من أجل تعانق المشروعين الإسلاميين في الأمة

د . فوّاز القاسم / سوريا

إن أي متتبع لواقع الصحوة الإسلامية في العالم العربي والإسلامي اليوم ، يجد ثمة مشروعين إسلاميين اثنين يتنافسان على أرض الواقع فيها ...

الأول ثوروي جهادي : وتتزعمه السلفية الجهادية ، وعلى رأسها الشيخ أسامة بن لادن والدكتور أيمن الظواهري ، ومن ينتمي إلى مدرستهما ...

والثاني سلمي تفاوضي إصلاحي : وتتزعمه الحركة الإسلامية الإخوانية ، التي توصف بالمعتدلة ، وعلى رأسها المرشد محمد عاكف ، وتضم الكثير من الشخصيات المعروفة مثل الشيخ القرضاوي والشيخ الغنوشي ، وغيرهم ...

وإنني أعتقد مخلصاً بأن أياً من هذين التيارين لوحده هو غير قادر على بناء المشروع الإسلامي الكبير ، وتحقيق أهداف الإسلام العظيم ...

فلا السلفية الجهادية لوحدها قادرة على تحقيق أهداف الإسلام ، بالرغم مما تمتلكه من عناصر القوة والشجاعة والتضحية والإخلاص ... وبالرغم مما أحدثته من نكاية هائلة بالعدوّ ، فأربكت مخططاته ، ودوّخت قياداته ، وأجهضت مشاريعه ، وأدمت أقدامه وحتى رأسه ... لكنها _ في تقديري _ غير قادرة على إنجاز الحلم الإسلامي الكبير في وحدة الأمة وقيادتها وإقامة دولتها الإسلامية الراشدة ، لأنها تفتقر إلى الكثير من عناصر الحكمة والمرونة والمناورة وبعد النظر وغيرها ، وهي عناصر ضرورية جداً لنجاح أي مشروع جاد في هذا العصر ...

وكذلك الحركة الإخوانية العالمية ، التي توصف بالمعتدلة ، فهي غير قادرة على تحقيق أهداف الإسلام ، ولقد جرّبت حظّها في أكثر من قطر عربي وإسلامي ، ومارست الكثير مما يسميه منظّروها ( الحكمة ) و( العقلانية ) و ( المرونة ) ، ولم يكن جزاءها غير السحق والقهر والملاحقة والإبعاد ...

حدث ذلك في مصر والجزائر وفلسطين وغيرها من البلاد العربية والإسلامية ، حتى باتت إمكانية التغيير عبر الوسائل السلمية والديمقراطية ، ومن خلال صناديق الانتخاب ، مثار شك وتندّر لدى جماهير الصحوة الإسلامية ، بعد الفظائع المخذية والتآمر الخسيس الذي رأوه في الجزائر وفلسطين وغيرها ...

بل حتى التجربة التركية التي بهرت أوربا بنجاحها ، ومثلت أنموذجاً فريداً واختباراً حقيقياً لمدى نجاح الإسلاميين وعبقريتهم وقدراتهم القيادية ، ومهاراتهم السياسية والاقتصادية ، ومع ذلك لم تسلم من تآمر العلمانيين والجنرالات والماسونيين ....

وثمة سؤال قد يفرض نفسه ، ما العمل إذاً ، وما المخرج .!؟

وجوابي : أن الحل والمخرج الحقيقي يكمن في تعانق المشروعين الإسلاميين ، الجهادي والتفاوضي معاً ، بحيث يكون أحدهما رديف الآخر وسنده ومكمّله ، ففي الوقت الذي تخفق فيه سيوف المجاهدين فوق رؤوس الظالمين ، فتحصد ما يطيب لها أن تحصده من رؤوس الحقد والظلم والتآمر والخيانة ، يكون المفاوضون جاهزين لقطف أية ثمرة لجهاد إخوانهم المجاهدين والاستشهاديين ...

ولنا من تاريخنا العربي والإسلامي الأغرّ قديمه وحديثه ، ألف عبرة وعبرة ...

