الغوريلا .. تهجو الإسلام !!
أ.د. حلمي محمد القاعود
لا أدري لماذا قفزت إلى ذهني صورة الغوريلا ، ذلك الحيوان الوحشي المخيف ، وأنا أطالع بعض الكتابات التي تهجو الإسلام وتحرّض عليه ، ولم تعد تجد في ذلك غضاضة أو خجلا ، مع أنها تطعن في دين الأغلبية الساحقة من أبناء هذا الوطن التعيس .. ويأتي الهجاء والطعن على صفحات دوريات يملكها هذا الشعب ، ويمول خسائرها دافع الضرائب المصري المسكين ، وهو الذي لا يفرط في دينه ولا يرضى بالطعن فيه.. بالطبع نحن لا نلوم الغوريلا التي تهجو الإسلام بكل وقاحة وتتحدى المجتمع الإسلامي وقوانينه ، فضلا عن دستوره ، لأنها تستشعر أولا أن هناك نوعا من الحماية الخارجية التي يسبغها العدو الصليبي الاستعماري ممثلا في الولايات الأميركية المتحدة ، والمؤسسات المعادية للإسلام في الغرب بصفة عامة ، ثم هناك ثانيا الرضا الكامل من النظام البوليسي الفاشي الحاكم الذي يعتقد أن الإسلام هو عدوه الأول ، والخطر الأكبر على وجوده الفاشي ، حيث يمثل الإسلام عنصر المقاومة الوحيد الحي الباقي في الساحة ، لمجابهة الاستبداد والخنوع ، فضلا عن الفساد والإفساد اللذين صارا علامةمميزة للمرحلة الراهنة !
بشاعة الغوريلا لا تقتصر على شكلها الشيطاني الذي يوحي بالرعب والقبح – مع أنها قد تكون حيوانا طيبا لا يعقر أحدا عندما تمتلئ بطنه بالطعام – ولكن من يمثلونه من كتاب البلاط أو كتاب الحرملك ، أو الباحثين عن الرزق الحرام يعطونك هذا الانطباع بالتوحش والبشاعة ، وأنت تطالع وقاحتهم ضد الإسلام وقيمه وتشريعاته انطلاقا من مقولات كاذبة ، وتدليس متعمد ، وافتراء واضح.
حين تقرأ مثلا من ينفى أن يكون هناك فراغ ديني في مصر ، ويعتقد أننا نعاني من تخمة دينية انطلاقا من كون ما يسميه باللغة الدينية هي السائدة بشراسة في المجتمع وفي الصحف والمجلات وفي المترو , في الميكروباصات ، في الأتوبيسات ، في التوك توك ، في الإعلانات ، في المؤسسات حين يأتي وقت الصلاة ، في المسلسلات ، في مناهج التعليم ، في مجلات الموضة ، في المسرحيات ، في الأفلام ، في ألعاب السيرك وألعاب الأطفال ، في المطبوعات الكثيرة ، في الجرائد والكتب الدينية التي تصدر يوميا وشهريا ، في نساء مصر اللاتي يرتدين الحجاب والنقاب ويذهبن إلى الدروس الدينية ، وحمامات السباحة (!!) حيث يجلسن ويقرأن القرآن بصوت مسموع ، وإذا نزلن إلى الماء يرتدين ما يوهات شرعية تخفى كل الجسم باللون الأسود ، والتخمة موجودة في مجمع البحوث الإسلامية الذي يصادر الروايات والمسرحيات والقصائد الإبداعية ، والتخمة موجودة في كل من هب أو دب يذهب إلى النائب العام يرفع قضية تكفير (!!)ضد المبدعين والمبدعات ، ويطالب بإسقاط الجنسية المصرية عنهم ، ومنع كتبهم من السوق ، وحظر سفرهم ، والتخمة الدينية موجودة في التيارات الدينية الإسلامية التي تمهد لإقامة الخلافة الإسلامية ، والتخمة الدينية موجودة في التاكسيات وشرائطها التي تشتم النساء ، وتطالب بحجز المقابر للآخرة ، التخمة الدينية موجودة في مشايخ الفضائيات المتأنقين الذين يقدمون الفتاوى للفتيات المحجبات الصامتات ، والأولاد المتأسلمين الذين يتكلمون بشكل يسبب الاكتئاب واليأس من ترسيخ التيار المدني في المجتمع ، والغثيان من اختراق سلطة القهر بالدين !!التخمة في الإنفاق على بناء المساجد وإعداد الدعاة الدينيين والتمويل الخرافي للمطبوعات الدينية من جهات معروفة وغير معروفة .. لقد أغلقت اللغة الدينية – حسب الغوريلا – والمرجعية الدينية ، والمناخ الديني ، كل منافذ الهواء مما يؤكد أننا لسنا في فراغ ديني !
