سئمنا من طنين وعاظ السلاطين!

سئمنا من طنين

وعاظ السلاطين!

علي الكاش

كاتب ومفكر عراقي

[email protected]

غالبا ما يقحم رجال الدين أنفسهم في مجالات سياسية بحتة هم في غنى عنها لأنها تسيء إلى مكانتهم عند الناس، الدين والسياسة حالتان متعارضتان، فرجل الدين ـ من غير الإنتهازيين ووعاظ السلاطين ـ لا يمتك مواصفات السياسي، والسياسي لا يمتلك صفات رجل الدين، ولا يمكن لأي منهما أن ينجح في مجال عمل الآخر سواء على الصعيد الشخصي أو العام. على الصعيد العام يمكن تشخيص فوضى نظام الملالي وفشله داخليا خارجيا. وفي العراق المحتل أسفر تدخل مرجعية النجف في الشؤون السياسية عن جملة من المساوىء منها الإنتخابات المزورة والدستور الملغم والحكومات الفاسدة والإتفاقيات المشبوهة، علاوة على الفضائح التي لازمت المرجعية منذ الغزو الغاشم ولحد الآن والتي أماط عنها اللثام قادة الغرب أنفسهم في ظل صمت المرجعية. وهذان نموذجان لشيخين أقحما أنفيهما في شأن سياسي بحت.

أولهما الشيخ نعيم القاسم، نائب أمين حزب الله الذي صرح بأن" المشروع الأميركي- الإسرائيلي- التكفيري واحد، على الرغم من أننا نراه تارةً في فلسطين المحتلة، وأخرى في سوريا، وثالثة في العراق، ورابعة عندما كانت الاعتداءات تحصل على لبنان، وخامسة في أماكن متعددة في عالمنا الإسلامي، وهذا المشروع له أشكال وأدوات مختلفة، ولكنه يريد أن يقضي على كرامتنا وعزتنا وأن لا يُبقي لنا قرارا

كما تجاهل الشيخ بأن إيران هي التي مهدت للشيطان الأكبر إحتلال العراق وإفغانستان، وان الشيطان الأكبر هو الذي منع جزار دمشق من السقوط، هو الذي غض النظر عن جرائمه وضرباته الجوية والكيمياوية لشعبه، وميع القضية على العكس من ثرثرته وضجته في  مسألة حلبجة. وقد خاب ظن الجميع في موقف حزب الله من العدوان الأخير على غزة تحت ذرائع واهية لا يقنه بها طفل، فهو يرسل مقاتليه لسوريا بدلا من غزة بعد أن زوده نظام ولايه الفقيه ببوصلة تنحرف بزاوية بعيدة  عن الإتجاه العروبي. أما الوضع في لبنان فالشيخ أدرى به، وقد لخصه حسن نصر الله بقوله" نحن إيران"، والحليم تكفيه الإشارة!

كما ذكر الشيخ القاسم" سيسقط إن شاء الله تعالى هذا المشروع في امتداداته في العراق مع التآزر والوحدة وضرورة القيام بالإجراءات المناسبة لمواجهة هذا المشروع، وليعلم الجميع أن مشروع المقاومة لن يهدأ وسيبقى حاضرًا في الميدان، وسيتم عدته دائمًا لمواجهة التحديات"! بقدر تعلق الأمر بالعراق، سوف لا نردٌ عليه وإنما سنترك الجواب لوزير خارجية العراق إبراهيم الجعفري. الذي أعلن إن سيقان السيادة الجوية للبلاد مفتوحة لكل الغزاة لإنتهاك عذريتها بغض النظر عن جنسيتهم " كما أكد  رئيس الأركان الأمريكي الجنرال مارتين ديمبسي على أن الولايات المتحدة" تلقت طلبا من الحكومة العراقية خاص بتنفيذ ضربات جوية". وفعلا إستجاب الكلب الأسود في البيت الأبيض لطلب الوزير السيادي جدا. وما صرح به رئيس حكومة العراق ووزير خارجيته الجعفري بعدم السماح بدخول قوات برية أمريكية للعراق بحجة السيادة البرية، تكذبه حقيقة وجود هذه القوات في قاعدة سبيكر في محافظة صلاح الدين، وبإعتراف المحافظ نفسه.

لكن كيف سيفك لنا الشيخ نعيم القاسم هذا الطلسم المحير؟ إنه يحذر من المشروع الأمريكي في المنطقة ومنها العراق، في حين تطلب حكومة العراق من صاحب المشروع الأمريكي الدعم العسكري!

