كلمة الحاج عمر غندور بمناسبة ذكرى عاشوراء

رئيس اللقاء الإسلامي الوحدوي   

 باسم كلمة هيئة دعم الوحدة الوطنية

ورفض الاحتلال

الذي أقيم في المصيطبة بذكرى عاشوراء 

مساء الجمعة 25/12/2009

 بسم الله الرحمن الرحيم

 والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن سار على هديه الى يوم الدين.

أيها الحضور الكريم، السلام عليكم ورحمة الله

"لا مُحيدَ من يوم خُطَّ بالقلم"

هذا ما قاله من نجتمع اليوم لاحياء ذكرى استشهاده.

هذا ما قاله الامام الحسين بن علي رضي الله عنهما.

لقد كان في تقدير الله العزيز أن يُقتل الحسين بن علي من أجل أن يبقى الدين الحق.

والحسين عليه السلام قال عشية خروجه الى الكوفة في العراق لعبد الله بن جعفر:

"إني رأيت رسول الله في المنام وأمرني بأمر أنا ماضٍ له"

ولما عزم على الخروج أتته أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها فقالت:

يا بني لا تُحزني بخروجك الى العراق فإني سمعت جدك يقول:

"يُقتل ولدي الحسين في أرض يقال لها كربلاء"

وخرج الامام الحسين لإقامة الحجة والبرهان وكتب وصيته الى أخيه محمد بن الحنفية ومما جاء فيها:

"وإني لم أخرج أَشِراً ولا بَطِراً ولا مُفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي صلى الله عليه وسلم أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر وأسير بسيرة جدي، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى

بالحق ومن رد علي هذا اصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين".

وهذا أيها الاخوة درس بليغ يعلمنا إياه الامام الحسين رضي الله عنه، "ومن رد علي هذا اصبر".

لم يبادر الحسين الشريف الى الرد بالتسفيه والقتال ولم يخرج على القوم بالتكفير وسفك الدماء

بل قال اصبر، ونصح لهم ودعاهم الى الرشد والحق جِهاراً.

أيها الأخوة الكرام،

والله إننا لنخجل من نبينا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وقد سُفك دم الحسين وأهل بيته وأصحابه!! كيف لا وأحاديث الصحابة والتابعين تروي عشرات الأحاديث عن رَيْحانتي رسول الله الحسن والحسين، ومنها ما رواه الترمذي عن عكرمة عن بنُ عباس فقال: "كان رسول الله (ص) يحمل الحسين بن علي على ظهره، مر رجل وقال نِعمَ المَركبُ ركِبتَ يا غُلام فأجَابَهُ النبي (ص) ونِعمَ الراكِبْ.... حسينٌ مني وأنا مِنه" . وقال رسولُ الله (ص) أيضاً:

"الحسنُ والحسيْن إمَامَانِ قَعَدا أو قَامَا، الحسنُ والحسيْن سيِّدا شَبابِ أهلِ الجَنة"

وعن زيد بنُ أبي زيادْ قالَ:

"مرَّ النبيُّ على بيتِ ابنَتِهِ الزهراء فاطمة عليها السلام فَسمِعَ حُسيناً يَبكي فَقالَ ألَم تَعلَمي يا فاطمة أنَّ بُكَاءَه يُؤذينِي؟"

يا اللهُ... يا اللهُ.... بُكاءُ الحسينِ طِفلاً يُؤذي رسول الله... وكيفَ بهِِ وَبِضْعَةً مِنهُ يُذْبَحُ على أرضِ كَربَلاءَ؟

يا لِعظَائِمِ الامورِ وَفَجائِعِ الدهور، وَمضَاضَةِ اللوازعِ وعِظَمُ المصائِبْ..!! وهناكَ عشَراتُ الأحَاديثِ التي تُروى عن الإمام الحسين وشقيقهُ الحسنُ من كرامةٍ وشرفٍ ومنزلةٍ عاليةٍ في أفئدةِ الملأِ وعَامةِ المسلمينْ.

أيها السادة الكرام:

منذ العاشر من محرم سنة ستين للهجرة، ما زالت حادثة استشهاد الإمام الحسين وأصحابه الابرار تتجدد في كل عام منذ 1400 سنة، وكأنه حدث بالأمس (ومنذ ذلك الحين قالت السيدة زينب شقيقة الحسين  بعد سَبْيِها، لا سَكَنَتِ العبرة (وهي فعلا كذلك اليوم).

