يُمَارِسون الطائفية، وحين نُقَاوِمها.. يَصرخون

د. محمد بسام يوسف*

[email protected]

في مقالة الأسبوع الفائت، تحدّثتُ عن الطائفيّين الممثّلين لأقليّاتٍ تعيش بين ظهرانينا، وتستولي بالحديد والنار -في مراحل غفلةٍ من قِبَل الشعوب- على الحكم.. هؤلاء الطائفيّون الذين اتخذوا من الإجرام والإرهاب والخيانة والعدوان –بكل أشكاله- وسيلةً وحيدةً لفرض أنموذجهم وأنفسهم وتسلّطهم على الشعوب.. وسَلّطتُ الضوء على الرابط الذي يجمع بين الطائفيين في أوطان العرب والمسلمين، كالعراق وسورية وإيران، وعلى تلكم الأيادي اللئيمة التي تُدير كل ذلك، وتُعمِلُ معاولَهَا هَدماً وتفتيتاً لأوطاننا، يُحَرِّكها حلف مشبوه لم يقم أصلاً إلا على أساسٍ طائفيٍّ بغيض.

هل يمكن لعباقرة الطائفيّين الذين لا يُجيدون إلا الصراخ حين كشفهم عُراةً للناس.. أن يفسِّروا لنا ماهيّة الحلف الاستراتيجيّ الذي يجمع حُكْماً علمانياً قومياً عربياً بعثياً، مع حُكمٍ دينيٍّ فارسيٍّ منغلق؟!.. الذي أُشرِعَت على أساسه كل الأبواب السورية للصفويين الفُرس ومشروعهم التوسّعيّ الطائفيّ التدميريّ؟!.. وهل سيُفحِمُنَا هؤلاء العباقرة بتبريراتهم الساذجة، بأنّ هناك علاقةً وثيقة، بين بناء المراقد والحسينيات والحوزات الإثني عشرية وتشكيل الفرق الجعفرية الفارسية، لنشر دين الغزاة الجدد -بالنسخة الخمينية والخامنئية- في أوساط الشعب السوريّ السنيّ، ولسبّ الخلفاء الأمويين وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم -عليهم رضوان الله أجمعين- في صحن الجامع الأمويّ بدمشق.. بأنّ لكل ذلك علاقةً وثيقةً بمزاعم ممانعة العدوّ الصهيونيّ المشترَك، الآمن المسترخي في الجولان المحتلّ منذ ثلاثةٍ وأربعين عاماً إلا شهرين وخمسة أيامٍ.. فحسب؟!..

هؤلاء العباقرة الذين يتحدّثون باسم نظامهم الطائفيّ، مصابون بعمى الألوان، لذلك عندما (يريدون تكحيلها يُسبّبون لها العمى).. فانظروا إلى أحد هؤلاء، وهو يقول بكل ما أوتي من صفاقةٍ عن الحركة الإسلامية السورية المهجَّرة وأبنائها وبناتها ورجالها ونسائها وأشبالها: [.. يريدون أن نصدّقَهم ونفتحَ لهم أبواب البلد من جديد]!.. لاحظوا اللغة التسلّطية الاحتلالية الهمجية العنجهية التي يستخدمها هؤلاء المفلسون المتخلِّفون: فسورية -بنظر هذا الصفيق- ليست سوى مزرعةٍ أو إقطاعيةٍ له ولآل أسد وآل مخلوف والحاطبين في حبالهم، المتسلّطين على كرسيّ الحكم السوريّ، وهؤلاء الإقطاعيون قد (طوّبوا) سورية كلها بأسمائهم، وسرقوا الوطن كله، إلى الدرجة التي صاروا فيها يحملون مفاتيح أبوابها، فيمنعون مَن يشاؤون من ملايين مواطنيها وأبنائها، من دخول وطنهم والعيش فيه بأمنٍ وكرامةٍ كما يعيش أبناء كل بلدٍ في بلادهم!.. لماذا؟!.. ومَن وضع في أيدي قُطّاع الطرق.. مصيرَ شعبٍ وأمةٍ ووطنٍ كسورية؟!..

