القضية الفلاحية في العراق المعاصر

القضية الفلاحية في العراق المعاصر

القسم الأول

المهندس الاستشاري/ سلام ابراهيم عطوف كبة

 يعاني المجتمع العراقي في ظل السياسة الاميركية الخاطئة والارهاب والمحاصصة وتردي الاوضاع الامنية والسياسية من مظاهر الاحباط والتمزق ومحاولات اخضاع كامل البلاد لصناعة الفوضى البارعة واسباغ المغانم والاهمية على المؤسسة العشائرية وزعماء العشائر ، وتصاعد سيطرة رجال الدين مع انتعاش للآمال العروبية والبدع الطائفية ومشاعر التمرد والضياع ! ... ورغم ما تتميز به العشائر العراقية من سمات الشجاعة والجسارة والاقدام والتي افصحت عنها ابان ثورة العشرين الا انها كانت ولازالت مرتعا للبؤس الطبقي والفقر والقذارة والظلام على حد تعبير الروائي الراحل محمود السيد " قصة ( في سبيل الزواج )/1921" حين يقول :"الفلاح العراقي احقر من الدواب شأنا". لا تملك الحكومة العراقية العصا السحرية لحل الازمات العامة المستعصية والمستفحلة التي تعصف بالوطن لكنها تتحمل الجزء الكبير من المسؤولية ، عن الوضع الامني والخدمي بالاخص .. لقد ساندت اجهزة دولة ما بعد التاسع من نيسان العشائر بهدف احتواء الارهاب وعصابات الاجرام المنظم والميليشيات المتعددة الارتباطات المتنوعة الخفايا لأن العشيرة وفق تقاليدها تبقى مسؤولة عن تصرفات افرادها واخطاءهم وحمايتهم حتى لو كانوا مخطئين ضد اي اعتداء عليهم ... الا انها اي الحكومة العراقية بدل ذلك عمقت الاستغلال الطبقي في الريف ليستمر الصراع على الارض وليبقى العراق بلدا زراعيا متخلفا كما عمقته داخل المدن لتشيع أخلاقيات المجتمع الأستهلاكي - الطفيلي الصاعد.

 تحت تهديد البطالة يتعمق عناء الفلاح العراقي العامل بأجر زهيد لساعات طويلة قاسية بينما يكون مصيره في حالة التمرد والعصيان ورفض الانخراط في فعاليات السوق السوداء والتهريب والاعمال اللصوصية والاجرامية اللعنة العشائرية التي تحول بيوت الفلاحين الى رماد ليجر صلم الآذان وتشويهها واجبار اصحابها على اكلها .. ولا تجد المرأة في الريف العراقي سبيلا للخلاص من المظالم العشائرية الا بالموت . كما توسعت قداسة المضايف العشائرية وصلاحيات السادة لتتحول من مجالس حل للمنازعات وفق الاعراف العشائرية الى محاكم تفتيش قروسطية تفوح منها رائحة الموت والدمار !. هكذا ينتشر الارهاب والفساد الاداري والرشوة واعمال النهب وتتوسع قسوة الطبيعة والآفات والاوبئة والأمية ويزداد تآمر كبار الملاك على المشاريع الزراعية ومظاهر العلم وعلى المتعلمين وخريجي الجامعات. ويبرز رجل الدين مجددا معينا لكبار الملاك ضد الاجراء المعدمين ومعاديا للتطور وللعلم ناشرا للخرافة معمقا للشعوذة .. لا غرابة ان تقف الطبقات في الريف العراقي اليوم وجها لوجه امام الحياة في كفاحها اليومي المرير في سبيل البقاء وسط حمى طبقية حامية الوطيس . سنتناول في هذه الدراسة القضية الفلاحية العراقية من زوايا :

·        التوازنات العشائرية القلقة .

·        البنية الاجتمااقتصادية الهجينية .

·        العامل الجيوسياسي .

·        الثورات الفلاحية .

·        حركات الاصلاح الزراعي .

·        التعاون الزراعي .

·        السياسة الزراعية والتنمية الريفية .

 كان تشجيع الاستعمار للولاءات دون الوطنية وتحفيزه حراك المجتمع الاهلي هو سياسة ثابتة متعمدة لبناء المؤسسات السياسية التي أقامها وفق مظلة الأفكار الأبوية والطائفية ، والإبقاء على البنية التقليدية بكل هياكلها الأساسية، واسناد الثقافات الخرافية السحرية الغيبية والظلامية ، والطائفية والأمية والذكورية سائدة بين الشعوب. وحتى حين نشأت الحركات التحررية الوطنية والقومية و الدينية المختلفة، فإن هذه الحركات واصلت إعادة إنتاج الثقافات دون الوطنية و العابرة للوطنية والتخلف والجهل ، حين أضفت على العرب والكرد والاسلام طابعا سحريا كأمم غير مقسمة طبقيا، ومتحدة في جوهر غيبي خارج تحليل التاريخ.

·        التوازنات العشائرية القلقة

 إن العشائرية مؤسسة مراتبية طبقية سياسية لمؤسسة فكرية ثقافية اقتصادية هي الأبوية (البطريركية) ، وكلتاهما تشترط الاخرى وتستدعيه بالضرورة ، وهي جزء من المجتمع الاهلي الذي لم يرتق بعد الى مصاف المؤسساتية المدنية او المجتمع المدني . إذا حفرنا تحت المستوى الاجتماعي للبناء العتيق والولاء للقوى التقليدية السياسية والمذهبية في عراقنا لوجدنا خصائص الكمون الأبوي ، والذكوري المتسيد ، والعشائري ، والطائفي ، وتمجيد التجارة ، وكراهية العمل الصناعي التقني ... وغيرها من الخصائص التي تتحكم في نشاطه الاجتماعي الخفي.... وهذه الخصائص هي سمات المجتمع الأهلي اي الولاءات القديمة وريثة العلاقات ما قبل الرأسمالية حيث بقي محافظا على كيانه و مقومات وجوده .... اما المجتمع المدني فيعني الولاءات الجديدة المنسجمة مع التقدم الاجتماعي وقد بقي في عموم العراق مهيض الجناح تهزه زلازل أعماق المخزون السلطاني والمملوكي الانكشاري وتتقاذفه حمم براكين العشائرية والطائفية......! ( سلام كبة / الطائفية السياسية – قطار رجعي ينطلق دون رحمة داهسا تحته الجميع !)

 لا يمكن لشيخ العشيرة وزعيمها الا إن يكون الأغنى ، ولذلك ينافسه على الزعامة من هم اقرب إلى قامته في الثروة ... ولا يمكن للفقير إن يحلم بهذه المنافسة . كان يمكن للفقير ان ينافس الغني في العصور القديمة وربما البدائية على الزعامة اذا كان الأقوى جسديا، لكن هذا العصر انتهى عندما حلت الملكية الخاصة محل المشاعية وحلت الثروة محل هبات الطبيعة . بمعنى اكثر وضوحا ترتكز هذه المؤسسة المراتبية السياسية بالضرورة على مؤسسة الملكية الخاصة ، على قوة الثروة . في العشائرية والمجتمع العشائري يصبح "تنصيب" الغني او الثري ( وليس شرطا الرأسمالي ) زعيما أمرا مقبولا وأساسيا بغض النظر عن مصدر الثروة . لا يسال الغني في العشيرة عن مصدر ثروته ولا تهتم العشيرة بذلك ولا تحاسبه حتى لو كان المصدر هو اللصوصية والنهب والتجارة غير المشروعة والقتل والاغتصاب وحتى الاحتلال الاجنبي على حد تعبير الكاتب الفلسطيني عادل سمارة .... كل ذلك بسبب انخفاض مستوى الخلفية الثقافية والسياسية لدى أكثرية المجتمع العشائري على حساب القضية الوطنية. وحينما تنخفض مستوى القيم الوطنية ، لا يعود هناك تساؤل عن نظافة ومصدر الثروات .. اما السلطات الاجتماعية والاقتصادية التي تستجمعها البيوتات والأفخاذ عبر الصلات العشائرية فتمكنها من البروز المستقل ، وخاصة لحظات تعرض الدولة إلى الوهن. مع ذلك تبقى العشائر العراقية وحدة اجتماعية وسياسية عريقة ذات تاريخ مشرف امتلكت الادوار السياسية الهامة في تاريخ العراق السياسي الحديث . وقد لحق بالفعل العسف الكبير بمكانة العشيرة الاجتماعي في بلادنا بفعل امعان الحكام في توظيف العامل العشائري في الاعمال الحربية والعسكرية والميليشياتية ودور بعض المشايخ والرموز المتنفذة في تكريس السطوة الاستبدادية واذلال الشعب .

اسهم تغلغل علاقات الانتاج الرأسمالي في العراق بداية القرن العشرين في تقويض العلاقات العشائرية الابوية القائمة على الاقتصاد الطبيعي والاستثمار المشاعي للارض ، ونشوء العلاقات شبه الاقطاعية وتنامي وزنها في الانتاج الزراعي . لقد تحول ابناء العشائر من مشاركين فعليين وفق العرف في ديرة العشيرة الى مجرد اجراء عند زعماء العشائر – اصحاب الاراضي الجدد ... مع ذلك لم تختف القيم العشائرية التي جرى توظيفها لخدمة العلائق الاقتصادية الجديدة!

حاولت العلاقات الاقتصادية شبه الاقطاعية والرأسمالية تضمين القيم العشائرية المحتوى الجديد لصالح ترسيخ انظمتها من جهة وتعزيز السيطرة الاقتصادية على ابناء العشائر من جهة أخرى! وبحجة الوحدة العشائرية استثمرت التقاليد العشائرية في الغزو والحروب واعمال النهب واللصوصية والتجارة غير المشروعة لمواجهة التضامن الفلاحي في الريف ويقظة ابناء المدن معا الامر الذي تسبب في زج الفلاحين والكادحين البسطاء في معارك لا مصلحة لهم فيها كالاقتتال والصراع بين اصحاب الاراضي وكبار التجار انفسهم ! كما استغلت الراسمالية الجديدة التقاليد العشائرية في استفحال مظاهر الوساطة والارتشاء والتعامل مع الانشطة الطفيلية وخاصة التجارة وتهريب المحروقات ، وممارسة الفساد والافساد واعمال المضاربة، واقتصاد الصفقات والعمولات، واقامة مجتمعات الارتزاق، وتدمير منظومة القيم الاجتماعية ، والاستيلاء غير المشروع على اموال كان الواجب تخصيصها للاعمار والتنمية. الى جانب التقاليد العشائرية كان تأثير البيروقراطيات الادارية عبر الروتين العقيم والسلوك المتعالي المتعجرف للموظفين وتعقيد الاجراءات والفساد في الادارات الرسمية والمؤسسات الخاصة الامر الذي الغى كل ذلك المنافسات المشروعة، وزاد من اسعار كلف المـــشاريع والتجهيزات، وأبعد الكفاءات المهنية والاختصاصية من سوق العمل والتنافس.. وعرقل خلق المجتمع المتكامل، الذي لمواطنيه حقوق في العمل وفرص متكافئة للابداع في مناخ ديموقراطي حر، وعليهم واجبات يمليها عليهم شرف الانتماء والمواطنة.

 لقد اذكى النظام السائب في الدولة العثمانية نيران الاحترابات العشائرية عكس ما تمثل من ضبط للدولة عهود مدحت باشا و داود باشا حيث ركنت اكثر العشائر الى الهدوء ، ولم يشهد العراق في هذا العهد اية معركة اشترك فيها أهل المدن مع عشائر الريف ، ومع ذلك لم تعترف الدولة العثمانية بالنظام القبلي ولم تحاول ان تخلق منه كيانا قانونيا . وفي فترة الاحتلال البريطاني شهدت العشائر نظاما غير مستساغا لأنهم وجدوا فيه الصرامة والتشدد في تطبيق القوانين والانظمة . وكانت ثورة العشرين مخاض الفرق بين نظامين .. الأول : الحكم العثماني الذي ترك الحرية للعشائر في العيش وفق نمط حياتها وتقاليدها العشائرية .. الثاني : نظام الاحتلال الانكليزي الصارم الذي يتناقض مع نمط الحياة العشائرية ويحاول تطبيق نظم عدالته الاجتماعية بالاكراه والقسر حسب تعبير الدكتور سليم علي الوردي . ثبت اعتراف حكومات الاحتلال البريطاني والحكومات العراقية المتعاقبة بالنظام القبلي .. ثبت العلاقات الاقطاعية العشائرية عبر سلسلة من القوانين الوضعية في مقدمتها نظام دعاوي العشائر لسنة 1918 وتعديلاته (1). واستخدمت سلطات الاحتلال والانتداب البريطاني قانون العشائر وسيلة للتأثير على ابناء العشائر وللتلاعب واختلاق الفتن والمشاغبات بين العشائر والافخاذ والبطون والبيوتات والافراد .

 في الاحتلال الاول أقام الإنكليز توازنهم للقوى السياسية الداخلية في سبيل أحكام السيطرة على العراق وتمرير المشاريع والخطط وقد ادخلوا المؤسسة العشائرية في اللعبة. واختلفت سياسة حيازة الاراضي بين الاتراك والإنكليز ، فالأتراك عمدوا الى اضعاف العشائرية وأصر الانكليز على احياءها. آمن الإنكليز بالمقولة " من يسيطر على شيوخ العشائر يسيطر عليها وليحكم العراق بسهولة "، وقد تركوا الفلاحين العراقيين في ظروف معاشية قاسية .. نهبتهم وامتصت قوتهم السلطات البريطانية والاغوات والمشيخات والسركلة .

 ساندت اجهزة الدولة العراقية في العهد الملكي الاستغلال الاقطاعي بدعمها الملاكين الجدد وتكبيلها الفلاحين بسن التشريعات التي تسحقهم . لقد نزعت العلاقات الاقطاعية عن البداوة رداءها وتلفحت به بعد ان تركتها عارية في الصحاري ولتمارس الاستغلال والاستبداد الاقطاعي على ابناء العشائر ، ولتتكرس ازدواجية الفرد العراقي في الريف حاله حال اخيه في المدينة !. وقد فتحت الثغرة في المؤسسة العشائرية مع تدخل النقد ، وشروع التجار باستثمار الرساميل الفائضة في الزراعة والبدء بشراء الاقطاعيات الكبيرة . كانت سيطرة الاغوات والبيكوات على الفلاحين طبقيا نتيجة منطقية للعوامل التالية:

v    ازدراءهم واحتقارهم للفلاحين غير العشائريين واحتقار التزاوج معهم.

v  خدمتهم الجليلة للعثمانيين والإنكليز والسلطات المركزية بتحولهم من زعماء وآباء يأخذون الضرائب أو وكلاء للزعماء الى جباة ضرائب للدولة .

v  تحولهم الى ملاك أراضي بعد الطابو واللزمة لما يتضمناه من نظام ملكية شبه خاصة وبالتالي اغتصاب الأراضي العشائرية المشاعية.

 ملأ الملك فيصل - السيد المطلق في البلاد بعد المعتمد البريطاني - البرلمان بزعماء الإقطاع وتجار السياسة في اتفاق غير معلن ترعى بموجبه الحكومة الاستغلال الإقطاعي للفلاحين ويوافق به الاقطاعيون على سياستها المستمدة من مصالح الاستعمار البريطاني ،وقد حصل 34 شيخ وزعيم اقطاعي عام 1924 من مجموع 99 نائبا على شرف عضوية الجمعية التأسيسية. مع ذلك امتنعت سلطات الاحتلال عن منح زعماء القبائل والعشائر الحقوق القانونية الكاملة لامتلاك الأراضي الزراعية بصورة نهائية وقانونية للأسباب التالية :

v  سيطرة سلطات الاحتلال على مصائر الشيوخ والاغوات مع إبقاء حق الرقبة في يدها وليبقى هؤلاء مدينين لفضل السلطات طيلة بقاءها .

v  إن انتزاع أراضي الفلاحين قانونيا يؤدي الى تشديد التناقضات الطبقية في الريف وخلق المحاذير للنظام الحاكم.

v  لا يتفق اعطاء حقوق تملك الاراضي بصورة مطلقة للنخب مع أهداف سلطات الانتداب في الكشف عن حقول النفط واستغلالها في البلاد.

 لقد سعى الإنكليز الى تمكين الإقطاع عبر استحداث كيان خاص للعشائر يحميه نظام مستمد من العرف العشائري ، وتطوير الزراعة في العراق من خلال نظام شبه إقطاعي ، وتعزيز نفوذ طبقة ملاك الأراضي عبر الإدارة بواسطة زعماء القبائل واصحاب الأراضي المتنفذين . ودعمت الحكومة العراقية مركز الشيوخ والاغوات ومنحتهم الملكية القانونية الخاصة على أراضي عشائرهم وجعلت البرلمان العراقي ندوة لممثليهم دون أن يلتزموا بأي التزام.وكان دورهم قد اقتصر على مجرد الاحتفاظ بمراكزهم في المجالس النيابية وعلى مقاومة التغيير.وتعاون الاقطاع المؤلف من المشايخ والافندية من محترفي السياسة باستمرار مع نظام الحكم الملكي على اساس واحد هو التأييد المطلق لسياسات الحكم القائم مهما كان ضررها بالمصالح الاساسية للشعب. وسنت لهذا الغرض التشريعات المتلاحقة : نظام دعاوي العشائر سنة 1916 ، قانون تسوية الأراضي رقم 50 لسنة 1932 ، قانون حقوق وواجبات الزراع رقم 38 لسنة 1933 .. في أجواء خانقة سادتها القيم العشائرية البالية.وقد أجاز نظام دعاوي العشائر تشكيل المجالس ( المحاكم القبلية) واحالة المتخاصمين من أبناء العشائر بأمر الحاكم السياسي اليها، والعرف العشائري قواعد تبنى عليها الأحكام وتسمى ( سواني ).. والمتخصص بعادات العشيرة يدعى العارفة ، وكان هذا القانون خطر على وحدة المجتمع لأنه يقسمه الى قسمين يخضع كل منهما لأحكام قانون خاص يختلف عن الآخر.

 ساهم اعتماد سلطات الاحتلال البريطاني على شيوخ العشائر عملياً في إعاقة تطور العلاقات الرأسمالية والاتجاهات الديمقراطية في المجتمع. وأصرت السلطات البريطانية، ومعها المجموعة الحاكمة من الضباط الشريفيين التي اصطف أغلب أفرادها مع سلطات الاحتلال البريطاني، على تنفيذ المخطط الذي جاءت به ورسمته لها وزارة المستعمرات البريطانية في الهند وتلك التي في مصر على سلب المزيد من أراضي الفلاحين وتسجيلها باسم كبار الملاكين وشيوخ العشائر، إضافة إلى منح الأراضي الزراعية التابعة للدولة إلى ذات الفئات الاجتماعية لتوطيد دورها ومكانتها الاقتصادية وبالتالي السياسية والاجتماعية في الريف والمجتمع عموماً، خاصة وأن الفئة الحاكمة في العهد الملكي أصبحت ممثلة أساسية لسلطات الاحتلال البريطاني ومن ثم للمصالح البريطانية في العراق من جهة، ومصالح فئة كبار الملاكين والإقطاعيين وفئة الكومبرادور التجاري اللتين استحوذتا على نسبة عالية جداً من الأراضي الزراعية ومن الدخل القومي. واكتسب ملاكو الأرض في العراق سماتهم الطبقية المشتركة بعد أن رفدوا من مختلف الفئات والطبقات الاجتماعية لتمتزج روابط العراق الجديدة نسبيا مع السوق العالمية بالصيغ الاجتماعية التقليدية التي تربط قيمة الإنسان بعراقة النسب وبالدين وبالورع والبسالة القتالية في الغزوات العشائرية وسيطرة الحرف اليدوية الصغيرة وانتاج زراعة الكفاف وحتى خارج المدن بالملكية العشائرية المشاعة.

