ترجمة كلمتي "الخَلق" و"الفرج" الواردتين في القرآن الكريم

ترجمة كلمتي "الخَلق" و"الفرج"

الواردتين في القرآن الكريم

محمود القاعود

 [email protected]

أرسل لى أحد النصارى رسالة طويلة يُحذرنى فيها من الهلاك والخروج من الحياة الأبدية ويدعونى أن ارتد عن الإسلام ذلك الدين الخدعة الذى جاء به رجل بدوى و .... و ....

وأخبرنى أن الرب ياسوع – كما يؤمن – فى انتظارى ، وأنه سينور قلبى وأنه يُحبنى ويقول لى كل يوم " تعالى يا محمود " !!

وتحدانى النصرانى فى رسالته أن أذكر ترجمة لكلمتين فقط مذكورتين فى القرآن الكريم

الكلمة الأولى هى : " الخلق " وسؤاله : كيف ستترجمون كلمة " الخلق " الواردة فى حق المسيح ؟؟

وأردف :

(( أنتم تكذبون في ترجمات القرآن للغات الأخرى ، وخاصة في النصوص التي تمس صميم اللاهوت الإسلامي ، فتنكرون قدرة المسيح على الخلق في بعض الترجمات الإنجليزية :

ففعل الخلق المنسوب للمسيح في المائدة 110 وآل عمران 49 يجعلونه

to design أو to make أو to fashion a creation أو to determine بمعنى يصمم أو يصنع أو يعدّل ما هو مخلوق أصلا .

أما لله فهو to create ، منكرين في الترجمة أشتراك المسيح مع الله في الخلق. أليس ما تفعلونه هذا ما يقوله قرآنكم متهما أهل الكتاب بأنهم "يحرفون الكلم عن مواضعه" في (النساء 46، المائدة 13، 41) ؟ أليس أنتم من أوجعتم رؤوسنا بتحريف الكتب المقدسة التي جاءت قبلكم كالتوارة و الإنجيل؟ أليس أنتم من منعتم ترجمة القرآن لمدة 14 قرن من الزمان تحت زعم منع التحريف ؟

وعندما يُوَاجه المسلمون بهذه التحريفات للترجمات ومعانيها ، يتهربون بأنها معاني القرآن ، وليس القرآن نفسه مما يجعلنا نتساءل هل هي ترجمة للقرآن أم ترجمة لمعاني القرآن ، وهل يبرر هذا أن تحمل الترجمات نوعا من التدليس والكذب ؟

وإذا كانت ترجمة لمعاني القرآن ، وأن القرآن العربي غير قابل للترجمة ، فكيف يؤكدون في الوقت نفسه أن دعوة الإسلام عالمية ؟ وهل من المفترض لمن يريد الوصول إلى الله في الإسلام أن يتعلم العربية أولا ؟ وأن يصلي بالعربية فقط ؟

يبدو أن إله الإسلام عالمي الطموح ، يريد أن يحكم العالم كله ولكنه لا يفهم إلا العربية ، ولكنه الآن يسمح بالترجمة ، بل والتلاعب والتحريف في الترجمة !!! ))

الكلمة الثانية هى : " الفرج " وسؤاله : كيف ستترجمون كلمة " الفرج " الواردة فى القرآن ؟ هل ستذكرونها بمصطلحها " المهبل " ؟! أم ستترجمونها بمعناها العامى : bu……)) )) ؟! أم ستحرفون الترجمة وتغيرون قرآنكم ؟!

ونقول : نحمد الله على نعمة الإسلام العظيم وعلى نعمة إتباع النبى الكريم صلى الله عليه وسلم ، واشكر لهذا النصرانى ما اعتقد أنه خيراً لى ، وألفت انتباهه إلى أن اتباع " الرجل البدوى " خير من الإشراك بالله وعبادة مخلوق مثلنا تماماً وعبادة خروف والإيمان بخرافات لا علاقة لها بالله عز وجل .

أما عن السؤال الأول حول معنى كلمة " خلق "

يقول الحق سبحانه وتعالى : (( وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ )) ( آل عمران : 49 ) .

و : (( إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ )) ( المائدة : 110 ) .

