ضوء على واقع الجوائز الأدبية في العالم العربي
ضوء على واقع الجوائز الأدبية في العالم العربي
تثير مسالة الجوائز الأدبية في عالمنا العربي عددا كبيرا من التساؤلات والجدليات، إن على مستوى قيمة هذه الجوائز أو على صعيد صدقيتها وشروطها.
هنا الحلقة الثانية من الملف الذي اضأنا من خلاله على واقع جوائز تمنح في ثمانية بلدان عربية، آملين في أن تحرّك المرارة الناضحة منه الراكد من مياه ثقافتنا، فتؤدي الى حصول تغيير ايجابي ما.
ازدهار مغربي
تاريخ الجوائز في المغرب عريق، يعود الى عام 1925 حين قررت سلطات الحماية الفرنسية في المغرب إنشاء جائزة أدبية أطلقت عليها اسم "الجائزة الأدبية الكبرى للمغرب". هذه الجائزة، التي كانت تمنح سنوياً لأعمال تستلهم الحياة المغربية في النصف الأول من القرن الماضي، ظلت لسنوات طويلة وقفاً على الفرنسيين، سواء أكانوا مقيمين أم عابرين من كتّاب الرحلات. لكن القاعدة كُسرت للمرة الأولى عام 1949 حين تمكن مغربي من الفوز بها، هو الأديب الراحل أحمد الصفريوي (1915- 2004)، أحد الرواد الأوائل لما أصبح يسمى اليوم "الأدب المغربي المكتوب بالفرنسية"، وكان العمل الفائز روايته الأولى "سبحة العنبر" الصادرة عن دار "سوي".
بعد رحيل الفرنسيين ألغيت هذه الجائزة، وصدر قرار عن وزير الثقافة عام 1974 قضى بإنشاء أول جائزة وطنية، هي جائزة المغرب للكتاب التي تمنح في حقول مختلفة.
وتعد جائزة المغرب للآداب والفنون الأكثر شهرة، وقد بادرت وزارة الثقافة في السنوات الأخيرة إلى رفع قيمتها لتصل إلى 7 آلاف دولار، وأعادت النظر في آليات منحها وخصوصاً في عمل اللجان، وحرصت على اختيار أعضائها من بين أبرز الكتاب والمثقفين المشهود لهم بالنزاهة وحسن المتابعة في مجالات تخصصهم. ولكن رغم الدور الذي لعبته هذه الجائزة في ترسيخ تقليد سنوي للاحتفاء بالكتاب والتشجيع على قراءته، لم تسلم من بعض الانتقادات التي كانت توجه من حين الى آخر لمناسبة إعلان النتائج. ففي السبعينات والثمانينات كان البعض يصفها بأنها جائزة "مخزنية"، أي تمنحها السلطة لمكافأة الموالين لها أو لاستمالة المعارضين.
وسيظل الحدث الأبرز في تاريخ هذه الجائزة منذ إنشائها، إعلان الكاتب القصصي أحمد بوزفور رفضه تسلّمها في شباط من السنة الفائتة. وقد أعلن رفضه الجائزة في بيان لاذع يدين سياسة الحكومة عموما ولاسيما سياستها في المجال الثقافي.
من بين الجوائز الأدبية المعروفة أيضاً جائزة الأطلس الكبير، تأسست عام 1991 بمبادرة من السفارة الفرنسية في المغرب، وكان هدفها المعلن في البداية دعم دور النشر المغربية التي تعنى بالكتاب الفرنكوفوني. لكن الجائزة سرعان ما تخلت عن دعمها دور النشر وتوجهت منذ سنة 1996 إلى مكافأة الخلاّقين والكتاب مباشرة، ومن الفائزين بها عبد اللطيف اللعبي وادريس الشرايبي وعبد الفتاح كيليطو وغيرهم.
إلى جانب هاتين الجائزتين "الحكوميتين"، ظهرت في السنوات الأخيرة جوائز ترعاها مؤسسات مستقلة تهتم بالحقل الثقافي، منها مثلاً تلك التي يمنحها منتدى أصيلة الذي يقام في صيف كل عام، ومنها "جائزة تشيكايا أوتامسي للشعر الإفريقي" و"جائزة بلند الحيدري للشعراء العرب الشباب" اللتان تمنحان مرّة كل ثلاث سنوات، و"جائزة محمد زفزاف للرواية العربية" التي تخصص للروائيين العرب الذين ساهموا في تحديث الرواية العربية.
