدم انتهاك القانون.
وأذّكر هنا بأن الدستور الأميركي الذي يعتبر من أهم الدساتير في العالم، ومن أكثرها وضوحا في موضوع الحريات وفي مقدمتها حرية التعبير، لم يتهاون مع التشهير، بل أنه اعتبر الضرر الذي يلحق بسمعة أي شخص لا يعوض بقيمة مادية مهما كانت مرتفعة.
أدرك بأن هنالك منافسة بين البشر ومنافسة بين الأحزاب، ولكن من الخطيئة بأن يتم تجاوز العرف في النقد والكلام وتوجيه الانتقاد للغير...الانسان يبقى إنسانا لديه كرامه، وله حقوق حتى لو كان مسؤولا.
صحيح أن الشخصية العامة عرضة للنقد، ولكن هذا النقد يفترض، بل يجب أن يبقى مسؤولا، ويراعى فيه مخافة الله أولا ومصلحة البلد وأهلها ثانيا.
وفي موضوع يتعلق بالقضية الفلسطينية على سبيل المثال، مارست المواقع الصحفية الالكترونية دورا سلبيا وواضحا في أمور عدة منها الاقتتال المسلح في غزة والأحداث المؤسفة التي سبقت انقلاب حماس، ...وللأسف تواصل بعض المواقع نهج التشهير والقذف بحق الخصم السياسي...حتى أن البعض من ذات الفصيل ينتهزون الاعلام والمواقع الصحفية للهجوم على المنافسين سواء بأسماء صريحة أو مستعارة، وهذا يفترض أن يكون دافعا للمراجعة والتقييم، لان صحافة الانترنت هي مكسب وطني وقومي وعالمي، ولكن إن أحسن استخدامها، وإن روعي عند الكتابة والنقد الأصول المهنية والأخلاقية.
لقد حللت مضمون سبعة مواقع الكترونية فلسطينية ضمن دراسة علمية أقوم بها حول قضية تأجيل مناقشة تقرير جولدستون في مجلس حقوق الانسان في الثاني من أكتوبر 2009م، ...وبعد أن مر التقرير في جلسة لاحقة، واتضحت الأمور جيدا، وفي ضوء ما توصلت إليه من نتائج يصاب الانسان بالحزن، بل الصدمة نتيجة "الانفلات" من قبل بعض الكتاب والنقاد.
ليس من حقنا دائما ككتاب بأن نمارس دور العرّاف ونقيس الأمور بالشكل الذي نستهويه...ونهاجم من نشاء، لأن الكلام كالرصاص قد يسبب فتنة وإضطراب وسفك دماء...
إن النقد إن خرج عن أصول الكلام والمنطق وإن لم يبن على معلومات موثقة وصحيحة لا يبقى نقدا، بل جزما يصبح تشهيرا...وهذا للأسف ما يقع به عدد كبير من كتاب المقالات، ومن الهواة، ومن مرتادي المواقع الالكترونية والمدونات ومواقع الدردشة.
إن التعديات الكبيرة على الخصوصية يفترض بأن تدفعنا كمتخصصين وصحفيين ومالكي مؤسسات إعلام ونقابات مهنية للجلوس والتباحث على آمل الاتفاق على ميثاق أخلاقي ملزم للعاملين في المواقع الصحفية الالكترونية، حتى نضع حدا لهذا التمادي والانفلات الذي لا يحمد عقباه.