محاولة شيطنة وتجريم المشاركة السياسية
للحركة الإسلامية أو التزهيد فيها
لماذا؟ ولصالح من؟؟؟
جمال زواري أحمد ـ الجزائر
الجزء الأول:
إن العمل السياسي للحركة الإسلامية والحضور في ساحته تفاعلا وتدافعا ومنافسة ومشاركة ، المفروض أنه أمر قد حسم منذ زمن ، وظهرت وتأكدت أهميته بل وضرورته خلال تراكم تجربة عمل الحركة مدا وجزرا .
ولسنا بحاجة إلى حشد المبررات لإثبات ذلك ، فهي أكثر من أن تحصى من ناحية ، ومن ناحية ثانية فإن مفكري الحركة الإسلامية ومنظريها ومؤسساتها قد أشبعوا الموضوع بحثا وتنظيرا وتأصيلا ، وبذلت مجهودات جبارة وأنفق الكثير من الوقت ، ليستقر الرأي فيما يشبه الإجماع على ضرورة خيار المشاركة السياسية والمصالح المؤكدة التي يحققها ، مهما كان هامشه المتاح .
ونقصد تحديدا المشاركة في الانتخابات ترشحا وانتخابا ومنافسة ، للدخول إلى المجالس النيابية أو حتى المؤسسات التنفيذية المركزية منها والمحلية ، لإثبات الوجود وإسماع الصوت وضمان الحماية وحرية الحركة والمساهمة في التغيير والدفاع عن المشروع وحمل هموم الناس وتبني قضاياهم والدفاع عن حقوقهم ، و تهيئة الحركة ومشروعها ورجالها وتدريبهم على الولوج إلى دال الدولة التي هي من الأهداف الرئيسية للحركة الإسلامية بعد التمرس في ممارسة دال الدعوة ، وغيرها من المقاصد .
أصناف المشككين في جدوى المشاركة
وبعد كل هذا يأتي من يريد أن يعيد الأمر إلى نقطة الصفر ويرجعنا إلى المربع الأول ، بحجة عدم ملاءمة الأجواء وتغول النظام الرسمي في بلده وحساسيته المفرطة من المشاركة السياسية للحركة الإسلامية واتخاذها مبررا من ناحيته للبطش والتنكيل والتضييق والملاحقة ، فيريد أن يسقط ذلك على كل الأقطار مهما كانت طبيعة النظام السياسي الحاكم فيها.
ومن جانب آخر يشكك البعض الآخر في الخيار ككل ويقلل من نتائجه الإيجابية على الحركة ومشروعها وعلى الوطن والشعب ، ويزهد فيه وينتقص من جدواه في ظل الوضع السياسي والاجتماعي العام الذي يسود المنطقة في الظرف الحالي ، بنسب متفاوتة طبعا من بلد إلى آخر ، ويقترح انسحابا من ساحة المشاركة السياسية وتركها للأنظمة المستبدة على وجه الخصوص وعرابيها يعربدون فيها وبها كما شاءوا بما شاءوا ، والابتعاد عن وجع الدماغ الناجم عن هذه المشاركة والمنافسة ، إما لطمأنة هذه الأنظمة ونزع فتيل قلقها من الحركة ومشروعها ورجالها ، وإما لإحراجها بتركها تلعب منفردة من دون منافس يمكن أن يشكل توازنا معها، لفضح مخططاتها وألاعيبها وكشفها للعيان ــ وكأنها كانت خافية في يوم من الأيام ــ ، وأقصد بعض البلدان العربية تحديدا التي لاتحتاج أن اسميها فهي ماثلة للعيان لكل متابع .
وهذا الصنف ينقسم إلى قسمين:
قسم يريده انسحابا مؤقتا وطلاقا رجعيا ، قد تصل عدته إلى عشرين سنة .
والقسم الآخر يريده انسحابا نهائيا وطلاقا بائنا لارجعة فيه مهما كانت الظروف ، والتفرغ ــ حسب رأيهم ــ للعمل الدعوي والتربوي والثقافي والاجتماعي ، وكأنما العمل السياسي والمشاركة في الانتخابات لاتحمل هذا البعد ، بل هو في تصورهم يتم على حسابه وينتقص من رصيده .
هذا الصنف بقسميه ، يريد أن يشرعن سياسة الكرسي الشاغر للحركة الإسلامية والانتظار السلبي ، حتى تتوفر أجواء مثالية تسمح بمثل هذا النوع من العمل لدى القسم الأول على الأقل ، والتي ثبت بالدليل العملي وبالتجربة فشل هذه السياسة وضررها ، حين طبقت من طرف بعض أجنحة الحركة الإسلامية في بعض الأقطار، وظهر مردودها السلبي على الحركة ومشروعها تهميشا وتغييبا وتقزيما ، وعلى الوطن والأمة والشعب باستفراد الحزب الحاكم وبعض أزلامه بقضاياه وحقوقه ، وغياب الصوت المنافح عن هذه الحقوق ، الصادع بالحق في هذه القضايا وإن كان خافتا أو ضعيفا لأقليته، كما أنه يريد من حيث يدري أو لايدري أن يكرس منطق اللائكية الحركية كما كان يسميها الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله.
