حوار بنّاء حول الطائفية في سورية

حوار بنّاء حول الطائفية في سورية

د.محمد بسام يوسف*

[email protected]

بادئ ذي بدء، أحيّي كل مَن تفاعل.. فحاور، بطريقةٍ حضارية، حول ما نشرناه الأسبوع الفائت تحت عنوان: (الطائفية والتحريض الطائفيّ في سورية).. فقد كان معظم الحِراك الخاص بهذه القضية الحسّاسة إيجابياً، وإننا إذ نشكر كلَ الذين تفاعلوا مع ما عرضناه من حقائق، حتى أولئك الأفاضل الذين عاتبوا وسعوا لتوضيح مواقفهم التي نحترمها ونقدّرها.. فقد وجدنا أنه من المفيد لسورية وشعبها وقواها الوطنية، أن نعقّبَ بشكلٍ عامٍ على بعض التساؤلات، آملين أن نتمكّنَ من إزالة بعض اللبس الذي لاحظناه في تعليقات بعض الأفاضل، موضِّحين ما رمينا إليه خلال عرض أشد القضايا حساسيةً بالنسبة لسورية والسوريين.

 قبل عرض تعقيبنا، من المفيد أن نعرضَ رسالةً مهمة، أنموذجاً على ما ظهر من حِراكٍ حضاريّ، وجّهها إلينا السيد (سامر عيد) مشكوراً، تعليقاً على ما نشرناه تحت العنوان المذكور آنفاً:

