دعوة صريحة للفجور وتدمير القيم والمجتمع
أ.د/
جابر قميحة"أحمد عبد المعطي حجازي وغثاؤه الفكري"، كان هذا هو العنوان الرئيسي الذي اندرجت تحته ثلاثة مقالات نشرت بصحيفة "الشعب" الغراء، الأول عنوانه "الشيخ كشك وأمية حجازي"، ونشر يوم الثلاثاء 13 / 7 / 1999م والثاني عنوانه "عندما يوزع صكوك الحرية" ونشر يوم الجمعة 16 / 7 / 1999م. والثالث بعنوان "دعوة مفتوحة للتطرف والإرهاب" ونشر يوم الثلاثاء 20 / 7 / 1999م.
وفي هذه المقالات نقضنا ما أفرزه قلم حجازي في مقالته الأهرامية من فكر هابط، واتهامات باطلة، ودعاوى وادعاءات تقود المجتمع إلى التطرف والخراب، ونرى حجازي في إفرازاته هذه:
ـ يجني على داعية رباني، وفقيه من حفاظ كتاب الله، وخطيب من أفصح وأقوى خطباء القرن العشرين هو الشيخ عبد الحميد كشك ـ رحمه الله ـ ويتهمه بالغباء، وضيق الأفق، والتطرف والأمية، أو نصف الأمية.
ـ ويهاجم أستاذًا جامعيًا، فاضلاً جليلاً هو الدكتور سيد فرج، ويحمل على من منحوه درجة الدكتوراه، ورقوه إلى درجة الأستاذية، ويضع كل هؤلاء في قبيل التطرف، والردة الحضارية، ومعاداة روح العلم، فلا عجب إذن أن يطالب حجازي بطرد الأستاذ الجليل من الجامعة؛ لأنه ـ من شدة تطرفه ـ نقد رواية نجيب محفوظ "أولاد حارتنا" وهاجم العلمانية، وتجرأ فقال: "إن الدين مقدم على الوطن".
ـ ويتهم حجازي التيار الإسلامي بالعمل على تخريب الجامعة، وتدمير قيمها، والانحراف بها عن جادة العلم والعقل، والصواب. لذلك يستعدي السلطات على أصحاب هذا التيار "الإرهابي" الخطير.
ـ ويزعم أن الاضطهاد لم يوجه إلا ضد اليساريين، والناصريين، في فترة طويلة من عمر الثورة.
ـ أما أخطر سقطات حجازي فدعوته إلى "تعرية النساء من أجل الفن، فهو ـ في بكاء مصحوب بثورة ـ يدعو إلى إعادة "الموديلات العارية" ليقوم الطلاب برسمها في كليات الفنون الجميلة. والموديل العاري: امرأة تستأجر، وتتجرد من ملابسها تمامًا، وتجلس أو تقف، أو تضطجع ـ تبعًا للوضع المطلوب ـ أمام الطلاب والأساتذة لرسمها من زوايا متعددة، وهي عارية كما ولدتها أمها.
إلى المفتي .. وشيخ الأزهر
وبوصفي مسلمًا في أمة مسلمة، وجهت الأسئلة الآتية إلى شيخ الأزهر، ومفتي الجمهورية، وذلك في مقالي الذي نشر بالشعب يوم 20 / 7 / 1999م.
1 ـ ما حكم الشرع في احتراف المرأة المسلمة مهنة "الموديل العاري" والجلوس أمام الرجال لرسمها عارية، كما ولدتها أمها؟
2 ـ هل يختلف الحكم إذا كانت المرأة الموديل "غير مسلمة"؟
3 ـ هل يختلف الحكم إذا كان من يقوم بالرسم نساء لا رجال؟
4 ـ وهل يختلف الحكم إذا كان "الموديل" رجلاً عاريًا لا امرأة.
5 ـ وما حكم الشرع ـ ديانة وقضاء ـ فيمن يدعو هذه الدعوة، ويروج لها؟
وعبرت عن أملي في أن نقرأ الإجابة صراحة في صفحة الفكر الديني بصحيفة الأهرام التي ينشر فيها أحمد حجازي إفرازاته الفكرية.
