خطيئة المحامي بلقاء مشهورة
رد على مقال المحامي الفذ:معز عبد الله صديق كرار
سقوط القيم والأخلاق السودانية في كوالالمبور
الطيب عبد الرازق النقر
الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا
لا ينتابني أدنى شك من أن ذلك المقال الذي دونه يراع الصديق العزيز المعز كرار أصابه بمشقة في نفسه، ووضيعة في علاقاته، ووكس في وقته الثمين الذي أهدره في مناكفة غلاة الجدل وساسة الكلام في منبرنا الحبيب حوش بكري الذين أضناهم شطط المحامي الألمعي الذي لا تعزب عنه مادة في القانون إلا حواها عقله المتقد، ولا بند من بنود العرف والشرع إلا ضمها ذهنه الثاقب، لقد تبرم مصابيح الدجى، وأعلام الهدى، وفرسان الطراد، من تعسف الأُباكتو وغلوه وهو يصف تلك الليلة المديدة النفس، الطويلة العنان، بأوصاف تغوض بشاشتها، وتذبل محياها النضر الذي حفز السود أن يقطعوا إليها فدافد الأرض، حتى يذكوا ما خمد من عواطفهم النبيلة، ويختلسوا لذة لا تتوفر في كل الأوقات، وأي لذة تضاهي ملاقاة أصحاب المهج الراضية، والأحلام الجزلة التي تقدح زناد الفكر في تلك الديار الشاحطة، والألسن المداعبة التي تخفف على المرء أهوال الحياة وصعابها. ليت المعز تمسك بأذيال الصمت، ولم ينبس ببنت شفة، لظلت تلك الليلة في مخيلة كل من حُظِيّ بحضورها شابة خريدة طرقت بحسنها كل قلب، ورمت بجمالها كل عين.
ولكن أنىّ للمعز الذي لا أريد أن أفرده بتقريظ، أو أخصصه بثناء، يحقق لنا ذلك الأمل العصي.... كيف لصاحب الفؤاد الشهم أن يرى الظباء في مرابض الأسود ولا يتفوه بكلمة يعبر بها عن استيائه واستنكاره...وهو الشاب الورع، القائم ليله، والصائم نهاره، المجاهد الذي أفنى عمره الباكر المديد بإذن الله في نزاع لا ينقطع، وصراع لا يفتر، مع أخدان الشيطان وسدنته، كيف له أن يرى ذلك الداء العضال الذي استفحل حتى استيأس منه النطاس الحاذق يوهن بنية الكالحين المتماسكة البناء، المتضامنة الأعضاء، دون أن يسعى لاجتثاث شأفته، أتراه يرضخ أن تتزعزع تلك الصورة الناصعة البياض التي عُرِفَ بها ((الزول)) وسط المترفين المسرفين الذين يشقشق بلسانهم، ويتقيد بطباعهم، هيهات، إذا عليه أن يحث مطايا نصحه،ويرسل عيونه لترصد ما يدور خلف السجوف، بعد أن استبدّ بذهنه أنّ الفضيلة تتحيفها المكاره، وتطأها الأقدام، نعم لقد ارتدى المعز لامة الهيجاء، وتهيأ لحرب رعناء لا تأصرها آصرة، ولا تدركها شفقة ضد من لجوا في غوايتهم، وأوغلوا في عمياتهم.
ولكن غاب عن الشاب الجسور الذي كان ليث غابة، وأخو كريهة فيما خلا من الأيام التي حمل فيها نفسه على المعاطب والمهالك وهو يقاتل طواغيت الغي، وأصنام الفرقة، وأوباش الإلحاد، أن سهامه التي أرسلها من كنانته الآن لم تصب سبع من ضواري الفتنة، أو جلفٌ من شُرّادُ الأمصار، ولكنها أصابت نفر من العلماء المحققين، وجماعة من الفضلاء المربين، وقطب من الساسة لا تمُضُّه غضاضة، أو يستخفه لين، وأودت أو كادت بالشرف الباذخ الذي تحرص كل أم مشبلة أن تغرسه في بنتها، الشرف الذي تتهالك الأسر في صونه، وتتفانى في لزوم حياضه، أهدره المعز دون أن يدري بتلك العبارات العجاف التي تذهل عقل الحصيف، وأنا الذي كنت أعتقد أنه لا يكتب إلا عن علم، ولا ينظم إلا عن فن، ولا يحكم إلا عن وعي، ولكن العصمة لله وحده، وهل يخلو فرد منا من هفوة أو نقيصة.
عزائي أن خطيئة المعز التي استدعت الدهشة، واستوجبت العكوف على مناقشتها، لأن خطيئة المحامي الخلوق بلقاء مشهورة، ولأن جميع معارفه لم يعتادوا منه حياكة الأكاذيب والأراجيف، عزائي أن جريرته لم يحمله عليها نزق الشباب، وغرة الحداثة، و لكن أوقعه فيها حرصه على إقالة العثرة، وإقامة المعوج، وإسداء النصح، والأجدر بالمعز الآن أن يلوذ بمغاور الجبال، وكهوف الأودية تائباً ومستغفراً سائلاً الله أن يتغمد خطاياه وخطايانا بالعفو والمغفرة، وأن يعود إلي مقاله فيسدد ما فيه من خطل، ويزيل ما فيه من جور.