التكافؤ في الزواج؟

رضوان سلمان حمدان

رضوان سلمان حمدان

[email protected]

1- تزوج رجل كبير في السن من فتاة في العشرين من عمرها وبعد وقت قصير من الزواج انقلب عنها ميتاً.

2- تزوج رجل ثري من فتاة فقيرة و كان يعيش في قصر، فتصور كيف كان يعاملها كان يضربها، ويجرها من شعرها على الدرج، وفي ذات مرة طردها بملابسها التي عليها فقط.

3- تزوجت من شاب أقل منها في التدين وظنت أنها تستطيع تغييره والتأثير عليه ليحافظ على الصلاة ويترك الاستماع إلى الأغاني، وكان الواقع العكس، فهو يريد أن يشدها لتنزل عن مستواها الإيماني والديني، وهي تريد أن تشده لأعلى وفي النهاية لم يتوصلا إلى حل يناسب كل واحد منهما وتم الطلاق.

 4- كانت امرأة طويلة وأجبرها الأب على الزواج من قريب لها قصير ليس بينهما أي تناسب ولا اتفاق، فظلت حياتها الزوجية في معاناة ومشاكل إلى أن قضى الله أمراً كان مفعولاً وتوفى الزوج رحمه الله.

5- هي حاصلة على شهادة جامعية وتزوجت من رجل لم يكمل الدراسة المتوسطة فتخيل كيف كانت الحياة تسير في هذا البيت مع اختلاف المفاهيم والمعتقدات بينهما.

بعد عرضن هذه الصور المختلفة من البيوت المسلمة نتساءل ما معنى الكفاءة في الزواج؟

الكفاءة:

هي المساواة والمماثلة يُقال: فلان كُفء فلان، أي مماثل له في كثير من صفاته والمقصود بها في الزواج أن يكون الزوجان متساويين أو متقاربين في مستواهما الديني والعلمي والخلقي والاجتماعي وفي السن لأنهما كلما كان هناك تقارب في الصفات العقلية والاجتماعية وغيرهما بين الزوجين كانت الحياة الزوجية بينهما أقرب إلى النجاح وإلى حسن التفاهم وإلى دوام الألفة والانسجام.

هل الكفاءة أمر معتبر؟

يرى جمهور الفقهاء أن الكفاءة في الزواج معتبرة، فإن زوّجت المرأة نفسها من غير كفء لها فلأوليائها حق الاعتراض على هذا الزواج، ولهم أن يرفعوا الأمر إلى القضاء لفسخ هذا الزواج، فالكفاءة إذن أمر معتبر في العرف وفي الشرع، وهي من الأمور التي لا يمكن إغفالها التي تساعد على إنجاح الزواج، والاستقرار وتحقيق السعادة بين الزوجين.

ويعتبر الإخلال بالتقارب بين الزوجين في الناحية الدينية والاجتماعية والعلمية وغيرها من الأمور مفسداً للحياة الزوجية ورونقها.

وهذا المعنى أمر درج عليه الناس من قديم الزمان بدليل أنهم كانوا يختارون شريكاً أو شريكة في الحياة من بين الكثير الموجودين، فالاختيار نفسه دليل اعتبارهم للأصلح والأنسب لقيام الحياة الزوجية بمعناها الصحيح، وإن لم تكن معتبرة كان يمكن الاتصال الجنسي دون تدقيق في الاختيار، لكن الاتصال الجنسي وحده ليس كل شيء في الحياة الزوجية، وهناك مقاصد أخرى للزواج، تلك المقاصد تتطلب البحث عن شريك أو شريكة مكافئة ليستطيع الطرفان التعاون على إقامة هذه الحياة المنشودة.

وعند تقدير الكفاءة يجب مراعاة اختلاف البيئات والأوضاع والأزمان.

ما هي الأمور التي تُراعى فيها الكفاءة؟

اختلف العلماء في العناصر التي تُراعى في الكفاءة:

1- فقال مالك في مذهبه: إنها الدين، وفي رواية عنه أنها ثلاث: الدين، والحرية، والسلامة من العيوب.

2- وقال أبو حنيفة: هي النسب والدين.

3- وقال أحمد: هي خمسة: الدين، والنسب، والحرية، والصناعة، والمال.

4- وقال أصحاب الشافعي: يعتبر في الكفاءة الدين والنسب والحرية والصناعة والسلامة من العيوب المنفرة، ولهم في اعتبار الغنى واليسر ثلاثة أوجه:

أ- اعتباره.                           

ب- إهماله.                        

ج- اعتباره في أهل المدن وإخفاؤه في البوادي.

وكفاءة المال:

تصور بما يكفي المهر ونفقة الزوجية، فالعاجز عنها ليس كفئاً للمرأة.

وقيل: العجز عن النفقة هو الذي يعتبر في عدم الكفاءة، أما المهر فلا؛ لأنه يستطيع الحصول عليه من أقاربه أو بأية وسيلة أخرى.

فكفاءة المال بأن يكون الطرفان متقاربين في الغني واليسر، والأصح عدم اعتبارها بهذه الصورة لأنها أمر عرض.