أنا أعلم أن الإجابة معروفة سلفًا للقارئ العادي، ولمن يملك الحد الأدنى من المعرفة الدينية، ولكني حرصت على هذا التوجيه لسببين:
الأول: أن مشيخة الأزهر، والإفتاء هما أعلى منصبين دينيين في وطننا، والفتوى في هذه الحال يكون لها قوتها وجلالها.
والثاني: أن أحمد عبد المعطي حجازي يعتز اعتزازًا خاصًا بشيخ الأزهر، ويرى فيه خليفة للإمام محمد عبده، فهو العالم المسلم الذي أحيا مذهب الإمام محمد عبده، فأحيا به تراث الأزهر وتراث المصريين" ويرى فيه "السمح المستنير، الشجاع الذي لا تأخذه في الله لومة لائم..." لذلك يطرح على فضيلته كل ما يحب أن يعرف رأي الإسلام فيه ... "انظر مقال حجازي في الأهرام بعنوان "أدركنا يا صاحب الفضيلة" منشور بتاريخ 10 / 12 / 1997م.
ونحن بدورنا نقول: أدركانا يا صاحبي الفضيلة: شيخ الأزهر، ومفتي الجمهورية.
من كلمات حجازي..
في أهرام 16 / 6 / 1999 كتب حجازي بالحرف الواحد:
"لم يعد التطرف الديني في الجامعة محصورًا في جماعة، أو طريقة خاصة في التفكير، وإنما صار ريحًا مسمومة تهب من جهة الطلاب، ومن جهة الأساتذة، وتعصف بالعقول، والنفوس، والأجساد، فالطلاب يتعلمون في الجامعات، أن يحتقروا عقولهم، ويداروا أجسادهم، وينكروا وجودها.
وليس غريبًا التطرف في الجامعة، ما بلغه اليوم من حدة وانتشار، فقد هبت ريحه أول ما هبت على كلية الفنون الجميلة، قبل أكثر من ثلاثين عامًا، وكان هبوبها من جهة الحكومة لا من جهة الأساتذة أو الطلاب، وذلك أن وزير التربية والتعليم في أواخر الخمسينيات، وأوائل الستينيات كان رجلاً فاضلاً، لكنه كان مستبدًا ضيق الأفق، فلم يفهم معنى للتجارب التي كان يقوم بها الطلاب في رسم الجسم العاري، ولم يصدق أن علم التشريح مطلوب في دراسة الفن، كما هو مطلوب في دراسة الطب، وإلا فكيف يرسم صلاح طاهر، أو راغب عياد، أو جورج البهجوري صورة لي يراني الناس فيها كما يرونني في الواقع، وربما رأوني على نحو أفضل؟ إنه يرسم بالطبع ملامحي، غير أن الملامح ليست إلا عضلات وأنسجة تتخذ نسبًا خاصة، وتظهر في أوضاعا بالذات، فتحقق الصورة، ويتجلى التعبير.
لم يفهم وزير التربية والتعليم هذه البديهيات، ولم يجد ضرورة لدراسة الجسم العاري، أو تصويره، فأصدر قرارًا بمنع طلاب الفن من تصوير الأجساد العارية، ولو استطاع لمنع طلاب الطب أيضًا من دراسة هذه الأجساد وتشريحها" الأهرام 16 / 6 / 1999م.
ويمضي حجازي سائلاً في استنكار: "هل نريد حقًّا أن نحرر عقولنا من الخرافة، ونعالج نفوسنا من الخوف، ونعامل أجسادنا بما هي جديرة به من اعتزاز واحترام؟" الأهرام السابق.
ولنا وقفة...
ووقفة فاحصة ـ بل عاجلة ـ إلى الإفراز الحجازي السابق تقودنا إلى ما يأتي:
1 ـ أن الاحتشام (أو مداراة الأجساد كما يقول حجازي) إنما هو نتيجة من نتائج التطرف، وهو دليل على احتقار العقول، واحتقار الأجساد ذاتها. ومفهوم المخالفة يعني أن التعري يدل على احترام العقل والجسد.
