الرجل والمؤسسة
محمد الرمادي
فينا - النمسا
إشكالية المثقف العربي ومنذ حين أن ما يطرحه يغلق عليه أبواب النُخبة، ويتم عرض الفكرة ومناقشتها بين جدران الصالون الذهبي أو الفضي، ثم افتعلت مسألة بناء حواجز أو بنيت بالفعل جدران من الوهم وسوء الفهم بين المفكر العربي والشعب وقبلها أو إثنائها بين المفكر والسلطة فبنيت جدران السجون. المفكر العربي يمتاز بخصوصية رؤية ما لا يراه الجمهور ويضع الأصبع على ما يزعج السلطة وهي تراه، فيضع عقله وذهنه بين سندان الجمهور ـ الذي لا يهتم به كثيراً أو لا يفهم ما يطرح أو لديه اهتمامات آخرى ـ ومطرقة السلطة ـ التي لا ترغب في طروحاته فقد ينشط ذهن الجمهور ويبدأ بالتساؤل ـ، أضف حالة التراجع المخجل لدور الفئة الحاكمة في رعاية الشؤون وتواطؤ الوسط السياسي معها حرم الجمهور من الإصلاح السياسي أو الإجتماعي أو الإقتصادي وبرزت شريحة المستثمرين أبناء البلد أو الأجانب للوضع الجديد الفاسد ـ وتدخلت القوى الكبرى لتمرير مشروعها الحضاري ـ كما تدعي ـ فصارت المنطقة العربية بما عليها ومع أمكانياتها ومخزون ما في باطنها عرضة للنهب والسلب باسم شعارات الديموقراطية والإصلاح ومحاربة الدكتاتوريات الجاثمة على قلب الأمة النابض بالحياة، والمحصلة صار الخارج باطماعه وخططه وشرائح من الجمهور ـ الداخل ـ بمأربها الوضيعة تنهش جسد الأمة فزداد الأمر تعقيداً وسوءاً، وانعزل المثقف وغاب المفكر العربي بين صفحات كراسته وتسمر أمام شاشة الأحداث يراقب ويحلل والنتيجة كلمات مبعثرة تحتاج لتجميع ثم تفعيل. المفكر ينبغي عليه أن يكون مواكباً للأحداث بل سابقاً عليها ومكتشفاً لها متوقعاً حدوث ما يؤلم الجمهور مسارعاً في معالجاتها، كما ينبغي عليه أن لا يعادي النظام أو يعارضه حباً في المعارضة والمناكفة بل هو على أدني تقدير مخلص أمين لفكرته ناصح مستنير للسلطة، المشكل الجديد أن السلطة أو الفئة الحاكمة تناصب المفكر العداء لأنه يكشفها إذا استدعى الأمر ذلك ويفضح مخططات موجودة بالفعل وُيعمل لها في الخفاء أو العلن، المشكل الجديد الآخر: الرجل الذي يتم تعينه ـ والحديث مازال عن الآزهر الشريف منارة العلم في مصر المحروسة ـ تجرح بصيرته وترمد عينه عن مساوئ الحكم ومخالفات النظام، الرجل الذي يتولى أمر مؤسسة من مؤسسات الدولة غالباً تكون بل الصحيح ان الدولة بأجهزتها ـ كجهاز الأمن الوقائي ـ ترشحه لأنه رجلها، وهنا يأتي الجرح والتعديل، جرح أمانته العلمية وتعديل أفكاره التي يريد من خلالها الإصلاح، إذا وجد لذلك سبيلاً، والسبيل أغلق بمجرد التعيين.
