العرب وروح المبادرة
العرب وروح المبادرة
صدقي موسى - كاتب وصحفي
كثيرا ما نسمع في نصوص الاخبار في حال اعتدت دولة على اخرى جملة "وبادرت الاخيرة بالرد" في تداخل مغلوط لمعنى المبادرة وردة الفعل والتي تتسم احينا بعدم الاتزان والانفعالية.
روح المبادرة التي أزهقت بعد الضربات المتتالية والحملات المتواصلة التي تعرضت لها النفسية العربية، جعلت هذا الوطن الكبير ساكنا خامدا ينتظر صفعة او نظرة رحمة وشفقة من المحسنين واصحاب السطوة والنفوذ، اصحاب الروح المبادِرة والخطط المستقبلية التي تتجاوز الكرة الارضية و"مجرة درب التبانة".
وامتنا العربية في ذكريات الماضي تغط في سباتها المقيت ومواقفها السلبية تجاه قضايها الداخلية والوطنية، ولعل هذه المواقف التي ساطرحها شاهد حي على المرض الخطير الذي نعاني منه ويدركه كل واحد منا ولكن كعادتنا نتفنن فقط في وصف الحالة، او الرضوخ للواقع المرير.
فمنذ عام 2000 وحتى الآن شهد عالمنا العربي حوادث عدة تشهد بذلك، من احتلال امريكي للعراق، وهيمنة اجنبية على مقدراتنا وقراراتنا السياسية والسيادية، حتى وصل الامر ان تتجرأ دولة مثل اثيوبيا باحتلال الصومال وغير مستبعد ان تفكر دولة كـ"موزمبيق" باحتلال دولة عربية في ظل الهوان الذي أصبح سمة للوطن العربي.
ولعل الحالة الشاذة في هذه الاجواء والمبادرة الابرز كانت "انتفاضة الاقصى" التي اتخذها االشعب العربي الفلسطيني طريقا لنيل الحقوق المسلوبة بارادة حرة منه قلبت موازين قوى الاستعمار والهيمنة التي اعتادت ان تسير الشعوب والامم حسب ارادتها لا ارادتهم. وكذلك ما حصل من مبادرة للمقاومة العراقية وايقاع الاحتلال في مستنقع عرقل مشاريعه وقيام شرق اوسطه الجديد.
وحتى يكتمل تصورنا لمعنى مفهوم المبادرة اقتبس مقولة المفكر "ستيفن كوفى" الذي يقول: "ان روح المبادرة تعني اكثر من ان تأخذ زمام المبادرة، انها تعني اننا بصفتنا من بني البشر فاننا مسؤولون عن حياتنا، وان سلوكنا هو تعبير عن قراراتنا وليس عن ظروفنا".
لذلك نرى ان الشعوب الغربية نهضت بارادة حرة وجعلت من نفسها شئ يحسب له حسابه حتى تتجرأ هذه الدول على التدخل في شؤوننا الداخلية كلبنان وفلسطين والسودان، ويأتي ملك اسبانيا بكل تبجح وغرور ويزور مدينتي "سبته" و"مليلية" المحتلتين، فبأي منطق يأتي هذا الشخص من قارة لقارة ويقطع بحرا ليعزز احتلاله لارض عربيه؟!
وغير بعيد عن هذا نجد ان قضية الصحراء الغربية و دافور وقبل ذلك فلسطين تلاقفتها المصالح وتقتسمتها قوى الهيمنة، دون أن نرى أي تحرك عربي جاد، ويخرج علينا بعد هذا كله من يطالب بتوقف الغرب عن التدخل في قضايانا، وما علم هؤلاء أن الكون لا يحتمل الفراغ، وأي فراغ سيجد من يملؤه.
ففقدان روح المبادرة مرده لعدة اسباب ابرزها: فقداننا للثقة بالنفس والاعتماد على الذات، جراء الهزائم التي مني بها العرب عبر تاريخهم الحديث، والارتكاز على الثقافه الدخيله في بناء الشخصية العربية التي وجدت نفسها تتنازع بين ثقافتين فلا هي عربية اصيلة بعروبتها وفكرها ولا هي غربية بحضارتها.
الامر الاخر، هو البحث عن المصالح الذاتية سواء على مستوى الافراد او الاحزاب او صناع القرار، فالنخب الثقافية والسياسية تختصر الامة في ذاتها وشخصها، كما وقعت الحركات السياسية بنفس الخطأ، فصورت لمريديها ان الاستهداف او القمع الذي تتعرض له يستهدفها لشخصها وليس لبرنامجها، فالامة لا يرتبط وجودها بوجود شخص او حزب.
كما ان من اسباب غياب روح المبادرة، ان بعض الاهداف التي يحارب من اجلها هي للحفاظ على الذات ومن اجل مكتسبات شخصية، فيتم جراء ذلك تضييع ثوابت والتهاون بالحقوق. واذا كان الامر كذلك يفقد المجتمع والافراد روح المبادرة والابداع لفقدانه الدافع والحافز.
وما نحن به الان تجاوز مرحلة عدم امتلاك روح المبادرة الى مرحلة الخضوع وعدم الدفاع حتى عن النفس. ووضع المبررات التي تعد اقبح من ذنب، ففي الوقت الذي تسعى فيه ايران لامتلاك التكنولوجيا النووية وجعل نفسها قوة لا يستهان بها في المنطقة، وبادرت لملء الفراغ العربي في العراق، وبسط سيطرتها، نجد في المقابل العرب يخشون ويتوجسون بعبارات وجمل الواهن العاجز، بتحذيرهم من الخطر "الايراني- الشيعي" على المنطقة العربية، وهذا بطبيعته امر غريب لمن لا يمتلك زمام المبادرة والاحداث من حوله تتسارع، ولا يعتبر من رسالة دوران الارض حول نفسها وهو في مكانه ثابت لا يحرك ساكنا.
فماذا فعل العرب ليجعلوا من انفسهم قوة ذات شأن او يحسب لها حساب؟ ماذا فعلوا للعراق؟ اي مبادرات ايجابية صنعوها ليكونوا من صناع التاريخ؟! وما زالت الاسئلة تتوالى في ظل غياب مبادرات الاجوبة العربية الشافية المقنعة.