فلقد مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرحلة من مراحل الحركة الإسلامية ثائرها البطل أبا بصير رضوان الله عليه ، الذي اعتلى رؤوس الجبال مع مجموعة استشهادية من إخوانه ، وراح يذيق الأعداء من كؤوس الردى التي طالما أترعوها للمؤمنين المجاهدين ، حتى دوّخ قياداتهم ، وأربك مخططاتهم ، وهدّد تجارتهم ، وأقلق راحتهم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يرمقه من بعيد فرحاً به ، دون أن يناله أي حرج من تصرفاته ، لأنه من منظور الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، فقد كانت ظاهرته أصلاً من إفرازات الجاهلية الظالمة المتغطرسة ، وبالتالي فهي وحدها التي يجب أن تتحمل نتائج غبائها وتخبّطها في تعاملها مع أبناء الحركة الإسلامية ، لا الإسلام وقيادات الإسلام ...!!!

ولطالما مدحه الرسول الكريم ، ملمحاً إلى رغبته الشريفة في أن تكبر ظاهرته ، وتقوى شوكته ، ويكثر أنصاره ، ويتعاظم خطره على أعدائه ، لأن جهده وجهاده وتضحايته في نهاية المطاف إنما تصب في نهر الإسلام الخالد ، فينتفع منه المسلمون عموماً : (( ويح أمه ، مسعّر حرب ، لو كان له رجال ))...!!!

لم ينعته بالإرهاب ، ولم يسمح لكائن من يكون ، بأن يمسّه بكلمة تسيء إلى جهاده وشموخه وجرأته وتضحياته ونكايته بأعدائه ، حتى وإن اختلف معه في المنهج والأسلوب ...!!!

وتجربة حماس بذراعيها العسكري والسياسي ليست عنا ببعيدة ، وكذلك تجربة هيأة علماء المسلمين في العراق بعد احتلاله الظالم من قبل الأمريكان ...

إذاً : الحل في تعانق المشروعين الإسلاميين الجهادي والسياسي ، لينتج عنهما مشروع إسلامي عملاق يستقطب الغالبية الساحقة من أبناء الأمة ، فيفجر طاقاتها ، ويستفيد من خبراتها ، ويرشّد مسيرتها ، ويستثمر قدراتها في مشروع إسلامي عملاق ومتكامل ، تقوم فيه النخبة المثقفة بالتخطيط والتوجيه والترشيد ورسم الستراتيجيات العامة وقطف الثمار ، وأما الذراع الجهادي ( أبي بصير ) فيتكفل في سحق كل من تسول له نفسه التطاول على هيبة الأمة وكرامتها ، وقطع كل رأس عفنة ، وبتر كل ذراع غادرة تفكر مجرد تفكير بالتآمر على مشروعها ومسيرتها ...

وهنا قد يقول قائل : بأن مثل هذا التلاحم صعب وقد يصل إلى درجة الاستحالة بسبب اختلاف المنهجين في الرؤى والبرامج والوسائل ، إلى حدّ تخطيء أحدهما الآخر ، بل تكفيره في بعض الأحيان .!؟

أقول : لا بديل عن هذا اللقاء ، حتى لو فني العمر وانقضى الدهر إذا كانا جادّين في خدمة الإسلام وتحقيق أهداف الأمة ، والتاريخ البعيد والقريب يشهد على ذلك ...

فها قد مرّت قرابة مائة سنة على تشكيل الحركة الإسلامية الحديثة ، ولم تتمكن من تحقيق أهدافها في إقامة الدولة وتحقيق الوحدة وإسعاد الأمة ، بسبب الكم الهائل من التآمر الذي رافقها منذ تشكيلها ، ولا يزال يحصي عليها أنفاسها ...!!!

وكذلك الأمر بالنسبة للتجارب الجهادية ، فلقد فشلت جميعها ، وعجزت هي الأخرى عن الوصول إلى أهدافها ، وتحقيق غاياتها ، بالرغم مما أحدثته من نكاية مهولة بأعدائها ، لكنها على صعيد قطف الثمار ، وبناء المشروع الحضاري للأمة ، فقد فشلت فشلاً ذريعاً في ذلك ، ولسنا هنا في معرض لومها وتأنيبها ، فلقد كانت لها ظروفها التي تفوق طاقاتها ، وذلك نفهمه ونتفهّمه جيداً ...

ولم يبق إلا خيار الدمج والتكامل والتنسيق والتعاون والتلاحم والوحدة ، إن على الصعيد القطري الواحد ، كالعراق وفلسطين وغيرها ، أو على صعيد الأمة كلها ...

بسم الله الرحمن الرحيم (( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص )) الصف 4 صدق الله العظيم ...