أولاً : الرسالة

 [عناية الدكتور محمد بسام يوسف المحترم

 بداية ارجو ان يتسع صدركم الرحب و سماحتكم المعهودة بتقبل بعض الملاحظات التي سأوردها راجيا ايضا ومن منطلق سماع الاخرين ان تتسع صفحات مركزكم الاعلامي بنشر كل الردود و المقالات التي تنطلق من المبادرة الوطنية و روح الحوار و اقلها من مبدأ المشاركة بالوطن الذي كما ذكرتم انه للجميع. اتفق معك استاذي الفاضل ان القضية الطائفية نالها الكثير من المغالطات ولكن الذين طرحوا التساؤلات بالتأكيد لم يكونوا يسعون ان يرفعوا الجناية الطائفية عن احد.بل على العكس تماما يريدون بذلك ان يثبتوا عكس ما يروج له النظام.. ولو اشرتم او نشرتم في مواقعكم مقالات جميع الذين تناولوا ذلك الموضوع لاستطاع القارئ عموما و قراّئكم خصوصا استنتاج واستخلاص وتبيان الخيط الابيض الشريف من الخيط الاسود الخبيث. ولعلم الجميع بحرية واخلاص السبب الحقيقي لتصريحات السيد البيانوني المراقب العام ولتمت الاشارة ان هذه التصريحات هي جزء من ميثاق وعقيدة الجماعة وفهمهم للاسلام المتسامح التي نوه اليها السيد المرشد العام فبينما رحبنا بما سمعناه من السيد البيانوني وكان محل فخر كبير تتميز به حركتنا الاسلامية دون الكثير من غيرها من الحركات التي انتهجت المنهج التكفيري للمخالفين تفاجأنا بالحملة على اصحاب هذه الطروحات والتساؤلات ولم تكن هناك حاجة لتوجيه الاتهامات بل كيل الشتائم في بعض الاحيان لبعض الاقلام و الكتاب لمجرد طرح السؤال. صحيح ان ميثاق الجماعة ليس خافيا على احد لكن لا ضير بزيادة الاستبصار في ظروف حلكة كهذه. وان اخذنا ذلك من منطلق الاية الكريمة ولا تزر وازرة وزر اخرى. فانك يالتاكيد توافقني ان (..) لا يجب ان يحاسب بدلا من (..) مثلا و الاثنين ينتمون لنفس الطائفة او الاقلية كما ذكرت.و بالتأكيد لن يكونوا سواسية امام العدالة الالهية. لم ولن يكن السؤال محرما يوما من الايام وفي جميع الاديان. و السؤال مهما كانت صيغته لا يمكن لصقه كتهمة برسم المسؤول.. والاسئلة التي وجهتها بعض الاقلام الحرة وانا كنت منهم مع العلم انني معارض غير متحزب ولا انتمي لاقلية لا تعني ابدا اثارة أي فتنة او الصاق أي تهمة او تبرئة احد من اركان النظام,, بل على العكس تماما الاسئلة استاذي الكريم جائت لوئد الفتنة التي يعمل النظام على زرع فتيلها قبل رحيله وهي وكما اشار الجميع دون استثناء فأن الطائفية البغضاء والطلم والاستبداد من صنع النظام الفاشي 100% وسؤالنا الموجه للجماعة هو من منطلق التقدير لدور الجماعه الوطني الذي يعرفه الجميع ولشعورنا بحجم وثقل الجماعة في الشارع السوري ولما تتمتع به من ثقه وتمثيل للاغلبية ولم يكن انتقاصا او الصاقا للتهم,, ولدينا شعورا يقينا بانه يجب ان يحاسب جميع اركان النظام باختلاف انتمائاتهم مثل المجرم مصطفى طلاس الذي هو من الاكثرية حسب تعبيركم و آل مخلوف الذي هو من الاقلية والامثلة كثيرة على سبيل المثال لا الحصر. الاطمئنان الذي طلبناه هو للجميع و ليس لطائفة معينة ولا شك ان جانبا كبير من الاغلبية التي تتحدث عنها يهمه سماع ذلك منكم لانكم تمثلون حجما و ثقلا في الشارع الوطني السوري. ولنبين للجميع و اعني بذلك حتى ابناء الديانات الاخرى في سورية الوجه المشرق والوطني للحركة الاسلامية,, ولو كان الهدف غير شريف كما اشارت بعض فقرات مقالكم لاستفتينا من يمثلون الفتنة ويشفون قلوب النظام الذي اصبح مصدّرا للطائفية وللارهاب وللعنصرية في المنطقة,, كنا لازلنا ننتظر ونأمل في ان نرى ترجمة فعلية لتوجهات الجماعة في التاكيد على مد الايدي للجميع دون استثناء او تمييز او على الاقل من مبدأ قبول الرأي الاخر عبر جميع نشاطاتكم ومواقعكم ومنتدياتكم.. الجميع يتطلع الى الوجدة الوطنية ووحدة المعارضة السورية على مختلف اطيافها حتى نسد جميع الابواب والافواه التي تعزف على هذا المنوال. اخيرا اخي الفاضل لي تعليق اخير على ما ورد في الفقرة الاخيرة من مقالتكم ان لا احد ينظر بعين الشك والريبة لما ابديتموه وصرح به السيد المراقب العام ولا لحملكم القضية الوطنية لعشرات السنين انما المراد هو استأصال ذلك الشك و الريبة التي زرعها النظام عبر اربعين عاما من قلوب ليس فقط ابناء الطائفة العلوية بل من قلوب الجميع وتفويت الفرصة على سياسات النظام الذي يتوعد بعراق اخر في حال رحيله. املنا ان نكون جميعنا اكثر حلما في استعراض مواضيع كهذه يبني عليها النظام ظلمه واستبداده منذ عشرات السنين وبجوارنا عراق عزيز يكتوي بنار الطائفية و الاحتلال ,, فلا تلومن أحدا يسأل ما بدا له وانتم لذلك التساؤل المشروع اهلا.

 وتفضلوا لقبول فائق الاحترام و التقدير سامر عيد] ا.هـ

* * *

ثانياً : التعقيب العام

 1- عندما عرضنا موقفنا من الطائفية في سورية، فقد كان واضحاً تماماً أننا لا نتّهم أحداً من الإخوة الأفاضل الذين عرضوا تساؤلاتهم في بعض وسائل الإعلام.. كان الجهد منصبّاً على إثبات أنّ النظام الحاكم كان -وما يزال- نظاماً طائفياً، يستغلّ طائفته ويبتزّها لتضع نفسها في خدمته وخدمة تسلّطه ودكتاتوريّته.. وفي كل الأحوال، لا نعتبر السؤالَ مُحَرّماً، بل نعتبره أمراً إيجابياً، يدفع إلى حِراكٍ إيجابيٍّ مثمر.

