قضية فلسطين

المشكلة والحل

د. محمود عزت-

الأمين العام لجماعة الإخوان المسلمين في مصر

إن الذي يتابع تطورات القضية الفلسطينية عن كثب ويسمع ويرى ما يدور حولها من حوارات وآراء يجد أن هذه القضية تعانى من أربع مشكلات رئيسية هى :-

1- الميزان الخاطئ لهذه القضية والفهم القاصر لأبعادها عند كثير من المسلمين

 2- التقصير الواضح من العاملين للإسلام فى تحقيق شرط النصر فى القرآن

 3- اليهود وأعوانهم من البروتستانت الأوروبيين والأمريكان حربهم عن عقيدة و مرجعية .

4- العملاء فى بعض الدول العربية والإسلامية ممن يرتبط بقاؤهم برضاء الأمريكان .

أولاً : الميزان الخاطىء للقضية:

الأرض مقابل السلام شعار غريب وخيار استراتيجي عجيب : ففى أرض فلسطين نفسها نرى تياراً وطنياً يطالب بانسحاب إسرائيل إلى حدود 1967 وقيام دولة فلسطين إلى جانب دولة إسرائيل ، ودولة فلسطين هذه التى يطالبون بها تقوم – إن قامت – على 4% - أو تزيد قليلاً- فقط من إجمالى أرض فلسطين ويترك الباقى لإسرائيل

أيضاً نرى على الساحة العربية نفس التصور مطروحاً - الأرض مقابل التطبيع اى يكون الكيان الصهيونى الغاصب جزءاً طبيعياً فى جسد الأمة العربية

أما على مستوى الشعوب نسمع الاتى: ·هل سنظل طيلة عمرنا نقاتل من أجل فلسطين ؟! ·

إننا نريد أن نحافظ على التنمية ومكتسبات السلام ·

إننا لسنا مثل أمريكا ولاقوة أمريكا ولا نقدر على حربها  ·

الفلسطينيون يستحقون ما يجرى لهم لأنهم هم الذين باعوا أرضهم ·

ليس لنا أرض محتلة نحارب من أجلها وكأن أرض فلسطين ملك للفلسطينيين وحدهم وليست وقفاً للمسلمين مثل مكة والمدينة سواءً بسواء

أما على مستوى العاملين للإسلام نرى عند البعض قريباً من هذه التصورات فيتساءل البعض ماذا سيفعلون بغزة فالقضية عنده محصورة فى الضفة وغزة

وآخر يبكى ويقول أخذوا فلسطين - وذلك ليلة الاجتياح اليهودى لأراضى السلطة 29 مارس 22 –

ففلسطين فى تصوره هى هذه المساحة من الأرض التى تديرها السلطة ، ثم - وهذا هو الأهم- نرى عدم وضوح رؤية وعدم معرفة لسنن الله الثابتة التى بها يتحقق النصر وعدم معرفة لشرط النصر

وحتى إذا وجدنا من يعرف هذا الشرط فإننا نرى تقصيراً شديداً فى تحقيقه

وهذا ينقلنا للحديث عن شرط النصر فى القرآن الكريم ثم نعود بعدها لنتحدث عن التصور والميزان الصحيح للقضية ومرجعيتنا فى ذلك شرط النصر فى القرآن" معادلة النصر" فى سورة محمد الآية 7 يقول الله عز وجل : "يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم"

فى هذه الآية شرط النصر لأن الجملة شرطية إن أداة الشرط و فعل الشرط فيها " تنصروا الله " والفاعل أنتم أيها المؤمنون وجواب الشرط " ينصركم " والفاعل الله عز وجل ، ونسميها معادلة النصر- لأن من شروط المعادلة المتزنة تساوى طرفيها –

وحين نتأمل هذه الآية نجد أنها تشير إلى معركتين :

المعركة الأولى فى قوله تعالى : " إن تنصروا الله " : وهى معركة يديرها الإنسان مع نفسه مجاهداً إياها ويخرج نتيجتها هو ونتيجتها الاستقامة على منهج الله وتطبيق أوامره والبعد عن نواهيه.

