موقف المسلم من هذا العصر
محمد محمود كالو
المسلم إنسان يعرف ربه ، ويتعاون مع إخوانه في العقيدة ، على تأسيس مجتمع يلتـزم بأوامر الله تعالى ، ولا يقرب عما نهى الله تعالى عنه ، والقرآن الكريم عنده دستور حياة ومنهاج عمل .
أما ما هو موقف المسلم تجاه هذه التطورات والحروب ، في عصر العلم والتكنولوجيا ؟
فإن الإسلام رسالة توجب على معتنقيها إقامة مجتمع ناجح ، تصنعها فأس الفلاح ، وإبرة الخياط ، وقلم الكاتب ، ومشرط الطبيب ، وقارورة الصيدلي ، ويصنعها الطيار في جوه ، والغواص في بحره ، والمحاسب في دفتره.
ولكن للأسف الشديد ، لو قلتَ لكل شيء في بلادنا ، عُد من حيث جئتَ ، لخشيت أن يمشي الناس حفاة عراة ، لا يجدون ـ من صنع أيديهم ـ ما يكتسبون ، ولا ما يلبسون، ولا ما يركبون ، ولا ما يضيء لهم البيوت ، بل لخشيت أن يجوعوا !!
إن الله تبارك وتعالى لا يقبل تديناً يؤدي إلى هذا الشلل، ولا أدري بل إني أدري ما تعانيه من هذه الطفولة ، التي يجعل غيرنا يطعمنا ويسقينا ويداوينا ؟!
إن حاجة المسلمين إلى علوم الكيمياء ماسة ، وهل سمعت بأن روسيا أبادت قرية أفغانية عندما شنت عليها حرباً كيماوية ، وذهب الضحايا في صمت رهيب !
كانت الكيمياء قديماً تهتم بتحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب ، وهو علم يعرف به طرق سلب الخواص من الجواهر المعدنية ،وجلب خاصية جديدة إليها ، وإفادتها خواصاً لم تكن لها ، قال ابن الرومي :
إن للحظ كيمياء إذا ما مس كلباً أحاله ‘نسانا
يرفع الله ما يشاء متى شاء كما شاء كائناً ما كانا
والحظوظ تلعب دوراً في الحياة ، أما ارتفاع الأمم وانخفاضها فيرجع إلى قوانين صارمة، والمسلمون لم يُظلَموا حينما هُزموا في سباق الحياة ن لأنهم شوَّهوا الدين.
ويعيش المسلمون اليوم ـ وهم أكثر من مليار ونصف مسلم ـ فترة حرجة ، وفي ظروف غامضة ، أعداؤهم أعلنوا نيتهم تجاه الإسلام ، إنهم يكرهون الإسلام ويريدون القضاء عليه ، رسموا الخطط وبدءوا التنفيذ.
ولن يستطيع المسلمون أن ينصروا الحق الذي يعتنقونه ، ما لم يملكوا ناصية الحياة بالعلم والعمل .
إن الكدح لله تعالى يتجاوز المسجد ليتناول الحقل والمصنع والمرصد والدكان والديوان والبر والبحر.
وإن أقواماً أوغلوا في هذا الميدان ، فحققوا مآرب رهيبة ، ثم طوَّعوها لنصرة عقائد باطلة وفلسفات وضيعة !!
ولد شعرت بالحياء عندما علمت أن قطراً إسلامياً ، كان يصدر القمح يوم كان مستعمَرَةً، فلما استقلَّ ، بدأ يستورد القمح من الخارج !!
ولما فكرت في المطبعة ومخترعها ، وددت لو كان هذا المخترع مسلماً ، فمن المعروف أن أول كلمة في الوحي لنبينا صلى الله عليه وسلم هي :
] اقرأ [ أي تعلَّمْ، لكنه بدأ وتحسن وبلغ الكمال بعيداً عن أرض الإسلام.
كم تفتقر أمتنا في شتى ميادين الحياة إلى الأخلاق الضابطة ، كي تؤدي رسالتها باحترام ؟
بِمَ شُغِلْنا ؟
وما هي القضايا التي استولت على أفكارنا ؟
وأين صرخ علماء الدين بإعداد ما نستطيع من قوة ؟
ما تقول في أناس يختلفون ، ويريدون إشعال معركة ، من أجل قضايا فرعية كعدد ركعات صلاة التراويح ؟
وحكم التصوير الفوتوغرافي ؟
وهل استخدام الملاعق مخالف للسنة ؟
وهل اليد التي بها ( كولونيا ) نجسة ؟
إن الذي يستثير أعصابه هذه المسائل الخلافية الفرعية ، ولا يستثيره قتل عشرة آلاف مسلم في تشاد ، وقتل / 78000 / مسلم في الشيشان ، و/ 250000 / قتيل ، واغتصاب / 50000 / فتاة مسلمة في البوسنة والهرسك ، علاوة على ذلك ضحايا فلسطين التي لا تعد ولا تحصى ، وشهداء العراق الذين يقتلون صباح مساء ، إن الذي لا يستثيره كل هذا الهرج والذبح ، شخص تائه وتافه ، وضال وغافل ، أضاع أمته.
وأرى أن فهم هؤلاء للدين غريب وعجيب ، وإثارة هذه القضايا دون غيرها من أساسيات الإسلام مرض عقلي ، وضرب من الخبال ، ودين الله لا يمكن أن يحمله التائهون والفاشلون.
بل إنها لجريمة قتل عمد ، أن ننتمي إلى الإسلام ثم لا نحسن فهمه ، ولا عَرْضه ، ولا العمل به ، ولا الدفاع عنه !
والله تبارك وتعالى لا يترك هذه الجرائم دون قصاص صامت ، فهل نحاول إحسان العمل ، قبل أن نؤخذ بجريرتنا ؟
قال الله تبارك وتعالى : ] أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ. ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ. كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ. وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ [ ( المرسلات : 16 ـ 18).