أبجديات النقد الثقافي

د.محمد سالم سعد الله

أبجديات النقد الثقافي

جدلية كسر الأجناس وإفلاس النسق

د.محمد سالم سعد الله

[email protected]

يتم صياغة المشهد الفكري للمعطيات النقد الثقافي انطلاقاً من قاعدة : لكل دافع نقدي فلسفة ، ويتم صياغة المشروعية العقلانية لتبني الدوافع النقدية من رغبة السلوك المعرفي الثقافي في سدّ حاجة التحليل النصي من غياب المعنى ، وأزمة حضور المدلول ، ويسهم المثير الفلسفي في تشكيل مسار لحظة النقد الثقافي ، فضلاً عن تمثله لإفرازات تلك اللحظة على صعيديّ التوازن الدلالي ، والاضطراب المعرفي .

يعكس الصعيد الأول صورة السلوك الأجناسي الفاعل المُكيف مع التطورات الفكرية الحاصلة في اتجاهات مختلفة ، فضلاً عن تعايشه مع الآخر في علاقة تعددية لكنها ذات هدف واحد ، ويتجلى هذا الصعيد في معطيات التعامل مع أبجديات النقد الثقافي ، لأنَها استطاعت عقد اتفاقات معرفية من جهة ، ونقدية من جهة ، مع اتجاهات معرفية ونقدية أخرى ، وجميعها كانت متفقة على سيادة الدال واللعب على أوتار المدلول ، في عملية تحتكر مشروعية تأويل الدوال لتغيّب المعنى أو تساعد على فقدانه .

إنَ سلوك التأويل النقد الثقافي قدَم خدمات كبيرة للثقافة الغربية المعاصرة لأنَه عمد إلى قلب الحقائق والمقولات ، وأصبح المعنى المناقض هو المعنى الأساس : فالمقاومة أصبحت إرهاباً ، والخلق أصبح تقليداً ، والدين أصبح رجعية ، والمدلول أصبح مضللاً ، والجنس أصبح مباحاً ، والصيغ العقلانية غدت عولمة ، والمعنى الفلسفي والمعرفي أصبح أمركة
(
Americanization ) ، وإبادة الآخر أصبحت عملاً مشروعاً للدفاع عن الأنا .

ويكتسب التوازن الدلالي حيويته في هذا الصعيد من قوة الفلسفة المتبناة التي تمدَه بعناصر بقائه وتطوره ، وقد احتضنت البرجوازية هذه الفلسفة لتسهل عليها مهمة قيادة العالم .

أما الصعيد الثاني فيختزل فيه المثير الفلسفي لحظته النقدية نتيجة اضطرابه وعدم قدرته على رفد المسيرة النقدية ، والجنوح نحو الاختزال في هذه الحالة نتيجة طبيعية ، لأنه تعبير دقيق عن إفلاس الأنساق ، وتقدم النهج النقدي الذي رُهِن بتعايشه الفلسفي مع أسسه ، فإن اضطربت تلك الأسس اضطرب النهج النقدي ولم يعد يملك حركية بقائه .

وسيعالج البحث معطيات النقد الثقافي من خلال أبجدياته ، أي من خلال تناول بعض النقاد لمفرداته في مرحلة الولادة والتكوين ، وسنأخذ رولان بارت نموذجاً من خلال ثلاث مراحل :

1. مرحلة ما قبل البنيويــة : Prestructuralism .

2. مرحلة البنيوية والسيميائية : Semiotic and Structuralism .

3. مرحلة ما بعد البنيويــة : Poststructuralism .

ثم ندرس قراءات نقدية ثقافية في هذا الميدان من خلال قسمين : ( قراءة لاكان لفرويــد ، قراءة ألتوسير لماركس ) ، وتقدم هذه القراءات رؤية ومساراً نقدياً في إطاره الثقافي الذي يتسم بالشمولية ، ويجنح نحو تركات علمية تنتمي لميادين عدة منها : السياسي والاجتماعي والاقتصادي فضلا عن الجوانب النفسية ، وقد امتازت القراءات المنتقاة بمحاولة كسر حدود الجنس العلمي ، وتغييب خصوصية الحقل المعرفي ، وهذا يعكس جانب إفلاس النسق المؤسِس لبنياتها .

لقد شغلت دراسات رولان بارت ( - 1980 ) مساحة واسعة من النقد العالمي الشمولي الحديث والمعاصر : الغربيَ منه والعربيَ ، وقد نضجت تلك الدراسات في عصـر تلونـت فيه الأفكار ، وصُنِفت بظله المقاييس ، وتعالت الدعوات لتحطيم أصنام النقد الأدبي المتوارثة التي كانت تمثل الكيان النقدي ، والنظام النموذجي الذي لا يقبل التعديل أو التغيير .

إنَ طروحات بارت النقدية تمثل معطيات حرجة وغير مستقرة ، لأنَها خضعت لمزاج نقدي متقلب ، فهي لا تعكس المتتالية النقدية المنتظمة له ، بقدر ما توحي بالتلَون الفكري والنقدي ، واستخدام المقاربات الخطابية لبيان عدم قدرة النص على البوح بكل المعطيات اللامعلنة .

وانطلاقاً مما ذُكر يمكن تقسيم المعطيات النقدية لبارت ـ حسب أعماله ـ إلى ثلاث مراحل(1):

ـ مرحلة ما قبل البنيويــة : Prestructuralism .

ـ مرحلة البنيوية والسيميائية : Semiotic and Structuralism .

ـ مرحلة ما بعد البنيويــة : Poststructuralism .