 لقد فعلت مبادئ التراتب الاجتماعي التقليدي فعلها عشائريا الى جانب الهرميات الدينية والاثنية والطائفية وهرميات الثروة والمنزلة والانتماء التي كانت تتطابق الى درجة كبيرة .. فمن يقف في قمة السلطات العشائرية يميل الى أن يقف في القمة فيما يتعلق بالثروة والنواحي الدينية والطائفية والانتماء والمنزلة الاجتماعية .. وارتبط التحول الى الملكية كقاعدة للتراتب الاجتماعي وفي سلم السلطة وهبوط عوامل القربى والنسب والموقع الديني واعتبارات المولد بالدور الأكبر للمال واغتصاب الاغوات للأراضي المشاعية العشائرية وبروز المضاربة بالعقارات والدعم القانوني للملكية لاسيما قوانين الأراضي العثمانية والقوانين التي اخذت بها سلطات الانتداب البريطاني . وكان التحول من مجموعة عشائرية ذات منزلة اجتماعية الى طبقة ملاك الأراضي بطيئا وهادئا … واصبحت الملكية عامل تحديد للموقع الاجتماعي أهم بكثير من المنزلة الاجتماعية التقليدية مع بداية النصف الثاني من القرن العشرين ! هكذا تحول ملاك الأراضي من طبقة بذاتها الى طبقة لذاتها بعد أن رص الجميع مصالحهم المشتركة (2).

 ومع تعمق الوعي الطبقي كانت دائرة الازدواجية تضيق باستمرار بينما اسهم تعثر قوانين الاصلاح الزراعي المتعاقبة بعد ثورة 14 تموز 1958 المجيدة في كبح حركة الجماهير الفلاحية . ولايزال قانونا رقم (30) لسنة 1958 ورقم (117) لسنة 1970 ورقم (90) لسنة 1975 عرضة لانتفاع العناصر الاستغلالية من ملاكين وسراكيل وشيوخ عشائر ومتحايلين وغيرهم حيث اقر التوزيع بمساحات واسعة نسبيا على الملتزمين والسراكيل الرسميين والعناصر غير الفلاحية . لم تنه قوانين الاصلاح الزراعي الارتباطات العشائرية للفلاحين رغم انشاء الجمعيات الفلاحية والتعاونية لأن الاخيرة قد ظهرت ضمن الاطار العشائري مما خلد المؤسسة العشائرية في الريف العراقي .

 وقف عدد من زعماء العشائر العراقية الى جانب الشعب العراقي وقارعوا دكتاتورية صدام حسين وحضوا على اسقاطه .. من امثال سامي المعجون وحسين الشعلان وضاري علي الدليمي وآخرين من انصار العدالة واقامة الحكم المدني وتعزيز خيار التسامح في المجتمع .. لكن ذلك ليس تزكية للاعراف العشائرية او تأشير لخطر عودة الحياة للقيم العشائرية او حتى التحذير من تسييس الانتماء العشائري وتعشير السياسة ومن اختزال الازمة العراقية الى مكرمات وامتيازات والقاب توزع في غياب او تغييب التأسيس المدني بل هو تعبير عن القلق من اعادة انتاج النسخة الصدامية للاستقطاب العشائري ومحاولة اغواء العشائر وتحويلها الى كيانات متقابلة متقاتلة متكارهة وتحت الطلب .. وفق تعبير الاستاذ عبد المنعم الاعسم ( تعشير السياسة في العراق / الزمان / العدد 1524 )..

 بذل النظام العراقي البائد حتى وهو يضخ شبكات القرابة في القوات المسلحة والإدارة الحكومية الجهد للتخلص من قوة العشائر خارج الدولة بطمأنة شيوخها على حسن النوايا وباللقاءات المباشرة معهم والثناء على ادوارهم التي يمكن ان يلعبوها في صيانة الثورة باعتبارهم ابناءها المخلصين حينا ومن بين هؤلاء الشيخ عبد الكريم الفالح رئيس عشيرة البزون والشيخ حربي المزعل رئيس عشيرة بني ركاب ، وبالاساليب الترغيبية الارهابية كاستدراج العشائر الى فخ خدمة النظام الجديد وضم الفلاحين الى جمعيات فلاحية وتعاونية هي اطر تنظيمية للحزب الحاكم مما احدث الخلخلة الحقيقية في البنية العشائرية واشاع الريبة والخوف داخل المؤسسة العشائرية حينا أخرى . وأذكى الفراغ الذي خلقته عملية احتواء الدولة للمجتمع المدني الناهض بمختلف مؤسساته شبكات القرابة بوصفها دريئة حماية و أمن و طمأنينة لتنمو الحاجات لشبكات القرابة بازدياد مع ضعف خدمات الدولة تحت تأثير الحروب والعقوبات. لم تقض عشائرية الدولة ( نموذج دولة البعث في العراق ) على جميع علاقات الالتحام العشائرية (فالح عبد الجبار / الشيخ والآيديولوجية / تقرير الشرق الأوسط /العدد 215 /2000) .....

 لقد شجع النظام المقبور تأسيس العشائر التي أطلق عليها تعبير العشائر الحرة أي التي تقبل من هب و دب مادام قادرا على دفع الودي والاشتراكات الشهرية حيث لا تشترط هذه العشائر الانتساب فيها الى نسب واحد .. كما شجع شيوخ التسعينات وهم من اتباع النظام الذين لم يرثوا مواقعهم من الأجداد أو الآباء أو عبر الاستحقاق كما هو متعارف عليه بل أسسوا مكاتب الدلالية العشائرية تحت مختلف الواجهات كالعقارات مثلا لحسم النزاعات العشائرية وضمت الدواوين والصناديق العشائرية للإعانة في الأزمات المادية. وكانت بالفعل جهاز بوليسي قمعي ارتبط ب (مكتب العشائر المركزي) في حزب البعث حيث لا تقل الدرجات الحزبية للمرتزقة - الشيوخ الجدد عن عضو فرقة في حزب السلطة، وهم يحظون بالإسناد والتسليح واعتمادهم كوكلاء. وفرضت عليهم إقامة السيطرات على الطرقات في مناطقهم ومنحتهم سيارات البيك آب والغواصة والصالون التي تحمل علم العراق و علم العشيرة الخاص معا . ولم تقصد السلطات تغليب القيم العشائرية الإيجابية من اباء واعتزاز بالكرامة ورفض الظلم وحماية المظلوم والتصدي للعدوان ونخوة وشجاعة وإيثار لأنها تتنافى مع القبول بشرعية هذه السلطات نفسها .. لتسود قيم نكث الوعود والغدر واهدار دم الخصوم وإبادة العوائل وارتكاب الجرائم بأسم العشيرة. وقد وجدت هذه السلطات في تسعير الخلافات العشائرية ولو على جثث الضحايا وسيلة أخرى لحرف الغضب والنضالات الجماهيرية لأدامة حكم العشيرة الواحدة والعائلة الواحدة من جهة واضعاف قوة كامل المؤسسة العشائرية من جهة ثانية . وصرعاتها هذه أضعفت العلاقات الاجتماعية وخلفت البلبلة والتوتر وعدم التوازن ودق الأسافين في العلائق الأسرية والإنسانية.... بعبارة أخرى كان نهج النظام غائي سياسي لتحويل المؤسسة العشائرية الى تابع للاعتبارات الأمنية بالترغيب واحياء امتيازات وامجاد الماضي وبالضغط واسترداد المكارم . لقد بذل النظام العراقي البائد الجهد لتهميش الدور العشائري في شتى المجالات كالاستيلاء على المساحات الشاسعة من الأراضي وشراء ذمم الأبناء لزجهم في الأعمال التجسسية على أبناء نفس العشيرة ، وذبح زعماء العشائر بغرض إرهاب جميع العشائر وكسر شوكتها ، والتهجير القسري للعشائر وتشريدها وزرع الفتن فيما بينها ، وإذلال الشيوخ والاغوات بتنحيتهم عن زعامة العشيرة وتنصيب آخرين موالين له ..ومنع أفراد العشائر من كتابة أسماء عشائرهم أي انتماءاتهم الأصلية.

 سار التعشير قدما الى الامام مع انهيار نظام الخدمات الاجتماعية للدولة بسبب الحروب الكارثية والعقوبات الدولية . وجرى أحياء الديوان العشائري وأعيدت الأراضي للشيوخ " (1000) دونم للمتعاونين ذوي العشائر الكبيرة ،(500) دونم للمتعاونين ذوي العشائر الصغيرة ، ( 100 ) دونم للفلاحين والعشائر الصغيرة.. " ومدت المياه ومنحت المكافآت للقبض على المطلوبين من النظام .. وراكمت المشيخات المقاطعات الواسعة وبنت جيوشها الخاصة وتولت حفظ الامن في الأرياف .. وجرت قنونة القيم العشائرية الجديدة لتتحول من رجعية الى تقدمية في ليلة وضحاها منافاة للعقل وإثارة للدولة العراقية نفسها وهي حملت جنين تدمير الدولة قبل سقوط النظام الدكتاتوري والاحتلال الأميركي.ولاحت في الأفق العشائرية الاجتماعية المدينية لدعم التكافل الحزبي المديني العشائري بموازاة بيروقراطية الدولة وبتداخل معها لأن البيروقراطية تحتمي بها عند المحن ! .. والعشرنة أو السياسة العشائرية الجديدة للدكتاتورية البائدة عالم قلب رأسا على عقب ونهج أضر بالقيم الوطنية استهدف تمزيق لحمة النسيج الاجتماعي العراقي ..والعشائر الجديدة - القديمة تحولت الى مجموعات ضغط قرابية على طريقة العرابية واللوبية أي عصابات امتزجت بالتقاليد والاعراف القديمة لخلق البلبلة العشائرية بديلا لتوازن القوى العشائري التقليدي ..وتتقاطع التقاليد العشائرية الجديدة مع العرف العشائري التقليدي ، ويزرع الأول الفاشية الجديدة والثاني - عبارة عن تشاورية ديمقراطية ومصالح مشتركة رغم كونها ديمقراطية بدائية و ساذجة. ونقطة التقاطع براغماتية !( سلام كبة / المجتمع المدني والمؤسسة العشائرية).

 أدى تداخل الدولة والعشيرة إلى إثارة صراعات مؤسساتية وعشائرية متبادلة. وكان هذا التداخل نتيجة طبيعية لتفاعل تأثيرات العشائرية الاجتماعية وعشائرية الدولة. وهكذا فان الأفراد والمجموعات التي فصلت عن عشائرها في المراحل الأولى من تطور عشائرية الدولة عادت لتندمج بعشائرها، ويعاد اعتبارها بعد نهوض العشائرية الاجتماعية . وولدت حركة إحياء العشائر او ما يطلق عليه العشائرياتية ( Retribalization ) ما يلي : نزاعات بين الدولة والعشائر ، نزاعات بين العشائر والقطاعات اللا عشائرية في المجتمع، نزاعات بين العشائر نفسها، ونزاعات داخل الدولة.

 الواقع إن العشائر التي اعيد بناؤها ، سواء كانت تقليدية اصلية أم مزيفة ، لم تمتلك شيئا مشتركا مع العشائر التقليدية السابقة الا القليل ، فالوحدة والتكافل الجديد قام في المدينة فقط. ولا تعرف العشيرة المعصرنة شيئا عن الزراعة ولا تمتلك صنيعة محددة . أما المشايخ فهم في اكثر الاحيان أصحاب مهن من الطبقة المتوسطة او موظفين وما شابه ذلك. وعوضا عن المضيف العشائري يؤجر الشيوخ الجدد الشقق والمكاتب الحديثة باعتبارها مراكز استقطاب للحياة الاجتماعية العشائرية العصرية، وتتولى العشائر الحديثة حفظ النظام والقانون وحل النزاعات العشائرية بين أفرادها او مع أفراد العشائر الأخرى.وتمتد الخلافات من المظالم التجارية حتى الجنائية وتشمل دفع الديات عن القتلى.ومع فساد المحاكم وأجهزة فرض القانون تطلب الدولة من العشائر القوية المتنفذة تسوية الخلافات الصعبة او توفير الحماية ، وهذه الخدمات تدر المداخيل . وبذلك تتحول العشائر الجديدة بوضوح إلى قاعدة للتمويل المستقل. وبينما يجري إحاطة شيوخ العشائر الاصلية باحترام عالي فان الصنائع الآخرين لا يحظون بالتقدير . وقد شاعت عبارة ( شيوخ من صنع تايوان) سخرية بالشيوخ المزيفين.

 يعيش حتى المتعلمين في البنية العشائرية حالة من الانفصام الذي يبدو في معظم الاحيان حتى على ملامح الوجه "السحنة" ، حيث يكون هذا المتعلم موزع بين وظيفته كمدرس او محاضر جامعي وبين ارتباطه بالعشيرة. هناك يجلس في ديوان شيخ العشيرة جلسة الولد المطيع لهيبة الزعيم الذي غالبا ما يلبس اللباس التقليدي المحلي كي يبدو بحجم كبير خاصة إذا كانت قامته صغيرة خلقا، ويتعمد مخاطبة حامل الدكتوراه بكلمة " يا ولد " او " يا حبيبي " او " ابو الشباب " وحتى " عفية بالسبع " قاصدا إرهاب غير المتعلمين. أما الولد والحبيب و ابو الشباب والسبع فيقبل بذلك اللقب او تلك المرتبة! فما هو المكون الحقيقي لشخصية هذا المتعلم؟ انه المكون العشائري. و من بين سمات المؤسسة العشائرية الجديدة ولسخرية القدر توفير التكافل حتى بين أصحاب الشهادات العليا وأساتذة الجامعة والمثقفين والأطباء والمهندسين بحجة توفير الحماية الشخصية وليجري إخضاع هذه الإسطبلات العشائرية سياسيا أو تسييسها لتحقيق السيطرة الاجتماعية ..وكانت هذه التجمعات - الإسطبلات سند النظام الدكتاتوري لفترة طويلة إلا أنها كانت ولا زالت أداة تفتيت المجتمع والعودة به القهقرى.. وهي لا تعرف شظف العيش وكل شئ متاح لها ..وتخلق أشكال الوعي الزائف لأن قوة النزعة العشائرية داخل الأحزاب السياسية تعرقل التأسيس المدني الديمقراطي وتسهم بفاعلية في خلق بؤر التوتر والاحتقان الداخلي .

 في العقود الاربعة الاخيرة من تاريخ العراق مرت العشيرة تاريخيا بالمراحل التالية : العشيرة داخل الحزب الواحد ، العشيرة إزاء الحزب الشمولي ، العشيرة بديل للدولة ، الدولة تكتشف العشائرية الاجتماعية ومحاولات إحياء العشائر مجددا وفق ضوابط احتوائية ، العشيرة ضد الدولة ...... وكان تحالف الدولة مع العشائر الجديدة قد قوى الدولة، الا إن العلاقة بينهما بقيت حافلة بالتوتر . أما العناصر اللا عشائرية ( Detribalized ) في المجتمع فخشت الشيوخ الأقوياء الجدد الذين يمكن إن يفرضوا القانون العشائري على أبناء المدن. وتولدت خشية ايضا من العصابات العشائرية في المناطق الريفية . على سبيل المثال أرهبت قطاعات من الدليم الركاب على طريق بغداد- عمان في التسعينيات .... وسارت مركبات النقل في قوافل وضح النهار لتتحاشى حملات قطاع الطرق والقرصنة الدليمية. كما ازداد معدلات جرائم العنف بسرعة لتصبح مصدر قلق وحرج العشائر الجديدة التي تطبق القانون. واندفعت قطاعات غير عشائرية إلى خلق عشائر جديدة خاصة بها بينما واجه الحزب الحاكم اعتراضات على إحياء العشائرية مجددا .... وكما هو الحال في البنية السابقة لتراتب العشائر التقليدية ، فان المخلوقات العشائرية الجديدة شكلت تراتبا جديدا تتغير فيه التحالفات باستمرار. وكان هناك توازن قلق ومؤقت، لكنه هش وضعيف لاعتى النزاعات. كان حل النزاعات بين العشائر وفق اعرافها يكشف عن ضعف الدولة . على سبيل المثال عقدت قطاعات عشائرية في العاصمة العراقية اتفاقات على طريق التعويض والتسويات من دون الرجوع إلى الدولة – في عملية كانت تبدو شبيهة بمهام المجتمع المدني في المناطق الأخرى. وأدى انعدام الحدود بين صلاحية موظفي الدولة وصلاحية شيوخ العشائر إلى نزاعات مباشرة ما بين مؤسسات الدولة وقوة العشائر . وجرت ملاحقة ممثلي الحكومة من الزعامات العشائرية بسبب خرق هؤلاء العرف العشائري ، مثل إصابة فرد عشائري بإطلاقة نارية أثناء مطاردته بسبب ارتكابه فعلا جنائيا او هرب من الخدمة. وشرعت العشائر برفع قضاياها ضد الدولة والحزب الحاكم مطالبة بالتعويض العشائري وحتى الديات، ووقعت بالفعل تهديدات باستخدام العنف حتى القتل المتعمد ضد ضباط امن الدولة والقوات المسلحة من جانب العشائر المطالبة بالثأر .