ثم كيف يحل لنا الشيخ القاسم مسألة مطالبة رديفه في العراق مقتدى الصدر جهرا مساعدة الأمريكان، وتمت تلبية طلبه فورا من خلال إرسال قوات جديد تحت غطاء المستشارين الأمريكان الذين بلغ عددهم الآلاف وهو عدد خرافي لا يملك الرئيس أوباما عشره في البيت الأبيض، وهو يدير الولايات المتحدة كلها بولاياتها (51) ولاية، وليس بلدا صغيرا كالعراق!

وكيف يحل الشيخ هذه المعضلة، يعتبر جزار دمشق الأسد حسب دعوى نظام الملالي وزعيم حزب الشيطان بطل الصمود والتصدي الأسطوري ضد للكيان الصهيوني، لذا فهم يدعمونه ويقاتلون إلى صفه. ونظام الملالي يدعي وقوفه مع الفلسطينيين ضد الكيان المسخ، وسبق أن هدد قادته بإزالة الكيان من الخارطة، لكن نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان حذر في 12/10 وفقا لوكالة فارس الإيرانية" بأن سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد على يد تنظيم الدولة الإسلامية من شأنه أن يقضي على أمن إسرائيل". ويبدو إن نظام الملالي حريصا على أمن إسرائيل! وحريصا في الوقت نفسه على أمن جزار دمشق!

اللغز الأخير يتمثل بخشية الولايات المتحدة من توسع تنظيم الدولة الإسلامية، بما معنى إن التظيم يعتبر عدو للأمريكان، وقد شنٌت المئات من الضربات الجوية على مقرات التنظيم في العراق وسوريا. والشيخ حسن نصر الله يدعي محاربة المشروع الأمريكي في المنطقة تبعا لموقف ولايه الفقية من الشيطان الأكبر، وكذلك يفعل تنظيم داعش، بمعنى أن داعش وحزب الله وسيده الولي الفقيه لهم هدف مشترك هو محاربة الأمريكان. وهنا سنقف أمام عقبة جديدة، لأن إيران ترى في داعش صنيعة أمريكية كما عبر الشيخ كاظم صديقي إمام جامع طهران والمقرب من الخامنئي يوم 20/6 الجاري بقوله" داعش صنيعة أمريكا! وتهدف إلى شق الصف الإسلامي واشغال المسلمين عن خطر الكيان الإسرائيلي. إنهم جماعة من القتلة والوحوش". إلا يتفضل علينا الشيخ بحلً هذه المعمة لنعرف رأسنا من قدمنا؟ مَن مع مَن وضد من؟ وللشيخ الأجر والثواب.

الشيء المثير الآخر هو تحذير وكيل مرجعية في النجف عبد الهادي الكربلائي من " بناء الحرس الوطني على اساس طائفي اوعرقي، داعيا الى اعتماد معايير الكفاءة والمهنية والحس الوطني في اي تشكيل امني". وهو يذكرنا أو كما قال الشاعر:

يا أيها الـرجل الــمعلــــم غيره     هلا لنفسك كان ذا التعـــــــــــليمُ

تصف الدواء لذي السقام وذي     الضنا كيما يصح به وأنت سقيــم

ابدأ بنفسك فانهها عن غيـــها      فإذا انتهت عنه فأنت حكيـــــــــم

لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثلــــه      عار عليك إذا فعلت عظيــــــــــم

نسأل هذا الوكيل الفهيم: هل الحشد الشعبي الي دعت له المرجعية كان معتمدا على الكفاءة المهنية والحسن الوطني؟ وإن قال بأنها قوى شعبية وليس قوات مسلحة. سنرد عليه: كلا! لأن عناصره يتدربون ويتسلحون ويتسلمون رواتبهم من خزينة الدولة وليس من خزائن الحوزة.

ثم هل الميليشيات التي ترعاها المرجعية تقع خارج الإطار الطائفي؟

وهل الجيش والشرطة العراقية وبقية الأجهزة الأمنية بنيت على أساس وطني وكفاءة مهنية أم على أساس طائفي بحت؟

ثم أين كانت المرجعية من هذه التوصيات منذ تشكيل الجيش الهجين؟ أليس هذا الجيش الطائفي هو واحد من مخرجات الحوزة وتوصياتها؟ لأن كل ما أنجز في بداية الغزو من قوانين وتشريعات جرى بمشورة المرجعية بإعتراف قادة الغزو أنفسهم.