2 ـ أن منع التعري يدل على الاستبداد وضيق الأفق.
3 ـ أن تعرية الجسم للرسم تتساوى وتعرية الجسم للتشريح الطبي كلاهما ضرورة. للفن والطب.
4 ـ أن التحرر من الخوف، والخرافة، وتحقير العقل لن يتحقق إلا بمعاملة أجسادنا بما هي جديرة به من اعتزاز واحترام، ولا تكون المعاملة بهذه الصورة إلا بتعرية الجسد.
وكل ما ذكره حجازي يعتمد على التضليل والمغالطة التي لا تثبت أمام أي نظر. كيف يكون رسم الجسد العاري ضرورة للفن كتشريح الجسد العاري؟؟! إن تشريح الجسد أو جزء منه للعلاج، أو لتعليم طلاب الطب كيفية إجراء العمليات الجراحية، وكيفية العلاج الدوائي، والعلاج الطبيعي، إنما هو ضرورة تتوقف عليها حياة البشر، وبدونها يكون الضرر والمرض والهلاك.
لكن ماذا يستفيد الفن من رسم أعضاء الذكورة والأنوثة، والسيقان العارية؟ أقول هذا مقرًا بأني بأمور الرسم غير عليم، ولكني أعرف أن أشهر لوحات التاريخ، أو من أشهرها ـ على الأقل ـ لوحات لا مكان "للعري" فيها مثل "زهرة الخشخاش" و "المونيليزا" أو "الجيوكندة" لليوناردو دفنشي.
ويلح حجازي ـ كما رأينا ـ على تكرار ما يراه بديهية من البديهيات، وهي: أن احترام العقل، والجسد لا يكون إلا برسمه عاريًا، ويضرب مثلاً بنفسه ـ وهي جرأة يحمد ويحسد عليها، فيطرح سؤالاً كأنه دعوة موجهة إلى صلاح طاهر، وآخرين أن يرسموا صورة له من هذا النوع، حتى يراه الناس في الواقع، وربما رأوه على نحو أفضل ...".
وإنا لندعو لأحمد عبد المعطي حجازي بالتوفيق فيما يصبو إليه، وأن يزيده الله احترامًا لعقله وجسده.
على درب حجازي...
وينشر حجازي في رسالة لأحد البكائيين في جنازة الفن العاري، وهو أحمد فؤاد سليم "المشرف العام على مجمع الفنون بالزمالك: يقول فيها مخاطبًا حجازي: "... أكتب إليك عما قرأت حول رسم الجسد العاري بالفنون الجميلة، إن ما أشرت إليه من قرار وزير التعليم في نهاية الخمسينيات بتحريم رسم الجسد العاري، لم يكن سوى أمر مزاجي صرف لا يعبر إلا عن حال من الفكر خاص بصاحبه، إذ لم يكن مستندًا إلى رأي يشايعه، وإنما هو هوس عاطفي، مال بالعقيدة في غير مجالها "الأهرام 30 / 6 / 1999م.
هكذا يختل المعيار إلى نقطة النقيض، فيصبح منع التعري تطرفًا، وهوسًا عاطفيًا، وانحرافًا بالدين، وميلاً بالعقيدة عن مجالها، أما الإبقاء على الموديلات العارية مادة للرسم، فهو الوقار العقلي، والحفاظ على الدين والعقيدة!!!
وفي رسالة أحمد فؤاد سليم، وقعت عيناي على كلمة "مصيبة" قلت لنفسي ـ وأنا أحاورها ـ الرجل سيتحدث قطعًا عن مشكلة حقيقية، أو كارثة واقعية يعيشها مجتمعنا، وما أكثرها. كالإسكان، أو الفقر، أو البطالة، أو تزوير الانتخابات، أو اغتصاب الأطفال، أو التسيب الإداري، أو التخلف التقني. ولكني وجدت أن المصيبة التي يتحدث عنها ـ وأحيانًا يسميها مأساة ـ ذات شقين، أو مظهرين:
الأول: انفراد أحمد حجازي بهذه الدعوة ـ الدعوة إلى عودة "الجسد العاري" إلى كليات الفنون، وكان المفروض ـ في نظر كاتب الرسالة ـ "أن ينهض الكتاب أهل القلم جميعًا بهذه المهمة.. لا أن يديروا ظهورهم لهذه المأساة".