والسؤال : أين فى الآيات الكريمات ما يقول أن المسيح عليه السلام مشترك مع الله فى الخلق ؟؟

الآيات واضحة وصريحة  فالمسيح عليه السلام لم يخلق شيئاً من العدم ، بل  " يخلق من الطين " ولم يخلق الطين أى أنه يصنع طيراً من أشياء موجودة ، ولكنه لم يبتكر هذه الأشياء ، وهذا الخلق ، ومثله إحياء الموتى وشفاء المرضى والإخبار بالغيب  كله " بإذن الله " ، فما الذى يجعله مشتركا مع الله فى الخلق ؟؟

أين العقل يا من أخبرتنى بمحبة ياسوع ؟؟

أما الادعاء بأننا نحرف " الكلم عن مواضعه "

قلت : رمتنى بدائها وانسلت ، فهل ينبغى أن نؤله المسيح حتى نكون نترجم بموضوعية ؟!

أما القول بأن ترجمة القرآن الكريم مُنعت لمدة 14 قرن من الزمان ، فهذا دليل سخف وتهريج صاحب الرسالة ، إذ أنه لم يأت بأى دليل يؤيد صدق كلامه ، حيث ذكر أن الترجمة مُنعت ولم يذكر الجدال الذى دار بخصوص هذا الموضوع واختلاف العلماء حول الترجمة الحرفية وترجمة المعانى وهل يجوز التعبد بالترجمة أم بالعربية ؟ وهى نقاشات وجدالات لا يُلم بها صاحب الرسالة .

والترجمات هى اجتهادات أشخاص وليست وحى من الله ، ما يعنينا هو كتاب الله الخالد الذى لا يتغير ولا يتبدل ولا يعتريه أى تحريف على الإطلاق ، فالقرآن هو هو منذ أن تلقاه  محمد صلى الله عليه وسلم من ربه .

فى الجانب المقابل فإن الأناجيل اختلفت وتضاربت فى نصوصها الأصلية وليست ترجماتها وتعرضت للتحريف بالزيادة والنقصان ، فضلاً عن أشياء ليست لها علاقة بالترجمة وفوق ذلك فإن جميع الأناجيل كُتبت بعد رفع المسيح عليه السلام بعشرات السنين مما يُشكك فى صحتها ويُبرهن على تأليفها وتحريفها.

أما السؤال عن إذا كان القرآن لا يمكن ترجمته فلماذا يكون الإسلام دعوة عالمية ؟!

نقول : أن يكون للرسول صلى الله عليه وسلم  لسان عربى ، لا ينفى عالمية رسالته .. يقول الحق سبحانه وتعالى :

(( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ )) ( الأنبياء : 107 ) .

(( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا )) ( الفرقان : 1 ) .

(( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ )) ( الأعراف : 158 ) .

(( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ )) ( الحج : 49 ) .

بل إن عالمية الإسلام امتدت لتشمل الجن ، يقول سبحانه وتعالى :

(( وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ  قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ   يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ   وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ )) ( الأحقاف : 29 – 32 ) .

ويقول الحق سبحانه وتعالى :

(( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )) ( إبراهيم : 4 ) .

وفى هذه الآية يوضح الحق سبحانه أنه لم يُرسل أى رسول إلا بلسان قومه ، فلم نسمع عن رسول أتى بعدة لغات أو أن كتاباً من عند الله نزل بلغات مختلفة ، وعلى ذلك فلا يمكن أن يكون الصادق الأمين يعيش وسط العرب ويحدثهم الإنجليزية أو الإيطالية تحت دعوى أن الإسلام دين عالمى !!

ورغم ذلك فإن المسيح لم يتحدث إلا لغة قومه ، ومن قبله موسى ، ومن قبلهما جميع الأنبياء والمرسلين ، فلماذا التألى على الله ؟؟

الإسلام عالمى بدعواه وتعاليمه ورسالته وأحاديث رسوله الأعظم ، فتبليغ الرسالة متاح جداً بنشر تعاليمها ومبادئها ، ولا يُجبر الإسلام أحداً على تعلم العربية أو الصلاة بها ، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها ، وإنما تعلم العربية يكون للتأمل فى القرآن الكريم واكتشاف روعة اللغة العربية والآيات القرآنية الكريمة .

ونؤكد أن الله لم يُنزل القرآن الكريم بعدة لغات ، وإنما باللغة العربية وتعهد بحفظه ، لذلك فإن جميع المصاحف الموجودة على وجه الأرض لا اختلاف بينها ولو فى " تشكيل " وليس فى حرف .أما بخصوص الترجمة فهى اجتهادات شخصية لإيصال فحوى القرآن الكريم لمن لا يتحدثون العربية ليعلموا مضمون رسالة الإسلام.

