غربتنا الدينية

د. ياسر العدل

[email protected]

في بحث علمي عن أحوال المصريين، عرض فى المجلس الأعلى للثقافة، تم طرح سؤال على عينة عشوائية من المصريين، ما هى الدول الأكثر التزاما بالدين؟ هكذا كان السؤال مبهما غير واضح التعريف ليدلى المبحوث برأيه معتمدا على انطباعاته الأولية عن تعريف الدولة والدين والالتزام، ويمس قناعاته بأن الدين منهج إيمانى يرسم للإنسان طريقا لتحقيق قيم أخلاقية لا يدركها إلا بالرضى، غالبية أفراد العينة رأت إن الدولة المصرية بعيدة عن الدين، بعضهم يرى التدين فى الدولة السعودية وفريق يرى التدين فى دولة أمريكا وبقية تؤكد وجوده فى دولة الصين.

ليس واردا هنا أن ندرس الحياة الاقتصادية والاجتماعية فى دول غربة يبحث فيها المصريون عن حلم انتماء لوطن، فقط نحن نحاول تفسير هذه النتيجة الفاجعة والهادمة لمبررات الانتماء الوطنى، فنتيجة البحث تقسم غالبية المصريين إلى قسمين، قسم يعيش داخل مصر متعايشا مع واقع متدنى حضاريا، وقسم آخر يعيش فى غربة خارج مصر تدفعه هجرة عمل أو هروب مقدس.

غالبية المصريين بالداخل لا يشعرون بالانتماء للوطن، يعيشون غرباء سياسيا وجوعى اقتصاديا، يصارعون موجات فقر وتخلف، يفتقدون رموزا حيا للقدوة والمثل العليا، يختصرون الدين فى أدعية ووعود غير واقعية يبثها فى روعهم مناور سياسى هنا أو شيخ هناك أو كاهن فوق الرؤوس، هكذا يدفع الإجهاد السياسى والاقتصادى بالمصريين لأن يجلبوا صورا مقدسة للدين من خارج مصر.

غالبية المصريين من المهاجرين فى دول الغربة، تحسنت أحوالهم الاقتصادية، وأصبح مبررا أمامهم أن يختزلوا دور الدين فيما يحققه للفرد من منافع مادية، هكذا أصبحت دولة السعودية أكثر تدينا من دولة مصر، إنها دولة غربة تعطى للمغترب منافع مادية أكثر وتصيبها مسحة من قداسة دينية، وكذلك أصبحت دولتى أمريكا والصين أكثر تدينا من مصر، فتقدمهما الحضاري من منتجات مادية ودعاوى حرية جعلت منهما نبراسا للتدين الجديد، هكذا أصبح مبررا لغالبية المصريين أن يعيشوا غربة دينية داخل مصر ويبحثون عن بديل قداسة وتدين فى بلاد الغربة، إنهم لا يستطيعون نقد الأوضاع داخل مصر ضعفا وهلعا، ولا يستطيعون نقد أوضاع الخارج تقديسا وطمعا.

نتائج هذا البحث العلمي الجاد، تشير إلى ضرورة تغيير الخطاب الدينى السائد فى مصر وتحويله من أدعية وتعاويذ إلى توجه علمي له نوازع روحية يسعى لتحقيق منافع حضارية للناس.