أما الثاني: فهو رفض الأساتذة والطلاب أنفسهم رسم النماذج العارية، وأبدوا إصرارهم على الرفض بمظاهرات في الإسكندرية. نهض لها مثيل في القاهرة (الأهرام 30 / 6 / 1999م).
عندما تتسع الدائرة...
وثمة سؤال يلح عليّ، وقد يبدو غريبًا من كاتب يدين حجازي، ويرفض دعوته، ويدعو كل مواطن لرفضها، وخلاصة هذا السؤال: لماذا نخص الرسم دون غيره بالنماذج العارية؟ إن هناك فنونًا أخرى تعتمد على الإلهام منها الشعر والموسيقى، وما دام أحمد عبد المعطي حجازي شاعرًا، وهو الذي يتبنى دعوة التعري في إصرار، وعناد غريبين بدعوى الارتقاء بالفن و "احترام الجسد" فإن من تمام رسالته أن يوسع من دائرة دعوته، فيقدم للدولة مشروعًا بإنشاء ما يمكن أن يسميه "دار الإلهام" أو "بيت الإلهام" قياسًا على "بيت النار" الذي كان المجوس يعبدون فيه النار قديمًا. وفي "بيت الإلهام" هذا قاعات متعددة: فهذه قاعة الرسامين، وتلك قاعة الشعراء، وثالثة قاعة الموسيقيين، ولكل قاعة حظها من "النماذج العارية" يرسمها الرسامون، ويستلهمها الشعراء معانيهم وصورهم في الغزل الحسي، وما دار في فلكه، ويستوحيها الموسيقيون "سمفونياتهم" من وترية هادئة إلى نحاسية صاخبة.
وقد "تتسع دائرة" حجازي أكثر.. وأكثر، فيسمح للجمهور بأن يغشاه فيمتع نظره ـ في صمت تام ـ بشهود "ميلاد" الإبداع في الرسم، والشعر، والموسيقى، ولا مانع أن يكون ذلك عن طريق "دوائر" تلفازية مغلقة" حتى لا يقطع الجمهور على الفنانين ـ بأنواعهم الثلاثة سيرورة عملية الإبداع، وحتى يتربى "شعبنا الطيب" على حب هذا الفن التقدمي المستنير.
مصدر الموديلات العارية
ولننتقل الآن إلى مناقشة منطقية ميدانية تعتمد على الواقع الذي نعيشه، وتبدأ بالسؤال عن نوع الموديل المطلوب للتعري، ومصدر استحضاره.
وحينما نقول "الموديل" ينصرف الذهن مباشرة إلى الأنثى، والأنثى لا تخرج عن كونها. عَزَبا (آنسة)، أو زوجة، أو أمًا، أو بنتًا، أو أختًا، أو واحدة تدخل في دائرة القرابة أو المصاهرة.
وأعتقد ـ على سبيل اليقين ـ أنه لا يوجد بيننا ـ نحن المصريين من مسلمين وأقباط ـ من يقبل أن تكون زوجته، أو أمه، أو بنته، أو إحدى قريباته "موديلاً عاريًا" لا بدافع الدين فحسب، بل بدافع الاعتزاز الأسري، وبدافع الرجولة والغيرة كذلك، ولو كانت في حدها الأدنى.