المعركة الثانية فى قوله تعالى : " ينصركم ويثبت أقدامكم " : معركة يدبرها ( يدبر أسبابها وتوقيتها وأطرافها ) ويديرها ويتحكم فى أحداثها ويخرج نتائجها الله رب العالمين ونتيجتها النصر ثم التمكين ·

مثال : غزوة بدر لم يدبرها رسول الله (ص) وإنما كانت من تدبير الله عز وجل " وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق "

ولما كانت المعركة أدارها الله وكانت قوته هى الفاعلة " إذ يوحى ربك إلى الملائكة أنى معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقى فى قلوب الذين كفروا الرعب " وفى النهاية يقول سبحانه : " فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وليبلى المؤمنين منه بلاءً حسناً " فمدبر المعركة ومديرها ومخرج نتائجها الله رب العالمين وكذلك كان الحال فى الخندق وفتح مكة 

والخلاصة أنه : " لا نصر ولا تمكين إلا بعد الاستقامة"

ولنعتبر أن هذه نظرية نريد إثباتها من القرآن ومن الأحاديث ومن تاريخ الدعوة فى أجيالها المختلفة :

1-من القرآن : * يقول الله عز وجل :" إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " هنا التغيير من الشر للخير يقول بن الجوزى فى هذه الآية : " إن الله لا يغير ما بنا من المصائب حتى نغير ما بأنفسنا من المعايب فلا يكون التغيير إلا بعد التغيير، فبظلمنا صبت علينا المظالم وهكذا ينتقم الله من الظالم بظالم ".

قوله سبحانه: "  إن الله لم يك مغيراً نعمةً أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " هنا التغيير من الخير للشر، فكل تغيير مبدؤه من الإنسان نفسه إن خيراً فخير أو الأخرى 

- يقول سبحانه: " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً" " النور 55" فشرط التمكين هو العمل الصالح قرين الإيمان وهذا معنى من معانى الاستقامة

القرآن يعتمد الحل فى أوقات الضعف ·

أحد أجيال الدعوة يمر بفترة ضعف وشدة :

يذكر ربنا عز وجل لرسوله (ص) نموذجاً لنبى مثله مر بفترة ابتلاء قد تكون أشد مما هو فيه وكيف كانت العاقبة ولمن كانت الغلبة ثم العبرة من ذلك .

ففى الآيات من (75) إلى (93) نجد هذا الدرس فبعد الآيات التسع وأعظمها العصا ثم اسلام السحرة واستشهادهم ، يقول ربنا عز وجل " فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه " أى عدد قليل "  على خوف من فرعون وملئه أن يفتنهم " فقد تقلص الإيمان فى قوم موسى خوفاً من فرعون وبطشه .

هذا الخوف تحدثنا عنه سورة غافر فى قوله : " وقال فرعون اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم " فقد كان هذا هو أمر الذبح الثانى لأطفال بنى اسرائيل ، كان أمر الذبح الأول بعد رؤياه التى أولها له أتباعه أن فتىً من بنى اسرائيل سوف يولد وينازعك فى الملك فأمر بذبح الذكور ولما أصبح موسى أمراً واقعاً كف عن الذبح ومع استمرار موسى وثباته ومن معه والنصر المرحلى الذى حققه موسى – وهذا مفهوم للنصر يجب أن نعلمه فلكل مرحلة نصرها والثبات على المبدأ فى مرحلة الضعف انتصار أيما انتصار – فبعد هذا النصر المرحلى لموسى ومن معه أصدر فرعون فرماناً بذبح الذكور ، فكان هذا هو أمر الذبح الثانى وكان يقصد فرعون من ذلك أن يخيف بنى اسرائيل ويقلل بذلك أتباع موسى وليتشاءم بنو اسرائيل بموسى ودعوته - ومن الناس من يعبد الله على حرف – وثالثاً - وهذا هو الأهم - ليقل الجيل القادم فتنقطع العلاقة بين أجيال الدعوة وهذه سياسة تجفيف المنابع التى يتواصى بها الطغاة فى كل عصر .

وفعلاً كادت أن تؤتى هذه المؤامرة ثمارها وقال بنو اسرائيل لموسى : "  أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا " الآية ·

الإيمان والإسلام والتوكل التام على الله مطلوبون لهذه المرحلة :

وهذا نلمحه من قوله تعالى على لسان موسى عليه السلام : "  ياقوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين " · التربية هى الطريق الوحيد للتغيير مهما طال ومهما كانت التكلفة:-