وهل أصبح الحرس الوطني هو التهديد الجديد بعد أن ذاقت مدن أهل السنة الامرين من الجيش الطائفي؟ أليس هذا الجيش هو نفسه ما يزال يقصف الأبرياء في الفلوجة؟ ولا علينا بالمواجهات المسلحة مع بقية التنظيمات المعارضة، إنما نتحدث عن المدنيين الأبرياء؟

ويتطرق الشيخ إلى مسألة الأساس العرقي في بناء الجيش وضرورة الإبتعاد عنه، ونسأله ما رأيه بالبيشمركة الكردية وهي قوات تستلم رواتبها من خزينة الدولة، هل هذه القوات مبنية على أساس عراقي أم وطني؟ هل يوجد عنصر عربي في هذه القوات ولو بنسبة 1% أيضا؟ أليس هذه القوات ميليشيا أيضا؟ وهي لا تختلف عن ميليشيات بدر والمهدي وجيش المختار وعصائب أهل الحق والحشد الطائفي، كل هذه الميليشيات والعشرات غيرها تخدم أجندة طائفية أو عنصرية خاصة بها ولا علاقة لها بالعراق.

لكن هل كلام الشيخ غير صحيح؟

بالطبع صحيح جدا ولكن ينطبق عليه القول" كلمة حق أريد بها باطلا".

صحيح إن الجيش يفترض أن يبنى على أساس وطني بحت وهوية وطنية واحدة كبقية جيوش العالم في كل مكان في الأرض ما عدا العراق. لكن هذه المنطق السليم يفترض أن يصرح به الإنسان الوطني السليم، وليس الغارق بالطائفية من رأسه إلى أخمص قدميه. المرجعية هي أصلا صرحا طائفيا، وكل ما يخرج عنها من تصريحات وفتاوى وبيانات مبنية على أساس طائفي بحت وليس وطني. وتجربة الحشد الشعبي الأخيرة أبرز دليل على توجهها الطائفي. وإذا كان هناك 1% من الحشد الطائفي ينتمي الى مذهب آخر سنقدم إعتذارنا للكربلائي وغيره.

لاحظ إنه في نفس التصريح وبعد سطر واحد يذكر" لابد ان تبادر الحكومة الى اتخاذ التدابير الضرورية من صرف رواتب المتطوعين كون ترك هؤلاء الاخوة بدون رواتب سيدفع البعض الى التخلي عن الحضور في جبهات القتال لحاجته الى المال بالرغم من رغبته بالحضور والدفاع عن الوطن، فضلاً عن الاهتمام من قبل الحكومة ايضاً بتوفير السلاح والعتاد". والحقيقة أن هناك توجهات من المرجعية وحكومة العبادي لدمج قوات الحشد الطائفي في الجيش بمعنى إغناء التجربة الفاشلة  السابقة بفشل جديد، وإضافة ثقل جديد لكفة الطائفة المهيمنة على الجيش والشرطة وبقية الأجهزة الأمنية، لزيادة الإختلال في التوازن الإجتماعي وبالتالي الوطني.

وهذا ما يمكن ان نستشفه من خلال تصريح حيدر العبادي الذي أشاد بالدور الذي تقوم به عناصر ميليشيا الحشد الشعبي معتبرا اياهم" العمود الفقري للأجهزة الامنية"، متعهدا " بتلبية كافة احتياجاتهم، وضرورة انضاج تجربة الحشد الشعبي".

نقول للشيخ وغيره بأن الجيش العراقي لكي يبنى على أسس وطنية سليمة، يجب أن يضم كل الشرائح الإجتماعية في العراق، ويبتعد عن منطق الطائفة الواحدة، وينأى بنفسه عن التحزب، ويكون في خدمة الشعب وليس الحاكم، وأن تقتصر مهمته على الحدود وليس داخل المدن، وان لا يعتدي على المواطنين الذين يمولونه من ثروات بلدهم وليس من ثروة الحاكم، وأن لا يوجه السلاح الى صدور المواطنين مهما كانت الحجج والمبررات. وأن لا يخضع لا إلى المرجعيات الدينية ولا غيرها من الجهات، وإنما للقيادة العامة للقوات المسلحة فقط. وأن تسحب الأسلحة من الميليشيات كلها.

هذا يعني من جملة اشياء هيكلة الجيش الحالي الذي خيب الآمال قيادة وجنودا، علاوة على إلغاء وملاحقة الميليشيات بلا إستثناء، فهي ذات ولاء خارجي ومعروفة للجميع، بالإضافة إلى إخراج قوت الحرس الثوري الإيراني من العراق.

الحل بسيط جدا وهو أن تفرض الخدمة الإلزامية ولمدة محدودة لا تزيد عن سنة، أي كما كان عليه الأمر قبل الغزو. هل هناك أسهل من هذا الحل؟