وتقول الغوريلا إننا نضع النقاب ليس على الرءوس فحسب بل على العقول ، والنقاب حالة أفراد فقدوا الزمن ‘ فهاجروا خارجه ، هربا من مجتمع ذكوري سيئ النظرات بذيء العبارات .
ثم ترى الغوريلا أن أساتذة التكفير يحتلون أرفع المناصب ، ويمثلون محاكم التفتيش ، ويتربصون بأصحاب الفكر والمبدأ والبحث في نوايا الكتاب والأدباء ويصادرون كتبهم وإبداعهم ..
وتقول الغوريلا إن المتطرفين الإسلاميين يدعون أنهم جند السماء فيرفضون القيم الأميركية المتحضرة ، ويفرضون قيم التخلف والبداوة والصحراء على الآخرين .... الخ
والذي يتأمل هذه المقولات التي تلح عليها الغوريلا في صحف لاظوغلي وصحف اليسار المتأمرك ، وكتابات مثقفي الحظيرة ، وكتبة البلاط ، وأغوات الحرملك .. يجد أنها تسير في سياق واحد ، لا يتغير ,, هو هجاء الإسلام ، والزراية به ، والرغبة الشيطانية في استئصاله من الوجود لحساب السادة المستعمرين والسادة المستبدين !
إننا بإزاء خلط عجيب ، وكذب مفضوح ، وتدليس بشع ، تؤكده أحوال الإسلام والمسلمين داخل مصر وخارجها ..إننا أمام هجاء رخيص لا يستحق عناء الرد والتفنيد لأنه يكشف عن نفسه ببساطة شديدة ، ويقول إنه ادعاء لا أساس له من الصحة ، لأن التخمة الدينية لو كانت موجودة بالفعل لتغيرت الأحوال ، وما كنا بهذا التردي الذي وصلنا إليه في ظل النظام البوليسي الذي لا يعرف التسامح أبدا مع الإسلام الفاعل والباني والمنتج ، أما والأمر غير ذلك فإن مقولات الغوريلا باطلة وغير صحيحة ..
والنقاش العلمي لهذا التخليط العجيب قد يطول ويمله القارئ، ومع ذلك فسوف نكتفي بالإشارة إلى نقطة بسيطة لكشف تهافت منطق الغوريلا وعدم عقلانيته ، واستناده إلى الديماغوغية التي تقوم على المغالطة والمغالبة ليس أكثر ..
لو كان لدينا تخمة دينية كما تزعم الغوريلا ، ما عانينا من انهيار اقتصادي ، ولا نقص في الإنتاج ، ولا تخلف في شتى الميادين حتى كرة القدم ، تتفوق علينا فيها موزمبيق ، كما تتفوق علينا في مجال التعليم الجامعي ! وذلك لسبب بسيط جدا ، وهو أن الإسلام دين علم وعمل ، وإتقان وإجادة ، وقد آثرت الحكومات المتتابعة منذ ستين عاما ؛عسكرية أو بوليسية ، أن تنفذ الإرادة الاستعمارية الصليبية بمطاردة الإسلام ، وتخليق نخب خائنة وموالية له تهجو الإسلام بمناسبة وغير مناسبة ، وتشكك في تشريعاته وتزري بأتباعه ، بل تقصيهم وتستأصلهم ، وتلقيهم في السجون ، وتعلقهم على أعواد المشانق ، وتحرمهم من مخاطبة الناس ، وممارسة نشاطهم السياسي والاجتماعي مثل بقية خلق الله ، وقد رأينا ما فعله ديكتاتور تركيا يوم أسقط الخلافة وعلق علماء الدين على المشانق في الميادين العامة، وارتمي بكل قواه في أحضان الصليبيين الاستعماريين ، ونسى أن شعبه ، ومثله بقية الشعوب الإسلامية لا يمكن أن تفرط في دينها ، وهاهم الأتراك بعد ثمانين عاما يقولون للصليبيين وخدامهم من أمثال الغوريلا : لا.
وقد رأينا قبل شهور قليلة كيف قام النظام البوليسي الفاشي الذي تسميه الغوريلا دولة مدنية – أي علمانية – أي ضد الدين الإسلامي وحده، تلقى بالعشرات من الإسلاميين في المعتقلات والسجون ، وتحولهم إلى محاكمات عسكرية ، وتصادر أموالهم وتغلق مكتباتهم ، وصحفهم ودور النشر التابعة لهم ، دون أن تنطق الغوريلا من أي فصيل باستنكار ما حدث ، أو تقول إنه مخالف للمواثيق الدولية وحقوق الإنسان ، والدستور والقانون ، فضلا عن الشرائع السماوية .. وهو ما يدحض كل ما زعمته الغوريلا عن تخمة دينية لا وجود لها على أرض الواقع ، حيث يتم حصار الإسلام في كل المجالات في الصحافة والثقافة والإعلام والتعليم ، وحرمان من تشم فيه رائحة التدين من الوظائف المؤثرة فلا يدخل صحيفة قومية و، ولا جامعة ولا التلفزيون الرسمي ولا القضاء ، ولا كليات الشرطة أو الكليات العسكرية ، ولا حتى النوادي الرياضية المعروفة ..إن التعليم على سبيل المثال يجعل مادة التربية الدينية مادة نجاح ورسوب فحسب ،وحصة التربية الدينية مستباحة من بقية المدرسين الذين يجدون فيها فرصة لإعطاء دروسهم الخصوصية في المواد التي يدرسونها ، ولذلك يكون كتاب التربية الدينية هو الكتاب الوحيد الذي لا يفتحه الطالب إلا في ليلة الامتحان ؛ لأنه واثق أنه سينجح في هذا المادة بقوة السلطة ، سواء أجاب في الامتحان أو لم يُجب ، وبعد أداء الامتحان يلقيه الطالب في أقرب سلة مهملات ! فأين هي التخمة الدينية أيتها الغوريلا المتوحشة ؟
لو أن الغوريلا تأملت بعض المظاهر الدينية ، وخاصة في إطار الطبقة العامة ، لعرفت أن هذا في معظمه ينتسب إلى ما يعرف بالتدين الشعبي الذي يعبر عن مقاومته للسلطة المعادية لدينه وعقيدته بطريقته الخاصة ، حيث لا يملك النظام الفاشي للمحجبة شيئا ، ولا يقدر على هدم المسجد ، ولا يستطيع أن يمنع امرأة من النزول في الماء بكامل ملابسها السوداء أو البيضاء ..صحيح أنه يمنع علماء الدين الحقيقيين من صعود المنابر ، ويفضل عليهم الجهلة وعملاء ه، ولكن المصريين البسطاء يصنعون علماءهم وأشرطتهم ونماذجهم حتى لو ركزت على الهوامش والفضائل دون الفرائض والواجبات .. ويبقى لهم في كل الأحوال شرف المقاومة ، أما الذين يلمّعون بيادة النظام ، ويمنحهم صحفه وإعلامه لمهاجمة الإسلام وهجائه ، وتحتضنهم قوى الشر الصليبية الاستعمارية بالمال والدعاية والشهرة والمؤتمرات والندوات في عواصم الغرب ؛ فهم في الخانة التي يعرفون اسمها ، ولا أريد أن أسميها ، وفي يوم ما ستنتصر إرادة الشعب على إرادة النخب العميلة ، وفي تركيا مثال ساطع لهذا الانتصار الذي لا بد أن تعرفه الأمة في يوم ما بإذنه تعالى .