وهنا أمام هذا البلاء يوجه الله الجماعة المسلمة وقيادتها المتمثلة فى موسى وهارون " وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتاً واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين " أى اجعلوا من بيوتكم ركائز وملتقى للعلم و الصلاة - فقد منع فرعون غيرها من الأماكن - وأصحاب الإيمان يترابطون فى مساكنهم وهى بيوت متقاربة ومفتوحة لاحتضان المجموعة المؤمنة هذه هى الممارسة العملية للتربية فيجب أن يرتقى الفرد ويشعر بهذا ومن حوله يشعرون بهذا الرقى ثم يرقى بمن معه ويأتى بفرد جديد فإما أن نكون جيل نصر أوعلى الأقل جيل إعداد ويكون لنا من الأجر مثل ما يكون لجيل النصر بإذن الله 

إننا نهتم بالتربية الإيمانية قبل التربية التنظيمية لأنها فضلاً عن أنها تصل الفرد بربه إلا أنها تضىء له الطريق وترشده كيف يتصرف فيما لا نص فيه كذلك فهى تعصمه من الأخطاء التنظيمية وكما قالوا : " فإن الإيمان يقى من المصارع التنظيمية " بهذه التربية المستمرة العملية الجماعية يكون الثبات بإذن الله 

* النظر فى وجه الصالحين عبادة :

فائدة أخرى لهذا القرب والتلاقى هى أن النظر فى وجه الصالحين عبادة كما يفهم من قصة جريج العابد الذى نجح فى فقه العبادة ولم ينجح فى فقه ترتيب الأولويات فقد نادت عليه أمه وهو يصلى ولم يجبها فغضبت عليه ودعت بهذه الدعوة التى كان فيها لطف : " اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات "

فكما أن النظر فى وجوه العصاة عقوبة فمن باب أولى فالنظر فى وجوه الصالحين عبادة فالإيمان يعدى كما أن الكفر يعدى والمؤمنون هم الملح الذى يحفظ الحياة من الأسن فإذا فسد الملح فسد كل شيىء " انتم ملح الأرض ماذا لو فسد ملح الأرض " هكذا يقول الشيخ لمريديه

استطرادة مهمة : فى قوله تعالى : " واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه" الآية أورد بن كثير حديثاً يقول فيه النبى ( ص ) " ما اجتمع قوم يذكرون الله تعالى ويحمدونه على نعمة الإسلام لا يريدون إلا وجهه إلا ناداهم مناد من السماء قوموا مغفوراً لكم قد بدلت سيآتكم حسنات " فلو لم يكن فى لقاءاتنا غير هذا الفضل لكفانا حافزاً على المواظبة والحرص عليها

أمر آخر : فيض المال والزينة مع أعداء الله قد يسبب فتنة للمؤمنين وقد يزيد الهم فى نفوسهم ونرى ذلك فى قوله تعالى على لسان موسى : " ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالاً فى الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ؟"

أى يارب إنك تعطى المال والزينة لفرعون وقومه ليضلوا الناس بها عن دعوتك تساؤل يفيد التعجب والضيق الذى استبد بموسى ومن غيرة موسى على الدعوة جعلته يدعو على فرعون وقومه بالعذاب : " ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم "

هنا موسى يدعو الله أن ينهى المعركة الثانية والله يستجيب ويطمئن موسى :" قال قد أجيبت دعوتكما " ياموسى اطمئن انت ومن معك فالنصر لكم والمعركة الثانية - التى نتيجتها النصر والتمكين ستكون فى صالحكم وفعلاً بعد هذه الآية يقول الله عز وجل : " وجاوزنا ببنى اسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغياً وعدواً بغير علم حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذى آمنت به بنو اسرائيل وأنا من المسلمين قال آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية" وتم النصر لبنى اسرائيل 

العبرة هنا : يقول عبد الله بن عباس فى تفسير هذه الآيات : كان بين أن دعا موسى بالهلاك على فرعون وقومه وبين أن هلك فعلاً أربعين سنة !!!!!!!! فماذا كان يفعل موسى طيلة هذه السنين ؟!!!!

نعود للآية : " قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون " نعم ياموسى استجبنا دعاءك وسننهى لك المعركة الثانية ولا تشغل بالك بها ولكن ياموسى انته من معركتك أنت ومن معك ، انته من معركة التربية التى نتيجتها الاستقامة بعدها تستحقون أن أدبر لكم المعركة الثانية وأديرها وأخرج نتائجها وهى النصر والتمكين

ثانياً من سورة هود نلمح هذه المعانى :

* الظلم والترف من أسباب زوال الحضارات :-

قضية الظلم محور من محاور السورة " وما ظلمناهم " (11) والله عز وجل لايمكن لظالم وهذا مايذكر الله عز وجل به من خلال ذكره لمجموعة من الحضارات – ستة حضارات - وقفت أمام الدعوة الإسلامية وتمر الدعوة بمرحلة ضعف ثم بين لنا ربنا كيف كانت العاقبة ، أوردت السورة ذكر ( نوح وهود وصالح ولوط وشعيب ثم موسى)  .