 لقد منح صدام حسين بعض اعضاء الجمعيات الفلاحية درجات حزبية عليا لم يكن بمقدور شيخ العشيرة كسر اوامرهم او الوقوف ضدهم والتمرد عليهم .. لكن الحرب العراقية – الايرانية ادخلت عوامل جديدة مؤثرة في التوازن العشائري القائم .. وسارع النظام الى كسب ود زعماء العشائر لمنع حالات التعاطف التي اظهرتها العشائر العراقية مع الثورة الايرانية فاغدقها بالمكرمات واتبع معها سياسة اللين وشراء الذمم .في هذا الوقت انحسر دور الجمعيات الفلاحية والتعاونية لتتحول الى سخرية بين العشائر بعد ان فشلت في مهماتها ! ... ولأغراض عسكرية صرفة اتسع اهتمام الدولة العراقية بالطوق العشائري والقبلي وتجنيد المقاتلين من العشائر الصديقة.. ومع غزو الكويت وحرب الخليج الثانية وتجفيف الاهوار والعقوبات الاقتصادية الدولية وقرار مجلس الأمن الدولي المرقم – 986- في 14/4/1995 واختزال القدرات القمعية للدولة وظهور الفراغ الأمني والسياسي وتفكك حزب البعث كجهاز ضبط آيديولوجي و ظهور الفراغ الاجتماعي الناجم عن غياب منظمات المجتمع المدني ظهرت العشائرياتية أو العشرنة او التعشير أي محاولات ترميم الثقافة العشائرية واحيائها على أسس صنعية ( Artificial)واحياء العشائر وتمجيدها وإيقاف ابتعاد الريف عن العشائرية واصطناع العشائرية داخل المدن ومنع تمازج العشائر فيما بينها وتحاشي هروب الفلاحين من العمل في الاقطاعيات العشائرية … مما خلق التوترات وسبب الأضرار الكبيرة في المجتمع .. وعمد صدام حسين الى جانب السياسات الترغيبية اتباع الحرب النفسية ضد بعض العشائر بحجة تسريبها المعلومات العسكرية الى العدو واعتقال شيوخها لينالوا الجزاء العادل مثلما حصل مع شيوخ بعض عشائر محافظة العمارة .. أقرت إجراءات دكتاتورية البعث اواخر عهدها بسلطة شيوخ العشائر لحسم النزاعات وادارة الأمور ضمن إقطاعياتهم العشائرية ليتم استعادة شكل من أشكال الفضاء المنفصل لمناطق العشائر. ومنح صدام حسين العشائر المتعاونة حقوقا على الأراضي ، ورقى أبنائها في مختلف أقسام الدولة وسمح لهم بتسليح اتباعهم ، وناصر قيم العرف العشائري ليجري تمييز الهوية القبلية والعشائرية كإطار لشبكات الحماية التي تؤثر بشكل ملحوظ على فرص الأفراد في البقاء على قيد الحياة.

 سعت السياسة العشائرية الجديدة الى بسط نفوذها داخل المدن بلبوس حضاري يحتمي بها المواطن كملاذ له من الأخطار التي لم يعد قادرا على مواجهتها خصوصا في حال يمكن فيها شراء ذمم المسؤولين بالأموال لتنتشر مظاهر الفساد والابتزاز والسرقات والاختلاس..وبات الفصل العشائري يكلف الفرد عبءا يشغل كاهله مما أثار التساؤلات عن معنى دفع الدية عن أعمال ارتكبها خارجون عن القانون تراوحت بين القتل والاخلال بالامانة وجرائم الشرف والنكث بالعهود الى جانب الفساد الإداري والاجتماعي والسياسي والاقتصادي والقانوني..وتحمل الأفراد الضرائب الجديدة المفروضة على التجار والصناعيين عبر التعشير الجديد ومنها جبايات المهنة ، الأمانة ، الكمارك ، مراجعة دوائر الدولة ، حراسة السيارات ، تبرعات جيش القدس ، تبرعات ميلاد القائد ، تبرعات الحملة الوطنية لبناء المدارس ، تبليط الشوارع ، ترميم وبناء المعالم الدينية والتاريخية ..وهذه الضرائب كانت استعاضة (Compensation) لضرائب الدولة على التجار ورجال الأعمال الذين يداورونها ويستغلون الفصل العشائري لتعديل الميزان.وباتت حياة الإنسان وصحته تقاس بالمال بعدما اعتادت المستشفيات والمراكز الصحية هي الاخرى على الابتزاز. بعد مضي قرن كامل استبدلت في بلادنا الشرعية السياسية والتحالفات المدينية مجددا بالتحالفات والمجالس العشائرية وخاصة مجلس العشيرة الحاكمة ، وذلك انعكاس لأعنف عملية تدميرية تعرض لها العراق في بناه الداخلية وقواعده الحضارية التي شكلت منه معلما تاريخيا متميزا منذ 4 عقود عبر مناهج مخططا لها سلفا لأيصال العراق وشعبه الى قعر الهاوية حتى وصل الامر الى تمزيق التاريخ بحجة إعادة صياغته. ولعب المرتزقة الدور الخبيث في تحريف الأنساب وإرجاع الناس الى غير أنسابهم والتشكيك بألقاب وانساب العراقيين عبر ضوابط وزارة داخلية النظام. ولم تجد الزمرة الحاكمة حيلة لإقحام الشعب في دوامة المتاعب إلا وصيرتها قانونا ملزما بهدف شل حركة هذا الشعب الأبي كي لا يقوى على التفكير بما يدور حوله. ولعبت العشائر الدور المرسوم لها بالفعل في انتفاضة آذار 1991 ودفع ابناءها ثمن التضحية في سبيل حرية الوطن وامتلأت بهم القبور الجماعية .. وتقدمت الهويات الطائفية والعشائرية والإقليمية لملء الفراغ عبر تقديم العون والعلاج والتعليم أو المواساة في أسوء الحالات.. نعم ، الظاهرة الجديدة ذات وظائف اجتماعية براغماتية وليست استمرار للهويات القديمة. ومع انسحاب الدولة ظهر الجميع عزلا دون ضمانات. في هذه الفترة امتلكت العشائر العراقية السياسة المزدوجة لممالأة الحكومة والدفاع عنها ولأيواء ابناء المعارضة العراقية ومدهم بالمواد التموينية الغذائية في آن واحد !.وارشادهم الى الطرق والدروب الآمنة فضلا عن حسن الضيافة .. واحتفظت العشائر العراقية بالسياسة المزدوجة شبه المستقلة هذه حتى بعد سقوط الدكتاتورية ..

 كان انتعاش العشائرية في سنوات الصدامية بسبب تراجع الأمان الاقتصادي والامان الاجتماعي ، وضعف المستوى الفكري والسياسي لمعظم التنظيمات ، وتراجع الأمان السياسي أيضا للمواطن .... مما اخرج العشيرة من كمونها لتصبح المؤسسة التي تزعم توفير الأمان الاجتماعي والسياسي والشخصي وحتى جزء من الأمان الاقتصادي لأفرادها.وعليه، فان استدعاء الكثير من القوى السياسية العراقية للعشائرية وتركيب قوائم مهجنة بين العشائري والحزبي يكشف لنا عن هشاشة الحركة السياسية وعن اختلال الانتماء او عن براغماتية من المستوى الأدنى. هذا يكشف إن القوى السياسية والنخب الثقافية تقوم عن قصد بإنعاش العشائرية بإخراجها من كمونها للاستفادة منها لتلبية مصلحة ضيقة ومحصورة في مرحلة معينة ، وهذا ليس سلوكا ثوريا . بسلوك كهذا يتم في الحقيقة او في النهاية توظيف السياسي لخدمة العشائري وليس العكس لان ارتكاز السياسي على العشائري هو ردة إلى الوراء في مجتمع تقليدي يستلطف ويستعذب الارتداد مما يجعل إعادة إنهاضه عالي الكلفة.

 انطلقت العشائرية بقوة من عقالها بعد التاسع من نيسان 2003 وكان لها دورها الفاعل في حفظ النظام ضمن حدود مناطقها وجهودها في تعويض غياب السلطة والوقوف بوجه العناصر الوصولية والانتهازية التي اعتلت مناصب ليس اهلا لها بعد ان تسلقت على اكتاف ابناء الشعب العراقي وتضحياته . في السنة الاولى لسقوط الدكتاتورية كانت هذه العناصر من مرتزقة النظام المخلوع ثم انقلبت عليه لتعيش مرتزقة للاجنبي . هكذا وجدت العشائرية لها المبررات للقفز والبروز مقابل المجتمع المدني لتبيع الولاءات على قدر الوعود وتوزع الوعود على مقاس المكاسب وتجتاح السوق السياسي والحزبي وتطلق التهديدات بالنيابة محسوبة بالعائد السياسي .. وليصبح لها ناطقون اعلاميون وسفراء في الخارج وحاملو اختام وارقام هواتف الثريا والمواقع الالكترونية !... وبعد مضي اعوام اربعة كاملة لسقوط الدكتاتورية والانتشار الميليشياتي المسلح باتت العشائرية الاساس الراسخ لبنيان دائرة العنف والعنف الطائفي المضاد الذي يكاد من الصعوبة بمكان كسرها أو وقفها. وسرعان ما ترسخ الاعتقاد لدى عامة الناس بأن الشيء الوحيد الذي يستطيع حمايتهم من عنف الآخر وشره ، هو الميليشيا العشائرية العسكرية أو شبه العسكرية، التي تنتمي إلى العشيرة- الطائفة نفسها .... وليس قوات الشرطة أو الجيش. فظهرت الاحلاف العشائرية الطائفية اي التي تنتمي إلى الطائفة نفسها .. واليوم ، رجعنا الى الايام الخوالي ، فكل عشيرة تعتبر نفسها سيدة ديرتها تقتل وتنهب لأجل ارساء مفاخرها وغير مبالية بالعواقب . وبالتالي فان ابن العشيرة هو رهن اشارة المشيخة والعرف العشائري الضيق .. وتكبر العشيرة في افرادها اعمال الفوضى لأنعدام الضوابط القانونية والدينية وتغرس في نفوسهم الولاء . وتعد الغارات على العشائر الاخرى وازهاق نفوسها لأتفه الاسباب مفخرة للعشيرة ونصر لا يدانى .. وتعددت السلطات مع تعدد العشائر .

 ما أن تشكلت هذه الميليشيات التي تنشأ أصلاً لحماية العشيرة والأهل وأفراد الطائفة، حتى قويت شوكتها وعودها ، فكان لها وجودها المستقل عن الجميع. ثم ما لبث ريشها أن نمى وطال ، لتنتشي بمنعتها وقوتها ، وليصبح شغلها الشاغل الحؤول دون استعادة الحكومة لهيبتها وسيطرتها على الوضع الأمني والسياسي في البلاد. وصل هذا السيناريو إلى خواتيمه مع اعتقاد السياسيين بأن في مقدورهم التمتع بسلطات سياسية أكبر فيما لو عولوا على ولاءاتهم الطائفية ، مقارنة بما يكسبونه سياسيا من التشبث بشعار حكومة الوحدة الوطنية.. وبسبب الاضطراب والنزاع بين القوات الأميركية والجيش ووزارة الداخلية نشأ وضع أمني لم يعد فيه المواطنون قادرين على التمييز بين ما إذا كانت قوات الأمن المنتشرة في الشوارع ، أعداء أم أصدقاء ، وما إذا كانوا إرهابيين أم مجرد لصوص ومجرمين. فالكل يرتدي الزي الرسمي نفسه. بل تسقط قطاعات من مدن بكاملها في قبضة الميليشيات المسلحة - العصابات والإرهابيين ! ...

 حاولت الولايات المتحدة في بداية حربها على العراق تقريب وكسب وشراء ولاء شيوخ العشائر للتمرد على النظام لكنها فشلت في مسعاها ولم تقم هذه العشائر بأي تمرد إلا بعد أن دخل الأميركيون مدينة بغداد - العاصمة وتأكدت بأن النظام قد تهاوى . وحافظت العشائر على قوتها ولجأت للتمرد في سبيل المغانم فحسب .. بمعنى آخر إن العشائر واصلت التعاون مع صدام حسين حتى آخر رمق دون الالتفات الى همجية الدكتاتورية التكريتية أو المخطط الأميركي - البريطاني والعملات الصعبة.. لكنها تمشدقت فيما بعد بالمكارم الأميركية من التقنيات الاستهلاكية والحرية على طريقة شيكاغو .. هكذا اعتقد الأميركيون هذه المرة وليس الإنكليز أن العراق مطلع القرن الحادي والعشرين مازال مجتمعا تسوده العشائرية التي تسعى لركوب العربة الاجتماعية بموديلها الحديث. أدركت السياسة الأميركية أن المجالس العشائرية والعشائر الحرة وعشائر التسعينيات موجودة في بلادنا لأن سياسة دكتاتورية البعث كانت عشائرية الطابع ولأن حزب البعث نفسه قد تحول الى عشيرة جديدة لكن بأسم وأسلوب عمل آخر ليس بالضرورة أرقى من الأسلوب العشائري بل أسوء منه لأنه ولاء من النمط الفاشي الجديد - الذراع المافيوي للنخب الرأسمالية الكومبرادورية الطفيلية. وانتجت الاسقاطات القسرية للنظام البائد المحصلات الكارثية التي طالت بأضرارها مشروع الدولة وتماسك المجتمع على حد سواء . وتمثلت هذه الاسقاطات في المرشحات - المصاهر الجبارة لأنتاج السبيكة العشائرية المؤلفة من أرومة واحدة والمغلفة بالإطار العصري للحزب الواحد أو العشيرة الموحدة فكانت العملية القيصرية للولادة التي أدت بالحامل والمحمول . لقد تفاقمت الانقسامات العشائرية والعرقية والطائفية بفعل الاستعمار القديم والحديث وطبيعة النظم القمعية الانقلابية التآمرية الى جانب العقوبات الاقتصادية المدمرة وآثار الحروب الكارثية .وفرض صدام حسين بالقوة الطائفية السياسية والتأسيس القبلي بزعامته … وضمن بالتالي بعد انهياره ان تعم الفوضى وان تسود روح الانتقام ولتتفشى الطائفية السياسية قطارا رجعيا ينطلق دون رحمة داهسا تحته الجميع !! وقد عقد تحطم الدولة العراقية والسلطات المركزية محاولات اعادة بناء وحدة هذا البلد النفطي ذو الموقع الاستراتيجي مثلما تعقدت اعادة تركيب بيضة محطمه !.

 ليس خفيا القول أن الموقف السياسي لقوات الاحتلال لم يكن سليماً لمعالجة المظاهر الغريبة التي رافقت دخولها الأراضي العراقية بالأخص الفرهود . فبدلا من التوجه صوب القوى السياسية التي ناصبت النظام العراقي العداء وناضلت ضده ، توجهت صوب شيوخ العشائر. وشرعت بالاعتماد ، كما فعل البريطانيون قبل ما يزيد على ثمانية عقود ، على شيوخ العشائر العراقية بدلا من الاعتماد الفعلي على القوى السياسية العراقية وعلى الفنيين والتكنوقراطيين العراقيين سواء الموجودين منهم في الداخل أم الذين عادوا بعد إسقاط النظام إلى الوطن . الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت ضمن المسؤولين المباشرين عن مجيء البعث وصدام حسين إلى السلطة، وهي التي قامت بالإطاحة به، وحكومات ما بعد التاسع من نيسان تلجأ اليوم كما فعل الانكليز قبل قرن إلى شيوخ العشائر للاستعانة بهم في الحكم في العراق أو إلى تهدئة الاوضاع ومعالجة حالات الفلتان الامني والخدماتي ... رغم المخاطر الكبيرة وراء العودة لترجيح كفة التعامل مع المؤسسة العشائرية وإهمال العمل المدني الجاد والمسؤول مع القوى السياسية العراقية ومنظمات المجتمع المدني على قلة وجودها وتواضعها حتى الآن . ان دعوة رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي لتسليح العشائر وتشكيل لجنة عليا تشرف على ذلك لا تستند على اية قاعدة قانونية وانما اجراء اخرق وخطير ينم عن هشاشة فكرية ونفس تسلطي .. فقرارات خطيرة من هذا النوع لا مشروعية في اتخاذها سوى مجلس النواب العراقي اي السلطة التشريعية التي لازالت عند موقفها بضرورة انهاء التسلح الميليشياتي . قرار المالكي هذا سابقة خطيرة لمزيد من الفلتان الامني والاحتقان الطائفي – العشائري ويصب الماء في طاحونة الموت والدمار اليومية للعراقيين ! ويبدو ان المالكي ذو النفس البورجوازي الصغير باجراءه هذا يغطي على نشاط الميليشيات الشيعية المسلحة وهو يتجاهل متعمدا ان معالجة اوضاع العراق الكارثية لا تتم الا عبر مجموعة كاملة من التدابير لأعادة بناء المؤسسات العسكرية والامنية العراقية لتأخذ على عاتقها الحفاظ على الامن والاستقرار .. أن نظام العشائر يعود إلى ماضٍ بعيد لا يجوز تشجيع عودته إلى الساحة الاجتماعية والسياسية العراقية، وهو في المحصلة النهائية سيتوجه ضد المجتمع المدني والقوى التي تسانده وضد أفراد العشائر ويسلط أبشع أشكال الاستغلال عليهم … أنه يتداخل مع قوى الإسلام السياسي المعتدلة والمتطرفة في آن واحد ويعزز مواقعها في غير صالح الفصل المطلوب بين الدين والدولة. العشائرية وحدة اجتماعية وسياسية عصبوية ذات نفس استبدادي لتوارث المناصب وقمع الحريات .. ورغم التأثير الاسلامي ومواجهته القبلية الا انها عادت كأداة لتثبيت الاسس الدكتاتورية للانظمة العراقية المتعاقبة وللتخلف . واذ تستطيع العشائرية توفير الحماية لأبناءها في ظل الفلتان الامني لكن النزعة العشائرية تقتل الديمقراطية البرلمانية والمدنية في المهد !.

 العشائرية ذات قدرة هائلة على التلون الأميبي مما يسمح لها بالتعايش مع العولمة وحتى مشاركتها مضجع الأمة. إن العشائرية في النظام السياسي العراقي حليف فعلي للعولمة المتوحشة لأنها تقوم بتفتيت النضال الطبقي والسياسي نيابة عن السلطات... وتبقى العشائرية قوية طالما النظام الأبوي اقتصاديا قائم بالقوة والفعل ... وهذا ما يقوم بتخليده النظام السياسي طبعا حيث يمارس الفساد ويباعد ما بينه وبين التنمية ويهرب من التصنيع ويقيم نظاما سياسيا يقوم على الملكية الخاصة ولا يقيم نظاما رأسماليا تصنيعيا وإنتاجيا.العشيرة هي نقيض الطبقة، والعشيرة هي مغتصب المرأة وعدوها الذي يعلن عن نفسه جهارا نهارا بفجاجة وصلف، اذا كانت هي ضد كل هؤلاء ، فمن هو حليفها ومعسكرها؟ انه النخبة السياسية – الاقتصادية الحاكمة والنخبة الثقافية المحيطة بها والملتفة حولها ، انها الطبقات ذات المصالح الاقتصادية المسيطرة ، انها الطبقات الاقطاعية والبورجوازية الكومبرادورية والطفيلية وبيروقراطية الدولة الاستبدادية... ولو حليفها لفترة من الزمن حتى استكمال احكام قبضتها على العملية السياسية – الاقتصادية الجارية. وأبرز المخاطر هو الاستعداد التقليدي لدى شيوخ العشائر في تغيير تحالفاتهم وفق المصالح اليومية، وليس غريباً أن تنشأ علاقات جديدة وتقارب بين تلك العشائر التي أيدت صدام حسين ووقفت إلى جانبه وبين تلك التي ناصبته في فترات معينة ولأسباب مصلحية . كما أن التحالف بين شيوخ العشائر وإيران أسهل لها من الناحية الدينية من التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر في عرفها أنها كافرة وأجنبية، في حين أن الدولة الإيرانية مسلمة وضمن الأمة الإسلامية ، وتزدهر معها اعمال المضاربة والتجارة غير المشروعة دون حسيب او رقيب.

