هذا جهل بأساليب القرآن

 الجهل باللغة العربية سبب إلى الفهم السيئ للقرآن الكريم بحيث يضن القارئ أن هناك تعارض وتناقض في القرآن الكريم فقد أعترض بعض النصارى المعاصرين ممن يريد أن يشكك في القرآن بأنه متناقض ضناً منه أنه قد أصابه ما أصاب التوراة والإنجيل ( الكتاب المقدس ) من تحريف وتناقض مثل ما جاء في سفر التكوين ( وَبَارَكَ اللهُ الْيَوْمَ السَّابِعَ وَقَدَّسَهُ لأَنَّهُ فِيهِ اسْتَرَاحَ مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ اللهُ خَالِقاً ) 2: 3 أما سفر إشعياء فيؤكد أن الله لا يكل ولا يعيا خلافاً لآية التكوين ( أَمَا عَرَفْتَ أَمْ لَمْ تَسْمَعْ إِلَهُ الدَّهْرِ الرَّبُّ خَالِقُ أَطْرَافِ الأَرْضِ لاَ يَكِلُّ وَلاَ يَعْيَا )40: 28

   وأيضاً في عدد الملوك الموكلين لقطع الأشجار والأحجار بناء بيت المقدس ففي ملوك الأول 5: 16 ( وَكَانَ لِسُلَيْمَانَ سَبْعُونَ أَلْفاً يَحْمِلُونَ أَحْمَالاً، وَثَمَانُونَ أَلْفاً يَقْطَعُونَ فِي الْجَبَلِ، 16مَا عَدَا رُؤَسَاءَ الْوُكَلاَءِ لِسُلَيْمَانَ الَّذِينَ عَلَى الْعَمَلِ ثَلاَثَةَ آلاَفٍ وَثَلاَثَ مِئَةٍ الْمُتَسَلِّطِينَ عَلَى الشَّعْبِ الْعَامِلِينَ الْعَمَلَ ) 3300 وفي أخبار الأيام الثاني 2: 2 ( وَأَحْصَى سُلَيْمَانُ سَبْعِينَ أَلْفَ رَجُلٍ حَمَّالٍ وَثَمَانِينَ أَلْفَ رَجُلٍ نَحَّاتٍ فِي الْجَبَلِ وَوُكَلاَءَ عَلَيْهِمْ ثَلاَثَةَ آلاَفٍ وَسِتَّ مِئَةٍ ) 3600 فالزيادة هي 300 رجل وغير ذلك من التحريفات والتناقضات والتلاعب الذي نال التوراة والإنجيل حتى عجز عن الرد عنها كبار المفسرين للكتاب المقدس بل بعضهم أعترف بالتحريف عند بع! ض الآيات مثل المفسر " كريباخ " و " آدم كلارك " .

وعوداً على بدء قال هذا المعترض النصراني في قول الله تعالى في سورة آل عمران : ( إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ45! ) .

أن الآية تشير إلى عدة ملائكة بينما في سورة مريم : ( فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا   17   قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا   18   قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُ! ولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا   19   قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا   20   قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا21) 

تشير إلى ملاك واحد فقط .

فالجواب على هذا الاعتراض : أن القرآن له أساليب تخفى على كثير من الناس ويظن الجاهل بها أن في القرآن تعارض وتصادم للنصوص بينما في الحقيقة أنه لا يوجد أشكال ولا تعارض بسبب أن لغة العرب فيها هذا الأسلوب والقرآن عربي مبين فتفسير هذه الآيات كما هو متعارف عليه عند المفسرين هو ملك واحد فقط وهو " جبرائيل " روح القدس – عليه السلام - و الإجابة عن آية آل عمران هو شبيه بقول الله تعالى : ( فنادته الملائكة )  مع أن المنادي ملك واحد وهو جبرائيل وهذا الجمع الذي يراد به واحد من باب قول العرب  : " زيد يركب ا! لخيل " فهل يفهم مثلاً أن زيد يركب عشرة خيول في وقت واحد ؟

لا , بل يركب خيلاً واحداً فقط .

ولهذا الجمع الذي يراد به واحد عدة صور في القرآن منها قوله تعالى  في سورة التوبة : ( مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله ) والمراد بالمساجد المسجد الحرام وقال تعالى في سورة البقرة : ( وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ! ) وكان القاتل رجل واحد فقط .

ويوجد في القرآن أيضاً العكس وهو إقامة الواحد مقام الجمع وهي من سنن العرب أيضاً إذ تقول : قررنا به عيناً أي : أعيُناً وفي القرآن في سورة النساء : ( فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا ) وتقديره فإن طبن لكم عن شيء منه أنفساً وقال تعالى في سورة الحج : ( ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ  ) أي : أطفالاً , وقال تعالى في سورة النجم : ( وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا ) وتقديره وكم ملائكة في السموات . وقال في الحجر ( قَالَ إِنَّ هَؤُلاء ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ ) و! لم يقل أضيافي .

فمن يجهل هذه الأساليب – وخاصة من النصارى واليهود - يحسب أنه متناقض والحقيقة أنه لا يوجد تناقض البته .

مراجع البحث

1/ فقه اللغة لأبي منصور الثعالبي .

2/ دراسات في أساليب القرآن لمحمد عظيمة .

3/ البحر المحيط لأبي حيان .

4/ البرهان لزركشي .