* بداية الإصلاح في الحضارات رجل واحد:

 رجل واحد - نبى- لم يستح ووقف أمام أمة وصبر مهما قيل عليه من كلام سيىء فلابد أن يعلم المؤمن أنه على الحق وأن يجتهد فى أن ينال شيئاً من هذا الحق ويظل مع أصحاب الحق فى مركب واحد وليعلم أن الاستمساك بالحق يعود نفعه أولاً عليه " ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه " " والذين آ منوا وعملوا الصالحات فلأنفسهم يمهدون" .. أى يمهدون طريق الجنة لأنفسهم فهو الرابح الأول من الجهاد والمجاهدة وفى الحديث" المرء فى ظل صدقته يوم القيامة " .

* نوح عليه السلام الذى ظل يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً ولم يؤمن له إلا عدد قليل قيل اثنا عشرفرداً - أى بمعدل فرد تقريباً كل مائة عام وقدم نوح كل ما يملك دعاهم ليلاً ونهاراً وسراً وجهاراً ورغبهم ورهبهم .. وكان الرجل يأخذ ابنه لبيت نوح ويقول يابنى هذا رجل كاذب فلا تتبعه .. يقول الولد ياأبت اعطنى عصاك ويظل يضرب نوحاً حتى يتعب .

وهذا ليس مستغرباً فهذا الطريق فيه بلاء ربما يصيب المرء أو لا " الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آ منا وهم لا يفتنون " فقد يأتى البلاء فى النفس ( السجن أو التعذيب أو القتل ) أوفى المال أو الولد إلخ .

 وبعد الألف سنة قال نوح : "  أنى مغلوب فانتصر" قال يبقى شيىء واحد لتكون قد أتممت معركتك وهو أن تبنى سفينة وشرع نوح فى بنائها "  وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون" فالسخرية كانت لإتيانه أمراً غير منطقى فهو يبنى سفينة فى الصحراء .

وهكذا فقد تصدر عن القيادة أموراً لاتتضح الحكمة من ورائها لأول وهلة لكن الثقة هى التى تعصم المرء من الزلل  ثم كان أمر الله بانهاء المعركة الثانية لنوح وكان الطوفان ثم بعده كان النصر والتمكين.

 والسؤال الذى يجب أن يسأله كل يائس لنفسه ويسأله كل من يعمل لهذه الدعوة ويشعر أن الطريق طويل وأن النصر بعيد هو:-

× هل كان نوح ومن معه يقدرون على عمل هذا الطوفان ؟!!!!

× وقياساً هل كان هود قادراً على اقتلاع وتدمير عاد بهذه الريح القوية العاتية ؟!!

× وهل كان صالح يقدر على فعل الصاعقة التى مزقت قلوب ثمود فى أجوافهم ؟!

× وهل كان شعيب يقدر على اخماد مدين بالصيحة ؟!!

× وهل كان لوط يقدر على اقتلاع قرى سدوم من الأرض والارتفاع بها إلى عنان السماء ثم قلبها عليهم واحداث البحر الميت ليكون أثراً لهم ولتعتبر الأجيال اللاحقة ؟!!!

× ثم هل كان موسى يستطيع تحويل العصا إلى أكبر شركة مقاولات فى التاريخ ويشق اثنا عشر طريقاً فى البحرفى لحظة ؟!!

من يقدر على ذلك كله إلا الله ؟؟؟!!!

هكذا يريد الله أن يقول للنبي صلى الله عليه وسلم أن المعركة الثانية مع الكفر وأهله هى من صنعنا ولا يقدر على ذلك غيرنا فلا تنشغل بها وإنما انشغل أنت ومن معك بمعركتك أنت والتى تستطيعها أنت : "  فاستقم كما أمرت ومن تاب معك" .

