قناة الشرق الأوسط الجديدة
نشر حركة القوميين العرب
قناة الشرق الأوسط الجديدة
محمد يوسف
طرح أول مشروع لوصل البحر الميت بالبحرين المتوسط والأحمر لأهداف ملاحية في عام 1860 أثناء حفر قناة السويس، عن طريق بريطانيا، لتكون هذه القناة بديلة عن قناة السويس الخاضعة في ذلك الوقت للسيطرة الفرنسية.. ولكن مع الاحتلال الإنجليزي لـ "مصر" عام 1882 وسيطرتهم على قناة السويس تراجع مشروع قناة البحر الميت.. على الرغم من أن الإنجليز قد أرسلوا في عام 1864 موفدا إلى فلسطين لدراسة فكرة المشروع.. وقد نشر هذا الموفد كتابا ضمنه تقريره إلى حكومة بلاد.. ونشر هذا الكتاب في لندن تحت عنوان البحر الميت طريق جديد إلى الهند.
وفي أواخر القرن التاسع عشر تم عرض المشروع على هرتزل "مؤسس الحركة الصهيونية العالمية".. عن طريق مهندس سويسري.. وقد كتب هرتزل عن هذا المشروع في كتابه "أولد نيولاند" الذي نشر في عام 1920.
وبداية من عام 1973 بدأ التخطيط الصهيوني الحقيقي لمشروع قناة البحرين.. وذلك عندما قام وفد من زعماء الصهيونية برئاسة "بن جوريون" بجولة في منطقة البحر الميت.. وكان من نتائج هذه الجولة التفكير الجدي في إنشاء القناة عن طريق بعض أصحاب بيوت الأموال اليهود.. ولكن التطورات العسكرية والسياسية في فلسطين حالت في ذلك الوقت دون ذلك.
وفي عام 1944 أصدر البروفيسور الأمريكي "والتركالاس" ـ خبير الأراضي والمياه ـ كتابا تحدث فيه عن إمكان شق قناة للربط بين البحرين المتوسط والأحمر عن طريق البحر الميت.. ورأي أن هذا المشروع يمكن أن يوفر إمكانية الحياة لحوالي أربعة ملايين يهودي من لاجئي أوروبا.. وعاود الزعماء الصهاينة تبني الفكرة.. ولكن التنفيذ ظل صعبا بسبب الصراعات المسلحة التي دارت بين العرب واليهود.. وبسبب وجود الضفة الغربية خارج السيطرة الإسرائيلية حتى عام 1967.. ولكن بعد توقيع اتفاقية "أوسلو" بين الفلسطينيين والإسرائيليين في عام 1993 واتفاقية "وادي عربا" بين الأردنيين والإسرائيليين في عام 1994 أصبح تنفيذ الحلم الصهيوني ـ من وجهة نظر إسرائيل ـ ممكنا، واللافت للنظر أن مشروع قناة البحر الميت يعتبر ضمن البنود الأساسية للاتفاقيتين.. وكحجر أساس لمشروع تنمية وادي الأردن.
وفي عام 1996 قامت شركة أمريكية متخصصة تسمي "هرذا" بعمل دراسة جدوى للمشروع.. وتم من خلال هذه الدراسة رسم خمسة بدائل لمسارات مختلفة للقناة، وكان أحد هذه المسارات يمر بالكامل في الأراضي الأردنية.. وتم تحديد الأهداف الرئيسية للقناة في المحاور التالية:
أولا: إنفاذ بيئة البحر الميت.
ثانيا: تحلية المياه وتوفير الطاقة.
ثالثا: ترسيخ السلام في المنطقة.
وذكرت الدراسة أن قناة البحر الميت تمثل بؤرة التوافق الدولي الإسرائيلي لفرض أمر واقع جديد في منطقة الشرق الأوسط، وتفريغ موقع مصر من جزء مهم من أهميته الاستراتيجية.. كما تساعد على تكوين جدار مائي عازل يخدم الأمن القومي الإسرائيلي.
وفي حقيقة الأمر تشكل هذه القناة مفتاحا رئيسيا من مفاتيح فهم الشرق الأوسط الكبير بالمفهوم الأمريكي ـ الإسرائيلي ـ الأوروبي.. مما يتضمنه من تفريغ عناصر القوة العربية المصرية من مضمونها الحقيقي.. واختلاق عناصر قوة مصطنعة تصب لمصلحة إسرائيل.
ويؤكد الخبراء أن الأمر خطير بالفعل.. وأن الرفض التام لنظرية المؤامرة والتهوين المستمر من شأن ما يفكر فيه الإسرائيليين هو جريمة كبري.. لأن إسرائيل تفكر وتخطط لمثل هذه المشروعات منذ سنوات طويلة، وهناك دراسات ووثائق في كبري مراكز البحوث والجامعات الإسرائيلية.. وإسرائيل تنتظر الفرص فقط لإخراج هذه الدراسات إلى النور ووضعها موضع التنفيذ.
وللوقوف في وجه هذا المخطط لابد من جعل قناة السويس في وضع تنافسي أفضل.. فحقيقة الأمر أن هذه القناة هي مشروع تجاري واقتصادي بحت.. لم يأخذ أي أبعاد أخري حتى الآن.. ولا شك أن موقف المنافسة في حد ذاته جديد على قناة السويس.. فهذه القناة منذ افتتاحها في عام 9681 وهي بلا منافس على الإطلاق.. ومن هنا جاء تخطيط الفكر الإداري للقناة.. سواء في شركة القناة قبل التأميم أو في هيئة قناة السويس بعد التأميم.. وذلك على أساس فكرة احتكار الخدمة المقدمة وعدم وجود أي منافس.. وهذا الفكر لابد من تطويره خصوصا والعالم الآن أصبح يعج بالحلول البديلة.. وفكرة أن تظل قناة السويس مثل "الكارته" الموجودة على الطرق تحصل الرسوم فقط فكرة عقيمة ومتخلفة.. ولا يجب أن ننبهر بإيرادات القناة.. ونصدق أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان.. فالإيرادات في الثلاثين سنة الماضية تمثل حوالي 53 مليار دولار أي بمتوسط حوالي 4.1 مليار دولار سنويا.. وهو رقم تستطيع شركة عالمية متوسطة الحجم تحقيقه.
ولابد من تفويت الفرصة على أعداء مصر وقناة السويس بجعلها في وضع تنافسي لا يمكن تجاوزه.. أي أن تقوية وضع قناة السويس في حد ذاته كفيل بمنع ظهور أي بديل آخر لها.. لذلك لابد من أن تقدم قناة السويس خدمات جديدة وجيدة وبسعر تنافسي لا يمكن تجاوزه.. ولابد من تجاوز الطريقة التي تدار بها القناة منذ إنشائها في منتصف القرن التاسع عشر وحتى الآن.. وهي الطريقة التي تقوم فقط على تحصيل النقود من السفن العابرة كرسوم لهذا العبور ولا شيء آخر.. فإذا تمت مقارنة ما يحدث في "جبل علي" بـ "دبي" مع ما يحدث في قناة السويس.. لكانت المقارنة في غير صالح القناة بالمرة.. حيث يرفع "جبل علي" شعار: "قل لنا ماذا تريد.. وسوف نحققه لك"، بينما مازالت قناة السويس تفرض شروطها على زبائنها.
ولابد من الأخذ في الاعتبار أن إنشاء إسرائيل لقناة منافسة لقناة السويس هو أمر وارد تماماً.. والحديث عن أن هذا المشروع يحتاج إلى تمويل ضخم يصل إلى 110 مليارات دولار من الصعب تدبيرها.. هو حديث مغلوط.. ومخدر خطير المفعول.. فـ "إسرائيل" ومن ورائها الغرب بزعامة أمريكا والبنك الدولي وكبريات بيوت المال التي يسيطر عليها اليهود تستطيع تدبير أضعاف هذا المبلغ.. ومما لا شك فيه أنها تستطيع أيضا استخدام تكنولوجيا متطورة للغاية لحفر وإدارة هذه القناة.. وتستطيع أيضا أن نقدم العديد من الخدمات غير التقليدية والمتطورة للسفن العابرة.. والحديث أيضا عن اقتصاديات هذا المشروع وبأنه لابد أن يكون مشروعا خاسرا هو في الحقيقة خطأ استراتيجي آخر.. فالفكر اليهودي الاقتصادي المعروف منذ قرون عديدة.. والسيطرة اليهودية على الاقتصاد العالم.. والتضحيات المالية المؤقتة في سبيل إحكام السيطرة على المنطقة.. وتهميش الدور المصري أمور واردة.. ويجب من الآن أخذ هذه المشاريع الصهيونية مآخذ الجد.. ولابد من تبني مشروع قومي عاجل لمواجهة هذا الخطر وتطوير قناة السويس فسياسة حصرها في حيز تحصيل الرسوم فقط هو خطأ قاتل. قد يعرضها لخطر داهم يفقد مصر جزءاً مهما من قدراتها الاقتصادية والسياسية المتراجعة أصلاً.. اللهم بلغت.. اللهم فاشهد.