مأساة الحرم وموضوعية الصورة والقلم
هنادي نصر الله
[email protected]
كل النداءات والمطالبات دون المستوى،
لا يشعر بالألم إلا الذي به ألم، ولا يكتوي بنارِ الإعتداءات إلا الذي اعتُديّ
عليه، فكل مشاعر التضامن لا يًُمكن أن تُضمد جراح أسرةٍ مقدسيةٍ فقدت مأواها
ورُحلتْ مع سبق الإصرار والترصد من القدس المحتلة؛ لتبقى تعاني وتصارع من أجل عودةٍ
هي شبه مستحيلة في ظل مصادرة الأراضي والعقارات والأملاك، فالإحتلال يعمل بلا هوادة
لتحقيق حلمه في يهودية الدولة المزعومة، فلا يكل من الحفريات أسفل المسجد الأقصى
ولا يتوانى في إطلاق الأسماء العبرية على الشوارع الفلسطينية، يسعى بكل ما أُوتي من
مكرٍ في ابتكار فنون جديدةٍ للتزوير، طمسٌ طال كل شيء في القدس المحتلة، هي خطة
أُعدت سلفًا وللأسف لها شهود من بني جلدتنا، فهناك شاهد على الإبادة التي تجري بحق
الثقافة والتراث، هناك شاهدٌ من أهلنا ولكنه شاهدٌ أخرس، إن سألته سيجيب حتمًا " لا
أسمع لا أرى لا أتكلم ، وسيواصله تهربه عن الحقيقة بالقول" نحن ندافع عن المقدسات (
وإسرائيل) تتحمل المسئولية" !!
شراسة تحقيق الحلم لدى المحتل
الإسرائيلي تشتعل في ظل صراعاتٍ تهز عرش السلطة الفلسطينية في رام الله، فالخلاف
الذي يدب أوساطها سيما كبار رموزها عقب فضيحة الفساد التي غمرت حياتهم السياسية
والمالية والاجتماعية والأسرية كان لها وقعها الساحرعلى حكومة الإحتلال، إذ جعلت
حكومة نتيناهو تُعد العدة لتفترس ما تبقى من حقوقٍ فلسطينية، في وقتٍ تُغيبُ فيه
العقول النيرة وأصحاب الإرادة القوية والكلمة العاصفة؛ ليُحْكَمَ بذلك المشهد
وليبقى غامضًا قاتمًا إلى أبعد الحدود، فرموز السلطة ومن يقولون عن أنفسهم بأنهم
قادة الشعب الفلسطيني ينشغلون بتقسيم الكعكة فيما بينهم، ودعونا هنا نتحدث فقط عن
المشهد الثقافي المغيب رغم أنفه في الضفة الغربية سيما بعد إجراء انتخابات " شكلية"
لنقابة الصحفيين ولاتحاد العام للكتاب الفلسطينيين، انتخاباتٌ استُثني منها قصدًا
وعمدًا أصحاب البصائر والقلوب ليس فقط من أدباء وصحفيي وكتاب قطاع غزة بل والضفة
الغربية المحتلة...
إذن هي أولى خطوات تسهيل المهمة أمام
المحتل الإسرائيلي لتنفيذ مخططاته الدموية بحق الحضارة والثقافة والتاريخ، أن يغيب
كل من يقرع جرس الخطر ويدقه بقوة في وجه الإحتلال، أن يتخلى كل مثقف عن دوره في
حماية المشروع الثقافي، آلا يكون للمثقفين دور فقط أن يكون الدور للأمن الفلسطيني
في الضفة لا لكي يحمي أمن المواطن بل لكي يحرس برموش عينه أمن المحتل والمستوطن
الإسرائيلي وهو يبني المستوطنات ويضم الحرم الإبراهيمي في الخليل ومسجد بلال بن
رباح في بيت لحم إلى ما يُسمى بمواقعه التراثية...........وقائمة المهزلة تطول
وتطول ...!!
مهزلةٌ ثقافيةٌ يُنفذها الإحتلال
الإسرائيلي بعدما باءت بالفشل كل مهازله العسكرية، أخطر ما في الأمر أن تأتيّ في
وقتٍ حساس يُزج فيه بكل ما يفضح ممارسات الإحتلال في السجون، بل ويُقدمون للمحاكم
العسكرية، تنسيقٌ أمنيٌ وعسكريٌ وثقافيٌ على ما يبدو في قمة النشاط يتم بين وجهين
لهدفٍ واحد الإحتلال ورموز السلطة في رام الله، كيف لا؟ والهدف المعلن بكل صراحةٍ
من الطرفين هو محاربة المقاومة وملاحقة أعضائها سواءً المقاومة بالسلاح أو بالكلمة
أو بالصورة...
مخطئٌ من يدعي بأنني أتجنى على أحد
فهذا هو الواقع الذي يفضحهم، مؤامرةٌ أُحيكت في ليلٍ مظلم وتُنفذ في وضح النهار
ودون أي اعتبارٍ للوطنية وللوطن وللمواطن، بل دون أي اهتمامٍ للهوية والأرض
والإنسان..
فلم نعد نسمع في أوساطهم من يردد ويهتف
شعر الراحل محمود درويش حين دافع بقوةٍ عن الهوية الفلسطينية فقال " أنا لا أكره
الناس ولا أسطو على أحدٍ ولكني إذا ما جعت آكل لحم مغتصبي، حذاري حذاري من جوعي ومن
غضبي"
حريٌ بنا أن نقاوم من أجل هويتنا وأن
ننزع اللثام عن الوجه القبيح الذي يُحاولون أن يلبسوه لنا، حريٌ بنا أن ننتفض ضد
مشاريع التهويد والتوطين والطمس والتشويه، حريٌ لنا أن نحشد جيشًا من المثقفين
والأدباء والمفكرين وأن نعيد رسم خريطتنا الثقافية بما يضمن حماية ثوابتنا كل
ثوابتنا..
حريٌ بنا أن ننتصر لمجزرة الحرم
الإبراهيمي في ذكراها السادسة عشر، وأن ننكأ الجرح الفلسطيني من جديد وأن نكتب عن
المصلين الذين قضوا نحبهم ساجدين، أن نربط هذا الحدث الدامي بما يجري الآن وسيجري
لاحقًا ليس فقط بحق الحرم بل بحق كل المقدسات، نشد على أيدي أهلنا في الخليل
بإضرابهم البطولي احتجاجًا على إنتهاكات الإحتلال لكننا نريد ما هو أكبر من ذلك
نريد حملة مبرمجة يشترك فيها الجميع لإنقاذ المقدسات..