وكفاءة الدين يُراد بها  التدين والطاعة، فالفاسق لا يكافئ بنت الصالح، لأن فسقه عار كبير، والكافر لا يكافئ المسلمة، هل سمعت عزيزي القارئ عن أعظم مهر في الإسلام؟

إنه مهر أم سليم عندما جاء أبو طلحة فخطب أم سليم فكلمها في ذلك فقالت: يا أبا طلحة ما مثلك يُرد، ولكنك امرؤ كافر وأنا مسلمة لا يصلح لي أن أتزوجك...

أريد منك الإسلام، فإن تسلم فذاك مهري، ولا أسألك غيره.

قال ثابت: فما بلغنا أن مهراً كان أعظم منه، أنها رضيت الإسلام مهراً.

وكفاءة الحرفة: معناها تقارب الزوجين فيها، لكي يتفهم كل طرف طبيعة العمل، والجهد المبذول فيها من جانب شريك الحياة.

وخلاصة القول في أي شيء تكون الكفاءة هو:

يرى بعض الفقهاء أن أهل الإسلام كلهم إخوة وأن أي مسلم ما لم يكن مشهوراً بفجوره وفسقه وزناه له الحق أن يتزوج بأية مسلمة ما لم  تكن معروفة بفجورها وفسقها كما قال الله تعالى في سورة الحجرات.

 ولا عبرة بالأحساب والأنساب والأموال، وإنما العبرة بالتدين والاستعانة وحسن الخلق لقوله تعالى في سورتي الحجرات والنور

وقد أكد رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الحديث الشريف عندما قال:

((إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)).

وماذا تقول في رأي رسول الله في رجل من فقراء المسلمين؟

 فقد روى البخاري ومسلم عن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم مر عليه رجل فقال: ( ما تقولون في هذا؟ ) قالوا: حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، وإن قال أن يُسمع، ثم مكث فمر رجل من فقراء المسلمين فقال: ( ما تقولون في هذا؟ ) قالوا: حري إن خطب ألا ينكح، وإن شفع ألا يشفع، وإن قال إلا يُسمع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( هذا خير من ملء الأرض مثل هذا ).

وهذه نماذج من الزيجات تدعم ما سقناه سابقاً:

فقد زوّج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش وهي بنت عمته، أميمة بنت عبد المطلب، وهي الحرة أصلاً والقرشية الجميلة، زوجها من زيد بن حارثة مولاه.

وعلى الرغم من هذا الفارق الكبير إلا أن النبي أمضى هذا الزواج ليقضي على العنصرية الجاهلية لحكمة أخرى هي إبطال التبني وإلغاء أحكامه.

وزّوج عبد الرحمن بن عوف أخته هاله لبلال بن رباح.

وبعد هذه النماذج ننتهي إلى خلاصة هنا وهي أن مقياس الكفاءة في الزواج هو الدين ويُترك ما بعد ذلك من عوامل للظروف التي تتغير بحسب البيئات والعصور والأزمنة.

فيمن  تُعتبر الكفاءة؟

هذه الكفاءة التي تحدث عنها العلماء هي في الرجل، ولا يشترط في المرأة أن  تكون كفئاً له، أي أن الرجل هو الذي يشترط فيه أن يكون كفئاً للمرأة ومماثلاً لها أو متقارباً معها في الصفات العلمية والاجتماعية والعقلية والخلقية، وللرجل أن يتزوج بمن هي أقل منه في علمه وفي أحواله الاجتماعية.

 وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

( من كانت عنده جارية فعلَّمها وأحسن تعليمها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران ).

ولقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم وهو أعلى الناس فضلاً ومنزلة بالسيدة صفية بنت حي بن أخطب وكانت يهودية وأسلمت.

وقد جرى العرف بين الناس أن الزوجة صاحبة المنزلة الرفيعة هي التي تعيّر هي وأولياؤها إذا تزوجت بمن هو غير كفء لها، أما الزوج فلا يعيّر إذا كانت زوجته دونه في المنزلة العقلية والعلمية والاجتماعية.

وقت اعتبار الكفاءة:

أجمع الفقهاء على أن وقت اعتبار الكفاءة إنما يكون عند إنشاء عقد الزواج، لأنها شرط إنشاء لا شرط بقاء، فإذا تزوجت المرأة بمن هو كفء لها ثم بعد ذلك تغيرت ظروفه من غنى إلى ما دون ذلك، فإن عقد الزواج باق على ما هو عليه.

 لأن الإنسان لا يدون على حال واحدة، والأمور المعتبرة في الكفاءة تقبل التحول والتغيير كالمال والمكانة العلمية والعمل، وغير ذلك من الأمور المتغيرة.

وخلاصة القول:

إن الكفاءة في الزواج أمر معتبر في العرف والشرع، وهي من الأمور التي لا يمكن إغفالها التي تساعد على إنجاح الزواج والاستقرار وتحقيق السعادة بين الزوجين، ويعتبر الإخلال بالتقارب بين الزوجين في الناحية الدينية والاجتماعية والعلمية وغيرها من الأمور مفسداً للحياة الزوجية ورونقها.

وفق الله الجميع إلى الزواج الناجح المتكافئ