نظام الحكم في مصر رئاسي جمهوري كالنظم الموجودة في الغرب؛ وليس ديني، بيّد أن مادة من مواده نصت على أن دين الدولة الإسلام وأنه المصدر الأساسي وليس الوحيد للتشريع، وهذه لا تفيد المسلمين كما أنها لا تضر غيرهم!!، والدستور دستور لا ديني، ويجب أن نفرق بين الأغلبية الساحقة من المواطنين بأنهم من المسلمين يعيشون جنباً إلى جنب مع شريحة عريضة من النصارى ونسب من الشيعة وطوائف آخرى وبين الشريعة الإسلامية كمصدر وحيد للتشريع والقوانين، ومسألة تعيين وانتخاب شيخ الأزهر عادت إلى ساحة الجدل بعد وفاة السابق، وذلك بعد أن أصبح هذا المنصب بالتعيين بدلا من الانتخاب بموجب تفعيل قانون الأزهر العام 1961م وألغيت هيئة كبار العلماء، وهذا ما يبين بوضوح أهمية هذه المؤسسة للدولة قبل المواطن.
علاقة الطيب بالنظام المصري
لمعرفة مدى العلاقة بين الدكتور أحمد الطيب والنظام الرسمي المصري يكفي أن نعلم أنه أحد أعضاء لجنة السياسات بالحزب الوطني الحاكم والتي يترأسها نجل الرئيس المصري؛ جمال مبارك، ويتمتع الدكتور بعلاقات قوية ومتينة مع قيادات الحزب الوطنى. هذا ما أعلنته وسائل الإعلام، وفي تقديري الشخصي أنه من الذكاء والفطنة أن يعمل الرجل من داخل المؤسسة التي يريد إصلاحها وليس من خارجها وعليه أن يتحسس القوى اللازمة لنصرته، ولكنه طريق شاق بل عسير بل خطر، فالنظام القائم له عيون وآذان في الداخل والخارج ولديه جيش مجهز بالوسائل وبعضهم يعمل بالمجان ـ بعض أشباه الرجال هنا وهناك من باب الحصول على الحظوة ويكفيه أن يقابل السفير أو أنه يمسح حذاء الوزير ـ.
وخطورة المنصب أن جامعة الازهر مرتبطة بالجامع والتي اسست في القرن العاشر وهي اهم مركز للتعليم الاسلامي السني في العالم. وتصدر مؤسسة الازهر فتاوى عدة لارشاد المسلمين وتوجيههم في حياتهم العملية، وهنا تكمن خطورة المنصب. وتأتي إشكالية: مَن يرضى عنه النظام وما يقبله من أمور ومَن الذي يسوغ لها في إطار شرعي ما تريد، فتقبله السذج وترضى به العامة، وهذا ما يراد من الشيخ سواء القديم أو الجديد، غير أن الرجل يُحمد على أنه ومنذ توليه رئاسة الجامعة الأزهرية أعرق جامعة فى العالم أبرم العديد من الاتفاقات للانفتاح على العالم الإسلامى، وأنشأ بعض الكليات والمعاهد فوق المتوسطة، وتم فى عهده تدشين الرابطة العالمية لخريجى الازهر، التى يدعمها جهاز سيادى فى الدولة بشكل مباشر، وتقوم بجهد كبير لمد أواصر التعاون مع خريجى الازهر فى الخارج، وقد واجه بحزم أشهر أزمة فى السنوات الأخيرة "أزمة ميليشيات جامعة الأزهر" التى قام بها طلاب الإخوان مما أثار ارتياح الأوساط الرسمية.