 تنتج الديناميكا العشائرية هذه ابعاد واحتمالات صعوبة السيطرة على الاوضاع وفلتان زمام الأمور من أيدي سلطات الاحتلال والحكومة العراقية ، خاصة وأن العشائر تبتعد بشكل منظم، وكأنها خطة مرسومة سلفاً، عن الأحزاب السياسية العراقية مولدة البنى شبه المستقلة لها ... ومن الممكن ان تنتج هذه الديناميكا العشائرية الإقطاع الديني والطائفي الذي يعتبر ربيب الدول، وصوت الكرنفال السياسي للحكام والذي يفصل الأحكام لبدلات الحكام .... فإذا كانت ضيقة ضيقها، وإذا كانت واسعة وسعها، وأجره في آخر الشهر... كلما سكت عن الظلم اتسع رزقه وحصل على الأراضي وكثرت أمواله في البنوك.... وكلما نبه إلى ظروف (الرعية) السيئة ورأى العين الحمراء بلع ألفاظه ولغته وضميره الديني وهلوسته الطائفية . بعبارة اوضح ولدت الديناميكا العشائرية مع عزل الإقطاع السياسي البعثي واستمرار الاحتلال الاميركي وهشاشة اداء الحكومة العراقية الإقطاع العشائري- الديني بكل تلاوينه والذي يقوم بالمغامرات المذهلة والدموية حتى ضد طائفته !... لا تختلف تكتيكات صراع الإقطاعيات السياسية والعشائرية والدينية والطائفية ولتتحول الدولة إلى مزرعة خاصة بهم.

 عززت وخلدت التوازنات العشائرية القائمة وصراع الإقطاعيات السياسية والعشائرية والدينية والطائفية .. عززت المؤسسة العشائرية في الريف العراقي واحكمت قبضتها على الفلاحين وسائر الكادحين من ابناء الشعب العراقي . جيوسياسيا كان جهل الفلاح العراقي وانعزاليته بادئ ذي بدء التربة الخصبة لترعرع التقاليد العشائرية والروابط القبلية الثقيلة في ذاكرته وعقله بينما كبلته انظمة الحكم الاستبدادية المتعاقبة فيما بعد بهذه التقاليد والولاءات دون الوطنية الى ابد الآبدين .. ولم تكن المؤسساتية المدنية الفلاحية الوليدة من جمعيات فلاحية وتعاونية بعيد ثورة 14 تموز 1958 المجيدة مجرد جمع وادارة بل كانت بالفعل صراع حقيقي ضد المؤسسة العشائرية التقليدية المغروسة في السايكولوجية الفلاحية .. مع ذلك اتخذت ديمقراطية هذه المؤسساتية الوليدة الطابع البدائي الموسوم بفردية الفلاح او بولائه العشائري وحتى بالمفاخرة والاستبسالات المتحمسة دونما ضرورة .. وبقت الشخصية الفلاحية موزعة بين 3 جبهات : الغرس الاقطاعي عبر وهم الابوة العشائرية والاقطاعية وبالتالي الروح الفردية ، جبهة الجذر المشاعية والنقاء الفطري المتجرد من المصلحة الانانية ، جبهة الحرمان والحلم بالامان والخبز وعشق الارض والكادحين كرد فعل على الفعل الاقطاعي واعمال السخرة والاتاوات والنهب والتهجير القسري ... بامكان شيخ العشيرة والمراتب العشائرية اليوم التنقل من ديرة الى ديرة والى المدن طلبا للامان عكس الفلاح الذي يطرد مع عائلته من ارضه دونما رجعة ليدشن عهد الضياع والمستقبل المجهول . وحسب تقارير المنظمات الدولية ان نسبة الفلاحين قي اعداد المهجرين قسريا والتاركين بيوتهم واكواخهم واراضيهم بحثا عن ملجأ في الاعوام 2005 – 2007 في بلادنا كبيرة للغاية .. وان مدن الاكواخ الجديدة في تزايد مستمر .

القضية الفلاحية في العراق المعاصر

القسم الثاني

·        البنية الاجتمااقتصادية الهجينية

خلقت العلاقات الراسمالية في بلادنا مع الاحتلال الاميركي وآثار خراب اقتصاد حافة الهاوية ابان العهد الدكتاتوري ... خلقت البنية الاجتمااقتصادية الهجينية في اقتصاد وحيد الجانب اساسه الاعتماد على النفط ، وهي خليط من العلاقات الاقطاعية المغلفة برداء عشائري مع تحفيز لبعض عناصر التطور الرأسمالي في حدود ضيقة وبما يخدم المصالح الرأسمالية فحسب .. اي دون تقديم البدائل الرأسمالية المتقدمة . وبذلك يجر ضمن الازمة البنيوية الراهنة تكريس العلاقات الاقطاعية وشبه الاقطاعية والرأسمالية الطفيلية والكومبرادورية  في خليط هجيني متعايش لأنماط انتاجية مختلفة متصارعة بالسر والعلن في سبيل الهيمنة والتحكم بالفوائض الاقتصادية ، وفي المقدمة الاستحواذ على الريع النفطي . ومن المفيد ملاحظة تراجع الإنتاج الزراعي الذي لا تتجاوز حصته في الناتج المحلي الاجمالي اليوم حوالي الـ 7% وركود القطاع الصناعي التحويلي المقرون  بتحول جلّ طاقات المشاريع الصناعية الكبرى في النظام السابق لأغراض التصنيع العسكري ولخدمة آلة الحرب على حساب إشباع الحاجات المدنية السلمية للمواطنين بينما عانت الصناعات الوطنية للمواد الاستهلاكية من مصاعب حقيقية، وما نجا منها من الدمار والتخريب سحقها الانفتاح التجاري وإطلاق حرية الاستيراد اضافة الى الفساد.

وتسهم المؤسسة العشائرية بفعالية في نمو قطاع واسع من أنشطة اقتصاد الظل غير المحكوم بضوابط وتشريعات واستيعاب قسماً من العاطلين عن العمل والمهمشين اقتصادياً وبالاخص الفلاحين الفقراء والكسبة  . وتتسم هذه النشاطات التي يغلب عليها الطابع الخدمي البدائي، بضعف الإنتاجية وقلة القيم التي تخلقها وتردي ظروف العمل وكثافة استغلال العاملين... كل ذلك اسهم في تنامي دور الفئات المرتبطة بالتهريب وبالرأسمال التجاري والمضارب ذي الطابع الطفيلي المرتبط بوشائج مختلفة بالرأسمال الاجنبي. وتمارس الراسمالية التجارية الطفيلية الكومبرادورية وبيروقراطية الدولة التجارة غير المشروعة وتهريب المحروقات واعمال المضاربة واقتصاد الصفقات والعمولات وغيرها !. وتواجه بلادنا حاليا الطموح الجامح لزحف الرأسمال الأجنبي في إطار العولمة الرأسمالية المتوحشة بهدف التحكم في المقدرات الاقتصادية للبلاد تحت أغطية مختلفة.. يبدو ان التناقض بين البنية الاجتماعية والاقتصادية المتخلفة من جانب والعلاقات السلعية الرأسمالية الجنينية المتنامية من جانب آخر هو الذي وسم ولا يزال تطور الشعب العراقي بسمة الازدواجية في كافة نواحي الحياة الاقتصادية و الاجتماعية و السايكولوجية و الاخلاقية ..  ولهذا فإن النضال في سبيل إنهاء الاحتلال وتحقيق الاستقلال الوطني الاقتصادي والسياسي والثقافي يمثل مهمة راهنة تستقطب أوسع الفئات الاجتماعية وفي المقدمة العمال والفلاحين والكادحين من شغيلة اليد والفكر...

·        العامل الجيوسياسي

الطبقة العاملة والفلاحون وعامة الكادحين من شغيلة الفكر واليد هم اصحاب المصلحة الحقيقية في عودة الأمن والاستقرار والحياة الطبيعية في البلاد ، والإسراع في تهيئة مستلزمات إنهاء الوجود العسكري الأجنبي واستعادة السيادة الوطنية الكاملة والعمل على التخلص من تركة الاحتلال بجوانبها المختلفة. لقد تأثرت القضية الفلاحية بالاضطرابات والمخاطر الجيوسياسية في عراقنا طيلة القرن العشرين بعد ان شكل الفلاحون اعلى النسب السكانية ، وبعد التخلص من الدكتاتورية التاسع من نيسان 2003 وتدشين عهد الاحتلال الاميركي والطائفية السياسية باتت القضية الفلاحية وكامل القضية الاجتمااقتصادية والقضية الوطنية على أبواب مرحلة جديدة  حاسمة  في تاريخ شعبنا المعاصر  عبر الصفحات الجيوسياسية المتغيرة والمتقلبة على الدوام ...  نعم ، الوضع الجيوسياسي في بلادنا تمحور بالدرجة الاساسية حول عوامل النفط  والاضطرابات السياسية الداخلية ، واضيفت للتيه الجيوسياسي اليوم عوامل العولمة الرأسمالية والاحتلال الاجنبي والثقافة الشمولية وانعدام الامن والخدمات والارهاب والمياه والتصحر والتدخلات الاقليمية وعوامل أخرى منها لا على سبيل الحصر الاضطراب الجيوسياسي في الشرق الأوسط والخليج العربي!... واذا استثنينا العولمة التي تحاول إعادة هيكلة العالم رأسماليا في بودقة أحادية الجانب غايتها اشاعة العلاقات الاستهلاكية الطفيلية واعادة ترتيب المناخ الجيوسياسي وفق مجموعة من المفاهيم والشعارات من قبيل التنمية المستدامة ، النظام العالمي الجديد ، النظام الشرق أوسطي ، المنظمات غير الحكومية ،  تصنيف المجتمعات إلى" متحضرة وغير متحضرة" ... الخ ... فان كافة  العوامل الاخرى تدخل في الهم الجيوسياسي (الجيوبوليتيكي) المحض غير المجتزأ(3). إن عودة الأمن والاستقرار والحياة الطبيعية في بلادنا مرهون بالتوازنات السياسية الداخلية المستندة هي نفسها إلى التوازنات الجيوسياسية الإقليمية والعالمية....

وسط صناعة الفوضى البارعة منذ عقدين من الزمن باتت القضية الفلاحية في مهبّ التحوّلات الجيوسياسية ... وادى التخطيط المرتبك والتشريعات الزراعية المرتجلة وسياسة الخصخصة سيئة الصيت ، واحياء المؤسسة العشائرية بطرفيها : الاجتماعية التقليدية وعشائرية الدولة، وفرض سياسة الحزب الشمولي الواحد ، وفساد وبرقرطة الأجهزة الحكومية ودورها في التلاعب والغش وضعف المراقبة والأشراف ، والحروب الكارثية التي افتعلها صدام حسين ، وتجفيف الاهوار ، والعقوبات الاقتصادية الدولية ،  وفشل الحكومة العراقية الحالية في تحمل المسؤولية لبناء عراق ديمقراطي فيدرالي  يضمن حقوق الانسان وإستخدام الوسائل الديمقراطية والإنسانية بالتعامل مع الفلاحين والمزارعين .. وانبطاحها امام النفوذ والتدخل الايراني في مناطق جنوب العراق والفرات الاوسط ، والضغط التركي بالتقليص الكبير اللامعقول في نصيب بلادنا من مياه نهري دجلة و الفرات ، والاحتلال الاميركي ...  ادى كل ذلك الى نشوء العلاقات الانتاجية الاستغلالية مجددا وعودة العلاقات شبه الاقطاعية من جديد وانتعاش مصالح كبار الملاكين وبورجوازية وكومبرادور الدولة وبالأخص الشرائح القرابية والطائفية والعشائرية ومصالح أغنياء الريف الجدد الامر الذي ادى بدوره الى خراب الريف وقواه المنتجة  والانخفاض الحاد بالانتاج الزراعي والتردي المريع بالأمن الغذائي مع الاجهاض الملفت للانتباه للتعاون الزراعي في سياق سياسة تشجيع سيادة الأستثمارة  الفلاحية الصغيرة اي الأستثمار الضعيف المشتت المتناثر وسط بحر المزاحمة الكبيرة. لقد هبط الانتاج الزراعي في السنوات الخمسة عشر الاخيرة بمعدل 1.1%  سنويا ، وكذلك هبط انتاج محاصيل الحبوب كالشعير والقمح والرز هبوطا شديدا اضف الى ان الزراعة تعتمد اعتماداً كليا على موارد المياه ذات المنابع الخارجية وقد تسببت شحة تدفق المياه وتدهور نوعيتها في الحاق اضرار بليغة بالقطاع الزراعي.

     كانت تصفية المزارع التعاونية ونهب ممتلكاتها وتقسيمها لصالح رموز النظام والسلطات الحاكمة من أخطر حلقات سياسة النظام الدكتاتوري في هدم الريف وتخريب العلاقات الأجتماعية الأقتصادية فيه وجرى ايقاف سبل الدعم الحقوقي للفلاحين وتسهيلات الحراثة والبذور وتطهير مشاريع الري وألغيت المستوصفات البيطرية وفرق المكافحة البيطرية السيارة، وتمت تصفية العديد من المضخات وتحويلها الى من يستطيع أستئجارها وتدهور الأنتاج الزراعي بسبب تحويل القوة العاملة الزراعية إلى جبهات الحرب.. وظلت مشكلة التسويق خاضعة إلى عملية العرض والطلب في السوق وتقلص حجم العلاوى الشعبية وبددت الثروتان الحيوانية والسمكية واهملت المحميات والمراعي الطبيعية ومظاهر التصحر الجارفة ووجهت ضربات ماحقة لبساتين النخيل والغابات وشبكات الري والبزل وجرت قدما العودة إلى قيم المؤسسة العشائرية لكبح تطلعات جماهير الريف. كما طرد الاحتقان الطائفي والسياسي والانتشار الميليشياتي الفلاحين من أراضيهم ودفعهم للهجرة قسرا طلبا للامان والحد الادنى من العيش الكريم بعيدا عن قرقعة السلاح واوامر المتنفذين . ويؤلف الفلاحون اليوم نسبة 20%  من الأيدي العاملة في العراق، لكن حصتهم من الناتج الوطني حاليا هي 10%  فقط ، والزراعة هي مصدر العيش الرئيسي لسكان الريف البالغ عددهم 7 ملايين  نسمة.

·        الثورات الفلاحية

ضمن اطار الدولة العثمانية سادت الطبيعة الاصلاحية الثورات والانتفاضات الفلاحية العشائرية واقترنت بالفوضى العارمة بسبب تردي وارتباك الاوضاع الاجتمااقتصادية في الامبراطورية وجهل السلاطين بادارة دفة الحكم وركونهم الى البذخ المفرط وازدواجية الحكام بين السياسات الوطنية الوافدة من اوربا والسياسات المستمدة من الشريعة والحضارة الاسلامية !. ولم تبحث الثورات العشائرية عن اب جديد من خارج الاطار العثماني في يده اليسرى برامج الاصلاح وفي يده اليمنى عقيدة تتعارض مع عقيدتهم . وقد اجهدت نفسها في البحث عن اب يرضي ولاءها الروحي ويحقق رغباتها المعبر عنها في تحقيق النظام وسيادة الامن ورفع الضرائب الغير مشروعة وازالة ما علق في اذهان الولاة الاتراك من نظرات استعلائية . .. الا ان سلطات الاحتلال البريطاني والنظام الملكي عملا على المحافظة على مصالح الاقطاعيين ، وعموما كان الفلاحون العشائريون الاشد بؤسا والافقر والاقل استفادة من المرافق العامة الميسورة وامتازوا بتفه الدخل لدرجات متسعة بحيث لا يكفي الدخل الا للمحافظة على الكيان المادي ! وعلى الفلاح ان يؤدي للشيخ نسبة من حاصلاته عن الحراسة والسركلة والديوان والكاتب ( الملا ) فضلا عن العمل المجاني الذي يقوم به الفلاح للملاك وبناء دوره وجمع الحطب له ومداراة زرعه الخاص ( شكارة ) والكرى.. الخ ... وامتاز الفلاح العشائري ايضا بضعف القابلية الانتاجية ، والبطالة الكلية او الجزئية او الفصلية ، وبضعف المناورة والمساومة في تحديد الاجر والحصة من الغلة السنوية فالفلاح هو عبد للعادة والعرف والتقليد ... واضفت المؤسسة العشائرية على الريف العراقي العلاقات شبه الاقطاعية فكان الريف يعيش في نظام شبه اقطاعي اهم مقوماته التفاوت الشنيع بين ثروة الشيخ العريضة وفقر الفلاح المدقع ، واعتراف سلطات الاحتلال البريطاني وحكومات النظام الملكي بهذا النظام الاقطاعي العشائري ، العقلية العشائرية السائدة وعصبية التعلق بالشرف ومجد العشيرة واستغلال الفلاح ، الجهود غير المشروعة التي يبذلها الشيوخ والملاك الكبار للحيلولة دون تطوير الفلاح وتثقيفه والعمل على عزله عن كل مايمكن ان يبعث امكانيات الانطلاق من عقال الاقطاع ، سلبية التشريع المالي تجاه الشيوخ وعدم فرض اية ضريبة على الارض . كل ذلك افقد الفلاحون قوة المساومة في التحكم في تقدير حصتهم في الغلة وافقدهم حقهم في ترك الارض والحرية في التنقل .. فالرابطة بين الشيخ وفلاحه رابطة اقتصادية عرفية املتها طبيعة النظام الاقتصادي للاقطاع العشائري وايدها النظام القانوني والسياسي .

    شدد الانكليز من قبضتهم على بلادنا اثر التصديق على معاهدة 1930 وجابهوا بالقوة الوثبات والانتفاضات الفلاحية الأمر الذي أسهم في تجذير الجوهر الديمقراطي للحركة الفلاحية في العراق وكردستان وتكريس المطالبة بالإصلاحات الديمقراطية للحكم. لا ينسى شعبنا بطولات فلاحي الفرات الأوسط وفي مقدمتهم عشائر آل فتلة البطلة بقيادة الزعيم الوطني الكبير الحاج عبد الواحد الحاج سكر والقائد العشائري الشيخ فريق آل مزهر وعشائر الظوالم و بني حجيم والمنتفك وال ازيرج السواعد والبوسلطان وغيرهم . ومن الأسماء المعروفة في كافة أنحاء العراق وفي تاريخ ثورة العشرين اسم الثائر الشيخ شعلان أبو الجون …وغيره الكثيرون من شخصيات وزعماء الرميثة والديوانية والفيصلية. ويفتخر تاريخ العراق أيضا بدور المرجعيات الدينية في مدينة النجف الاشرف التي ساهمت مساهمة فاعلة في الثورات الشعبية وفي حل الأزمات السياسية التي حدثت في البلاد . فلا تزال ذاكرة الناس تحتفظ بإجلال واحترام باسم حجة الإسلام السيد محمد سعيد الحبوبي الذي وافاه الأجل وهو على رأس الجيوش الفلاحية في جنوب العراق إبان ثورة العشرين. وكذلك اسم السيد الشيرازي وآية الله الشيخ مهدي الخالصي وغيرهم.

