اصحوا يا بشر
انتصار شعير
الإسكندرية ـ مصر
خرج الأسد ليلاً وهو جائع يبحث عن فريسة فإذا به يجد قطيعاً نائماً من البقر الوحشى , وبعد أن هم الاسد بالانقضاض على فريسة منهم أنفت نفسه أن يظفر بها هكذا دون أن يرضى غروره بأنه هو الأقوى وهو قادرٌ على إخضاع هذه الفريسة وهى يقظة تقاومه فيغلبها ويرى الضعف و الانكسار فى عينيها , فأخذ يزأر ويصيح وكأنه يقول : اصحوا يا بقر .. وما أن سمع القطيع زئيره حتى أطلق للريح أرجله , وفى أثناء نشوة الأسد وفرحته بقوته التى أرهبت قطيع بأكمله , فر كل القطيع وأفلت من افتراس الأسد , وتحسر الأسد ورحل وهو يندب حظه فقد ضاعت من بين يديه وليمة عشاء سمينة
وإذا استبدلنا حرف القاف فى البقر بحرف الشين سنحصل على كلمة بشر ... ترى ماذا يفعل البشر إذا وضع مكان البقر ؟ .. مع الاعتذار الشديد للبشر .
أتخيل أنه بعد سماع البشر زئير الأسد هناك من سيغمض عينيه مرة أخرى ويقول : أنا أنصح الجميع بضبط النفس والنوم بهدوء , إن كان هذا أسدٌ فعلاً فما هو الداعى لكى يوقظنا ؟ أليس من الأيسر له أن يفترسنا ونحن نيام ؟ , هذا أكيد عمل ارهابى هدفه اشاعة الفوضى بين الناس وزعزعة الأمن , وسنضرب بيد من حديد على كل من يعبث بأمن هذا الوطن , وهذا طبعاً فى الصباح وليس الآن .. نأمر الجميع بالنوم فوراً
وهناك من سيفتح فقط إحدى عينيه ويتيقن من طرف خفي أنه أسدٌ بالفعل ثم يقول : رائع ... أنا المسافة بينى وبينه بعيدة جداً , سيأخذ وقتاً طويلاً لكى يصل إلىّ , ليته يلهو بافتراس واحد أو اثنين , هذا ليس شأنى , فلن يستطيع التهام أكثر من ذلك وهذا ما يهمنى فأنا فى الأمان , وحين يطلع النهار يكون فى الصباح رباح , النوم سلطان
وتأتى مجموعة تقطع الشك باليقين وتتحرى الصدق من الكذب وتعود لتصيح بأعلى صوتها أن هناك خطر بالفعل ويهدد الجميع ولابد من اتخاذ الاجراءات اللازمة للقضاء عليه فمهما كانت قوته ستكون لنا الغلبة لأننا كثرة واتحادنا قوة .. ولكن وللأسف ما من مجيب .. بح صوت هذه المجموعة والباقون نيام , حتى غلبها النوم رغماً عنها
وهناك أيضاً من لا يريد حتى مجرد فتح عينيه وهويقنع نفسه بأنه كابوس نوم عابر , فالنوم عنده أغلى من حياته , أو يترك لفكره عنان التخمين بأنه قد يكون شخص فاكر نفسه دمه خفيف وبيهزر .. وما أكثر هؤلاء فى هذه الأيام .. فيقول للناس ناموا يا جماعة ناموا , النهار له عينان
وهناك فئة أخرى قوية ستأخذ من فئة الضعفاء وترمى بهم للأسد وهى تقول : أنتم ليس لكم قيمة إن ذهبتم فأنتم مجرد أفراد ضعفاء وغيركم كثير ولكننا سادة المكان وكبرائه نحن الأهم والأقوى وبقاؤنا فخر وعزة لكم جميعاً , بل وفداء الأقوياء على الضعفاء واجب .. موتوا لنعيش .. فلولا ضعفكم ما استقوينا وما بقينا هيا أسرعوا كفانا قلقاً فى هذه الليلة الطويلة
نجا البقر بمجرد ادراكه الخطر فاتخذ الاجراء السريع بما يتناسب مع كونه حيوان بلا عقل لكنه نجا .. وتفرق البشر بل وتمنى البعض النجاة ولو على حساب أخيه الانسان ... الخطر قائم أيها الانسان فماذا أنت فاعل ؟ , أم كما يقولون النوم سلطان .