أما الصنف الثاني الرافض لعمل الحركة الإسلامية السياسي والانتخابي تحديدا ، والناقد لخيار المشاركة بل والمحارب والمعرقل له في الكثير من الأحيان ، فإنه يريد أن يشيطن هذا العمل ويجرم هذا الخيار ويشكك في نوايا أصحابه ، ومن ثم يدفع إما إلى قفل أبوابه عليها وإبعادها من ساحته بشتى الوسائل والأساليب ، وإما إلى محاولة تجريد الحركة من هويتها ومرجعيتها وشعاراتها المنبثقة عن هذه المرجعية ، وتركها في ميدان المنافسة السياسية والانتخابية ــ إن تحتم بقاؤها ــ لالون لها ولاطعم ولارائحة ، تحت مبرر عدم استعمال الدين وتوظيفه كشعارات انتخابية ، وحرمانها بذلك من مصدر قوتها ، فتسهل عند ذلك هزيمتها والانتصار عليها كما يتصورون.
هذا الصنف يرفض بشكل قطعي ومبدأي تسييس الدين (أي الجانب السياسي للإسلام وحضور الصوت الإسلامي في ساحة المنافسة السياسية)، كما يرفض تديين السياسة (أي ضبطها بقواعد الدين وشرائعه وأخلقتها بمبادئه) ، فهو يريدها متحررة من كل ضابط أخلاقي ، لاأثر فيها للمبادئ والقيم ، بوليتيكا بتعبير مالك بن نبي رحمه الله ، لذلك تجده يقيم الدنيا ولا يقعدها رافعا شعار الإسلاموفوبيا تماما كما هي موجودة لدى بعض الدوائر الغربية تجاه الإسلام ككل ، لكن هؤلاء يقصدون بها الحركة الإسلامية ومشروعها السياسي تحديدا.
وكلا الصنفين باختلاف فئاتهم وتصنيفاتهم وأقسامهم وشخوصهم وأهدافهم ، يلتقيان في المحصلة النهائية ، وإن اختلفا في النوايا والمقاصد ، نقول ذلك من دون مجاملة لأحد ، بحيث بدأ كليهما ينظر ويدعو ويؤكد لخيار الحركة الإسلامية مابعد السياسة.
نموذج الإخوان المسلمين في مصر
ولو أسقطنا ذلك على الإخوان المسلمين في مصر ، بحكم أن أغلب هذه الدعوات والاقتراحات والانتقادات موجهة لهم على وجه الخصوص ، بعضها من الداخل الإخواني والبعض الآخر من أطراف خارجية إما محبة ومشفقة وناصحة للإخوان : (الباب الذي يأتيك منه الريح سده وأستريح)، وإما متربصة ومتآمرة مثيرة مايمكن تسميته بالإخوانوفوبيا قياسا على الإسلاموفوبيا .
فإننا نلحظ بوضوح الحركية الكبيرة التي أحدثها نواب الإخوان ، وتحريكهم للمياه الراكدة في العديد من الملفات والقضايا بالرغم من أنهم أقلية في مجلس الشعب ، هذا على المستوى العام ، أما على المستوى الخاص ، فإنه لولا أعضاء مكتب الإرشاد من البرلمانيين وحصانتهم التي سمحت لهم بحرية السفر والتنقل ، لانقطعت صلة مكتب الإرشاد بالعالم الخارجي ، وانعدم تواصله المباشر مع الحراك السياسي والثقافي والفكري والاجتماعي وحتى التنظيمي الذي يتم خارج مصر ، نظرا للمنع الدائم والمتكرر لكل أعضاء مكتب الإرشاد وفي مقدمتهم فضيلة المرشد العام من السفر إلى الخارج حتى للحج والعمرة.
هذا من الناحية الواقعية الحالية الماثلة أمامنا ، أما من الناحية التاريخية فيما يتعلق ببداية التجربة فلابد أن نذكر في هذا الصدد تجربة الشيخ صلاح أبو إسماعيل رحمه الله الرائدة في هذا المجال رغم أنه كان وحيدا ولكنه كان مجموعة رجال في رجل ، ثم تراكمت التجربة الإخوانية بعد ذلك وتطورت وتدرجت حتى وصلت إلى ماهي عليه الآن .
يتبـــــــــع....