في خضم الاحتقان الشعبي الحضري والريفي اكتشفت الملكية والعشائرية مصلحتهما المشتركة فالتحم الطرفان للصمود بوجه التهديد لمواقعهما وامتيازاتهما .. حتى ثورة 14 تموز التي دمرت الملكية ودونت مصير العشائرية.... بينما كانت المعاناة القاسية للفلاحين واغتصابهم الى جانب النهوض العام للافكار الديمقراطية وراء الثورات الفلاحية بداية الخمسينيات من القرن العشرين ، واستهدفت تحديد علاقة الفلاح بالارض بالرغم من اختلاف ملكية رقعة الارض في المناطق المنتفضة . لم تكن القضية الفلاحية تثبيت ملكية الارض فحسب بل مشكلة العلاقة بين الشيخ او الاغا والفلاح اي العلاقة بين الفلاح والارض التي يزرعها ويعيش عليها ويموت فيها ! .. ومن هذه الانتفاضات :  

v    الانتفاضة الفلاحية في القرنة بالبصرة عام 1952.

v    اصطدام الفلاحين بالشرطة في الازيرج بالعمارة عام 1951.

v    اصطدام الفلاحين بالشرطة في منطقة الاوقاف بديالى عام 1953.

v    الانتفاضة الفلاحية في دزه ئي باربيل عام  1953 ، وشملت اكثر من 300 قرية.

v    انتفاضة فلاحي هورين – شيخان بديالى عام 1953.

v    انتفاضة فلاحي دارماوه في حلبجة / السايمانية عام 1953.

  أدى التراجع الذي حصل في مسيرة العهد الجمهوري منذ النصف الثاني لعام 1959 الى التلكؤ الكبير في تنفيذ القانون رقم 30 لعام 1958 والى الهجوم الرجعي الواسع على مكاسب الفلاحين والذي وصل حد التصفيات الجسدية لنشطاء الفلاحين وحركتهم الثورية. لقد رزخ الفلاح تحت وطأة الديون الحكومية مما دعاه الى ترك الأرض والهجرة الى المدن بسبب سلبيات القانون رقم 30 رغم الصراع الساخن بين الاغوات والشيوخ القدامى وبين الفلاحين المستفيدين من تشريعاته وتعديلاته …كما مارست الطغمة الحاكمة في بغداد عمليا منذ انقلاب 17/7/1968 سياسة الهيمنة المطلقة على كامل الحركة الاجتماعية وفق أساليب الإرهاب الدموي الموجهة ضد الشعب العراقي  بفرض ازلامها على قيادات المنظمات والجمعيات المهنية والنقابية والتعاونية وقامت بتزوير وتزييف إرادتها والتدخل المباشر وغير المباشر في النتائج الانتخابية واعتماد سبل الاعتقال والتعذيب والتصفيات الجسدية والإعدامات . ولم تستثن الجمعيات الفلاحية من هذا الواقع المرير .. لتتحول الى أوكار أمنية لمطاردة خيرة الكوادر الفلاحية ومجسات استخباراتية صفراء فقدت الحدود الدنيا من الاستقلالية لتنفيذ أهداف الدكتاتورية الصدامية... باختصار كان العهد الجمهوري الاول 1958 – 2003 مرحلة سبات قسرية للحركة الفلاحية الناشطة لتبقى القضية الفلاحية العادلة وتاريخ الثورات الفلاحية في قاموس الانظمة السياسية العراقية في طي النسيان !... وليبقى الفلاح المنتج الاعظم والمتصرف المباشر في الارض واداة استغلال الارض ونبش التربة ومزجها بالماء بعد ان يضيف الى هذا المزيج دوائه وعرقه وقوته .. فهو الضحية الصامتة للشيخ والاقطاعي اذ لم يظفر بحقوقه الشرعية في الحياة كبشر ومنذ القدم.

لقد حارب الفلاحون طيلة النصف الثاني من القرن التاسع عشر والربع الاول من القرن العشرين بقيادة شيوخهم الدولة الاجنبية للتخلص من الجزية الاقطاعية او الريع ! واصبحوا في الربع الثاني من القرن العشرين وجها لوجه ضد كبار ارباب الاراضي من مشايخ واغوات وتجار وكبار رجال الدولة ، وهم اشد ظلما واكثر استغلالا حتى من الجندرمة التركية والشرطة الريفية ( الشبانة ) البريطانية .. وبعد ثورة 14 تموز 1958 المجيدة واجه الفلاحون الهجوم الرجعي الواسع على مكاسب الفلاحين المنتزعة بقانون رقم 30 .. بينما كانوا عرضة لشتى أساليب الإرهاب الدموي الموجهة ضد الشعب العراقي  عموما في العهد الدكتاتوري البائد ! واليوم مع انتعاش العشائرية مجددا في احضان الطائفية السياسية واضطراب الاوضاع الامنية وتردي الخدمات وبقاء الاحتلال الاجنبي يجد الفلاحون انفسهم اقرب من اي وقت مضى للطبقة العاملة وسائر كادحي بلادنا وباقي الفئات الاجتماعية ذات المصلحة في مواجهة الاحتقانات السياسية والطائفية والتسلح الميليشياتي الاعمى ...    

·        حركات الاصلاح الزراعي

تعني فلسفة الإصلاح الزراعي بمعالجة سوء توزيع الثروة في الريف بما في ذلك الأرض الزراعية التي تعتبر من عناصر الإنتاج الرئيسية ومصدر المعيشة والرزق ، ومعالجة بقاء التوترات  الاجتماعية والسياسية بسبب الفروقات الطبقية وانتشار الفقر والتخلف..ان جذور حركات الاصلاح الزراعي في العالم قديمة وتمتد الى ماوراء القرون الوسطى بل والى فجر التاريخ . وشهد القرنان الاخيران الكثير من محاولات الاصلاح الزراعي المستمرة والتي اصبحت فيما بعد جزء من برامج هيئة الامم المتحدة UN ... وفي العراق يمكن تقسيم تطور الاصلاح الزراعي الى مرحلتين :

الاولى – الجذور القديمة التي اتبعت مفهوم الاصلاح الزراعي القديم الذي يتضمن اعادة توزيع حقوق التصرف في الاراضي الزراعية .. وتبدأ من العهد الاسلامي الى صدور قانون رقم 30 لسنة 1958 .

الثانية – عمليات الاصلاح الزراعي على اساس مفهوم الاصلاح الزراعي الحديث الذي يتضمن اعادة بناء اقتصاد المجتمع الريفي بكامله لتحسين وضع الفلاحين ورفع مستواهم المعيشي وتغيير العلاقات الانتاجية ..

اختص اول تشريع زراعي صدر في الاسلام بموارد الثروة العامة الاساسية المحتكرة من قبل ذوي النفوذ في الجزيرة العربية كمياه الآبار والعيون والينابيع والمراعي العامة . وجاء هذا التشريع في عهد الرسول محمد (ص) " لا حمى الا حمى الله ورسوله ". .. ثم واجهت الدولة الاسلامية الثورات الراديكالية في مقدمتها ثورة الزنج في البصرة وثورة القرامطة في سواد الكوفة .. والاخيرة كانت متنفسا للفلاحين الذين اخذوا يطالبون بالاصلاحات الزراعية وفرض الضرائب التصاعدية ، وانتهوا بالغاء الملكية الفردية واقامة الاشتراكية المطلقة في الاموال .. وكانت حركتهم اوسع حركة اجتماعية شهدها المجتمع الاسلامي .

ساد الاقطاع العسكري في العراق العهود البويهية والسلجوقية والزنكوية والايوبية والايلخانية .. وتطور الاقطاع العسكري الى اقطاع وراثي للارض ! وفي العهد العثماني توزع التقسيم الاقطاعي الى خاص وزعامت وتيمار الى ان الغته الدولة العثمانية عام 1839 ليحل محله قانون الاراضي العثماني عام 1858 .. الا ان القانون لم يطبق في العراق الا في زمن مدحت باشا ( 1869-1871) ، واشتريت السندات من قبل التجار والموظفين وبعض الشيوخ المتنفذين .. وفي عهد الاحتلال البريطاني استقدمت الحكومة الخبير البريطاني بالارض آرنست داوسن الذي قدم تقريرا عام 1931 اعتبرته السلطة اساس الاصلاحات الزراعية ، وتضمن التقرير تقسيم الاراضي بين افراد العشائر حسب تصرفهم الفعلي فيها وحسب العرف القبلي اي ان يعطى للشيخ الخمس والباقي توزع على افراد العشيرة .. بعدها شرعت الحكومات الملكية جملة قوانين مستندة على تقرير داوسن ( راجع الهامش 1 ).

جاءت الضربة التي تلقتها العلاقات الإنتاجية شبه الإقطاعية وبالتالي وزن ودور الشيوخ من الإقطاعيين وكبار ملاكي الأراضي الزراعية  في أعقاب ثورة تموز عام 1958 وتسلم السلطة من قوى وقفت من حيث المبدأ ضد الإقطاعيين وهيمنة المشايخ على الفلاحين وصدور قانون الإصلاح الزراعي رقم 30 لسنة 1958 والبدء بتوزيع الأراضي على فقراء وصغار الفلاحين. لم تملك 85% من العوائل الريفية حتى ثورة 14 تموز شبرا واحدا من الارض في حين ان 1% من العوائل الريفية امتلك ثلاثة ارباع الاراضي !.وبقي فقراء الفلاحين هم المرتبة او الطبقة الاشد ثورية في الريف ولا يفتقرون الى الارض وحسب بل يفتقرون ايضا الى  الرأسمال " النقود وادوات الانتاج".وحسب احصاء 1957 كان لكل 6 عوائل فلاحية حصان واحد اي سدس حصان لكل عائلة .. وكان مابين 60%- 70% من مجموع العوائل الفلاحية لا يملك حصانا واحدا او بغلا او حتى حافرا!.. كان تملك الفلاح او عدم تملكه لحيوان حراثة قوي يمكن ان يتخذ مقياسا لتصنيفه من مرتبة فقراء الفلاحين او اغنياءهم او متوسطيهم الى جانب المقاييس الاخرى .. لقد استغلت في زراعة ما قبل 1958 (2712 ) ساحبة و( 1056 ) حاصدة دارسة وآلاف الآلات الزراعية مما اسهم في تفكيك العلاقات الابوية الا ان انتشار الوعي السياسي بين الفلاحين فجر غضبهم على الاقطاع لا الآلة فايدوا الاصلاحات الزراعية .

لقد سجل القانون رقم 30 لعام 1958 بداية جيدة لمسيرة الإصلاح الزراعي... إلا ان السنوات التي أعقبت صدور القانون شهدت تراجعا خطيرا في تطبيق فقراته، او تجاوزا عليها في كثير من الأحيان مما أعطى الفرصة للملاكين الكبار للالتفاف على القانون وإفراغه من محتواه. وأسهمت أجهزة الزراعة والإصلاح الزراعي التي ترتبط مصالحها بالإقطاع من تحقيق تلك الأغراض للعودة بالريف الى ما كان عليه أيام العهود السابقة. واصطدم تطبيق القانون رقم 30 لسنة 1958 بالمقاومة الضارية من كبار الملاكين الذين لجأوا الى كل سلاح بما فيه اغتيال انشط المناضلين من الفلاحين حتى بلغ عدد القتلى العشرات . ولجأوا الى تخريب الانتاج وخاصة في الاراضي الخاضعة للاصلاح – فوق الحد الاعلى – والتي لم يتم الاستيلاء عليها بل بقيت ادارتها بايدي الملاكين بالامتناع عن التسليف وتجهيز البذور كليا او جزئيا . لقد رزخ الفلاح تحت وطأة الديون الحكومية مما دعاه الى ترك الأرض والهجرة الى المدن بسبب سلبيات القانون رقم 30 رغم الصراع الساخن بين الاغوات والشيوخ القدامى وبين الفلاحين المستفيدين من تشريعاته وتعديلاته … ولم يكن اتحاد الجمعيات الفلاحية  المشكل وفق القانون رقم 139 عام 1959 سوى اتحادا لكبار مالكي الارض والشيوخ القدامى عرقل عمليا  تنفيذ القانون رقم 30 . اضافة لذلك لم يقدم القانون رقم 30 العلاج لحل مشاكل الفلاح المنتج كالتقاليد البالية والمفاهيم المخطوءة والقيم العشائرية ، ومشاكل السلوك وضعف القدرات والنشاط وسوء التنظيم وتخلف المستوى التكنولوجي .

    في عام 1960 اعتبرت عائلتا الجاف والشيخ محمود البرزنجي من العوائل ال(13) الاقطاعية الاكبر في العراق الى جانب عائلة الملك المزاح وعوائل اخرى منها (آل ياسر ، الفرحان ، الامير ، الجلبي ، القصاب ، الياور ، الخضيري ، آل مرجان ، آل جريان ، السهيل .. ).

اللواء

العائلة

المساحة

نسبة المساحة الى المجموع في اللواء

السليمانية

الجاف

447910

20.5 %

سليمانية

الشيخ محمود

21838

1%

في عام 1961 شرعت القوانين 17 ،  61 أعطيت بموجبها للسراكيل حقوق خاصة وللملتزمين حقوق خاصة أيضا وفي عهد الأخوين عارف اتخذت جملة إجراءات لصالح الإقطاعيين وكبار ملاكي الأراضي الزراعية لكنها لم ترتق بدور الشيوخ وكبار ملاكي الأراضي الزراعية إلى مستوى الفترة التي كان عليها نفوذهم في العهد الملكي. من إجراءات العهد الجمهوري الاول في دعم الاقطاع والعشائرية كانت قوانين .. اتحاد الجمعيات الفلاحية المرقم 139 لسنة 1959 ...الإقرار بحقوق خاصة للسراكيل والملتزمين المرقم 17،61 لسنة 1961 .... تحويل الأراضي الأميرية الى ملك صرف المرقم 199 لسنة 1964 و المرقم 16 لسنة 1965 .

     لقد أخذ القانون رقم 30 بحد الألف دونم في الأراضي المروية وألفي دونم في الأراضي الديمية مع الأخذ بمبدأ التعويض عن الفائض عن الحد الأعلى يدفع للمالك بأقساط تؤخذ من الفلاحين المستفيدين...لكن القانون 117 لسنة 1970 وقانون رقم90 لعام 1975 الخاص بتنظيم الملكية الزراعية في كردستان اقرا مبدأ التوزيع الجماعي وتأسيس التعاونيات الزراعية ومزارع الدولة وصودرت بموجبهما الارض الزائدة عن الحد الاعلى من الملاكين من دون تعويض وعدم السماح لهم بالاختيار، ووزعت على شكل قطع صغيرة للفلاحين تنفيذاً لمبدأ (الارض لمن يزرعها) وانتعشت المكننة الزراعية في القطاعين الخاص والعام. كما التزمت التعاونيات الزراعية بتسويق الحاصل من الحبوب الاستراتيجية ( الحنطة، الشعير، الذرة الصفراء، الشلب، القطن والصوف) وحسب الخطة التي تضعها وزارة الزراعة.

     قنون  القانون 117 لسنة 1970 جملة اسس بالغة الاهمية في مقدمتها (صبري شمعون/ الإصلاح الزراعي/طريق الشعب):

1-     خفض الحد الأعلى للملكية الزراعية الذي يتحدد على أساس مواصفات الأرض ونوع الزراعة وطريقة الري وغيرها.  

2-     إلغاء حق اختيار المالكين السابقين لمواقع المساحات التي تجنب لهم، وان يكون التجنيب بمالا يتعارض مع المصلحة العامة.  

3-              استثناء مساحات البساتين من أحكام تحديد الملكية.  

4-              توحيد تسجيل صنف أراضي الإصلاح الزراعي بأميرية صرفة بدلا من التعدد في التسجيل .  

5-     إلغاء التسوية ، وأناطه مهمة تثبيت الحقوق في الأراضي التي لم تتم تسويتها بعد بلجان الإصلاح الزراعي حيث تقوم بتثبيتها ضمن الحدود التي عينها القانون لحدود الملكية الزراعية بشكل موحد، وكذلك إلغاء قرارات التسوية غير المكتسبة للدرجة النهائية.  

6-              إلغاء التعويض عن الأراضي المستولى عليها الزائدة عن الحد الأعلى للملكية الزراعية.  

7-     للمغارس والتعاب حصة في الأرض والشجر لاتقل عن النصف، وأجاز إثبات الحق فيها بالبينة الشخصية وبكافة طرق الإثبات القانونية.

8-              الأخذ بمبدأ التوزيع الجماعي على الفلاحين بالإضافة إلى التوزيع الفردي حسب ظروف المنطقة.  

9-     شمول حالات متعددة من أشكال التوزيع (فيما يخص الوحدات الاستثمارية والمستأجرين في مشروع ري أبي غريب والمتصرفين في الأراضي الأميرية في مشروع الحويجة والسراكيل في الناصرية والملتزمين الأوليين والثانويين وأصحاب المحرمات في العمارة).

10-   شمول المغارسين وفلاحي البساتين بالعلاقات الزراعية في أن تكون حصتهم من الثمر النصف، وفي المزروعات التي تزرع تحت الأشجار وفق نسب قسمة الناتج للمحاصيل الحقلية... مقابل ذلك اوجب على المغارس الاستمرار في عمله بالعناية بالأرض والشجر بعد انتهاء مدة المغارسة في البستان المشتركة بينه وبين صاحبها السابق وعدم جواز الإفراز في البساتين إذا كانت النتيجة أن تقل المساحة عن 5 دونمات.  

11-   الأخذ بأسلوب المزارع الجماعية التعاونية، والأخذ بقواعد جديدة في تبسيط إجراءات التنفيذ وتوفير إمكانية الانجاز السليم والسريع. 

تمكن النظام الصدامي البائد من إيصال عدد من السراكيل والمتنفذين الى مجالس ادارة التعاونيات ليوجد الحجج والتعديلات القانونية الرجعية لاستعادة مكانة الاقطاعيين والملاكين وليبقى الفلاحين، وهم الاكثرية، يعيشون في أجواء الفاقة المذلة لكرامة الانسان. وبدأ النظام بالاجهاز على المكتسبات الفلاحية فشرع القانون 35 لسنة 1983 لتأجير الاراضي الزراعية.واصدر القرار 364 لسنة 1990( ملحق بالقانون 35) ليستحوذ الاقطاعيون واغنياء الفلاحين وازلام النظام من ضباط وحزبيين على الاراضي الزراعية في المشاريع التي ألغيت والمزارع الجماعية ومزارع الدولة أو اراضي البادية وتمكنوا من فتح المشاريع الاروائية لها لقدراتهم المالية، في الوقت الذي كان فيه الفلاحون وابناؤهم في صفوف الجيش والجيش الشعبي في جبهات القتال لتتملح وتتصحر قطعهم الزراعية، و ليلجأ القسم الكبير منهم بعد تسريحهم من الخدمة العسكرية الى تأجير قوة عملهم الى الاقطاعيين والملاكين الجدد لقاء نسبة قليلة من الحاصل لا تتجاوز 10- 15 بالمائة أو أجور بالقطعة او الهجرة الى المدينة بحثاً عن العمل ولتتسع العلاقات الاستغلالية وتزداد البطالة ولينشأ الصراع الطبقي ذو النمط الجديد بين (الأجير والمؤجر). كما اصدر، ما يسمى مجلس قيادة الثورة، تعليمات وضوابط جديدة عام 1992 خوّلت الدوائر تأجير الاراضي المستصلحة ايضاً للافراد والشركات على وفق معدلات محددة . وبعد إلغاء المشاريع والتعاونيات الزراعية ونشوء النظام شبه الاقطاعي الجديد جرت تصفية ممتلكات التعاونيات والمشاريع ، وحولت الى المجهود الحربي الكثير من الاموال والالات الزراعية ... ولم يكن حال التنظيم الفلاحي بأحسن من ذلك بعد ان سيطر الملاكون الجدد على الجمعيات الفلاحية فتحولت الى اجهزة تابعة للنظام .

