مقصلة من ورق على رقاب العلويين

فتوى ابن تيمية ..

بلال داود

[email protected]

ولد  الشيخ ابن تيمية  عام 1263 م في بلدة حران ، وذلك بعد سقوط بغداد في أيدي المغول بخمس سنين(سقوط بغداد 1258 م ) ، وفي سن السادسة  انتقل مع والديه للعيش في دمشق بعدما فظع المغول باهل المنطقة  ، وما أن بلغ السابعة من العمر (1270 م ) حتى كانت الحملة الصليبية الثامنة ( والأخيرة ) قد انطلقت من السواحل الفرنسية  ، واستمرت حتى عام (1291م ) .

و في عصره ولدت الدولة العثمانية (1280 م ) ، ولكنها لم تدخل سوريا إلا عام (1516م – معركة مرج دايق ) أي بعد وفاة الشيخ بمائتي عام .

درس ابن تيمية في دمشق و صار واحدا من أكبر فقهاء عصره في المذهب الحنبلي ، وقد خالف    علماء عصره  في كثير من الفتاوى ، و شهد له كثير من معاصريه بالصلاح والعلم والتقوى ،  في حين اتهمه مخالفوه بالضلال والانحراف وبالجنون أحيانا ، و كادوا له عند الأمراء والملوك ، و سجن بسبب ذلك عدة مرات في مصر والشام ، وتوفي في سجن القلعة بدمشق عام 728 هجرية ( 1328 م )  ،  ولم يتقلد منصبا رسميا  خلال حياته في أي بلد من البلدان .

شارك في التصدي للغزو الخارجي المزدوج ( المغولي و الأوروبي) ، في عهد  الظاهر بيبرس والسلطان قلاوون  ، وعاصر التحالفات المختلفة  بين الأمراء والملوك  في ذلك العصر .

 وقد سأله تلاميذه  عن الطوائف المختلفة من غير أهل السنة  ( ومنها الطائفة النصيرية ) التي كانت تساعد التتار والصليبيين و تتحالف معهم  ، وتحارب إلى جانبهم ضد المسلمين ، فأجاب بمعاملتهم  معاملة المرتدين ، إن تابوا فباب التوبة مفتوح ، وإن أصروا على تحالفاتهم مع التتتار والصليبيين ضد المسلمين تمت محاربتهم .

لم تتجاوز هذه الإجابة دائرة التلاميذ ، و دونت في أحد مؤلفاته العديدة تحت تصنيف الفتاوى ،  ولم تغادر هذه الفتوى صفحات مؤلفات الشيخ   ، ولم يؤخذ بها  من قبل أي دولة أو إمارة أو مملكة من عصره ( قبل سبعة قرون ) إلى يومنا هذا ، عدا عن أن فتاويه على العموم  لايأخذ بها في العادة إلا أتباع المذهب الحنبلي .

و لو أن أحدا  من أمراء وسلاطين ذلك العصر أو العصور التالية له  أخذ  بفتوى ابن تيمية ، وعمل بها ، لوجدنا أنفسنا أمام لغز لا تحل طلاسمه  لتفسير استمرار وجود كل هذه الطوائف   طيلة هذه القرون السبعة ، بعدما قطعت رقاب أجدادهم تحت مقصلة ابن تيمية.

بعد مرور قرابة  سبعمائة سنة على فتوى ابن تيمية ، وعلى وجه التحديد ، في أواخر سبعينيات القرن الماضي ، أثناء الأحداث الدامية المؤلمة التي حصلت بين الشعب الأعزل ونظام الأسد ، كان النظام على وشك السقوط من شدة الضعف ، و قد زاد من ضعفه تململ أبناء الطائفة العلوية وشكواهم من التوجه الأسري للنظام ، في الوقت الذي كان يصبغ  أعماله  بكل ألوان الطائفة ،  فالرئيس و إخوانه   و عائلاتهم  وأبناؤهم والصفوة من عشيرته الأقربين  يمسكون وحدهم  مقاليد البلد ، بينما يعاني باقي أبناء  الطائفة  كما يعاني   كل الشعب من تهميش و ظلم  و قتل و سجن وتشريد  ، و زاد من معاناة العلويين أن النظام كان يتستر بالطائفة كلها ، والناس لا يميزون بين أفراد عشيرة وعشيرة أخرى ، يظنون أن الطائفة بكاملها مشتركة في حكم البلد مع الأسد ،   فبدأت أصوات العلويين من خارج العصابة الحاكمة  في الارتفاع  والاعتراض  و التوضيح ، ولا انسى أبدا المربي الفاضل الأستاذ  سليمان حلوم ، وهو واحد  من وجهاء وعقلاء الطائفة ، وكان حينها مفتشا في وزارة التربية ، كيف كان يشرح في كل مجالسه هذا الخلط بين حكم العشيرة وحكم الطائفة ، وبين حكم الفرد وحكم الحزب ، و كان يقول أن ما يحدث على هذا الشكل الخبيث ، سيفتت  أواصر العلاقات والروابط  الأخوية بين كافة أبناء الشعب السوري على وجه العموم ، و  بين المسلمين والعلويين على وجه الخصوص .

