أيها الموظفون....احذروا الانسحاب النفسي
هنادي نصر الله
ينسحبون نفسيًا من مؤسساتهم، اعتقادًا بأن هذا يضمنُ لهم السلامة، بعدما ارتُكبت بحقهم أخطاء يقولون إنها خدشت كرامتهم، وأصابت همتهم في مقتل!.
موقفٌ بل إحساسٌ يُعاني منه الكثيرون من الموظفين على اختلاف المؤسسات التي يعملون بها، حكومية كانت أم أهلية، تعليمية أم اجتماعية أم سياسية أم إعلامية أم غيرها..
كلنا قد يخضع لهذا النوع من ردة الفعل هذه، الإنسحاب النفسي لا الإستقالة، بمعنى أن ينسحب الموظف وينأى بنفسه عن اجتماعات المؤسسة وخططها التطويرية؛ ليستبدلها بتنفيذ عمله اليومي كروتينٍ اعتاد عليه؛ فتراه يذهب إلى عمله متثاقل الخطى، متذمرًا، عابس الوجه، عديم الإحساس بأي نكهةٍ تربطه بتلك المؤسسة رغم أنها كانت لحظة التحاقه بها تُمثل جزءًا عزيزًا من يومه وكيانه..!
الأدهى من ذلك أنه ما أن ينتهي دوامه حتى يشعر بإحساس المنتصر، وكأن حملاً ثقيلاً قد أُزيل عن كاهله التي تراكمت عليه هموم أيام وربما أعوام قضاها في مؤسسته هذه، هموم أخذ يقلبُ ذاكرته ليستذكرها؛ فقد تغاضى عن كل أوجاعها ؛ لأنه كان وقتها يشعر بمن يشجعه ويسانده ويقف إلى جانبه، أم اليوم فهو لا يجد إلا من يتفقد عثراته، ويكشفها أمام الملأ، إنه يجد اليوم فقط من يتتبع زلاته؛ ليضخمها، ويفتعل منها الأحاديث والقصص التي تصلح لأن تُنشر ضمن ملحقٍ جديد لكتاب ألف ليلة وليلة!!.
الإنسحاب النفسي داخل المؤسسة، أرقٌ يُراود الكثيرين، إنه داء العصر الذي لا ينتبه إليه المسئولون، ولا يُلقي له بالاً إلا من استشعرّ مراراته يومًا ما، أسباب انتشاره كثيرة أبرزها انعدام التشجيع للعنصر النشيط والفاعل داخل المؤسسة، وعقابه إن تأخرّ عن عمله ساعة أو غادر قبل انتهاء دوامه بساعة؛ في سابقةٍ لم يعهدها عليه الآخرون من قبل؛ إذ عهدوا عنه حب الإلتزام بل والعمل لساعاتٍ وساعات بعد الدوام دون أن يطلب أجرًا أو شكرًا من أحد!، هذا علاوةً على عدم التماس الأعذار، وغياب روح الفريق، وتفشي نظرات الحقد والغيرة والنميمة بين الموظفين أنفسهم بصورة يعتقد هذا النشيط أنها أصبحت تهدد مستقبله وتحرمه من إتقان عمله على ما يُرام؛ فيجد الإنسحاب النفسي وهو بين زملائه أفضل طريقة للتهرب من مشاعر الإهانة التي تزلزل جسده، وتقضي على اتزانه داخل عمله!!.
هي مصيبةٌ قد تكبر داخل نفسية الفرد، إذ ينطوي على الإنسحاب النفسي آثار سيئة للغاية؛ كأن يتراجع الموظف حتى عن إنجاز مهامه الرئيسية، ويُصبح فاقد الشعور بمتعة الإنجاز، ونشوة تحمل المتاعب في سبيله..
بعد عرضنا لإشكالية الإنسحاب النفسي داخل المؤسسة، ينبغي على أي موظفٍ يُعاني من هذا الشعور، أن يفوض أمره لله أولاً، ,أن يؤدي واجبه الديني على الوجه الأمثل، ثم يدعوه ـ جل وعلا ـ أن ينصره على شعور القهر الذي يحياه، وأن يبدأ بتغاضي هذا الإحساس، باستذكار إنجازاته، وعندما تمر في مخيلته ذكرى أليمة لاضطهاد أو ظلم أو إجحافٍ نال منه، عليه أن يصمد ويتجاهل هذه الأفكار؛ بل ويُقنع نفسه بأنه لو لم يكن مجتهدًا لما ناله العقاب ولما تقاذفته الأعين بنيرانٍ تتطاير منها شرارة الحقد والحسد؛ عليه أن يفخر بأن الجميع يتابع أعماله، ويُعجب بسلوكياته، وإن تظاهروا أمامه بأنهم لا يُعيرونه أدنى اهتمام، وإن حاولوا أمامه أن يُذكروه فقط بأخطائه، عليه أيضًا آلا يغيب عن ذهنه أبدًا أن غلطة الشاطر بألف، ولهذا عليه أن لا يلين ولا يستكين، ودائمًا عليه أن يردد بصوتٍ عالٍ" لكل مجتهدٍ نصيب"، فحذارِ من الإنسحاب النفسية وعواقبه المدمرة!!.