لا يمكن الحديث عن أهم الجوائز الأدبية في المغرب من دون ذكر "جائزة الأركانة العالمية للشعر". و"أركانة" اسم شجرة فريدة لا تنبت إلا في المغرب. تأسست عام 2002 على يد "بيت الشعر"، وهي تمنح لشعراء ذوي مستوى عالمي. وفاز بها للمرة الأولى الشاعر الصيني المقيم في أميركا بيي داو، تقديراً لأعماله الشعرية وما تحمله من وعي جمالي حداثي. أما في دورتها الثانية هذه السنة فحصل عليها الشاعر المغربي محمد السرغيني، أحد الرواد الكبار في الشعر المغربي الحديث.
أخيراً لا بد من الإشارة إلى الجوائز الأدبية الخاصة بالشباب، وهي محدودة جداً على أي حال، من أهمها "جائزة اتحاد كتاب المغرب للأدباء الشباب" التي استحدثت عام 1990، وتمنح مرة كل سنتين في مجالات الشعر والقصة والرواية والمسرح، ويلتزم "اتحاد كتاب المغرب" طبع الأعمال الفائزة، و"جائزة الديوان الأول" التي أنشأها "بيت الشعر" عام 2002، وتمنح لأحد الشعراء الشباب في 21 آذار من كل عام لمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للشعر، وأخيراً "جائزة طنجة الشاعرة" التي استحدثت منذ سبع سنوات وتعلن عنها سنوياً "جمعية المبدعين الشباب في طنجة"، وهي الوحيدة تمنح جوائزها لأعمال مكتوبة بلغات أجنبية كالفرنسية والاسبانية والإنكليزية، إضافة طبعاً إلى العربية، وتقبل المشاركات من خارج المغرب.
الأمرّين في مصر
أما في مصر، فازدهار ايضا لكن بلا "فائدة". فرغم كثرة الجوائز الأدبية المصرية، إلا أن الكتّاب (المتحقق منهم والناشىء) يعانون الأمرّين في سبيل نشر أعمالهم الفائزة، فكيف بالأحرى أولئك الذين لم يفوزوا بشيء. وغالبا ما تصبح الجائزة شهادة تعلّق على الحائط أو تُدرج بين الأوراق، أو منحة مادية تتفاوت في القيمة من جائزة الى أخرى، تضيع هي الأخرى في محاولة استجداء الناشرين الذين سيطروا على سوق الكتاب في مصر ويرفضون غالبا نشر اعمال ادبية بحجة أن الكتاب الأدبي لا يباع، متناسين الدور المنوط بهم، وهو ترويج الكتاب و"اختراع" سوقه، ورفعه إلى مستوى المنافسة.
وإذا كنا لنسرد تاريخ الجوائز الأدبية المصرية، فلا بد من الانطلاق من جوائز المجلس الأعلى للثقافة. فمنذ عام 1958 بدأت الدولة منح جوائز للخلاّقين، وهي "جوائز الدولة التقديرية" و"جوائز الدولة التشجيعية". وأضيفت إليها جائزتان جديدتان هما "جائزة مبارك" و"جائزة الدولة للتفوق". أما "جائزة مبارك" فأعلاها قيمة وقدراً، وقد منحت للمرة الأولى عام 1999 وحصل عليها يومذاك كل من الكاتب الكبير نجيب محفوظ والفنان صلاح طاهر والدكتور عبد الرحمن بدوي. ويختص المجلس الأعلى للثقافة كما ذكرنا بمنح جوائز الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية التقديرية، وتبلغ قيمة كل منها خمسين الف جنيه مصري وميدالية ذهبية، كما يختص بمنح جوائز في التفوق. الى جانب ما سبق، هناك جائزة ملتقى القاهرة للإبداع الروائي الذي يعقد كل عامين من خلال المجلس الأعلى للثقافة، ويعدّ واحداً من أهم الملتقيات العلمية المتخصصة في مجال الرواية العربية. ونال الجائزة في الدورة الأولى عام 1998 عبد الرحمن منيف، بينما استقر منحها في الدورة الثانية لصنع الله إبرهيم الذي رفضها محرجا الدولة ومفجرا قنبلة من العيار الثقيل دوّت لفترة طويلة في الحياة الثقافية المصرية. أما الدورة الثالثة فحصل على جائزتها الروائي السوداني الطيب صالح، وتبلغ قيمتها المادية مئة ألف جنيه مصري.