 2- كما كان واضحاً، أننا نردّ على بعض المُحرِّضين الطائفيين، من أزلام النظام أو من بعض الذين نصّبوا أنفسهم للحديث باسم الطائفة التي ينتمي النظام إليها، خدمةً لاستمراره في التسلّط على مقدّرات سورية.. أولئك الذين اتهموا وضلّلوا، وألبسوا الحق بالباطل، وزيّفوا الحقائق الجارية على الأرض.. وفي كل ذلك، لم نكن نعني أولئك الوطنيين الكرام السائلين أو المتسائلين، الذين يبحثون عن الحقيقة والاطمئنان.

 3- الحقيقة التي لا يُماري فيها عاقل، هي أنّ النظام الأسديّ في سورية نظام قائم على مفاصل أساسيةٍ في الحكم، عمادها فئة طائفية مغلقة من القوى العسكرية والأمنية والاقتصادية.. أما وجود بعض الأشخاص من الطوائف الأخرى في بعض دوائر النظام، فهذا الوجود مصلحيّ شخصيّ يروم أصحابه الانتهازيون تحقيقَ الفائدة الخاصة بهم.. وهذا لا يعني بحالٍ من الأحوال أنّ لهؤلاء أي شأنٍ مفصليٍّ في تركيبة الحكم أو في حمايته وتأمين استقراره واستمراره.. لذلك، فإنّ عملية التغيير في سورية، والخلاص من حالة الاختناق الوطنيّ وانسداداته وتبعاته، يتحمّل معظمَ مسئوليته العلويون: وبخاصةٍ المسيطرون على مفاصل النظام، أو المتنفِّذون المستفيدون منه استفادةً تجعلهم جزءاً منه.. إنها مسئولية ذات شقَّيْن، فهي تاريخية من جهة، وواقعية حقيقية من جهةٍ ثانية.

 4- إنّ سورية لجميع أبنائها، ومبدأ تكافؤ الفرص الذي غيّبه نظام الحكم الطائفيّ.. ينبغي أن يعودَ إلى الحياة السورية بكل أشكالها. كما أنّ القانون الوطنيّ العادل النـزيه فوق الجميع، وفي ظل سيادة القانون ينبغي ألا يتوجّسَ الشرفاءُ من التغيير القادم بإذن الله.. المجرم وحده مَن يتوجّس ويخاف في دولة القانون.

 5- نعتقد أنّ الفرصة سانحة لمن يرغب من أبناء الطائفة بالانسلال من حظيرة النظام الحاكم الظالم، والخروج عن الصمت أو عن حالة تغطية جرائم هذا النظام وفساده، والانضمام إلى المشروع الوطنيّ الذي يجمع كل شرفاء سورية الساعين إلى التغيير بمقاومة الاستبداد الأسديّ.. الفرصة سانحة، وقد لا تكون كذلك في المستقبل القريب، وينبغي حسم الخيارات لصالح خيار القضاء على الاستبداد، دون تردّدٍ أو توجّسٍ من المستقبل، وبالتالي دون الخضوع إلى ابتزاز النظام وألاعيبه وتخويفه غير الواقعيّ لهم، الذي يرمي منه حشرَ الطائفة كلها في خندقه، لتكون دريئته التي تحميه من الشعب السوريّ كله.

 6- إنّ الأمن ( أي أمن الطائفة) والاطمئنان على المستقبل (أي مستقبل الطائفة كما يفهمه رجل الشارع السوريّ العاديّ)، هو بيد الطائفة لا بيد غيرها.. أن تتخلّى نهائياً عن هذا النظام الفاسد، وأن تتحرّك أذرعها القوية النافذة للانخراط بالمشروع الوطنيّ، وبالتالي لإقناع المواطن السوريّ العاديّ (المضطَهَد المكبوت منذ عشرات السنين على يدي نظامٍ طائفيّ) بأنها (أي الطائفة) لا تدعم الدكتاتورية ولا الطائفية ولا الظلم ولا الفساد ولا الاستبداد الذي يمارسه الأسديون.. ينبغي عزل النظام الجائر، وإحكام الطوق حوله، وعدم تمكينه من العبث بمصير الطائفة ومستقبلها، كما يعبث الآن بمصير الوطن السوريّ كله.

 (وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (يّـس:17).

               

*عضو مؤسِّس في رابطة أدباء الشام