هؤلاء الطائفيّون هم سبب البلاء، وهم وحدهم السبب الذي وصلت إليه سورية من التردّي والانهيار والفساد في شتى المجالات، وهم وحدهم سيكونون سبب أي انفجارٍ للأزمة المزمنة المستعصية التي يسبّبونها ويحرصون على استمرارها داخل المجتمع والوطن السوريَّيْن.. وقد تحدثنا كثيراً ومطوَّلاً عن المشكلة الطائفية في سورية، وبرهنّا على أنّ الحكم الأقلّويّ الطائفيّ الذي يتستّر بالبعث والعروبة والقومية والعلمانية.. هو وحده المسؤول عن تفاقم الأوضاع الطائفية منذ تسلّق هؤلاء حزبَ البعث، ثم قفزهم إلى السلطة بدبابات انقلاب الثامن من آذار 1963م.. وهذا الحكم وحده، سيجني ما تقترف يداه الملوّثتان بالفساد والدم والنهب وتدمير كل مناحي الحياة السورية.. تحدثنا عن ذلك الكثير، وقرعنا ناقوس الخطر الذي يسبّبه هذا النظام الطائفيّ لسورية، فما كان من هؤلاء الإرهابيين الغارقين في بحار طائفيّتهم وممارساتهم الإرهابية، ومن أبواقهم الحريصين على مَصِّ أصابعهم.. إلا أن اتهمونا بالطائفية والإرهاب!.. إذ حلال عليهم ترسيخ حكمٍ طائفيٍّ أقلّويٍّ بغيض، حوّلوه إلى حكمٍ وراثيٍّ فئويٍّ أسرويٍّ –باسم الحكم الجمهوريّ- أبغض وأسوأ.. وحلال عليهم أن يسيطروا على الوطن والدولة ومرافقها ومراكز قوّتها وثقلها، باسم الأسرة والطائفة الأقلّية.. وحلال عليهم أن ينتزعوا حقوق كل سوريٍّ لا ينتمي إلى عصاباتهم، كما يتحدّث الصفيق المذكور آنفاً.. فكل هذه الطامّات ليست طائفيةً ولا ممارسةً لها.. الطائفية هي أن تستنكرَ هذا الاحتلال الطائفيّ والتسلّط والقمع والاستبداد الأسديّ الطائفيّ، وأن تقاوِمَه وتفضَحَه وتكشفَ خباياه وحقيقته!.. فهم إذن، لا يُجيدون إلا الصراخ والكذب وخلط الأوراق وممارسة المحرّمات والجريمة بأنواعها.. وشتّان بين مَن يمارس الطائفية ويجعل منها واقعاً إجبارياً مفروضاً على شعبٍ ووطنٍ منذ عشرات السنين.. ومَن يقاوم هذه الطائفية وهؤلاء الطائفيين الفاسدين الغارقين في اللصوصية والجريمة.

*     *     *

تقول المواطنة السورية الأستاذة (سلمى السهروردي) التي تُعرِّف نفسها بأنها [ليست مَنْفِيّةً، ولا مع، ولا ضد]، في مقالتها: (إجابات خاصة)، المنشورة في موقع رابطة أدباء الشام بتاريخ 16/4/2005م، وذلك في معرض إجاباتها على صراخ بعض الطائفيّين:

[.. وأشجب سلفاً أي دعوةٍ للدولة الطائفية، وللهرميّة الطائفية، لكن هل تمتلكون الجرأة على أن تُعلنوا على الملأ التوزيعَ الفئويّ أو الطائفيّ في قطرنا السوريّ في المواقع التالية:

1ـ الضباط القادة في الجيش والقوات المسلحة.

2ـ رؤساء ومدراء الأجهزة الأمنية ومعاونيهم.

3ـ ضباط الصف في الجيش والقوات المسلحة.

4ـ طلاب ضباط الكليات والمدارس العسكرية.

5ـ السفراء والعاملون في السلك الدبلوماسيّ.

6ـ المكوّنات الاجتماعية للحائزين على البعثات التعليمية.

7ـ أساتذة الجامعات.

8ـ مدراء الإدارات العامة.

مسؤولو مؤسّسات القطاع العام الاقتصادية.

10ـ المسؤولون في الأجهزة والإدارات الإعلامية..].