قال النبى صلى الله عليه وسلم : " شيبتنى هود ... قالوا ماشيبك فيها يارسول الله ... قال قوله فاستقم أنى لى بالاستقامه؟ "

ونلاحظ فاستقم --- خطاب للقيادة & كما أمرت --- على المنهج & ومن تاب معك ----خطاب للجنود ( فقيادة ومنهج وجنود هذه هى عناصر الجماعة الثلاثة لذلك فالآية من أدلة العمل الجماعى) ·

الاستقامة صيانة للحضارات :

ختمت سورة هود بالاستقامة لأنها الصيانة من هدم الحضارات والاستقامة تعنى أن المسلم يؤثر ولا يتأثر ... وتعنى الاعتدال والوسطية ... وهى تؤدى إلى النفس الطويل والتأثير الأشد .

ونحن نهدف إلى إقامة الحضارة الإسلامية التى تمزج بين الأخلاق والمادة دون طغيان لجانب على آخر.·

العبادات خير معين على الاستقامة والصبر مفتاح النصر :

يذكر لنا ربنا ما يعيننا على الاستقامة وما يجبر به القصور الذى يحدث نظراً لطبيعتنا البشريةالخطاءة فيقول : " وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيآت ذلك ذكرى للذاكرين " ..

ثم يدعو نبيه للصبر حتى يأتى الفرج من عند الله "واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين " 

ثالثاً فى سورة يوسف نلمح معان جديدة : يقول العلماء : تستطيع أن تسمى هذه السورة سورة (والله غالب على أمره) لماذا ؟؟: · لأن يعقوب عليه السلام كان حريصاً على أن لا يفارقه يوسف وأخوه والله غالب على أمره فيفارقانه ...· واخوة يوسف يريدون قتله والتخلص منه نهائياً والله غالب على أمره فلا يستطيعون ... وامرأة العزيز تريد فتنته واخراجه عن استقامته والله غالب على أمره ويعصمه الله منها ومن غيرها ...· ثم يوسف نفسه يريد أن يخرج من السجن قبل الأوان والله غالب على أمره فيمكث فى السجن بضع سنين حتى يحين الوقت المناسب للخروج فيخرج بإذن الله .

فكل أمر يريده الله لابد وأن يغلب عليه كل من وقف فى الإتجاه المضاد لمراده عز وجل .·

وهناك ملمح آخر : فلكل قصة عقده أو ما يسمى بالحبكة القصصية وفيها تكون العبرة وهى هنا فى قول الحق جل وعلا : "  إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين" (يوسف 9 )

نعم لقد اتقى يوسف ربه واستقام على نهجه رغم الفتنة والمغريات وهو شاب غريب جميل وتعرض الفتنة عليه ولم يسع لها ومع امرأة جميلة هيأت له كل شيء فاستعصم واستمسك بدينه ورضى البديل وهو السجن – الذي قال هو عنه أنه مذلة للرجال واختبار للأصدقاء – وصبر على هذا البديل المر ... فهل تر أن الله يضيعه بعد ذلك ؟

اللهم لا ونشهد على ذلك  فاعتبروا يا أولى الألباب ·

اليأس من كبائر القلوب :

يعقوب عليه السلام يقول لأولاده كما ذكر القرآن : " يابنى اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون " ثم فى نهاية السورة يأتى قول الحق : " حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجى من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين "  هكذا نرى من هذه المجموعة التركيز على معنى الاستقامة أولاً كشرط للنصر والتمسك فيها بالأمل وطرد اليأس من قاموس المؤمن نهائياً .

فلسطين.. الواجب والدور

ما يحدث في فلسطين منذ نشأة الاحتلال- وليس الآن فقط- يدعو كلَّ مسلم غيور مخلص لدينه للتساؤل عن دوره وواجبه تجاه هذه القضية وهذا الشعب المسلم، فهي قضية عقائدية بالمقام الأول بالنسبة لنا كمسلمين، فالمسلم يتعبَّد إلى الله سبحانه بالاهتمام بهذه القضية والتفاعل والتعامل معها.

  لذا فليس غريبًا أن نجدَ هذا التفاعلَ الكبيرَ من الشعوب؛ لأنها تتحرَّك بوازعٍ من عقيدتِها وإيمانِها بربِّها وابتغاءِ مرضاتِه.. ويبقى السؤال الأهم: ما دورنا تجاه هذه القضية حتى نكون عمليين وواقعيين ولنقدم لهم الدعمَ الحقيقيَّ والواقعيَّ لنصرتهم وللإعذار أمام الله سبحانه؟!!