      جهدت دكتاتورية صدام لتسويق بضاعة العشائرية ومشايخها القدامى والجدد وعصابات قطاع الطرق لأدارة المجتمع بقيم المؤسسة العشائرية والأواصر العرفية وبروح الاثنية المنغلقة،وكبح تطلعات جماهير الريف....  وساعدت الخصخصة (Privatization)على بعث الهويات دون الوطنية الجزئية كي تلعب دور الوسيط للتواصل بين الشعب والسلطة ولكن هذه المرة ليست تكرار لهويات الاربعينات ... وتركزت بأيدي الملاكين الكبار في بلادنا أخصب الأراضي الزراعية رغم انهم لم يساهموا في عمليات الإنتاج ويسكنون المدن بعيدا عن مزارعهم وتحول قسم منهم الى بورجوازية ريفية بالفعل بسبب امكانياتهم المادية في شراء المكائن والمعدات الزراعية.وقد وفرت لهم حكومات البعث في حينها الفرص الذهبية منذ إصدار البيان رقم 3 الخاص ببيع ملكية التعاونيات الزراعية الى القطاع الخاص ….

قنونة الخصخصة بالقطاع الزراعي في العهد التكريتي

التسلسل

القانون أو المرسوم أو القرار

الرقم

السنة

1.        

تنظيم عمل الشركات الزراعية

116

1980

2.        

تأجير سفوح التلال والجبال والوديان في المحافظات الشمالية

395

1983

3.        

تأجير أراضي الدولة لغرض انشاء المشاتل

455

1983

4.        

تنظيم  الملكية الخاصة في الزراعة

35

1983

5.        

تأجير الأراضي المملوكة للدولة لأغراض مشاريع إنتاج بيض المائدة

178

1984

6.        

تأجير الأراضي المملوكة للدولة غير الصالحة للزراعة             لأغراض إنشاء مزارع تربية الأسماك

995

1985

7.        

تفتيت الملكية الزراعية والبساتين

411

1986

8.        

تنظيم إجراءات بيع وإيجار أموال الدولة

32

1986

9.        

الأراضي المستصلحة

42

1987

10.    

أرباب العمل - إلغاء الحقوق النقابية في قطاع الدولة

52،71،… ،150

1987

11.    

الغاء المجالس الزراعية

395

1987

12.    

تنظيم العقود الزراعية

364

1990

13.    

الحملة الوطنية للاستزراع

367

1990

14.    

صيانة شبكات الري والبزل وجباية أجور السقي من الفلاحين

12

1990

15.    

نظم  إدارة  الشركات أو التمويل الذاتي على أسس تجارية

22

1997

16.    

تأسيس صندوق التنمية لتمويل مشاريع القطاعين الخاص والمختلط برأسمال قدره 50 مليار دينار عراقي و50 مليون يورو

105

2000

17.    

إعفاء القطاع الخاص من ضريبة الدخل بنسبة

(50- 100)%

106

2000

اعادت الطائفية السياسية مابعد التاسع من نيسان 2003 الخطاب السياسي الذي ينتج السياسات العاجزة والانفاق المظلمة والطرق المسدودة لتنقل الصراع الذي من المفروض ان يكون ضد الاحتلال الاميركي الى داخل المجتمع العراقي ونخبه السياسية ولتنتعش الولاءات العصبوية اللاوطنية . ولتنهض مجددا العلاقات الانتاجية الاستغلالية ولتعود العلاقات شبه الاقطاعية ولتنتعش مصالح كبار الملاكين وبورجوازية وكومبرادور الدولة وبالأخص الشرائح القرابية والطائفية والعشائرية ومصالح أغنياء الريف الجدد ودور الفئات المرتبطة بالتهريب وبالرأسمال التجاري والمضارب ذي الطابع الطفيلي المرتبط بوشائج مختلفة بالرأسمال الاجنبي، وتنامي دور الفئات الطفيلية ... الامر الذي اجهض مشاريع الاصلاح الزراعي والتعاون الزراعي وشجع سيادة الأستثمارة  الفلاحية الصغيرة اي الأستثمار الضعيف المشتت المتناثر وسط بحر المزاحمة الكبيرة.... وافتقرت السلطات الحاكمة الطائفية الى السياسات الزراعية السليمة والتعاونية بحكم الموقف الاجتما- الاقتصادي للطائفية السياسية وتوجهاتها الديمقراطية المبتسرة وتهميش دور المؤسساتية المدنية وسياسات الاضطهاد الشوفيني والتغيرات الجيوسياسية القسرية (سلام كبة / الزراعة في العراق والطائفية السياسية).

     شهد القطاع الزراعي خلال العقود الاخيرة تراجعا كبيرا  كان لها الاثر البالغ في تراجع الانتاج الزراعي في البلاد .  ومن العوامل المهمة التي تقف وراء انخفاض مستوى  الانتاج الزراعي  صعوبة حصول صغار الفلاحين على القروض ، وشحة  ما يحصلون عليه  من البذور والاسمدة والمبيدات والادوات الزراعية ، فضلا عن ارتفاع اسعارها ، وارتفاع تكاليف الخدمات الزراعية . ومن العوامل المهمة التي تقف وراء انخفاض مستوى  الانتاج الزراعي  ايضا والتي لا تتهدد مستقبل الزراعة  وحسب  وإنما مستقبل التطور الاقتصادي – الاجتماعي بأسره في العراق ، فشل مشاريع البزل وشبكاته في وقف زحف الملوحة  في التربة ومنع تردي خصوبتها.

    الاخطر في الامر تصاعد نشاط الملاكين وتنامى نفوذ الاقطاعيين في بعض المناطق  التي شهدت استيلاء هؤلاء على بعض اراضي الاصلاح الزراعي  التي كانت قد وزعت على الفلاحين بموجب القوانين الصادرة بهذا الخصوص، من دون ان تتحرك الجهات الرسمية المسؤولة بدءاً من  "سلطة التحالف المؤقتة" بقيادة بريمر وانتهاءً بالحكومات التي تلتها. وشهدت الفترة هذه احتدام الصراع الطبقي في الريف متمثلا بالهجوم على مصالح الفلاحين والسعي، تحت ذرائع مختلفة، للاستحواذ على اراضيهم بالقوة، وقد نهب بعضها فعلا . وشهدت مناطق عديد نشوء تحالفات ميدانية بين الفلاحين والجمعيات التعاونية والمهندسين الزراعيين وغيرهم، في مسعى يستهدف التصدي لهذه المحاولات.

 

القضية الفلاحية في العراق المعاصر

القسم الثالث

·        التعاون الزراعي

    التعاون – وسيلة لحماية مداخيل العامة من النهب ولتحسين احوالهم الاقتصادية .. ويتوزع الى التعاون الاستهلاكي ، الانتاجي ، الخدمي ... التسليفي ... التسويقي .. الاسكاني .. ويعتبر التعاون الزراعي اهم انواع التعاون واكثرها حساسية !. ان الثقل الاكبر في الحركة التعاونية يقع في الزراعة !.ويهدف التعاون الحد من الاستغلال وحماية الاعضاء من سطوة الاحتكار الكبير وزيادة الرفاهية !.. وتنظم المؤسسة التعاونية النشاط التمويني والتسويقي للفلاحين وتستخدم الارباح المتحققة من نشاطاتها الخاصة لتأسيس النوادي والمطاعم ورياض الاطفال في مناطق العمل ولمصلحة اهالي المناطق السكنية واعضاء التعاونيات . وعن طريق الجمعيات التعاونية يمكن الوصول الى أفضل الطرق الى تعزيز عملية الانتاج بزيادته وتحسين جودته .... وعليه التعاونية -  شكل انتقالي لدمج الملكيات الصغيرة في الريف وتجميع الحرف الصغيرة في المدن في ظل الملكية العامة لوسائل الانتاج والتوزيع التي تسود المجتمع ! وبهذا المعنى تمتلك الوظيفة الاجتمااقتصادية والسياسية في الدفاع بوجه شرور الرأسمالية وتوطيد تحالف العمال والفلاحين ان لم تتمكن من التصدي لمهمة منع انبثاق الرأسمالية كنمط انتاج  ! .الحركة التعاونية في ميدان الصناعات الريفية – اداة تنمية مجربة قادرة على تنفيذ السياسات الحكومية في تطوير الريف اقتصاديا واجتماعيا ، ولابد من اقامة هذه الصناعات على اسس تعاونية ! ومنها جمعيات الصناعات الغذائية ، تصنيع الفواكه والخضر ، تصنيع منتجات الحبوب ، النسيج والحياكة التعاونية ، الصناعات الطينية ، تصنيع القصب ، صناعة الزوارق والمشاحيف ، صناعة الشباك المنسوجة من النايلون او القطن لصيادي الاسماك ، تربية النحل ، ... الخ . التعاون الزراعي – هو الحركة الواعية المنظمة الموجهة للفلاحين وابناء الريف في حركة جماهيرية واسعة واختيارية وفق اسس يقررونها معا ويلتزمون بها واهداف مشتركة يحددونها ويسعون جميعا الى تحقيقها في مجرى نشاطهم الاقتصادي اليومي .... القطاع التعاوني (Cooperative) تنظيم اجتماعي – اقتصادي له خاصيته التي تتميز عن التشكيلات المساهمة والمختلطة والمتجمعة والمشتركة لأغراض اقتصادية . وقد وفر تطور علاقات السوق الرأسمالية الشروط الملائمة للنمو السريع للتعاون الذي يحمي الاستثمارة الصغيرة وللاقتصاد التعاوني القائم على المساعدة الذاتية .الاقتصاد التعاوني – اقتصاد انتاج سلعي صغير يسعى لتحويل الاستثمار الضعيق المشتت المتناثر وسط بحر المزاحمة الكبيرة الى الاستثمار الكبير القادر على المنافسة وزيادة الانتاجية ... التعاونية مؤسسة اقتصادية تعمل وفق مبادئ الربح والخسارة ضمن اقتصاد السوق ، وتجمع المزايا الايجابية للملكية الخاصة وملكية الدولة ومؤهلة للعمل بكفاءة وجدارة . لكن لا يمكن اطلاق النعوت العامة على التعاونيات كقوة تقدمية بصورة مطلقة تارة او كعامل محافظ  تارة أخرى ! لأنها تبقى في الرأسمالية سواء اكانت انتاجية ام تسويقية زراعية ام حرفية ام سكنية مجرد رأسمال جماعي .. فالغول الرأسمالي مرشح لأفتراسها في اية لحظة ... آنذاك تكتسب  التعاونية طابع المؤسسة الرأسمالية او تحد قدر الامكان من سعة الاستثمار الرأسمالي !.كما لا يمكن تحقيق الحركة التعاونية بالمراسيم !واشاعة التعاون الزراعي بالقوة لأن ذلك يقترن عادة بالانتهاكات الفظة والارهاب والتهجير القسري والازمات الاجتماعية الخطيرة !.

   ترجع فكرة العمل التعاوني الزراعي في العراق الى عهد حمورابي وتشريعاته ، وأخذ شكله الحديث اوائل العشرينات بمبادرات فشلت بسبب عوامل مختلفة . وحتى ثورة تموز 1958 بلغ عدد التعاونيات الزراعية (Collective Farms)(16) جمعية تعاونية ارتفع الى (436) جمعية حتى تموز 1968... ، وارتفع في هذه الفترة عدد التعاونيات الاستهلاكية. عموما ساد التعاون ضعف اداء الاتحادات المركزية  والترابط بين الاصناف التعاونية  وعمليات التسويق التعاوني ، وضعف دور الدولة ومديرية التعاون العامة . وكانت  "فرق العونة الموسمية لفقراء الفلاحين" هي أبسط اشكال التعاون في الانتاج خلال مواسم الحراثة والشتال والحصاد !. ومع ازدياد التنظيمات الفلاحية حصافة ووعيا وتخطيطا تتحول الى البديل الموضوعي للروابط العشائرية ... ويعني التأسيس الآلي السريع للجمعيات الفلاحية على اسس عشائرية تثبيت العشائرية ، وعليه لابد من انتاج العلاقات الاجتماعية التي تتجاوز الانعزال العشائري ! ومأساة ان يكون رئيس الجمعية هو شيخ العشيرة !.. يلي اعادة توزيع الملكية الزراعية ، عادة ، تشجيع الفلاحين على الاتحاد في الجمعيات التعاونية الزراعية ، اي المزارع التعاونية . وتسبب الملكية الزراعية الصغيرة الخسارة في الارض الزراعية وفي الزمن والعمل والزيادة في التكاليف العامة ، وحتى في اضطراب الامن العام والفوضى في نظم الري والصرف ، وفي القيود التي تعوق تحسين الارض واستخدام الآلات الحديثة !.

    الزراعة الفردية – طريقة رديئة في استعمال الارض للاغراض الزراعية اذ تحرم الاراضي من التنظيم الزراعي العقلاني .  المزرعة الجماعية - تعاونية زراعية تعتمد اسلوب التجميع الزراعي على اساس الملكية الجماعية لوسائل الانتاج .  وينظم العمل فيها الفرق الانتاجية التي تنقسم هي الاخرى الى مجاميع انتاجية . لكن تأسيس المجاميع الانتاجية من ابناء السلف يعني الارضية الخصبة للارتداد باتجاه العلاقات الاستغلالية ! ويخفي الخوف على التعاون الزراعي احيانا الارتزاق ليقع الريف ضحية السراكيل القدامى الجدد بسبب التكوينات العشائرية !. الفرقة الانتاجية النموذجية – قائمة على التآلف الاجتماعي واحتياجات المزرعة وتجانس المهارات والاختصاصات ، واحتياجات تقسيم العمل الاجتماعي ( سلام كبة / التعاون في عراق ما بعد التاسع من نيسان)

   كانت الجمعيات الفلاحية التعاونية قد تأسست بموجب قانون رقم (117) لسنة 1970 ليتم تأسيس الجمعيات داخل أراضي الاصلاح الزراعي ، رافقها تأسيس مزارع الدولة والمزارع الجماعية والجمعيات المتخصصة الاخرى بهدف تقليص الاستغلال الطبقي المسلط على كادحي الريف وتحسين الخدمات المقدمة للفلاحين وتعبئتهم وتوجيههم وتنظيمهم... جاء قانون الجمعيات الفلاحية التعاونية رقم (43) لعام 1977 الخطوة المتقدمة على اكتساب هذه الجمعيات الشخصية المعنوية بعد 20 عاما من خبرة العمل التعاوني الزراعي ... ازداد عدد التعاونيات الزراعية من عام 1971 حتى عام 1979  من (831) تعاونية الى (1933) تعاونية ، وعدد الاعضاء من (129588) الى (357063) فلاحا ومساحة منطقة عمل التعاونيات بمقدار (6) أضعاف خلال نفس الفترة ! .. وفي نفس الفترة ازداد عدد المزارع الجماعية من (6) الى (77) وعدد اعضاءها من (490) الى (7592) والمساحة الكلية من ( 24160) الى (714176) دونم ...

    اصطدمت الحركة التعاونية بالقيم والتقاليد العشائرية البالية ودسائس الاقطاع والملاكين والعقلية البيروقراطية للجهاز الاداري ،وبانعدام الخط الطبقي السليم في الريف ..ونادرا ما وجد الفلاحون الفقراء والمعدمون في قيادة التعاونيات والمزارع ! التي احتل قياداتها الفلاحون الاغنياء والسراكيل والملاكون الصغار !.ان برامج الانفتاح الاقتصادي والخصخصة باتجاه أقتصاد السوق دون ضوابط منهجية وتخطيط مركزي ، وتتويج سياسات النظام العراقي السابق بحل  التعاونيات الزراعية عام 1981 ، ارضاء للقطاع الخاص والخصخصة ! ... قد اجهض تجربة التعاون الزراعي في بلادنا .

       انكبت الدكتاتورية طيلة الثمانينات على هدم الريف وتخريب العلاقات الاجتماعية الاقتصادية فيه ، وتصفية المزارع التعاونية ونهب ممتلكاتها وتقسيمها لصالح رموز النظام ، وجرت تصفية التعاونيات وتحويل الجمعيات الفلاحية التعاونية الى واجهات ميكافيلية فقط ! ..واوقفت وسائل الدعم الحقوقي للفلاحين وتسهيلات الحراثة والبذور وتطهير مشاريع الري والغيت المستوطفات البيطرية وفرق المكافحة البيطرية السيارة !وتمت تصفية العديد من المضخات وتحويلها الى من يستطيع استئجارها وتدهور الانتاج الزراعي بسبب تحويل القوة العاملة الزراعية الى جبهات الحرب ... وظلت مشكلة التسويق خاضعة الى عملية العرض والطلب في السوق وتقلص حجم العلاوي الشعبية ... ويجر قدما العودة الى قيم المؤسسة العشائرية لكبح تطلعات جماهير الريف .  وتأرجح الفلاحون بين مطرقة الضرائب ، وسندان الارهاب الصدامي ... اما حملات الحصاد فكانت لترويع الفلاحين وتجويعهم لا غير ! ... لقد انحسر الطابع الشعبي الذي ميز الحركة التعاونية في العراق في بداياتها بعد ان صارت تحت المظلة الحكومية .ومنذ عام 1981 جرى بيع وتأجير الاراضي الزراعية والحقول والدواجن واسواق الخضر وعلاوي الاسماك والخضروات وغيرها من موجودات القطاعين العام والتعاوني.  انخفض عدد التعاونيات من (1635) تعاونية اعضاؤها (23109) عام 1975 الى (713) نهاية عام 1988 .. وهبط عدد المزارع الجماعية من (79) الى (7) والتعاونيات المتخصصة من (173) الى (52) وتهاوي الاقراض للتعاونيات التي يقدمها المصرف الزراعي من (21.5) مليون دينار عام 1985 الى (91) الف دينار عام 1988 . الغت اصلاحات عام 1983 الربط بين منح الاراضي والانضمام للتعاونيات ... وتوجهت السلطات الى تشجيع الرأسمال الخاص ورؤوس الاموال العربية لاستثمارها في العراق عبر سن قوانين ارتدادية بارقام (35) لسنة 1983 و( 32) لسنة 1986 . ولجأ النظام الدكتاتوري الى النقل التعسفي للاسر الفلاحية من منطقة الى أخرى لأسباب امنية اقتصادية وسياسية مزعومة تعكس التهجير القسري للعشائر والعوائل ذات الاصول القومية والاثنية غير المرغوب فيها ! ليتعثر التعاون في العمل الزراعي وتطوير تربية الماشية والابقار .. وبعد إلغاء المشاريع والتعاونيات الزراعية ونشوء النظام شبه الاقطاعي الجديد جرت تصفية ممتلكات التعاونيات والمشاريع ، وحولت الى المجهود الحربي الكثير من الاموال والالات الزراعية ... ولم يكن حال التنظيم الفلاحي بأحسن من ذلك بعد ان سيطر الملاكون الجدد على الجمعيات الفلاحية فتحولت الى اجهزة تابعة للنظام.