ثم تُعقّب هذه المواطنة السورية الأصيلة، التي تُحِسّ بِوَجَع شعبها، وهي لا تنتمي إلى أي حركةٍ سياسيةٍ أو إسلامية: [لا أظنّ أنّ الرقم يمكن أن يكذب لنا أو عليكم، وإذا أحالكم الرقم إلى مشكلةٍ حقيقيةٍ يتهامس بها الناس من حولكم، فالحقّ يقتضي أن تبادروا إلى علاجها.]!..

وبدوري أقول: علاج المشكلة وآثارها خير ألف مرّةٍ من تجاهلها بالصراخ والغثبرة وإثارة الغبار والفحيح.. نعم، خير للشعب والوطن بكل طوائفه وفئاته، وخير للطائفة التي يحكم بها وبسيفها وباسمها المستبدّون، وخير للأجيال القادمة -بمختلف انتماءاتها- ولمستقبلها القريب والبعيد.

*     *     *

أيها الطائفيون الأقلّويّون الذين يصرخون أو ينتفضون أو ينزعجون من مقاومتنا طائفيّتهم واستنكارها، في محاولةٍ بائسةٍ لحجب قرص الشمس بأكفّهم:

قد تستطيعون الحيلولة بين ملايين السوريين ووطنهم سورية، وقد تمنعون عنهم وثيقة سفرٍ أو شهادة ميلادٍ أو سِجِلاًّ مدنياً.. أو نسمةً عليلةً من نسمات وطنهم.. وقد تستنسخون مجازر طائفيةً أخرى، عن مجازر حماة وتدمر وجسر الشغور وحلب وحمص واللاذقية ودمشق وغيرها.. وقد تُشَيّدون سجوناً لشعبنا بظروفٍ أشد وطأةً من ظروف (سجن المزة) المنقرض.. وقد تمنعون عن المواطن السوريّ –بدوافع طائفيةٍ صرفة- لقمةَ العيش وحبةَ الدواء ومقعداً جامعياً وموقعاً في وظيفةٍ عسكريةٍ أو أمنيةٍ أو مدنيةٍ أو اقتصادية.. وقد تستغرقون في طائفيّتكم وتنهبون ثروات سورية وأحلامها وعشرات المليارات من خزائنها.. وقد، وقد.. لكنكم أبداً، لن تستطيعوا الاستمرار بكل ذلك، لأنكم أصغر من أن تكسروا إرادتنا في حبنا لوطننا: سورية، وإن استطعتم الاستمرار في ذلك معنا، فلن تستطيعوه مع الملايين القادمة من أبنائنا أو أحفادنا أو أحفاد أحفادنا، الذين تحرمونهم -وما تزالون- من أبسط حقوق المواطنة، لا لسبب، سوى الأسباب الطائفية الحاقدة.. لن تستطيعوه معهم، وعندئذٍ فحسب: يحق لكم ولكل الممالئين لكم والحاطبين في حبالكم، أن تستغيثوا وتصرخوا وتشهدوا جرائر ما تقترفونه اليوم من صفاقةٍ وحماقة.. فنحن عرب سوريون مسلمون على الرغم من أنوفكم، جذورنا راسخة في عمق التاريخ السوريّ، رسوخَ أشجار الحور والسنديان في جبال الشام وسهولها، ورسوخَ أشجار الجوز والرمّان في غوطة دمشق.. وسورية لكل أبنائها وأهلها، لا يمكن لأي أقليةٍ طائفيةٍ أو أسرويةٍ أو حزبيةٍ (تطويبها) باسمها وامتلاك مفاتيحها، لتشرع أبوابها أو توصدها أمام السوريين متى شاءت وبوجه مَن أرادت.. وسورية كذلك، ليست للصفويّين الفرس الطائفيّين الذين يسرحون فيها ويمرحون بحمايتكم وتسهيلاتكم، فيما يُمنَع أبناؤها السوريون عنها، والحق يقتضي، كما قالت الفاضلة سلمى السهروردي، وكما قالها –قبلها وبعدها- كل العقلاء السوريين: [أن تبادروا إلى علاج المشكلة]. وكذلك إلى علاج آثارها المدمِّرة، التي تتعاملون –بعقدة حساباتها- معنا ومع سائر السوريين.

اللهمّ هل بلّغت؟.. اللهمّ فاشهد.

              

*عضو مؤسِّس في رابطة أدباء الشام