المفكر العربي قد يكون له بعض التمنيات والنائب البرلماني قد يطرح بعض التغيّرات في الدستور، والكل يصير هباءاً منثوراً حين تصدم بإرادة حديدية من داخل النظام تمنع الأحلام وتقضي على بذرة التفكير في التغيير. ونبين فنقول بأن د/ محمد عمارة عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر عقب وفاة الامام الأكبر طالب بان يتم ترشيح عدة أسماء من قبل مجمع البحوث الإسلامية وهيئة كبار العلماء بالأزهر لاختيار شيخاً للأزهر، وقال :" يجب ألا يترك الأمر للأجهزة الأمنية لأن هذا سيترتب عليه خلل كبير وهو عيب يعاني منه الأزهر منذ سنوات". واعتبر أن هذا الأسلوب سوف يجمع بين الحسنيين ويقود لاختيار خليفة للإمام. وطالب "بضرورة الاستعانة بخبرة العلماء المخلصين للازهر والساعين إلى استرداده مكانته كمنارة للعلم في العالم الاسلامي". وشدد عمارة على أن هناك عدد من الملفات الهامة التي تنتظر د/ الطيب بجانب استعادة مكانة الأزهر، وهي النهوض بمجمع البحوث الاسلامية ليعود الى مكانته كهيئة لكبار العلماء، تفعيل لجان لتنقية التراث الاسلامي، فضلا عن مواجهة حملات التنصير وتشويه صورة الاسلام. وآكد الرأي د/ يوسف القرضاوي رئيس اتحاد العلماء المسلمين بأن يتم اختيار خليفة طنطاوي بالانتخاب، قائلا في بيان "نتمنَّى على مصر أن تستجيب لدعوات العلماء والمفكرين والمصلحين في مصر والعالم الإسلامي، أن يكون تعيين الإمام الأكبر بالانتخاب، أو على الأقل بترشيح ثلاثة يختار رئيس الجمهورية واحدا منهم ".
وسارع عدد من نواب كتلة الإخوان المسلمين بالبرلمان إلى تقديم بيانات عاجلة إلي رئيس الحكومة أحمد نظيف، بصفته وزيراً للأزهر الشريف والمسئول سياسياً عنه أمام مجلس الشعب، يطالبون فيها بتأجيل استصدار قرار بتعيين شيخ جديد للأزهر لمدة تتراوح بين شهر و60 يوماً. وطالب النواب بضرورة استصدار تعديلات عاجلة علي قانون الأزهر يتم بموجبها تحويل نظام التعيين لشيخ الأزهر بقرار جمهوري ـ والمعمول حاليًا منذ عام 1961 ـ إلي نظام الانتخاب من بين علماء الأزهر في مجمع البحوث الإسلامية. واعتبر النواب ذلك أفضل طريقة ديمقراطية لاختيار القيادة الجديدة للأزهر بنظام اقتراع سري مباشر من بين المرشحين ويصدر بذلك قرار جمهوري بتعيينه. وتقدم النواب المطالبين بذلك مسئول ملف الأزهر في كتلة الإخوان البرلمانية "علي لبن" وعدد من النواب المستقلين.
اللافت للإنتباه في هذه المرة أن التعيين لم يستغرق أكثر من اسبوع، المرة السابقة استغرق التفكير عند نظام الحكم ما قارب الثلاثة شهور، الإسراع هذا يدل على أمر ما يدعونا إلى القول أن سوء الأوضاع بصفة عامة جعلت النظام يغلق باب المساجلة ورسالة تؤكد من جديد أن أصحاب الفكر والرأي يملكون أدوات التعبير فقط من خلال ما يكتبون ولا نصير لهم وأن نواب البرلمان دمى متحركة بإرادة النظام لا تملك الشارع العام ولا تملك القدرة على التغيير، وأن الجمهور العريض لا يعي خطورة المسألة، فتعيين أو إنتخاب؛ الفارق ليس بينهما كبير.
يحكي الشيخ محمد الطيب: أن هناك جماعة كانت تطلق على نفسها "جماعة أنس بن مالك" وهى جماعة سلفية، أحد القائمين عليها خاطبه قائلا: "سنحضر لنشر فكر الجماعة فى مسجدكم"، فخاطبه الشيخ محمد: "السيد رئيس الجماعة، أهلاً وسهلاً فى بيتنا وبلدنا وساحتنا، ولكن قبل أن تأتوا إلينا نحب أن نعرفكم بنا، نحن نؤمن بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم، وبالمشايخ وبالذين يطوفون بالأضرحة ويقبلون الأعتاب"، هذا ما قاله أخ شيخ الأزهر الجديد، الذي تربى بين أحضان الطريقة الخلوئية، ويتبقى سؤال:" إلى أين يسير موكب الأزهر بمشائخه!!".
الأيام حوامل والإجابة في ظهر الغيب فلننتظر قليلاً وغداً لناظره قريب، وطريق التغيير طويل يبدأ بحركة صحيحة، والله المستعان على ما تصفون.
الرمادي