 التطور التعاوني في العراق

السنة

التطور التعاوني في العراق

1936

تشييد القرى الحديثة وفق المرسوم رقم (70)

1937

تأسيس اول جمعية تعاونية استهلاكية في العراق في مزرعة الزعفرانية بمبادرة من بعض الموظفين

1944

صدور قانون حركة التعاون والجمعيات التعاونية رقم (27 )

1946

تأسيس اول جمعية تعاونية زراعية بموجب القانون في منطقة الدورة قرب بغداد

 

تأسيس الحكومة دائرة للتعاون ، الحقت بوزارة الاقتصاد وتحولت فيما بعد الى مديرية الحقت بوزارة الشؤون الاجتماعية

1956

تأسيس البنك التسليفي التعاوني

1958

قانون الإصلاح الزراعي رقم 30

1958

بلغ عدد الجمعيات التعاونية (132) جمعية حتى عام 1958 ضمت (70) جمعية سكنية و( 21) جمعية تسليفية و(31) جمعية استهلاكية و(10) جمعيات زراعية ...

1959

صدور قانون جديد للتعاون رقم (73)

1959

صدور قانون اتحاد الجمعيات الفلاحية رقم  (139)

1959

قانون المصرف التعاوني رقم (163)

1964

تعديل قانون المصرف الزراعي رقم (126(

1970

قانون الإصلاح الزراعي رقم  (117)

1970

صدور قانون التعاون رقم (202)

1970

تأسيس المجلس الزراعي الأعلى وفق المرسوم رقم (116)

1971

تمليك الجمعيات الفلاحية الآلات والمكائن الزراعية وفق المرسوم رقم (39)

1972

معالجة التعاونيات الزراعية وفق المرسوم رقم (49)

1975

تنظيم الملكية الزراعية في كردستان وفق القانون (90)

1977

قانون الجمعيات الفلاحية وفق المرسوم رقم (43)

اجراءات تصفية ممتلكات المشاريع والتعاونيات الزراعية

التسلسل

القانون أو المرسوم أو القرار

الرقم

السنة

1.        

تنظيم عمل الشركات الزراعية

116

1980

2.        

تأجير سفوح التلال والجبال والوديان في المحافظات الشمالية

395

1983

3.        

تأجير أراضي الدولة لغرض انشاء المشاتل

455

1983

4.        

تنظيم  الملكية الخاصة في الزراعة

35

1983

5.        

تأجير الأراضي المملوكة للدولة لأغراض مشاريع إنتاج بيض المائدة

178

1984

6.        

تأجير الأراضي المملوكة للدولة غير الصالحة للزراعة لأغراض إنشاء مزارع تربية الأسماك

995

1985

7.        

تفتيت الملكية الزراعية والبساتين

411

1986

8.        

الأراضي المستصلحة

42

1987

9.        

الغاء المجالس الزراعية

395

1987

10.    

تنظيم العقود الزراعية

364

1990

11.    

الحملة الوطنية للاستزراع

367

1990

12.    

صيانة شبكات الري والبزل وجباية أجور السقي من الفلاحين

12

1990

يسهم المدخل التعاوني في ترسيخ القواعد الديمقراطية في التسيير الذاتي للمؤسسات ويعلم اعضاء التعاونيات مناقشة امورهم وانتخاب ممثليهم في ادارة شؤونهم والنشر العلني للبيانات والمعلومات التي تمكنهم من تقييم الاداء ومكافأة المجدين ومحاسبة المقصرين... وقد انبثقت التعاونيات الانتاجية واللاانتاجية ، الحرفية والزراعية ، التسليفية والتسويقية والسكنية والاستهلاكية ..  في العراق كمنظمات دفاعية لمواجهة الرأسمال المستغل والحد من تدهور المستوى المعيشي للكادحين ، واعتمدت الاسس التعاونية لتشكيلاتها ! .. ومنها بالطبع الجمعيات الاستهلاكية التي تؤمن السلع ذات الاستهلاك الدائم التي يصعب على الاعضاء شراؤها من السوق مباشرة .. واعضاءها في الغالب موظفون ومستخدمون وعمال وشغيلة تعمل في الوزارات والقطاع العام ! . كانت التعاونيات في بلادنا اداة دفاعية لاصحاب الملكية الصغيرة امام هجمات الملكية الكبيرة في السوق المفتوحة ، واداة دفاعية عن المستهلكين ضد استغلال التجار والوسطاء، واداة دفاعية للمحتاجين للمال ضد جشع المرابين ... لكن التعاون في العراق اخفق في رفع مستوى الخدمات المقدمة وتوفير المخازن الخاصة المستقلة عن القطاع الخاص !او توفير الحوانيت السيارة داخل القطاعات السكنية ، وتوفير السلع للاعضاء بانتظام وبالاسعار المخفضة والنوعية الجيدة ، وتنظيم التبادل السلعي بينها ، وتقوية المركز المالي التسويقي عبر خدمة المواطنين من غير الاعضاء ! ، واستحصال السلع من مصادر انتاجها الاصلية بعقد الصفقات والعقود التجارية لتأمين التدفق السلعي المنتظم ! ، ... وكذلك ابرام العقود التجارية مع القطاع العام والخاص لفتح الحوانيت داخل الدوائر والمؤسسات والمنشآت نفسها وفق شروط تعاقدية تخدم العضو من ناحية السعر والنوعية البضاعية !..... في الوقت الذي تنشغل فيه التعاونيات السكنية بالكساد وارهاصات تجارة العقارات .وتعمدت الدولة التكريتية التقاعس باجراء الاحصاءات التجارية العامة ، وعرقلة تقديم التسهيلات المصرفية لتجنيب التعاون التورط  في العقود المجحفة وبالفوائد العالية مع القطاع الخاص !  ، والامتناع عن منحه الافضلية في الحصول على السلع التي ينتجها القطاع العام او حصة من الاستيراد المخصص له وحتى السماح له بالاستيراد اسوة بتجار القطاع الخاص ! .... لقد تعرض القطاع التعاوني العراقي للمضايقات ، وجرى تهميش الديمقراطية التعاونية ،وتصفية الجمعيات التعاونية بعد حجب القروض عنها بحجة تراكم الديون عليها ،والتقييد الاقتصادي والاداري للاستثمارات المساعدة لسكان الريف .... تحت حجة التسليف القانوني ظهر تجار شراء الصوف من الفلاحين .. ولم يبذل نشاط جدي لتنويع العمل التعاوني تبعا للاحتياجات الاجتمااقتصادية ومستوى الوعي الاجتماعي السائد والثقافة الرائجة الا في حالات قليلة ... واستحوذ الاقطاعيون واغنياء الفلاحين وازلام النظام من ضباط وحزبيين وتجار ورجال دين على التعاونيات والمشاريع ذات العلاقة ، وهبط  دور اتحادات التعاون المركزية ودور التعاون الاستهلاكي في المؤسسات العمالية ومجمل العمل التسويقي والانتاجي والتمويلي والتسليفي التعاوني ... الامر الذي حرم السوق من منافسة القطاع الفردي – التعاوني للقطاع العام واجبار مؤسسات الدولة على تحسين خدماتها وانتاجها ونوعية سلعها !

 وفرت حكومات البعث للملاكين الكبار واغنياء الريف في بلادنا الفرص الذهبية منذ إصدار البيان رقم (3) الخاص ببيع ملكية التعاونيات الزراعية الى القطاع الخاص كما اسلفنا…. لتتركز  في أيديهم أخصب الأراضي الزراعية رغم انهم لم يساهموا في عمليات الإنتاج ويسكنون المدن بعيدا عن مزارعهم وتحول قسم منهم الى بورجوازية ريفية بالفعل بسبب امكانياتهم المادية في شراء سيارات النقل والمكائن والمعدات الزراعية وآلات السقي واقامة مشاريع الماشية والدواجن وعلاوي الثروة السمكية والخضروات... الخ . وقام النظام العراقي المقبور ببيع ممتلكات الدولة من المكائن والمعدات ، والغاء التعاونيات الزراعية بحجة تدخل الدولة في ميادين الإنتاج الزراعية التي يمكن للقطاع الخاص القيام بها. واستحوذت المجاميع القرابية في حزب السلطة على قروض المصرف الزراعي . ولم يبتل التعاون الزراعي وحده بالتسلط والنفعية وانعدام النزاهة بسبب من جانب القيادات التي اختارها حزب السلطة ، بل امتدت هذه المظاهر الى مجالات التعاون الأخرى لتستأثر هذه القيادات نفسها بالمنافع وتحرم جماهير الشعب من الاستفادة من هذه التعاونيات... وعليه بدأت حملة البعث العراقي ضد التعاون الزراعي بألغاء حق الاختيار الديمقراطي لقيادة الحركة التعاونية (مجلس الادارة)،واستعيض عنه بمجلس ادارة معين من قبل المكتب الفلاحي لحزب السلطة ...الامر الذي اسهم في تكريس دور اغنياء الريف والبورجوازية الريفية في قيادة التعاون الزراعي .. واستغلت هوية حزب السلطة للانتفاع الشخصي والاثراء وفرض السيطرة والتحكم البيروقراطي ... كما اتبع مبدأ الالزام والترغيب والترهيب في الانضمام الى الجمعيات التعاونية بدلا من الطوعية والاقناع وقوة المثل لتفقد الجمعيات الطابع التعاوني المبني اساسا على التطوعية ... وجرى التركيز على التوسع الافقي للجمعيات دون التخصصي ، واستغلال قروض المصرف الزراعي لتنمية الرأسمال الخاص في الزراعة ، وتمليك رؤوس الاموال العربية وبالاخص المصرية والاردنية والخليجية افضل الاراضي الزراعية والمعدات والابنية وحقول الدواجن واعفاءها من الرسوم الكمركية ... مع تسهيلات أخرى . وانتهت حملة البعث العراقي بتصفية التعاون الزراعي !.

في بغداد اعلن عن حل الجمعيات الفلاحية التعاونية المشتركة اثر اجتماع درامي مثير تحدث فيه صدام حسين عن دوافع ذلك باعتبار التعاون الزراعي الانتاجي بدعة ! والانظمة التعاونية دخيلة على المجتمع العراقي ! .حقيقة الامر كان البعث العراقي اسير ( النظريات اللاتعاونية ) التي دعت الى الحرية الاقتصادية والملاكين الاحرار والى ان التقدم في التعاون لا يتحقق الا بمبادرة اصحاب الملكيات الفردية الخاصة انفسهم . لقت هذه الشعارات الرواج في امريكا اللاتينية بدعم من الرأسمالية المحلية . كما استمد البعث العراقي من التعاون الصهيوني سياسة العسكرة الاجتماعية والاستيطان البشري... وعليه كانت العفلقية تؤمن بالتعاون ، ولكن على طريقتها الخاصة ايضا  ... فتعاونها انتقائي من النظريات اللاتعاونية والتعاون الاشتراكي الصهيوني .يلاحظ ان غالبية النظريات التعاونية تقف معارضة لنمط التعاون الزراعي الانتاجي والملكية المشتركة الجماعية لوسائل الانتاج والاستخدام الزراعي الجماعي للارض .. وهذا ما تشبث به التعاون على الطريقة البعثية التهريجية  .عززت سياسة البعث الزراعية من ابقاء نظم المحاصصة في التوزيع اي العلاقات شبه الاقطاعية وشيوع الانتاج السلعي الصغير ، وارجحية الاساليب البدائية في الزراعة والانتاجين الزراعي والحيواني وصيد الاسماك ، ارتفاع نسبة الامية في الريف ، بطء وانعدام الكهربة الريفية !، ضعف الخدمات الصحية الريفية وتواضع النقل والمواصلات ، تهافت دور المرأة الريفية !..

هدد تفكيك التعاونيات والاشكال الجماعية الاخرى لعلاقات العمل في العراق  بتفاقم التبعية واللامساواة في صفوف الكادحين ، واستعادة الفردية التي تعيد للشغيل المسؤولية الكاملة بتحمل مخاطر المسار المهني خاصة ان الطبقات الفقيرة تفتقر اكثر من غيرها الى الرأسمال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ! .. واليوم لا تظهر في الافق القريب على الاقل أشكال تنظيم جديدة تعبر التعاون القديم التقليدي في العمل ، والضبط التعاوني لحق العمل والحماية الاجتماعية .... اي جمعنة الاوضاع المتغيرة بسرعة بأشكال غير منتظمة وغير منضبطة تنطبق عليها مفاهيم السينرجيا(Synergos) وديناميكية الفوضى (Chaos). لقد استجابت سياسة البعث الزراعية مثلا للديناميكية الاقوى للرأسمالية المعاصرة التي انابت عنها آيديولوجية الليبرالية الجديدة على تدمير التنظيم الجماعي التعاوني للكادحين والفلاحين وسحق الجامع للعوامل الفردية السلبية المضطهدة والمتذمرة من السلطات ! فاتسعت البطالة المكشوفة والمقنعة ( العطالة الجماعية) وازدادت حراجة وعرضية وانعدام الثبات المتنامي لشروط العمل ، وتفاقمت المنافسة في سوق العمل وعوامل الضغط على معدلات المرونة لتتوسع فرص التزاوج المؤدلج مع التعهدات والمقاولات والتجارة التي تمجد المرونة وروح المبادرة ... لتسقط التوتاليتارية الصدامية في شرك المنافسة القاتل واللعب على الخلافات اكثر من الاستناد الى ما هو مشترك في صفوف الشعب العراقي !         

     فشلت سلطات مابعد التاسع من نيسان لا في توفير الحد الممكن من الامن  السياسي والاقتصادي والاجتماعي للشعب العراقي والضغط على سلطات الاحتلال الاميركي  لبناء الدولة الوطنية الديمقراطية الحقة ، لا الدولة الدينية الكومبرادورية التابعة فحسب بل في وضع القوانين والتشريعات المساعدة على التعاون وزيادة مساهمته في الاعمار والتنمية وفي المقدمة قوانين الاصلاح الزراعي الجذرية لصالح الفلاحين، وفي وضع خطط التنمية الريفية لتتوزع على برامج محو الامية / الصحة الريفية / الكهربة الريفية / الاسكان الريفي / تنظيم الاسرة الريفية / الارشاد الزراعي / تصنيع الريف / توطين البدو / الهجرة المعاكسة للريف / التأمين الاجتماعي الريفي / حماية الثروة الحيوانية / احياء الفولكلور الريفي / ...... والاهم تأسيس المجالس المحلية للتنمية الريفية (Community Development Committees)من ابناء القرى الذين عرفوا بالصدق والتفاني للصالح العام والاستعداد للعمل الطوعي بايثار بدل الشخصيات التقليدية المتنفذة /واتباع اسلوب التسيير الذاتي (Self Management)! . كما فشلت سلطات مابعد التاسع من نيسان في التراجع عن التشريعات الصدامية الارتدادية التي شرعنت لتشجيع الرأسمال الخاص والاجهاز على المكتسبات الفلاحية وتعميم فوضى العلاقات والسوق الزراعية ( Chaotic Agricultural Relations Market ) وخاصة القوانين المرقمة  (35) لسنة 1983 و( 32) لسنة 1986 والقرار(364) لسنة 1990( ملحق بالقانون 35) ، وفي تحجيم الفساد الحكومي ذو العلاقة بالتلاعب والغش وضعف المراقبة والاشراف انسجاما مع مصالح كبار الملاكين والاثرياء الجدد  وبورجوازية الدولة الكومبرادورية وبالاخص الشرائح القرابية والحزبية والطائفية والعشائرية ، وفي تحجيم الفساد التعاوني وفرسانه من الدخلاء الغرباء على الوسط التعاوني والمتهافتين للهيمنة على قيادة الحركة التعاونية ومن اللاهثين وراء المغانم والامتيازات ضمن المافيات التعاونية .

     فشلت سلطات مابعد التاسع من نيسان في ضمان تشجيع المنظمات الأجنبية غير الحكومية (NGOs) ووكالات الأمم المتحدة للتعاون الزراعي والكف عن دعمها اللامحدود للأستثمارة الفلاحية الصغيرة .واخضاع آلية عمل منظمة (الفاو) وخدماتها الزراعية المشروطة للمراقبة ومعالجة مظاهر البرقرطة والفوضى التي تسودها  ومنح الفلاحين الآلات والمستلزمات الزراعية في الوقت المناسب لتلافي تلف ودمار النسبة الكبيرة من المزروعات والبذور الزراعية. 

    فشلت سلطات مابعد التاسع من نيسان في اعداد المواثيق التعاونية الضرورية ومقترحات وحدات العمل النمطية لاغراض حساب دخل العضو التعاوني القائم على كم ونوع العمل المنجز واهميته الاجتماعية ! وفي توزيع جزء من الدخل حسب الملكية التي يساهم بها العضو في التعاونية، ومناقشة واقرار القواعد الاساسية للتعاون وفقا لظروف كل تعاونية وقناعة الاعضاء بها وخاصة قواعد المساواة والتربية التعاونية والعون الذاتي ،واعتماد الضمان الاجتماعي في التعاونية ورفع مستوى معيشة اعضاء التعاونية وتأمين مصالحهم الاقتصادية المباشرة (الانحياز للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ) ،وفي اسناد التعاون بالمعدات اللازمة لتطويره وتدريب اعضاءه على استخدامها وصيانتها وعمل حساباتها وادارتها  ، وفي  ضمان سلامة الممتلكات التعاونية وتنمية المصادر الذاتية واعتماد مبدأ الاستقلالية الاقتصادية..

     لقد فشلت سلطات مابعد التاسع من نيسان في تأسيس التعاونيات الزراعية على اسس اقتصادية وافكار ادارية جديدة لأقامة المشاريع الزراعية الكبرى واعتماد مبدأ التخصصية لضمان :

1.                     الاستغلال الاكبر للاراضي الزراعية المستصلحة المتروكة .

2.                     ربط الكوادر المتخصصة بالعملية الانتاجية وتطوير قابليتها .

3.                     التنويع في المشاريع ... نباتية ، حيوانية ، أسماك ..الخ.

4.                     المكننة الحديثة في العمل الزراعي .