في ذلك الوقت بالضبط  نبش الأسد  فتوى ابن تيمية من غياهب التاريخ ، ولم نكن سمعنا بها قبل ذلك ، و وزعها على أبناء الطائفة ، فأوهمهم  أن لا خيار لهم إلا  الذبح على أيدي المسلمين ، أو الالتفاف حوله  .

اليوم و قد مرت قرابة ثلاثين سنة  على تلك الفترة ،  تظهر ملامح الضعف من جديد على نظام الأسد الإبن ، وهو يعاني من الضغوط الداخلية والإقليمة والدولية ، و بدا واضحا من غير لبس أن النظام وراثي  ضمن الأسرة والعشيرة  ، بدأت  أصوات المعارضين العلويين ترتفع من جديد  ،  فلم يجد النظام في جعبته لإسكاتهم ، أقذر من إعادة اللعب بالورقة الطائفية مرة ثانية ، وإحياء مقصلة ابن تيمية  الورقية لتخويف أبناء الطائفة وإجبارهم على الالتفاف حوله .

لكن المؤسف هذه المرة ، أن  يتولى نشرها إعلاميا ، بحسن نية أو بجهل في مضمونها و ظروف زمانها ومكانها وحيثياتها وافتراضاتها ، أصوات من المعارضة العلوية التي يؤمل أن تكون رابط الوصل بين الشعب و الطائفة العلوية ، وتتولى توضيح العلاقة بين الطائفة والنظام ليفهم الناس أن النظام لا يمثل كل الطائفة ، والمؤمل منها أن تحمل رسالة السلام و الأمان والطمأنية للطائفة ، فتشرح لها أن المعارضة في شقيها الداخلي والخارجي  وطنية بامتياز  ، تحمل هموم المواطنين جميعا بكل أديانهم و طوائفهم وأعراقهم  و توجهاتهم السياسية .

و لئن نجح الأسد الأب في توظيف فتوى ابن تيمية  لإقناع نسبة كبيرة من العلويين بالالتفاف حوله ، فإننا نشك بقدرة الأسد الإبن على إقناعهم من جديد بهذه الفكرة ، و نشك بقدرته على إيهامنا بأنه يمثل الطائفة كلها ،  فالمواطن البسيط  يعرف الشخصيات الحاكمة في سوريا ويعرف درجة القرابة بينها ، وما من عاقل يستطيع اليوم أن يشكك بتوجهات المعارضة الوطنية  بكل أطيافها  ، وأنها تسير قدما لتحقيق العدل والحرية و بناء الدولة المدنية .

تفهمنا  لخوف البعض من أخطاء انتقامية فردية ، قد تحصل  في حالة فوضى إذا سقط النظام عشوائيا  ، يدفعنا لمطالبتهم   بمزيد من المشاركة في التغيير السلمي المنشود لئلا تحصل الفوضى ، إلا أنه من غير المعقول ،  قبول المقارنة بين فتوى لا تلزم إلا قائلها   ، صدرت من رجل لا جيش له و لا أجهزة قمعية   قبل سبعمائة سنة ،  وبين مرسوم جمهوري صدر من أعلى سلطة في الدولة ، يقضي باستئصال كل معارض شريف ، طبق بحق عشرات الألوف و ما يزال ، إذ لم يعد خافيا على أحد أن النظام ألبس كل معارضيه ثوب الإخوان المسلمين ، ولو كانوا من اليساريين  ، إلى أن تفتقت عبقرية الأسد الإبن عن ثوب جديد ( توهين عزيمة الأمة ) ليناسب كل المقاسات كمقاس كيلو و دليلة و اللبواني والبني والحمصي وجاموس وغيرهم مما لايحصى في صفحات.