نذكر ايضا جوائز الهيئة العامة لقصور الثقافة، والتي تعمل على تشجيع الشباب، وجوائز اتحاد كتاب مصر، وجوائز نادي القصة، وجائزة الجامعة الأميركية التي تمنح سنويا لأفضل رواية، وتحمل اسم نجيب محفوظ، وميزتها انها مفتوحة لجميع المتسابقين على المستوى العربي. أخيرا نذكر جائزة محمد تيمور للإبداع، التي ترعاها رشيدة تيمور، وجائزة عز الدين إسماعيل وجوائز جمعية الأدباء وجائزة سوزان مبارك لأدب الطفل التي بدأت منذ عام 1998 وينظمها المجلس المصري لكتب الأطفال. جوائز لا تعدّ ولا تحصى في حياتنا المصرية، يتلقفها الفائزون كتكريم عابر ليس إلا، آملين في أنها ستساهم يوما في شكل فعلي في مساعدة الكاتب على الانطلاق، بدلا من ان يتسوّل نشر كتابه من مؤسسات لا تؤمن إلا بالربح السريع، وتعتبر الكتاب محض "بضاعة".
ماذا عن فلسطين؟
بالنسبة الى الجوائز في فلسطين هناك مصدران أساسيان، هما برنامج الثقافة والعلوم الذي تديره جمعية القطان من رام الله للسنة الخامسة على التوالي، وفي جوائز سنوية لمجالات الأدب المختلفة فضلا عن الفن التشكيلي والموسيقى والكتابة الصحافية، وما تنظمه وزارة الثقافة الفلسطينية، مثل جائزة فلسطين وغيرها من الجوائز الرسمية. ولكن يمكن القول إن مؤسسة القطان هي الرائدة الحقيقية في هذا المجال، إذ تحفّز الكتّاب والفنانين الشباب عبر برنامج الثقافة والعلوم وتقديم الجوائز والمنح في حقول خلاقة مختلفة، ومنها جوائز أولى مقدار الواحدة منها أربعة الاف دولار في الرواية والكتابة المسرحية والقصة القصيرة والشعر.
وتنشر المؤسسة الأعمال الفائزة بالتعاون مع "دار الآداب" في بيروت. وتجدر الإشارة إلى أن المؤسسة، التي انطلق برنامجها في خريف 1999، ولاقى احتفاء كبيرا في الأوساط الثقافية الفلسطينية، تنظم في السنة المزدوجة جائزة الشعر والقصة القصيرة، وفي السنة المفردة جائزة الرواية والمسرحية، وذلك لإتاحة المجال أمام أجيال جديدة للمشاركة كل مرة، حيث أن جائزة القصة القصيرة والشعر تستهدف الكتاب الشباب الفلسطينيين ما بين 22 و30 سنة، في حين تستهدف جائزة الرواية والمسرح الكتّاب ما بين 22 و35 سنة.
نذكر اخيرا ان مؤسسة القطان تعمل مع لجان تحكيم مستقلة، تضم في عضويتها كتابا ونقادا فلسطينيين وعربا من مستوى رفيع. ومن الأسماء التي عملت في لجنة تحكيم هذه الجائزة على مر الأعوام السابقة، على سبيل المثال لا الحصر: فيصل دراج وصبحي حديدي وإلياس خوري ومحمد برادة وإدوارد الخراط وسحر خليفة وغسان زقطان وإبرهيم أصلان وحسن داوود وغيرهم. ومن شأن هذه الأسماء أن تمنح الجوائز صدقية واحتراما تفتقر اليهما معظم الجوائز الأخرى بسبب انتشار المحاباة والصفقات وغياب صيغة "الشخص المناسب في المكان المناسب" عن معظم لجان تحكيم الجوائز العربية.