ولكن يبقى بعد ذلك ثلاثة مصادر ظنية لتوفير "الموديلات العارية" وهي:
1 ـ الملاجئ: حيث تربى اللقيطات مجهولات النسب، فهن ـ في الغالب ـ نتاج علاقات جنسية سرية آثمة، وتربية نزيلات الملاجئ، وإعاشتهن،وتهيئتهن ليكن "موديلات عارية" يعتبر عملاً غير إنساني، لا يقل في بشاعة عن جريمة الوالدين الآثمين، والمسألة هنا لا تحتاج إلى مزيد من الشرح والتفصيل.
2 ـ الساقطات وبائعات الهوى، وفي هذه الحال ستكون مهنة "الموديل العاري" ستارًا قانونيًا رسميًا لمزاولة المهنة السرية الأصلية وهي الدعارة.
3 ـ الدول الأخرى التي "تؤمن" إيمانًا أقوى من "إيماننا" برسالة الفن، قيتم استيراد "الموديلات" منها. وما قلته في المصدر الثاني أقوله في هذا المصدر الثالث، ولا يزيد.
الغاية.. والوسيلة
ما أكثر كلام حجازي عن نبل الفن، وطهارته، ونقائه، وقدرته على تربية الذوق والشعور بالجمال، و ... و .....
إلى هنا نجد كلامه مقبولاً مستساغًا، ولكن تبقى "الوسيلة" لتحقيق هذا الفن ـ وهي "الموديل العاري" ـ خبيثة خسيسة مرفوضة، والغاية في الإسلام ـ وعند كل ذي عقل وضمير لا تبرر الوسيلة أبدًا، فالإسلام يرفض منطق، التي تزني لتتصدق" فلا بد أن تتفق الوسيلة والغاية نبلاً، وطهارة، وسموًا، ونقاء. وسيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكذلك عمل السلف الصالح ـ يؤكد هذه القيمة العليا، من ذلك ما حدث في إبان معارك النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع يهود خيبر، فيروى أن عبدًا حبشيًا أسود كان يرعى لسيده اليهودي غنمه، فشرح الله صدره للإسلام فأقبل على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأسلم، وقال: "يا رسول الله، إن هذه الغنم عندي أمانة". وعرضها على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فرفض قبولها، وطلب منه أن يوجهها إلى الحصن حيث صاحبها اليهودي، فإذا ما بدأت طليعتها في دخوله رماها بالحصباء (الحصى) حتى تسرع في دخول الحصن، ففعل العبد، ورجعت الغنم إلى صاحبها.
وعلم اليهودي أن عبده أسلم، فرماه من الحن بسهم أصابت منه مقتلأ, ولقي ربه شهيدًا. وهكذا رفض النبي مصادرة هذه الأغنام؛ لأنه اعتبر ذلك لونًا من الغدر، وخيانة الأمانة، حتى لو أدت هذه الوسيلة إلى تحقيق خسارة لليهود، وكسب للمسلمين، وهي غاية طيبة مشروعة في حالة الحرب بخاصة.
دعوة إلى الفجور وإشاعة الفحشاء...
والوسيلة في ابتدائها وأول ظهورها قد تبدو مستساغة مبررة بما لا يصطدم مع العقل والعقيدة، ثم تتحول إلى خطر بشع يدمر كل شيء. ولعل نشأة الوثنية والشرك في جزيرة العرب، أوضح دليل على ذلك، جاء في كتاب "الأصنام" للكلبي (ت 204 هـ) ".. أن أبناء إسماعيل بعد أن تخلصوا من حكم العماليق كثر عددهم، حتى ضاقت بهم مكة، فأخذوا يهاجرون إلى أنحاء أخرى من الجزيرة، وكان لا يظعن من مكة ظاعن (راحل) إلا احتمل معه حجرًا من حجارة الحرم تعظيمًا للحرم وصبابة بمكة، فحيثما حلوا وضعوه، وطافوا به كطوافهم بالكعبة تيمنًا منهم بها.. ثم سلخ (تلا) ذلك بهم أن عبدوا ما استحبوا، ونسوا ما كانوا عليه، واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل غيره، فعبدوا الأوثان، وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم من قبلهم".
