قذائف إسلامية في قلب الحرام العلمي

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

يتعرض الإسلام ومبادئه وقيمه والداعون إليه لهجمات شرسة خسيسة, يتولي كبرهاً أفراد وجماعات يحملون أسماء عربية إسلامية. وتتمادي هذه الهجمات, وتزداد شراسة ووقاحة بازدياد امتداد العولمة -وبتعبير أدق- «الأمركة», وازدياد نفوذها بالترهيب أو الترغيب, أو بهما معًا, كما كان غلاة اليسارين من الشيوعيين أصحاب النصيب الأوفى في هذه الهجمات, واستهدفوا بعدوانهم الرسالة والرسول صلي الله عليه وسلم, وشخصيات الصحابة, ولغة القرآن, والداعين إلي «إسلامية الحل», والتمسك بثوابت ديننا الحنيف. 

موقف الإسلاميين 

وقد تصدي عدد من الكُتاب والمفكرين الإسلاميين لهذه الهجمات واستطاعوا تفنيدها وقصمها, منهم الشيخ محمد الغزالي -رحمه الله- والدكتور يوسف القرضاوي, والدكتور محمد عمارة وغيرهم. 

ولكن الإسلاميين -أمام هذه الهجمات- كانوا -وما زالوا- فريقين: الفريق الأول يري أننا يجب أن نتصدي لهؤلاء أولاً بأول, ونفحمهم, أما الفريق الثاني فيرى أن نغفلهم , ولا نعطيهم أي اهتمام ؛ لأن تصدينا لهم سيُكسبهم شهرة لا يستحقونها, والإسلام باق خالد لن يضيره أمثال هؤلاء. فهم: 

كناطح صخرةً يوما ليوهنها     فلم يُيضرها وأوهى قرنَه الوَعِل 

وآمل أن أكون مصيبًا إذا أخذت نفسي بالرأي الأول, ورجحته علي الرأي الثاني: 

1- لأنه أقرب إلي طبيعة الإسلام, ودعوته إلي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, قولا وفعلا. كل بقدر استطاعته. حتي لو كان المنكر من صغائر الأمور. وهذا هو النهج الذي سار فيه الرسول صلي الله عليه وسلم والرعيل الأول من المسلمين. 

2- ولأننا إذا أغفلنا هؤلاء, فإن شرهم سيتفاقم, وبالغرور سيتمادون في غرورهم, ويتمادون في التمادي. يقول المثل العربي «معظم النار من مستصغر الشرر», ويقول الشاعر عبد الرحمن شكري: 

إذا نحن طامنَّا لكلًّ صغيرة       فلابدّ يومًا أن تساغ الكبائرُ 

3- صحيح أنهم قد يكتسبون شهرة بتصدي الإسلاميين لهم, فيعرفهم من كان يجهلهم. ليكن.. فذلك في مصلحة الإسلام والمسلمين. فهذه الشهرة إنما هي من قبيل «الفضح والكشف والتعرية». وإشهار هؤلاء المفترين المزورين المتقولين علي الإسلام يجعل المسلمين علي حذر دائم, وتحصُّن متين في موقفهم من أكاذيبهم وأضاليلهم. 

أقزام يبصقون إلي أعلي 

من هؤلاء محمد سعيد عشماوي ونصر أبو زيد وخليل عبد الكريم, وسيد القمني, ورفعت السعيد, وآخرون. ومن إفرازات هؤلاء وقيوئهم (جمع قيٍء): القول بأن محمد صلي الله عليه وسلم من صناعة بشرية لتحقيق أهداف سياسية, والقول ببشرية القرآن, وأنه من تأليف محمد, وتجريح الصحابة وأخلاقياتهم, والقول بأن الإسلام دين تعبدي لا علاقة له بالحكم والسياسة والتنظيم الاجتماعي , والتشكيك في قدرة اللغة العربية -لغة القرآن- ووصفها بالتخلف والجمود. 

ومن هؤلاء من عاد إلي الحق بشجاعة وإيمان وثيق كخالد محمد خالد, الذي اعتذر عن كتابه «من هنا نبدأ» بعد أن نُشر وانتشر انتشارًا صارخًا, و«مسحه ومحقه» بكتابه عن «الحكومة الإسلامية». ويقال إن علي عبد الرازق تاب إلي الله عن كتابه -الذي كتبه أو كُتب له- وكتب اسمه عليه وهو «الإسلام وأصول الحكم» وإن لم تشتهر توبته, وتوصيته لأبنائه بألا يعيدوا طبع هذا الكتاب. ومنهم من انسحب سريعًا في اضطراب وحسرة بعد توالي الصفعات التي انهمرت عليه وهو ذلك الذي هتف بسقوط سيبويه. 