  أولاً: التأكيد على إسلامية القضية:

وأنها صراعٌ عقائديٌّ في المقام الأول، فاليهود يعتبرون فلسطين أرضَ الميعاد، ونحن المسلمين نعتبرها أرضًا مقدسةً ووقفًا لنا، ولا يجوز لأي فردٍ كائنًا من كان أن يتنازلَ عن شبرٍ منها، كما أننا نعتقد أنه بتمسكنا بفلسطين وأهلنا فيها إنما نتقرَّب إلى الله، ونأمل منه المثوبة والرضوان، ولا نفعل ذلك لأي سبب مادي دنيوي ضيق زائل.

   ثانيًا: استشعار أهمية وخطورة القضية:

فلا بد أن ندركَ أن أرضَ الإسراء في خطرٍ بالغٍ، وأنها هي البداية لاستكمال أسطورة "إسرائيل" الكبرى، ولا بد أن يكون ماثلاً أمام ناظرَيْنا المثل العربي القديم: "أُكِلْتُ يَوْمَ أُكِلَ الثَّوْرُ الأَبْيَضُ"، وأن الصهاينة لم ولن يكونوا في يومٍ من الأيامِ دعاةَ سلامٍ وأمان، وفي التاريخ من الأحداث والعبر ما يؤكد هذا منذ قَتْلِهِمُ الأنبياءَ قديمًا وحتى الأطفال حديثًا.

   ثالثًا: الدعم المالي والمعنوي:

فعلينا أن نقدِّمَ كلَّ ما نستطيع من جهدٍ وطاقةٍ ومالٍ لنصرة فلسطين وأهلها؛ تقربًا وطاعةًَ لله عز وجل، وعدم الركون إلى الدنيا والشح المطاع، وأن نعتبر أن هذا جزءٌ من جهادنا بالمال، ولا نقصر التبرع على المبالغ الكبيرة وحسب، ولكن لو بقرش نتبرع به؛ "فرُّب درهم يسبق ألف درهم"، ولا ينبغي أن يقتصرَ دورُنا على التبرع فقط؛ ولكن أيضًا نحثُّ غيرنا على التبرع، فالدال على الخيرِ كفاعله.

   ومعنويًّا نحن في حاجةٍ لإشعار إخواننا في فلسطين أنهم ليسوا وحدَهم في صراعِهم مع اليهود، وإنما نحن من خلفهم ندعمهم بكلِّ ما نستطيع وما نملك من وسائلَ لنكون داعمين لهم في جهادِهم الطويل والمرير مع الصهاينة.

   رابعًا: تربية أبنائنا على معرفة أبعاد القضية:

فلا بد أن نربِّيَ أبناءَنا على معرفةِ كافة أبعاد وحقائق القضية الفلسطينية؛ حتى ينشأوا منذ نعومةِ أظفارهم على هذا الفهم، ولينموَ ويكبرَ معهم شعورُهم بحقِّهم في هذه الأرض المقدسة، وحتى لا تضيعَ هذه القضية في غياهبِ السنين كما يريد لها الصهاينة الغاصبون فلا بد للقضية الفلسطينية أن تظلَّ حاضرةً في ذَهْنِ أبنائنا منذ الصغر حتى تحرَّرَ الأرض بإذن الله أو يورثوها لأبنائهم.

  وكذلك لن ننسى أن نربِّيَ أبناءَنا على معرفةِ التاريخ الدامي للصهاينة مع إخواننا في فلسطين وتعريفهم بكلِّ جرائمهم البشعة قديمًا وحديثًا حتى تعرفَ الأجيال مدى بشاعةِ وجرم اليهود عبر العصور المخلتفة.

   خامسًا: الإفادة من وسائل الإعلام:

فإذا كان اليهود يسيطرون على الإعلام العالمي، ويسوقون لأهدافهم ويبررون جرائمهم، فنحن لسنا بأقلَّ منهم في ذلك، فعلينا الإفادة من كل وسائل الإعلام المتاحة لنا داخليًّا وخارجيًّا، وإن صعُب علينا الإفادة من وسائل الإعلام الخارجية بالصورة المطلوبة، فلا أقل من أن نتعاملَ بجدية مع وسائل الإعلام العربية، وإظهار الدور المطلوب، ودعم القضية الفلسطينية بكلِّ ما هو متاح.