ولو كان الله قد أنزل القرآن الكريم باللغة الإنجليزية ، لو جدنا المعترضين يقولون لماذا لم يُنزّل قرآن باللغة العربية ؟! وهكذا دواليك .

فالكفار لا يُعجبهم العجب ولا الصيام فى رجب .

أما عن معنى كلمة " الفرج " الواردة فى قول الحق سبحانه وتعالى :

(( وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ )) ( التحريم : 12) .

 نقول : اللغة العربية ليست مثل اللغات الأخرى فتعابير العربية تحمل معانى لا تحملها اللغات الأخرى ، ولنضرب مثال :

يقول الحق سبحانه وتعالى : (( هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ  )) ( البقرة:187) ، ترجم البعض هذه الآية ترجمة حرفية  فقال : (( هن بنطلونات لكم وأنتم بنطلونات لهن )) !!

وبالقطع فالقرآن الكريم لا يقصد هذا المعنى وإنما يقصد المعنى الحسى المعنوى للباس ، وهو السكن والراحة والستر .

إذاً لا يُمكن أن نؤول اللغة العربية وفق قواعد اللغات الأخرى ولكن وفق قواعد العربية نفسها وما تعنيه ، فالقرآن يقصد المجاز والكناية والحقيقة وغيرها من الأمور اللغوية العديدة ، ويجب أن يُراعى هذا الجانب عند الترجمة .

أما عن كلمة " فرج " فتعنى فى اللغة العربية الشق بين الشيّئين ، وفى الآية الكريمة تعنى مكان العفة والطهارة ، وهذه هى ترجمتها كما أوردها " عبدالله يوسف على " :

(( And Mary the daughter of 'Imran, who guarded her chastity; and We breathed into (her body) of Our spirit; and she testified to the truth of the words of her Lord and of His Revelations, and was one of the devout (servants).))

والترجمة واضحة وتُشير لكلمة الفرج ب " العفة والطهارة " ومن أحصنت فرجها الذى هو مكان عفتها وطهارتها ، فقد صانت نفسها وعفتها .

ولا يُعقل أن نؤول القرآن الكريم وفق بعض الأمزجة المريضة ، وأبلغ دليل على أن اللغة العربية ليست مثل أى لغة وتحتمل كلماتها معانى عديدة ، هى قول صاحب الرسالة أننا سنترجم الكلمة بمعنى المهبل أو bu….. وقوله يدل على عجز اللغات الأخرى وعلى عدم إلمامه هو باللغة العربية ومعانى كلماتها .

نحن لا نخجل من قرآننا ولا نحرف معانى كلماته لأنه ليس به ما نخجل منه ، فجميع ألفاظه فى غاية السمو والرقى والبلاغة والإعجاز .

وليت صاحب الرسالة قد أخبرنا بترجمة ألفاظ نشيد الأنشاد وسفر حزقيال فمثلاً :

كيف سيُترجم :

(( فى الليل على فراشى ))

(( دوائر فخذيك ))

(( السرة ))

(( البطن ))

(( الشفتين ))

(( الساق ))

(( الثديين ))

(( شماله تحت رأسى ويمينه تُعانقنى ))

(( المنى الذى يُشبه منى الخيل ))

(( الأعضاء التناسلية التى تُشبه أعضاء الحمير ))

وكيف سيُترجم قصة زنى لوط بابنتيه ؟؟

وكيف سيُترجم اشتهاء داود لجارته وهى تستحم وقتله لزوجها والزنى بها ؟؟

هل سيُترجم كل هذه الأشياء ب fu ….))   )) ؟؟

شئ من العقل يا معاشر النصارى ، ولتكفوا عن طرح تلك الأكاذيب الممجوجة السخيفة وعليكم الإلتفات إلى أتباعكم الذين يفرون من دينكم أفواجاً ، لأنه دين ضد الفطرة وضد العقل وضد الهدوء وراحة البال .

أما ياسوع الذى يقول لى " تعالى يامحمود " فأقول له بعلو الصوت بل وأصرخ فيه : " مش جاى وأعلى ما فى خيلك اركبه " !!

ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين .