تجربة الحب الأول

سوزان نبيل الشرايري

سوزان نبيل الشرايري *

[email protected]

لحب حكاية أزلية نقشتها أيدي عشاق على أعتاب الزمان لتحكي بذلك أجمل قصة وجود لأدم وحواء , وجود زينه الوفاء والإخلاص ودلّلّه الصدق والكفاح .فجعل هذا الحب من القلب مرتعا خصبا ومن الجوارح مؤشرا دالا على مدى عمقه ووضوحه .

فصار الحب بذلك كتابا مفتوحا لا يتعثر أحد وهو في طريق اكتشافه .ولكن هل هذا يعني أن الحب لا يكون إلا لواحد يعني هل قلبك وقلبي لا يتسع إلا لشخص واحد؟ هل القلب مقسم فعليا إلى خانات هذا رقم 1 وهذا رقم 2 وهكذا ؟

ترى كيف ستدرك بأنك كنت عندها رقم واحد؟ أو كيف ستضمنين بأنك ستظلين المليكة الأولى على عرش قلبه ؟ من سيتعهد بذلك ؟ قلبك .ذاكرتك .أم الظروف ؟ من بالضبط  من سيضمن لي ولك ولها الرقم الأول ؟

هذا ما سأناقشه معكم في هذا المقال ..

 فكثيرا يا سادتي من تتعثر بهم دموع الآلام فنسألهم عن أنينهم علّنا بذلك نخفف من حرقة تلك التنهيدات الباكية . فتراها وتراه يقول بان وجعه سكن في نفسه وأقام ممتنعا الخروج يوم غادر جسده الحب الأول .

تساءلت حينها هل لهذا الحب فعليا لون أخر أو طعم أخر؟!

حقيقة بعد التحدث مع كثير من الحالات وجدت أن الأمر لا يتعلق بان هذا المحبوب أشقر أو اسمر غني أو فقير قريب أو بعيد لا الأمر جد مختلف .

فالأمر تجاوز هذه الحدود ليتقيد بالإطار التالي :

فلانة أحبت فلان وهو عشقها حتى الهيام تبادلا الغرام وصار حبهما عنوانا تطرزه عبارات الغزل والغرام , دارت الأيام وتقلبت الأحوال حتى صار هذا الشوق بين دفتي ميزان عاشقان بائسان على إحدى كفتيه, وأهل ومال وظروف وقسوة زمان على الكفة الأخرى ,ولكن النتيجة في النهاية بان حب العاشقين ودموع اللوعة والحرمان وحنين الوصل والغرام لم يزنا شيئا في الكفة فتهاوت ساقطة أمام تيار الضغوطات الكثيرة .

وتفرق الحبيبان هذا تزوج أخرى وتلك تزوجت أخر وشاءت الأقدار أن  يرزق إحداهما بزوج بائس والأخر بزوج صالح .

تراكضت الأيام وكأنها يئست من المشي على مهل وتقدمت الأعمار وغزا الشيب الرأس وصار العاشقان السابقان مجرد ذكريات على أعتاب ماضٍ منسي .

ذاك الذي رزق بزوج صالح حمد الله وأثنى عليه وشكر نعمته وصنع أسرة ملؤها الثقة والسعادة والوفاء ,طوى صفحة ذاك الحبيب السالف وما أن ذكرته روحه حتى دعا له في ظهر الغيب ثم هزّ رأسه قليلا وابتسامة هادئة تعانق شفتيه وكأنه يعتبر تلك الأيام غريبة عن طبعه ثم ينظر إلى زوجه المحبوب قائلا وما الحب إلا للحبيب الأخر فيقترب من ذاك الزوج ليقول أنت الحب وأنت العمر وأنت رفيق الدرب .

ثم ننظر إلى العاشق الثاني الذي ابتلي بزوج بائس فتراه  يجلس يرتشف فنجان القهوة وشفتاه ترتجفان بينما تتشارك آهاته مع  آهات الهجر والحرمان المتصاعدة من أنفاس أغنيات  أم كلثوم .ثم بعد حين ينظر إلى المرآة ليجد الشيب وقد حاصر ذاك الوجه الحزين ثم يندب حظه وما هو عليه من أنين ويجلس مع أولاده وتحديدا الإناث ليخبرهم عن ذاك الحب السالف والذي لا يزال يعشش في خلجات نفسه وكأنه يأبى إلا أن يخالط دمه وكيف أن أباهم كان هو العزول بين الحبيب والمحبوب فيسمع الأبناء هذه التنهيدات ويقعون بين الشفقة على حال هذا الأب أو الأم ويتحسرون الما وكأنهم ينقمون على أنفسهم لشعورهم بأنهم نتاج متمرد على حق آخرين في الحياة وكأن خجلهم يمنعهم من الصراخ في وجه هذا العاشق الباكي ليعلنوا له قسوته يوم أن حرم  نفسه و من حوله من فرصة  الإخلاص في  العطاء يوم أن قرر أن يدخل مع زوجه الحالي مسابقة المقارنة مع حبيبه الماضي لينتج عن هذا الأمر آهات وحسرات وأوجاع يحملها كل من حوله جبرا لا خيار فيه . 

ويظل هذا العاشق الواقف على أطلال الماضي يردد صيحات باكية وما الحب إلا للحبيب الأول فيسمعها عنوة لأبنائه وزوجه والعالم من حوله وترافقه إلى قبره لتجعل من ثرى اللحد لعنات حارقه تسلب راحة روحه  وتعلن عليها الشقاق .

 

وفي هذه المقارنة البسيطة تستنتج أخي القارئ بأن الحب الحقيقي ليس رقما تتعامل معه فالحياة ليست حصة رياضيات والناس  ليسوا أرقاما خاضعة للطرح والجمع .

الحب هو ذاك القلب الذي يختاره عقلك وإرادتك وظروفك وترتاح له نفسك وتقرر بان تكمل وإياه درب حياتك.

 الحب هو ذاك الشخص الذي يمنحك العطاء وتشعر يقينا بأنك قادر على منحه المزيد من العطاء كواجب مفروض على قلبك العاشق .

هذا هو  الحب يا سادة أين تكمن السعادة والكمال لا متى تشعر ببداية ذاك الإحساس .

              

*م*ماجستير تربية إسلامية

جامعة اليرموك