ولكن أغلب هؤلاء مازالوا في الساحة يستمرئون أضاليلهم, ويتمادون في زيوفهم. وأشهر هؤلاء «المحترم» الماركسي القُح رفعت السعيد زعيم « حُزيْب التجمع» الذي خصص أغلب إفرازاته في الهجوم علي الإخوان ودعوتهم ومرشدهم الإمام الشهيد حسن البنا. وكل هؤلاء العلمانيين -وخصوصًا «المحترم» رفعت السعيد- يذكرونني بالمثل الصيني «يا للعار!! إنهم أقزام , ويظنون أنهم عمالقة لأنهم يبصقون إلي أعلي». 

فلا عجب إذن أن نري «المحترم» زعيم الحُزيب يفسر تعفف الإخوان عن الرد عليه بانه جبن وعجز, ودليل علي تسليمهم بصحة ما يقول. 

غرور... وتردد 

ولا أخفي أن كثيرين من الإخوان ترددوا في الرد علي هذا الرجل -لا جبنا وخوفا- ولكن كسلا, وإن شئت فقل لأنهم مشغولون بكتاباتهم فيما هو أهم وأحق من قضايا المسلمين وقضايا الوطن. 

ولكن «المحترم» تمادي في التمادي, وتوالت بصقاته إلي أعلي, فكتب.. وأخذ يصرح في جلساته, وبين رجالات «حُزيبه» أنه لا يوجد في «الإخوان المتمسلمين» من يستطيع أن يجابهه, ويتصدي له بسبب منهجه العلمي, ونصوصه الموثقة(!!) 

وأعترف أنني كنت واحدًا من المترددين المتهيبين» لأن «المحترم» يستشهد بنصوص من صحف صدرت من نصف قرن أو ستين أو سبعين عامًا. وأنا عاجز عن الوصول إلي هذه الصحف لأكثر من سبب. والمنهج العلمي في الرد يقتضي أن أعود إلي هذه الأصول. ولكني قلت «فلأستعن بالله», وأمدني عالم جليل -يحمل دكتوراه حقيقية- بعدد من البيانات والوثائق والمعلومات الحاسمة عن «المحترم» يمكن الاعتماد عليها -إلي حد كبير- في الرد عليه. وبدأت الكتابة. وفجأة ظهرت مفاجأة لم تخطر ببالي: 

وظهر.. منصور أبو شافعي 

إنه شاب -أو كهل- في الأربعين من عمره. رحبت به في بيتي.. قدم إليَّ -علي استحياء- كتبه الثلاثة, وهي كل إنتاجه: 

1- مركسة الإسلام (صدر في أغسطس 1999). 

2- مركسة التاريخ النبوي (صدر في نوفمبر 2000). 

3- العلمانيون والحرام العلمي: مراجعة نقدية لعلمية كتابات د. رفعت السعيد عن حسن البنا (صدر في سبتمبر 2004). 

الكتابان الأول والثاني في نقد -بل نقض- فكر سيد القمني والكتاب الثالث في التصدي لإفرازات «المحترم» عن الإخوان وحسن البنا -رحمه الله- وهو من 200 صفحة من القطع الكبير مطبوع بحروف صغيرة جدًا, ولو طُبع بحروف عادية لشغل الكتاب ما لا يقل عن 400 صفحة.  

بعد أن قرأت الكتب الثلاثة, وأعطيت مزيدًا من الاهتمام للكتاب الأخير.. عرفت أن الأستاذ منصور الشافعي كان هو المفاجأة السارة لي. لأنه أراحني من الكتابة عن «المحترم» والتصدي له. وخصوصًا أنني لم يكن في حوزتي ما يمكنني من الرد, أو النقد الذي أريده بالصورة التي أنشدها, وخصوصًا الصحف. 

تعرية «المحترم».. والحرام العلمي 

ولم يسرف الدكتور محمد عمارة إذ كتب في تقديمه لهذا الكتاب: «..لقد وضع هذا الكتاب د. رفعت السعيد في حالة لا يحسد عليها.. حال لا يتمناها إنسان لعدو أو حبيب, حتي لكأنه قد عرَّاه, ثم قام بتجريسه... بالعلم والوثائق والمنطق والحجج والبراهين, كان الله في عون الدكتور رفعت بعد صدور هذا الكتاب. وكان الله في عون الباحث منصور أبو شافعي ليواصل مسيرته المظفرة -إن شاء الله- في تعرية الزيف العلماني, والغلو اللاديني الذي يمثل في واقعنا الفكري الامتداد السرطاني للحرب: الصلييبية- الصهيونية.. المعلنة ضد الإسلام والمسلمين..». 

ومنصور يقصد بالحرام العلمي ما يفعله المحترم من إيهام المتلقين بعلمية معالجة موضوع ما, واتباع قواعد الموضوعية في هذه المعالجة, والتجرد من الهوي والتزييف والتزوير. 

وأنا أقرأ هذا التعبير «الحرام العلمي» لأول مرة في حياتي, وأعتقد أنه سيصير بمرور الأيام مصطلحًا, لأن العلمانيين غارقون حتي آذانهم في هذا الحرام العلمي. 