وفي ذكرى استشهَاد هذا السَبْطُ الكبير، تدور أثار حركة التاريخ في ثورة الحسين، الى تحفيز يقظة إسلامية تشع وتتوهج في العقول والصدور، وتثير في النفس المشاعر والأحاسيس، وما انتصار المجاهدين الأبطال في المقاومة الاسلامية الفذة في جنوب لبنان، إلا نتيجة لتجليات النهج الاسلامي الجهادي الرافض للظلم والخنوع والاستسلام، وهي الخلفية المؤثرة والمعبئة في حركة المجاهدين في فلسطين والعراق والشيشان وأفغانستان وكشمير، وفي مختلف ديار المسلمين، وفي كل مكان يرتفع فيه للجهاد عَلَم ،ولو أراد الحسين عرض الدنيا لدانت له وتبهرجت، ولكنه قال: "نحن أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة بنا فَتَحَ الله وبنا خَتَمْ"

ومازال التاريخ يردد دوي قول الحسين: "فوالله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر لكم إقرار العبيد"

الى أن قال أيضا: "ان كان دين محمد لا يستقم إلا بدمي يا سيوف خذيني"

وقبله كانت الوقفة الأبية الشامخة، لوالده سيدنا الامام علي كرم الله وجهه وأرضاه، حين جاءه أبو سفيان محرضا بعد بَيْعة سيدنا أبي بكر رضي الله عنه وقال: "أَغَلبَكَ على هذا الامر أقَلّ بيتٍ من قُريش أَمَا واللهِ لأملأنَّّها خيلاً ورِجْلاً إن شئتت فأجابه الإمام علي: "اذهب فما ضرّ ذلك الاسلام وأهله، وأنا أسالم ما سلمت أمور المسلمين والله إننا رأينا أبا بكر لذلك أهلاً."

نعم... هكذا كان موقف الامام علي مع أبي بكر ومع عمر ومع عثمان وبقية صحابة رسول الله رضي الله عنهم أجمعين. كان يدرك بعلمه ونصحه للأمة وعلو همته، ان وحدة كلمة المسلمين فوق كل اعتبار..

وهو يُسالم ما سلمت أمور المسلمين. وجاء في تذكرة الخواص وغيرها عن ابن عباس، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يحب الحسن والحسين، ويقدمهما على ولده عبد الله.

ولما وزع الأموال يوما، أعطى لكل من الحسن والحسين عشرة آلاف درهم، وأعطى ولده عبد الله ألفا، فعاتبه ولده وقال له: لقد علمت سبقي الى الاسلام وهجرتي الى رسول الله، وأنت تفضل عليّّ هذين الغلامين، فقال له: "ويْحُكَ يا عبد الله... آتني بجد كجدهما (رسول الله)، وأب كأبهما (علي بن أبي طالب)

وأم كأمهما (فاطمة الزهراء بنت رسول الله)، وخال كخالهما (إبراهيم ابن رسول الله)، وعم كعمهما (جعفر الطيار)، وعمة كعمتهما (أم هانىء بنت أبي طالب)، وجدة كجدتهما (خديجة بنت خويلد).

ولذلك نفهم لماذا قال الامام الحسين لوالي المدينة الوليد بن عتبه بن أبي سفيان يوم جاءه يطلب البيعة ليزيد "مثلي لا يبايع مثله"، وهل يعقل أن يبايع ابن علي وفاطمة ليزيد المتهتك الفاسق السكير ابن معاوية بن ابي سفيان!! لله دَرُكّ يا ابن علي وفاطمة عليهما السلام يوم، أَجَبْتَ على كتاب أرسله إليك معاوية تقول في ختامه:

"لقد نقضت عهدك بقتل أصحابنا بعد الصلح والايمان والعهود والمواثيق ولم تفعل بهم إلا لذكرهم فضلنا وتعظيمهم حقنا فقتلتهم، فأبشر يا معاوية بالقصاص، واستيقن بالحساب، واعلم ان لله تعالى كتاباً لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ليس الله بناس لأخذك بأوليائه على الظنة والتهمة، ونفيهم من دورهم الى دار الغربة، وأخذك للناس ببيعة ابنك وهو غلام حدث، يشرب الشراب ويلعب بالكلاب، ما أدراك إلا قد خسرت نفسك، وغششت رعيتك، وسمعت مقالة السفيه الجاهل، وأخفت الورع التقي".

 أيها الاحبة،

في هذه الأيام التي نتذكر فيها ثورة الامام الحسين على الظلم، والتسلط والانحراف، تلوح في أفاق أمتنا الاسلامية، معالم الفتن والكيد للإسلام وأهله، وما شهده العراق اليوم من فتن بين المسلمين لا تعرف حرمة لشيخ وامرأة وطفل، وهي مازالت تتوالى فصولا من دم ونار وخراب.

ومن لطف الله سبحانه وتعالى

أن مراجعنا الاسلامية مازالت تُطَوّقُ هذه الفتنة النتنة، رغم الجهود الهائلة للأجهزة المتخصصة، التي يبذلها أعداء الاسلام لإضرام نارها في كل مدينة وبيت، والانتقال بها الى خارج العراق ضمن استراتيجية هدفها طي صفحة تقسيمات سايكس بيكو، واستبدالها بخارطة جديدة تقسم بلاد المسلمين الى دويلات وكيانات وكانتونات عرقية ومذهبية، لا تشكل في النهاية إزعاجاً للكيان الصهيوني الغاصب.