    فشلت سلطات مابعد التاسع من نيسان في تسخير الاسعار والقروض والضرائب بمرونة لصالح تطوير العمل التعاوني وتأمين التمويل اللازم بأفضل واكفأ مقاييس العدالة ... واعتماد مبدأ تحقيق الفعالية الاقتصادية والاجتماعية الملموسة !.... وفي الغاء استيفاء القروض القديمة المتراكمة على الفلاحين ،والغاء ضريبة " العقد" السنوية عليهم !... وفي رعاية جمعيات حماية المستهلك لمراقبة السلع الغذائية والاستهلاكية في الاسواق المحلية  ورصد ظواهر الغش والتجاوزات والابتزاز والتلاعب بالاوزان والتحديد الكيفي للاسعار وتسرب السلع الرديئة ! ... وفي تنظيم جني المحاصيل الزراعية في التعاون الزراعي كي لا يستأثر الملاكون بقوة العمل  ولتجنب المضار الزراعية التي يتسببها تأخر الفلاحين الصغار عن الجني ! وتنظيم التعاقد مع اصحاب الجرارات الزراعية من القطاع الخاص الذي يتحكم باسعار الفلاحة !.... وفي اهتمام  الجمعيات التعاونية الزراعية بالفلاحين المحاصصين في اراضي الجمعية لا بفلاحي الانتفاع والملاكين فقط !...

   فشلت سلطات مابعد التاسع من نيسان في خفض تكاليف الانتاج عبر زيادة التنظيم والتنسيق بين الجمعيات التعاونية والمؤسسات التسويقية وفي تحديد مجالات النشاط التعاوني في حقول الانتاج والخدمات الريفية والمدينية وربطه بالخطط الانمائية فيما يتعلق بالاتجاهات العامة للتطور الاجتمااقتصادي في بلادنا دون الغرق في التفاصيل ! و الارتقاء بالعمل التعاوني لتعميمه ونشر العمل التعاوني الانتاجي .. والعمل على رفع الانتاجية كما ونوعا ورفع مستوى الاستفادة من الابحاث الزراعية وفي تقديم التسهيلات للجمعيات التعاونية في مجالات الحصول على المحروقات والبذور والمبيدات والخدمات الاساسية الاخرى ...وتقديم التسهيلات للجمعيات التعاونية الزراعية للمساعدة على تنظيف الحقول الزراعية والمراعي والبساتين من الالغام وصيانة العيون والجداول والآبار والكهاريز ، وتنظيم عودة سكان القرى المهجرة الى قراهم وتأمين الخدمات الاساسية لهم ، وفتح الطرق في المناطق الريفية لتسهيل عمليات التنقل والتسويق ، تأمين الخدمات البيطرية ومكافحة الآفات الزراعية .....  وتقديم التسهيلات للجمعيات التعاونية الزراعية – الصناعية لتنظيم العمل التعاوني في المعامل التي تعتمد على المنتجات الزراعية .

    نعم ، فشلت سلطات مابعد التاسع من نيسان في الانسجام مع حاجة الاسواق الحديثة بولوج الميادين المكملة للانتاج الزراعي مثل الفرز والتعبئة والتغليف للخضار والفواكه وفي تفهم واقع الحركة التعاونية ومشكلاتها وآفاقها مدخلا مهما لحل القضية التعاونية واصلاح الواقع التعاوني وتطويره والاستفادة القصوى من النشاط التعاوني لخير المواطن والمجتمع ولأعادة بناء العراق على قاعدة اقتصادية واجتماعية متينة ، وفي اتباع آلية مرنة شفافة للاعداد لأجراء انتخابات تعاونية شاملة ابتداءا بالجمعيات التعاونية وانتهاءا بانتخاب مجلس ادارة الاتحاد العام للتعاون ومن خلال المؤتمر الموسع للحركة التعاونية .

 التعاون هو الاطار المناسب للمشاركة الشعبية الواسعة في تحديد اتجاهات التنمية والاعمار واولوياتهما المعبرة عن مصالحه بالتوازن مع مصلحة التقدم الاجتماعي ! والتعاون ضروري مع حرفية وتبعثر الانتاج وبطء وتائر التمركز ونسبه في مختلف فروعه !وخاصة في الزراعة .     ·        السياسة الزراعية والتنمية الريفية

    ترتبط السياسة الزراعية بالدولة اذ هي مجموعة الفعاليات المدروسة والمنظمة التي تقوم بها الدولة لأجل زيادة الانتاج الزراعي وتحسينه وضمان عدالة توزيعه على المشتغلين فيه والمحافظة على استمرار تطوره! وتهدف السياسة الزراعية الى توفير اكبر قسط ممكن من الرفاهية المادية والمعنوية للفلاحين بزيادة الدخل الحقيقي واستقراره واستمراره ... بعبارة اخرى تسعى السياسة الزراعية الى معالجة التخلف الاقتصادي وعنوانه الاساس في ابقاء البلاد على مستوى منخفض وسئ من التعبئة المادية والبشرية للثروات لا يناسب المستوى الذي بلغته الحضارة البشرية في حقول العلوم والتكنيك ! .

   لا يمكن تفسير تخلف العراق الاقتصادي الا بمحاولات ادماجه باقتصاديات العالم الرأسمالي وضمان تبعيته لها .. من هذا المنطلق تستند القوى الاستعمارية لأبقاء البلدان التابعة اسيرة تخلفها الاقتصادي والعلاقات الانتاجية البالية ومنها العلاقات شبه الاقطاعية . وتصيغ السياسة الزراعية الجهات المعنية بالقطاع الزراعي ابتداءً من وزارة الزراعة- وزارة الموارد المائية والاتحاد العام للجمعيات الفلاحية بهدف وضع الخطط لمعالجة الخلل على ضوء الواقع الجديد والمتمثل باقتصاد السوق وقانون الاستثمار ولحماية مصالح الفلاحين واقتصاد البلد.... وترتكز السياسة الزراعية للدولة عادة على معالجة عناصر التنمية الريفية والتي تتلخص في المضي قدما في مشاريع الاصلاح الزراعي واستصلاح الاراضي والمشاريع الاروائية ، مشاريع تطوير القوى المنتجة في الريف عن طريق تشجيع الاستثمارات الصغيرة والمتوسطة ( الخاصة والمختلطة والحكومية) وحماية العمال الزراعيين عن طريق التشريع والتنظيم النقابي والضمان الاجتماعي والصحي ، ومشاريع تنمية البحوث الزراعية ونظم الحيازة والاسعار والحوافز الانتاجية والتسليف ، ومشاريع تسويق المنتجات الزراعية وتجهيز او توريد اللوازم الزراعية ، ومشاريع الطرق الريفية ، وخدمات الارشاد الزراعي والكهربة الريفية وتوفير الماء الصالح للشرب والخدمات الصحية ، إتباع الأساليب الزراعية العلمية الحديثة واستعمال المكننة المتطورة والبذور والأسمدة الكيماوية والمبيدات وغيرها ، مشاريع تعزيز دور المصارف الزراعية التعاونية ،  مشاريع الثروة الحيوانية والسمكية وتربية الدواجن والنحل والحشرات المفيدة ، مشاريع اعادة تأهيل الاهوار ، مشاريع مكافحة التصحر ، مشاريع الاهتمام بالمحميات والمراعي الطبيعية..، اعمال ردم البرك والمستنقعات الريفية ، اعمال تطهير الريف من الالغام المتروكة ومخلفات الحروب والاعمال العسكرية ، مشاريع التعاون الزراعي والصناعات اليدوية الصغيرة والاشغال الريفية العامة وتشكيل هيئات مختصة بالتعاون الزراعي في وزارة الزراعة لمتابعة المراحل التي قطعها هذا القطاع وسبل النهوض به ، الخدمات الارشادية لتحسين الحياة الريفية السكنية وبرامج تخطيط الاسرة ، رعاية المرأة الريفية ، الخدمات التعليمية ومكافحة الامية ، برامج الحكم المحلي والمجالس المحلية للتنمية الريفية ، التأمينات الاجتماعية الريفية ، العناية بالمعوقين والعجزة في الريف ، برامج الارشاد الثقافي والاعلامي والديني ، احياء الفولكلور الريفي ، برامج تشجيع الادخار والاستثمار الريفية ، برامج التشجير والبستنة والزراعة النسيجية للنخيل ، صيانة البيئة الريفية وتجميلها ، برامج تاهيل وتدريب سكان الريف ، برامج معالجة الهجرة والتهجير    .. الخ.  اما المجالس المحلية للتنمية الريفية فيتم تشكيلها عادة من السلطات المحلية من ابناء القرى المؤهلين الذين يحضون باحترام وثقة الفلاحين والمعروفة بصدقهم وتفانيهم للصالح العام واستعدادهم للعمل الطوعي بايثار !

      لا يمكن عزل السياسة الزراعية وخطط التنمية الريفية عن مجمل خطط التنمية والاعمار واستراتيجيات معالجة الفقر والبطالة وكامل التخطيط الحكومي .. ومن الضروري ربط كل ذلك بفرص احترام حقوق الإنسان والمشاركة الديمقراطية الحقة للشعب في بلورة السياسات ، وعملية اتخاذ القرارات ... ولسوء الحظ لم تكن هذه وليست هي اليوم جزء من النهج الحكومي . في العراق كان الافتقار الى الحكمة السياسية والمضي قدما في القمع والاضطهاد والسياسة اللاديمقراطية واللاانسانية من قبل الدكتاتورية البائدة  من جهة ، والحظر الاقتصادي المنهك المستمر من جهة أخرى .. قد حجما الجهد المبذول لتقليص المعاناة الإنسانية ودفعا بالوضع الاجتما- اقتصادي من سيء الى اسوأ! . وتسببت السياسة الاقتصادية التي أنتهجها النظام الدكتاتوري على تعميق معاناة الشعب... وفشلت السلطات العراقية - كما أكد مسؤولو الامم المتحدة - مرارا في تلبية الاحتياجات الأساسية في جميع الميادين الاجتمااقتصادية ، وكان الاستثناء الوحيد الإيرادات الغذائية . هذا يثبت بوضوح ان انظمة الحكم المتعاقبة في بغداد لم تتصرف بمسؤولية فحسب ، بل وظفت معاناة الشعب وتدني مستوياته المعيشية للأغراض السياسية. لقد تراجعت مؤشرات المحاسبة،الإستقرار السياسي ، فعالية الحكومة ، الجودة النظامية ، سيادة القانون والسيطرة على الفساد في العراق خلال الفترة 1996- 2007 لتصل الى المعدلات الدنيا في السلم العالمي ، وتكشف الاحصائيات عن تردٍ خطير وتراجع أخطر في فعالية أداء الحكومات المتعاقبة رغم انهيار الدكتاتورية البعثية في 9/4/2003.

      مستويات الفقر في بلادنا  لم يطرأ عليها أي تغيير رغم سقوط الطاغية . واستنادا الى تقارير الامم المتحدة فان ما يقارب (4) ملايين مواطن يعيشون دون المستوى المحدد عالميا. ويتواجد (70- 80) % من ابناء الشعب دون مستوى الفقر المحدد عالميا، بينما يمتلك العراق احد اكبر معدلات النمو السكاني 3.2% رغم الوضع الاقتصادي المتدهور للشعب ومعدلات التضخم الخيالية وعرقلة وتخريب الدورة الإنتاجية الاقتصادية السلمية.... واكدت وكالة الامم المتحدة للاجئين UNHCR ان اكثر من(4) ملايين عراقي هربوا تاركين بيوتهم بحثا عن ملجأ، اما في داخل العراق او خارجه ( اكثر من مليوني شخص شردوا في الداخل و2.2 مليون آخرين اصبحوا لاجئين في دول الجوار) . لقد انخفض الإنتاج الزراعي وترك الفلاحون أراضيهم..  وارتباطا بالمعدلات العالية للبطالة، والأسعار المرتفعة، والتضخم الواسع ( أكثر من 7000%) وانعدام السياسة الحكومية اللازمة لمعالجة الفقر بلغت معدلات الفقر في بلادنا مستويات كارثية لقطاعات عريضة من ابناء الشعب العراقي. وتعتمد الغالبية العظمى من أبناء الشعب على الحصة التموينية الشهرية لبرنامج النفط مقابل الغذاء. كما يلاحظ المساهمة المتزايدة للنساء في قوة العمل بسبب من الصعوبات الاقتصادية التي عانت منها معظم العوائل والحاجة الماسة لمزيد من الدخل. رواتب النساء هي الأقل ويفتقرن لعقود العمل المماثلة والضمان الاجتماعي... بالنتيجة تخضع المرأة للاستغلال المزدوج في المجتمع والمنزل بيمنا تتقدم ببطأ مساهمة النساء في الحياة السياسية والاجتماعية. وانعدمت سياسات وبرامج رعاية النساء وإكسابهم الدور اللائق في عملية التقدم الاجتماعي او الاهتمام بهم على قاعدة من المساواة العامة... يعاني الشعب العراقي من الارتفاع في الأسعار والهبوط في القيمة التبادلية للعملة العراقية والانخفاض في الدخل والرواتب وتدني القوة الشرائية، وسبب التدهور الاقتصادي والفقر في الغذاء والرعاية الطبية مزيدا من الوفيات بين المسنين والأطفال.

    امام كل هذه المأسي الكارثية ، القوى السياسية العراقية مطالبة بالجرأة لأقتحام التقاليد السائدة في سبيل تحريك الوضع السياسي الراكد والتعامل مع قكر جديد للبناء يرتقي على الطائفية السياسية والمحاصصات الطائفية ويستهدف  مقاومة تهميش التعددية السياسية والاجتما- اقتصادية والثقافية ، ومواجهة اللغو والسفسطة والخطب الانشائية .ان الارتقاء الى مستوى المسؤولية الوطنية ، وتفويت الفرصة على من يريدون سوءا بوطننا وشعبنا ،  لا يستلزم فقط العمل على اشاعة روح التآخي والتآزر والمحبة  والتحلي بالحكمة والتروي وترجيح العقل والتعامل الواقعي ... بل يستلزم العمل الجاد لوأد النعرات الطائفية المقيتة التي تبث الفرقة بين ابناء الشعب والوطن الواحد ، والقيام  بكل ما من شانه تبديد حالة التوتر والاحتقان ، التي ينطوي  استمرارها على خطر داهم لن ينجو من عواقبه احد ، واتخاذ التدابير ذات الطبيعة الاقتصادية والاجتماعية والخدمية والثقافية التي تؤمن للمواطنين القناعة والثقة بان مسيرة بلادهم بايدي امينة تمتلك الفكر النير الوطني التحرري .. فبدون ذلك لا يمكن السير  نحوالبناء واعادة اعمار الوطن واستكمال السيادة  بانهاء الوجود العسكري الاجنبي.ومن الضروري اعتماد الكفاءة  والنزاهة اساسا في اسناد المسؤوليات واشغال الوظائف العامة... حينها يجر الالتفات الى القضية الفلاحية لحل معضلاتها كجزء اساسي من القضية الوطنية  العراقية .

              

 الهوامش :

(1)   ثبت اعتراف حكومات الاحتلال البريطاني والحكومات العراقية المتعاقبة بالنظام القبلي .. ثبت العلاقات الاقطاعية العشائرية عبر سلسلة من القوانين الوضعية :

§        نظام دعاوي العشائر لسنة 1918 وتعديلاته .

§        قانون تحديد وتسجيل الاراضي رقم 24 لسنة 1920.

§        قانون الجمعيات رقم 27 لسنة 1922.

§        قانون تمليك وتحديد الاراضي الاميرية في القرى والقصبات رقم 84  لسنة 1926.

§        قانون تمليك الاراضي الاميرية المغروسة رقم 15 لسنة 1927 .

§        قانون اللزمة رقم 51 لسنة 1932.

§        قانون تسوية حقوق الاراضي رقم 50 لسنة 1932.

§        قانون حقوق العقر رقم 55 لسنة 1932 .

§        قانون حقوق وواجبات الزراع رقم 28 لسنة 1933.

§        قانون تشييد القرى الحديثة رقم 70 لسنة 1936 .

§        قانون تسوية حقوق الاراضي رقم 29 لسنة 1938.

§        قانون اطفاء ضريبة الارض رقم 20 لسنة 1939.

§        قانون بيع الاراضي الاميرية رقم 11 لسنة 1940 .

§        قانون تفويض الاراضي الاميرية لسنة 1941.

§        قانون الجمعيات التعاونية رقم 27 لسنة 1944.

§        قانون اعمار واستثمار الاراضي الاميرية رقم 43 لسنة 1951.

§        قانون بيع الاراضي الاميرية رقم 11 لسنة 1954 .

 (2) زخرت مكتبة تاريخ الشعب العراقي بمئات الكتب والكراريس والمقالات والقصص والروايات التي دونت تاريخ الاقطاع والعشيرة في العراق وتعرضت لسماته الاساسية .. ومن اهم الكتاب والباحثين في هذا المضمار : سليم علي الوردي ، ل.ن.كوتلوف، طلعت الشيباني ، صالح مهدي حيدر، محمد علي الصوري ، ابراهيم كبة ، عبد الرزاق الظاهر ، شاكر مصطفى سليم ، يوسف المعمار ، خزعل البيرماني ،  حسن الخطيب ، صلاح الدين ناهي ، زكي خيري ، محمد حسين ابو العيس ، محمد توفيق حسين ، محمد سلمان حسن ، عبد الصاحب العلوان ، عبد الزهرة العيفاري ، خزعل الجاسم ، حسن ثامر ، شاكر ناصر حيدر ، فؤاد جميل ، عبد الرزاق الهلالي ، رشاد محمد بالطة ، عبد الوهاب مطر الداهري ، مكرم الطالباني ، سامي جواد النوفل ، كاظم حبيب ، عبد الواحد كرم ، جميل يلدا بوداغ ، سامال مجيد فرج ، علي محمد النوري ، حمدي التكمجي ، فالح عبد الجبار ، منيب السكوتي ، كمال محمد سعيد الخياط ، كاظم السماك ، سعيد عبد الخالق ، فوزية العطية ، عبد الجليل الحديثي ، عبد الجليل الطاهر ، عزيز القطيفي ، عبد الله ياسين ، دورين وورنر ، نصير سعيد الكاظمي ، عصام الخفاجي ، وآخرون ... 

(3)    تؤكد "الجيوسياسية المعاصرة" وفق الكسندر دوفاي (الجيوسياسة / باريس / 2005 )على أن السياسة هي التي أصبحت تصيغ الوسط الجغرافي وإطار حياة البشر أكثر مما هو العكس، كما كان سائداً القول في المقولات الجيوسياسية التقليدية. والنظرة الجديدة تعود إلى واقع أن التقدم التكنولوجي المنجز يحرر السياسة من مستلزمات الوسط الجغرافي وإطار حياة البشر. ويضيف الكسندر دوفاي  انه مع تعاظم الفارق بين القوة الهائلة للولايات المتحدة وضعف الآخرين كلهم فإن « كل شيء يمكن أن يقع » كما تقول الكلمات الأخيرة من كتابه. إن نقطة ضعف المقاربة الجيوسياسية عموما تتمثل في عدم طرحها للتساؤل شرعية وتمثيلية انظمة الحكم القائمة أي في عماها الديمقراطي، بينما يتمثل ضعف المقاربات الديمقراطية في ارتباكها أمام وقائع الهيمنة الإقليمية والدولية أي في عماها الجيوسياسي على حد تعبير الكاتب السوري ياسين الحاج صالح. الولايات المتحدة يواجهها تحديان كبيران من قوتين فاعلتين وإن كانتا متناقضتين، الإرهاب و المجتمع المدني كما يؤكد الكاتب المصري صلاح سالم ‏.‏