وفي حملة منصور أبو شافعي علي هذا الحرام العلمي يأخذ نفَسه -في صبر عجيب- بقواعد صارمة.. منها: 

1- الرجوع إلي المراجع التي أحال عليها -وأخذ منها- «المحترم», أو ادعي أنه أخذ منها. وخصوصًا المواضع التي أشار إليها. واتبع ذلك حتي في الصحف والمجلات مع صعوبة الحصول عليها.  

2- الرجوع إلي أكثر من طبعة للمرجع, وقد يعود إلي كل طبعاته. 

3- استقراء كل رؤي المحترم رفعت السعيد للمسألة الواحدة» فمنصور لا يكتفي بالرأي الأحدث للمحترم في مسألة ما, موهمًا القارئ بأن هذا هو رأيه من قديم, بل يعود منصور إلي أول الخيط التاريخي لرؤيته -أو رؤاه- السابقة. وهذا ساعد «منصور» علي اكتشاف عشرات من التناقضات السعيدية الفادحة. 

4- التدرج المنطقي في مناقشة «المحترم» ونقض ادعاءاته.. فهو يسير في تؤدة وأناة سيرًا تصاعديًا ابتداء من المقدمات السهلة البسيطة خلوصًا إلي الحكم الحاسم الذي يجد القارئ السوي نفسه مقتنعًا به, لأنه لم يفاجئه. 

5- التزام الوقار العقلي, وكبح القلم عن الاندفاع بالحماسة حتي في المسائل التي قد تحتاج إلي الحماسة والوجدانية كادعاء المحترم بأن حسن البنا كان يقول بتكفير المسلمين في كتاباته وخطبه ومؤتمراته, من أول قيامه بدعوته. 

من التزوير السعيدي 

ويورد منصور عشرات من التزوير المقصود في نصوص سماها «المحترم» وثائق, وللحق تمكن المحترم من توظيف كل أنواع التزوير المعروفة قانونًا, وأشهرها «التزوير بالإضافة» و«التزوير بالحذف والإسقاط» حتي يحقق أهدافه التي يحرص عليها, وهي أهداف مناقضة للحق والحقيقة والقيم الإنسانية. فمثلا: يحرص المحترم علي إيهام القارئ, بل الناس جميعًا بأن الماركسية لا تناقض الدين, ولا تتعارض معه فيورد النص التالي لكارل ماركس: «إن الدين عند الكثيرين هو النظرية العامة لهذا العالم, وهو مجموعة معارفهم الموسوعية, وهو منطقهم الذي يتخذ شكلاً شعبيًا, وهو موضوع اعتزازهم الروحي, وموقع حماستهم, وهو أداة قصّاصًهم, ومنهجهم الأخلاقي». 

      ويرجع منصور كعادته إلي مصدر «المحترم» ويكتشف أنه حذف من النص ما يعكس معناه تمامًا. فقبل النص السابق مباشرة حذف «المحترم» السطور الآتية: يقول ماركس «إن الإنسان هو الذي يصنع الدين وليس العكس, فالدين في حقيقته هو الوعي الذاتي للإنسان..» أي أن الدين ليس من عند الله, بل هو صناعة بشرية.. 

ويعرض أبو شافعي عشرات من التناقضات المرة للمحترم, وكثيرًا من الأخطاء الموضوعية منها أن المحترم يتعامل مع كتاب «من هنا نعلم» للشيخ محمد الغزالي علي أنه من تأليف سيد قطب, رحمهما الله. ومن أخطائه المنهجية استخدامه مراجع وسيطة دون الرجوع إلي الأصل. 

      وأخيرًا أقول: إني أري في «منصور أبو شافعي» امتدادًا طبعيًا للدكتور محمد عمارة أطال الله في عمره. كان هذا -ومازال- انطباعي وآمل أن يكون صادقًا.. 

واللغة يا منصور.. 

أكدت للأخ منصور أن هذا الكتاب لم يقع في يد «مصحح طبٍعي» فالأخطاء اللفظية غزيرة. وأقول أيضًا إن فكر منصور أرقي بكثير جدًا من لغته التي تبدو عبارات كثيرة منها وكأنها ترجمة حرفية جدًا عن لغة أجنبية. وكثيرًا ما يعطف علي المضاف قبل استغراقه (في كل كتبه) كقوله «تخلي عن موضوعية وحياد وأمانة الباحث» والصحيح: تخلي عن موضوعية الباحث وحياده وأمانته, مركسة التاريخ النبوي ص4, ومثل «الكتابة عن وضد حسن البنا» والصحيح «عن حسن البنا وضده- (العلمانيون 14) ومثل الدعوة إلي شمول والدفاع عن الإسلام (السابق 133) والصحيح : الدعوة إلي شمول الإسلام والدفاع عنه.. إلخ. 

      وأخيرًا.. أدعو لكاتبنا الأستاذ منصور بالتوفيق والتقدم المطرد.