   وهناك دورٌ إعلاميٌّ لا يمكن إغفالُه كذلك، وهو أن يتحوَّلَ كل فردٍ إلى وسيلةٍ إعلاميةٍ، يعرض آخرَ التطورات والمستجدات للقضية أمام عموم الناس، ويبيِّن لهم حقيقةَ الأمور، وينشر آراءَ المجاهدين الفلسطينيين التي يسمعها أو يراها في مختلف وسائل الإعلام.

   سادسًا: الضغط على صانعي القرار:

وذلك بعَرْضِ المطالبِ العادلة للمقاوِمين الفلسطينيين على كلِّ منظمات المجتمع المدني والرسمي والتحرك الشعبي الجاد؛ حتى نمثِّلَ أداةَ ضغطٍ على صانعي القرار العربي الرسمي في علاقاتهم ومفاوضاتهم فيما يخصُّ القضيةَ الفلسطينية.

فالتحرُّك الشعبي هو المعبِّر الحقيقي عن إرادة الأمة وضميرها بل ومستقبلها، لذا فعلينا عدم التهوين من الإرادة الشعبية للضغط على صانعي القرار للتحرك في الاتجاه الصحيح لما يحقق مصالح الأمة.

   سابعًا: التحرك الفردي:

إن القضيةَ الفلسطينيةَ هي القضية الإستراتجية والمحورية لكلِّ مسلم غيورٍ محبٍّ لدينِه، ولا بد لكلٍّ منَّا أن يبحثَ عن دورٍ خاصٍّ له ينصر به فلسطين في حدود إمكاناتِه الشخصية والفردية؛ حتى يعذر إلى الله عز وجل، فالمسئولية فردية، ولا بد أن نفرغ وسعنا- كلٌّ على قدر طاقته- حتى تكونَ القضية شاغلةً فكرَنا، ولتبين مدى ما تمثِّله القضية من خريطةِ اهتماماتِنا الشخصية.

   وفي النهاية لا بد أن ندركَ أنه مهما بذلنا وضحينا وبذلنا من جهد فلن يساويَ ليلةً واحدةً يعيشها أطفال فلسطين تحت الذلِّ والهوانِ والحصارِ وانعدام أبسط وسائل الحياة، ومع ذلك يقاومون ويجاهدون ويبذلون ويضحون.. فلنعِ الدرس من أطفال فلسطين ولا نستكثر ما نبذله من جهد ووقت ومال، فهناك من يبذل فوق هذا.. نفسه وأهله في سبيل الله.

البنا.. شهيد فلسطين

الشيخ جمعة أمين: الإمام أول مَن دعا إلى تحرير فلسطين

المستشار جريشة: جنَّد إمكانات الإخوان لضرب المشروع الصهيوني

أدرك الإمام البنا أبعاد المؤامرة على فلسطين وخطورة قيام الكيان الصهيوني، فرأى عليه رحمه الله تركيزَ الجهودِ على فلسطين؛ حتى لا يبتلعَها اليهود، ورأى تجاوز الصراع مع أي نظام أو حزب وتوجيه الطاقاتِ لضربِ اليهود، وبالفعل لم يصطدمْ مع نظام فاروق ما دام صراعه مع الصهاينة قائمًا "رأس الأفعى التي لا بد من ضربها".

هذا التحقيق يحاول الإجابة على عدد من الأسئلة، منها إلى أي حدٍّ شغلت القضية الفلسطينية بالَ الإمام البنا؟

وماذا قدَّم للصراع العربي الصهيوني من خلال جماعة الإخوان المسلمين؟!!

 من جانبه يقول الشيخ جمعة أمين "عضو مكتب الارشاد": إن الإخوان كانوا قممًا رائعة التجرد والأخلاق الجهادية، فقدموا للقضية أعزَّ ما يملكون وهي أرواحهم ... ويحكي قائلاً: الجامعة العربية عرضت على كتيبة الإخوان التي كانت بصحبة البطل أحمد عبد العزيز رواتبَ ، فكان رد الكتيبة بأكملِها لا نريد رواتب.

 ويضيف: إن الإمام البنا من أوائل الذين دعوا إلى تحرير فلسطين، واستخدم لذلك وسائلَ عمليةً منها دعوته إلى مقاطعة المجلات الصهيونية في القاهرة يومها، كما دعا إلى عَقْدِ مؤتمر عربي للمِّ الشمل العربي من أجل نصرة فلسطين وتحرير القدس، كما دعا إلى جمع التبرعات وابتكر لذلك وسيلةً جديدةً، وهو إصدار طابع بقيمة قرش لصالح القضية الفلسطينية.

