أبو راتب طائر الحب في قفص

المنشد أبو راتب

زهير سالم*

[email protected]

منذ ما يقرب من ثلاثين عاماً التقطت أذناي لأول مرة صوت الفنان المبدع والمنشد الراقي "أبو راتب". كان أبو راتب ما زال شابا أو لأقل فتى يافعاً ورائعاً. التقطت أذناي صوت أبي راتب في مجلس من مجالس أهل التصوف، الذين يهيمون بأناشيد الحب والصفاء والدعوة إلى الانفتاح على الإنسان في جوهره الإنساني مرددين أقوال معلميهم بالحديث عن دين للحب يضفي روحه على علاقة الإنسان بالإنسان على مذهب من قال منهم:

أدين بدين الحب حيث سارت ركائبه ..

سألت عن أبي راتب فعرفت أنه واحد من الهائمين في حب الله، وحب الناس، وأنه ليس له أي التزام حزبي أو سياسي، وأن لا سبيل إلى الطمع على هذا الطريق فيه، فهو يُؤثر أن يطرب بصوته المخملي الرقيق كل المحبين والهائمين بحب الله وحب الفضيلة وحب الخير والجمال ..

ثم قليلا ما جمعتنا المجالس أو المحافل بأبي راتب وإنما كنا على اتصال دائم به من خلال ذلك الصوت العذب ينساب من السمع إلى الفؤاد والعقل يحمل الرسائل التي تدعو إلى التسامي وإلى الحب بل إلى الصلابة في الحب دفاعا عن إنسانية الإنسان ..

أنشد أبو راتب في حب الله الرحمن الرحيم، وتغنى بالشوق إلى رسول الله صاحب الخلق العظيم، وردد أحاديث الفضائل، ورسم صورة الإنسان كما يجب أن يكون، دافع عن الحب والعائلة، انتصر للمرأة أما وزوجا وجهر الصوت بالدفاع عنهما وعلمنا أن همس الحب يمكن أن يكون جهرا فهو ليس إثما ولا عيبا، وأنشد أبو راتب للمستضعفين، ودافع عن رسالة السلام في أبعاده النفسية والاجتماعية والسياسية. وقال للمتكبرين الذين يجتاحون كل شيء: كفى ..

وخلال سنوات الهجرة الطويلة انتقل أبو راشد من منشد مجلس في حفل صوفي خاص ليكون منشدا عالميا يطرب لصوته الناعم والمؤثر ملايين المسلمين يدعوهم إلى الحب والفضيلة والسلام. وتقدم أبو راتب ليكون له موقعه في رابطة الفن الإسلامي، وليكون المحكم في أكثر من مسابقة إسلامية بين السائرين على الطريق.

حين تناهى إلى أسماع ملايين المعجبين أن أبا راتب رهن التوقيف في الولايات المتحدة قالت لهم الصدمة: ماذا جرى للعالم؟! أيعقل أن يوضع طائر الحب الغرّيد في قفص؟! أي مخالفة، ولو كانت مخالفة سير يمكن أن يرتكبها فنان يمتلك رهافة أبي راتب وإحساسه الحيوي بالحياة والناس والحب؟! هل يدرك هؤلاء الذين يعتقلون منشد الحب هذا أي رسالة سلبية يرسلونها لملايين المسلمين وليس العرب وحدهم حول العالم ..؟!

نعتقد جازمين أن خبر توقيف أبي راتب لا يحمل الرسالة الإيجابية المناسبة للعقول والقلوب، ونفتقد مع الملايين من الذين تعودوا أن يلقوا أسماعهم في الحضن الدافئ لصوت أبي راتب يُطرب ويُمتع ويُعلم الصوتَ والطائرَ والشجرةَ والأغصانَ، ونتمنى على الذين اتخذوا قرارهم الخطأ في الزمان الخطأ أن يبادروا إلى تصحيحه، فيعيدوا الطائر إلى غصنه وينفوا عن ملايين القلوب حول العالم القلق والتوجس، ويعيدوها إلى الاستقرار في حضن صوت أبي راتب ينشدنا عن الحرية من جديد.

              

(*) مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية