أمريكا والعرب ...
غيبيات الصراع و نبوءة المقاومة ..
د. علاء الدين شماع
يمثل الفكر المذهبي, حالة جهد زائد, في تجيير كل ما هو غيبي لصالحه , والعمل على اظهاره,كواقع له مبرراته, فهو جهد ارتكاسي مصاحب لكل ما هو ثاوٍ في الذات الدينية ,يعمل صاحبه على اسقاطه كحقائق وجودية , و ثوابت متبعة,و ان خالفت المعتقد الديني العام .
و في رصد الطرائقية الفكروية , لأيديولوجيا الفكرالمذهبي المرتبطة بالمغيبات الدينية, والتي يشتد الاعتقاد فيها والأخذ بها , كلما اشتدت الأخطار المحدقة , تأتي الحالة الأمريكية الراهنة, فيما تشنه من حروب صليبية , مثال بين وجلي , عن هذا الرصد , و الذي ظهر في أوضح صوره , بعد أحداث 11أيلول.
على أنه ليس من المفارقة في شيئ , أن تكون هذه الحاكمية المغلًبة , في الفكر الأيديولوجي المذهبي, هي على حد سواء عند العربي المستعمَر ,بل هي عنده على أجلى صورها في الوقت الراهن, اذ كيف لنا أن نفهم ما يجري الآن في العراق, من فتنة وفرقة بين أبناء الدين الواحد , والعرق الواحد , دون الأخذ بمعيار هذا الرصد .
اننا بلا شك أمام حالة أنثروبولوجية عامة لصيقة بالوجود الانساني منذ لحظته الأولى , تشتد في الملمات , لكن ليس ما يبرر لنا أن نسًهل مهمة المحتل بالاحتراب الطائفي فيما بيننا .
على أن الفارق بين الحالين , أن العقل و التكنولوجيا المتطورة , تقف وراء الملمح الأمريكي في تطبيقات المغًيب الديني , و جعله واقعاً سياسياً فائق الدقة , وأن التخبط و الخطل الحضاري, ما يفاقم الحالة العربية في الاحتكام لهذا المغيًب , بما يخلقه من أفعال و ردود أفعال , تأخذ بالمجتمعات العربية الى حافة هاوية الطائفية .
ان ما يمثله الديني , في وجدان الانسان الأمريكي , يعود الى الأيام الأولى من هجرته الى القارة الأمريكية , ذلك أن المذهب البروتستانتي , بما واجهه من عسف الكاثوليكية في أوروبا , وجد له متنفساً في الهجرة , و هو المذهب الأكثر ارتباطاً بمغيب الدين المسيحي , والأكثر انغلاقاً على ذاته , وفق الطرائقية الفكروية الخاصة به , والمتحكمة بالأيديولوجيا الأمريكية الحالية , مهما بالغ المجتمع الأمريكي في حداثويته , والراصد لفكر هذا المجتمع , يرى أن الحزب الجمهوري _ الحاكم الآن_ هو الحصن الحصين لهذا المغيب الديني البروتستانتي .
من خلال تيار المسيحية الصهيونية, تحت مسمى المحافظين الجدد
اننا بلا شك , ووفقاً لهذا التوصيف , نتكلم عن حالة ما من التدجين الديني وفق وجهة نظر بحت مذهبية, لا بل عن تدجين سياسي فائق لحالة دينية بعينها .
و ان كانت في الحالة الأمريكية تأخذ لبوساً حضارياً , بسبب من لحظة تاريخية تعيشها الآن , من تراتبية فيدرالية , وحكومة مركزية قوية , ومجتمع مدني بمؤسساته فائقة الانتظام , فان كل هذا معرض للسقوط في أية لحظة في فخ المغيب الديني _ أخذنا نرى بوادره_ وتحول أمريكا من دولة علمانية ,ديمقراطية , ليبرالية وبراجماتية , الى دولة برو تستانتية , أو الى حالة دولة مذهبية, وكأنها حالة دين خاص لدولة, على مثال الحالة الايرانية الراهنة , يحكمها القساوسة كما تحكم الملالي ايران.
ان الولايات المتحدة الأمريكية , لم يعد يرضيها , أداء الكيان الصهيوني في خوضه عنها حروبها الدينية بالوكالة , لقد رأت أن تخوضها بنفسها.
من خلال التوصيف السابق, تظهر االاجابة , عن سؤال أعجز الكثيرين ,وهو أيهما في خدمة مشروع الآخر ,و أنا أرى , أن الكل في خدمة أمريكا بمن فيهم الكيان الصهيوني , في خوضهاحروبها الصليبية ضد العرب المسلمين , و على أساس من معيارنا الذي حددنا , و الذي سنفصل فيه , في القادم من مقالنا .