ويرى أن من رؤى الإمام البنا الثاقبة تجاه القضية رأيه بعدم تدخل الجيوش العربية في فلسطين، وعرض هذا الرأي على النقراشي، أن يواجهَ الإخوانُ اليهودَ، فإذا قضوا على الإخوان كان للنظام المصري آنذاك ما أراد وارتاح من الإخوان، وإن انتصر الإخوان على اليهود ارتاح العرب من هؤلاء الصهاينة.

 كما أراد الإمام البنا من هذا الرأي- والكلام للشيخ جمعة- أن تتحول الحرب في فلسطين إلى حرب عصابات لا حرب جيوش نظامية لسببين:

أولهما: أنه يعرف تمامًا ما وراء هذه الجيوش وموالاة هذه الأنظمة للاستعمار الذي يؤيد قيام الدولة الصهيونية أصلاً.

 ثانيًا: أن حرب العصابات لن يقدر عليها اليهود ولن يستطيعوا أن يصمدوا فيها، خاصةً وأن الذي يواجههم هم الإخوان.

 ويختم الشيخ جمعة أمين حديثه قائلاً: إن الإمام البنا شارك في حرب فلسطين بعدة وسائل، منها الكتائب التي أرسلها عن طريق الجامعة العربية، حيث اتفق مع عبد الرحمن عزام على أن يعد عشرة آلاف مسلح يخرج هو على رأسهم لقتال اليهود، ذكر الإمام البنا ذلك في برقيةٍ بعث بها إلى مؤتمر القمة العربي في هذا التوقيت جاء فيها:

إن الإخوان المسلمين على استعدادٍ لإدخال عشرة آلاف مجاهد متطوع كدفعة أولى للقتال ضد اليهود في فلسطين .

كما قام بالاتصال بمصطفى السباعي مراقب الإخوان في سوريا وأمره أن يخرجَ بكتيبة إلى فلسطين ونفس الأمر تكرَّر مع عبد اللطيف أبو قورة مسئول الإخوان بالأردن وكذا الشيخ محمود الصواف مراقب الإخوان بالعراق.

أسلمة القضية

ويقول المستشار الدكتور علي جريشة: إن الإمام البنا أدرك خطورة المشروع الصهيوني في المنطقة مبكرًا قبل أن يعيَه غيره من زعماء الأحزاب ورؤساء الحكومات، وظهر هذا جليًّا عندما سُئِلَ أحد رؤساء الحكومات في مصر يومًا عن شيءٍ يتعلَّق بفلسطين، فكان الرد المفجع أنه رئيس وزراء مصر وليس رئيس وزراء فلسطين، فدعا البنا إلى مواجهة الغفلة التي عاشت فيها الأمة الإسلامية وما واجه الفلسطينيين من موجة عارمة من التخوين، حيث أشيع عنهم أنهم باعوا أرضهم وهو ما لم يحدث.

ويضيف أن من اهتمامات البنا تجنيده لمجلتي "النذير" و"الإخوان" للحديث عن القضية الفلسطينية، وشرح أبعادها، وحثِّ المسلمين على الجهاد، وأصدر عددًا خاصًّا من مجلة "النذير" عن فلسطين، وكتب مقالاً بعنوان صناعة الموت يحرص فيها على الجهاد، كما استغل كل مناسبة لإحياء القضية كمناسبات الإسراء والمعراج ووعد بلفور مثلاً.

 ويذكر المستشار علي جريشة أن البنا من أوائل من نبهوا إلى خطر ضياع فلسطين منذ نهاية العقد الرابع من القرن الماضي، حيث شكَّل كتائب الإخوان المسلمين، فكان يغذِّي فيهم روح الجهاد.

ويضيف: والذي أعلم عن يقين أنه أول من فكَّر في أسلمة القضية، ذلك أن الاتجاه السائد وقتها هو إعطاء القضية ثوب العروبة فقط حتى تبقى محصورةً داخل الدول العربية، وتُستبعد الدول الإسلامية، ومن ناحية أخرى يُستبعد روح الجهاد، والذي يستند إلى الإسلام وصدق حدس البنا في ذلك، حيث دفع حياته ثمنًا للقضية وهو يعلم تمامًا أن حكومات العدو لن تتركه، وبالفعل صدر قرار فهمي النقراشي الحاكم العسكري ورئيس الوزراء بحل جماعة الإخوان المسلمين ثم القبضِ على الإخوان وإلقائِهم في غيابات السجون.