فحب مكة، وتعظيم بيت الله الحرام من أصول الحنيفية التي جاء بها إبراهيم. وانطلاقًا من هذه "الغاية الطيبة" اتخذت الأحجار المحمولة من الأرض المباركة وسيلة يطاف بها حتى يظل "الطائف" متعلقًا بالكعبة والبيت الحرام، وتطورت هذ ه الحجارة "العفوية" إلى أصنام "مهندسة": في البيت الحرام نفسه، وفي مقار القبائل، منهم من يعبدها لذاتها، ومنهم من يعبدها متخذًا إياها زلفى تقربه إلى الله.
فانسلاخ العرب من حنيفية إبراهيم ـ عليه السلام ـ بدأ بعمل بريء في ظاهره ـ على الأقل ـ ارتباطًا بحب العقيدة الأصيلة، وتدريجيًا ابتعد عن الأصل الطيب الكريم إلى أن وصل إلى نقطة النقيض.
**************
فهل يضمن حجازي ـ وأنا هنا أساير منطقه ـ أن يبقى "الموديل العاري" مقصورًا على خدمة الفن، فلا يتعداها لخدمة "فنون" أخرى... "فنون جدًّا" أكثر عائدًا، وأوفى "كيلا وميزانًا"!!
يا سيد حجازي: هل تعيش في عالم غير عالمنا؟ أم نعيش نحن في عالم غير عالمك؟
هل أذكرك بما كتبه "ديورانت" في سفره الضخم "قصة الحضارة" عن أسباب انهيار الأمم والحضارات؟
وعن "الدعارة المقدسة" في الأمم القديمة، وما ذكره عن "إعارة الزوجات" في أسبرطة، وما نقله من قول "دمستين": إننا نتخذ العاهرات للذة، والخليلات لصحة أجسامنا اليومية، والزوجات ليلدن لنا الأبناء الشرعيين، ويعنين ببيوتنا عناية تنطوي على الأمانة والإخلاص".
يا سيد أحمد عبد المعطي حجازي: إن دعوتك لإعادة "المرأة العارية" إلى قاعات الرسم باسم الفن الرفيع تعتبر حربًا تعلنها أنت على الدين، والقيم، والعادات الكريمة التي عاش عليها شعبنا، وفتحًا لباب دعارة تحتمي بستار رسمي، وحماية قانونية.
يا سيد حجازي كيف ترفع هذا اللواء الخاسر المنكوس، مع أن الله سبحانه وتعالى يقول: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلِ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ...) النور 30- 31.
يا سيد حجازي كيف ترفع هذا اللواء الآثم الموكوس، وفي ذلك إشاعة للفاحشة، والله سبحانه وتعالى يقول: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)؟ النور 19
التعري ... والديُّوث
وكأن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان ينظر إلى واقعنا، وواقع هذه الدعوى المنكودة من ستر رقيق، فقد أخرج أحمد في مسنده أن نسوة من أهل الشام، دخلن على عائشة أم المؤمنين ـ رضي الله عنها ـ فقالت: أنتن تدخلن الحمامات؟! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من امرأة وضعتْ ثيابها في غير بيتها، إلا هتكت سترًا بينها وبين الله عز وجل...".
ولو وجِد الأب الذي يسمح لابنته باحتراف مهنة "التعري" والزوج الذي يسمح لزوجته بذلك، لدخل مثل هذا الشخص في قبيل "الشواذ" لا الأسوياء، ولكان جديرًا بلقب "الديوث" والديوث ـ كما جاء في لسان العرب: هو القواد على أهله، والذي لا يغار عليهم. وهو: الذي يدخل الرجال على حرمته بحيث يراهم فلا يغار، كأنه لينَ (عود) نفسه على ذلك، وفي الحديث الشريف "لا يدخل الجنة ديوث".
والمسلم ـ بدافع من إسلامه ورجولته وقيمه وكرامته ـ لا يقبل يا سيد حجازي أن يكون "ديوثًا" وأخيرًا ـ وأنا أدعوك إلى التوبة، والرجوع عن الباطل إلى الحق ـ أذكرك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا لم تستحي فاصنع ما شئت".