ولعل من أبرز تداعيات هذا النهج الخبيث

أن يُرَوَّجَ لفتنة مذهبية في لبنان بين المسلمين، لا تُبْقِي لهم شيئا من المَنْعَةِ والقوةِ وشقهم الى فريقين

أو أكثر يسهل ضمه وإلحاقه بالآخرين والعياذ بالله

وقد حَذَّرنا سبحانه وتعالى بقوله:

"ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم"

ولهذا نرفع الصوت عاليا

ونقول حذار...حذار... حذار ... من الاستخفاف بهذا الامر الجلل، والتساهل في التعامل مع هذه الفتنة البغيضة، التي تستهدف ديننا ووجودنا، إنهم يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.

يأبى الله سبحانه وتعالى

ونبينا عليه أفضل الصلاة والسلام

علمنا ان المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه والمؤمن للمؤمنين كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً

والمسلمون تتكافأ دما ؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم.

أعداؤنا أيها الأخوة لا يفرقون بين شيعي وسني

يريدون للمسلمين أن يصبحوا غرضاً يُنال منه ويُرمى، وأن نغدو أشتاتا متفرقين يسب بعضهم بعضا، يريدوننا فرقا وجماعات متناحرة تُكَفِّرُ بعضها بعضا.

والحسين أيها الاخوة، عندما خرج الى العراق، لم يخرج لقضية تخص بني هاشم أو أهله وعشيرته

ولا لحساب فريق دون آخر، بل خرج لطلب الاصلاح في أمة جده، وهل دين جده يختصر بالسنة أو الشيعة؟

خرج الامام الحسين للدفاع عن الاسلام وتصحيح الانحراف وتقويم ما فسد وبطل وخبث.

لذلك فثورة الحسين، هي ثورة الحق على الباطل وثورة الايمان على الانحراف وثورة الصدق على النفاق... وثورة تَهدي للتي هي أقوم... يفيض بها الوجدان إيماناً وطمأنينة.

إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يَظْلِمون، وها هو رب العالمين يخاطب رسولَه:

"الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء"

فهل يعقل أن نخالف قول الله وأن لا نكون من نبينا في شيء!!!

"يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم"

 وهذه دعوة للحياة في الدنيا والآخرة، ولهذا يجب أن تكون الآخرة هي الهدف المرتجى والمشترك لإرضاء الله وتحقيق الوحدة الاسلامية.

"وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون"

ومن كفر، تكاملت أوزاره، وكانت النار جزاءه...

 يقول سبحانه وتعالى:

"وأوفوا بعهدي أوفي بعهدكم"

إلاهنا واحد، ونبينا واحد، وكتابنا واحد، وصلاتنا وقبلتنا واحدة، وصيامنا واحد

"وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون، وإن الدين عند الله الاسلام"

لبيك اللهم لبيك..... لبيك اللهم لبيك.....

 في ذكرى استشهاد مولانا الإمام الحسين وصحبه أردد ما قاله شهيد الإسلام:

سأمضي وما الموت عار على الفتى       إذا ما نوى حقاً وجاهد مسلماً

وآسـى الرجـال الصالحين بنفسـه      وفارق مثبوراً وودع محرمـا

فإن عشت لم أندم وإن مت لم أُلـم        وكفى بك ذلاً أن تعيش مرغما

 السلام عليك يا سيدي يا  رسول الله،

السلام عليك يا سيدي يا أبا عبد الله الحسين،

السلام على أبيك وأمك وأخيك الحسن،

وأختك زينب وابنتك سُكَينَة،

وأهل بيتك وأصحابك الذين استشهدوا بين يديك وحَسْبِيَ ما قاله الامام الشافعي رضي الله عنه:

 يا آل رسول الله حبكـم                 فرض من الله في القرآن أنزله

يكفيكم عظيم الفخر أنكم                 من لا يصلي عليكم لا صلاة له

ونحو ذلك بقول الشاعر أبو فراس الحمداني

صلى الله عليهم أينما ذكروا             لأنهم للورى كهف ومعتصم

 أسأل الله أن يجمعنا دائماً على الحق والهدى ويوفقنا للسير على خطى نبينا والأولياء الصالحين

ويجعلني من خير محبي الإمام الحسين

العاملين بدعوته الى الحق

عللني أفوز بمحبته وشفاعة جده عليه أفضل الصلاة والسلام.

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عمر عبد القادر غندور  

رئيس اللقاء الاسلامي الوحدوي

غروب اليوم الثامن من عاشوراء