ضمت المرحلة الأولى الأعمال الآتية : ( الدرجة الصفر للكتابة 1953 ، أسطوريات 1957 ، مقالات نقدية 1964 ، النقد والحقيقة 1966 ) ، وضمت المرحلة الثانية الأعمال : ( الأسطورة اليوم 1956 ، نظام الموضة 1963 ، مبادئ السيميائية 1964 ، مدخل إلى التحليل البنيوي للسرد 1966 ، درس السيميائية 1977 ، الصورة ـ الموسيقى ـ النص 1977 ) ، أما المرحلة الثالثة فقد ضمت الأعمال : ( إمبراطورية العلامات 1970 ، Z / S ـ رواية ساراسين 1970 ، لذة النص 1975 ، بارت بقلم بارت 1975 ، الغرفة الواضحـة 1977 ، خطاب عاشق 1978 ) .

تتسم المرحلة الأولى بالتركيز على ماهية الكتابة ووظيفتها ، والنظر إلى المظاهر الحياتية المختلفة على أنَها تشكل مجموعة أساطير بالمفهوم الوظيفي لا بالمفهوم الاصطلاحي ، فالوظائف اليومية كالأكل والشرب والعمل والحديث والحب والسياسة والاقتصاد والأعراف والعادات الاجتماعية … وغيرها كلَها تتحول ـ حسب مفهوم بارت ـ إلى أساطير يتعايش معها الناس ، وتغدو لديهم أفكاراً تتسم بالصيرورة والاستمرارية وتكون أشبه بـ( سيمفونية ) دلالية متواصلة ، تخفي وراء تمظهُراتِها أشياء عدَة غير معلنة ، ولكن يبقى كُنهُها المتداعي يحاور كل الذوات ، ويأسِرها بفعل الطبائع الحيادية المفتعلة ، ومنفعة الصيرورة المؤقتة .

وقد عدَ بارت الأشياء اليومية الاستهلاكية والتزينية بمثابة أنواع من السحر ، أو الأفكار ، أو المعاني التي تكتنِز الكلمات في اللغة ، والمظهر في الواقع ، ولهذه السلوكيات تأثير اجتماعي لأنَها تحولت ـ مع مرور التعارف والاتفاق عليها ـ إلى تسليم طوطمي يشابه إلى حد كبير طوطميات القبائل البدائية ، وهذه الطوطمية المرتبطة بفعل شيء ما ، إنَما أتى بها المجتمع خلال تطوره ، من خلال العلاقات القائمة بين أفراده(2) ، فمثلاً الصور والمشاهد الدعائية لا تُركز على حقيقة المنتوج في حدَ ذاته ، إنَما تركز على ما يرتبط به من سحرٍ اجتماعي وفطري تحيل إلى مدلولات ترتبط بالغريزة والطبيعة الإنسانية ، فالفتاة التي تقدم إعلاناً لمأكول أو مشروب معين تتحول إلى علامات اجتماعية ونفسية تخاطب الغريزة الجنسية لتتحول من ثمَ إلى سلوك طوطمي ، وهذا بالتحديد ما حمله خطاب بارت عن الدلالة وتحليل النصوص في المرحلـة الأولـى ، ولهـذا يقرر بـارت أنَـه " لا توجد لغة مكتوبة بدون ملصق يعلن عن هويتها "(3).

أراد بارت فصل العلاقة بين الشكل العياني وبين الوعي ، وقد مهدَ لذلك من خلال تمزيق حُجب الوعي واختيار اللغة بوصفها الأداة أو المحفِز الذي سيجابه الحقيقة ، وعند تغييب الحقيقة ستسهل عملية خلخلة الشكل والتلاعب بموضوعاته ، وانتقل وعي الكتابة مع بارت إلى وعي إيديولوجي واتسمت لغة الكتابة بأنَها لغةٌ غير بريئة ، يقول بارت : " لم يكن ممكناً تمزيق الشكل ما دام الوعي غير ممزق … والشكل الأدبي يمكنه أن يثير الأحاسيس الوجودية الملتصقة بتجويفه كل موضوع إحساس : الشذوذ ، والألفة ، والتقزز ، والاستعمال ، والقتل "(4) ويؤكد أنَ " اللغة لا تكون قط بريئة ، فالكلمات لها ذاكرة ثابتة تمتد بغموض وسط دلالات جديدة "(5).

أراد بارت في هذه المرحلة الكشف عن حضور الإيديولوجية في الكتابة وتمثل انطباعات مختلفة في استعمال اللغة ، والإشارة إلى حقيقة أنَ اللغة كلَها محكومة بمعنى محدد لها من قبل ، فهي توجد في ثقافة معينة وتنطوي على فرضيات منبنية من الواقع الاجتماعي(6) ، ووفقاً لذلك أعلن بارت أنَ الكتابة مؤسسة إنجازية علامية ، تكون أكثر صدقاً إذا ما طُبقت على الكتابات السياسية إنَها تبدي ـ حسب رأيه ـ جوهراً وتُهدد بإفشاء الأسرار(7).

لقد شكلت الكتابة عند بارت الهاجس العُصابي ، والبناء المنغلق على المعاني ، وفعل الهدم الذي يطال كل صوت وكل اصل(8). إنَ للكتابة عالماً خاصاً بها مستقلاً عن حياة مؤلفيها ، إنَ لها رسائل كامنة لا واعية تعمل على إبقاء أساطيرها الخاصة عن طريق فعل التسليط الإيديولوجي الذي حاول بارت الكشف عن أقنعته من خلال توظيف ثنائية سوسير : اللغة / الكلام ، وتحويلها إلى ثنائية : الشفرة / الرسالة ، على نحوٍ يوحد بين اللغة والشفرة ( Code ) وبين الكلام والرسالة ، وقد أكمل بارت هذا الإجراء من خلال مصطلح البنية المزدوجة ( Double Structure ) لتفسير المعاني المزدوجة للكلمات في الكتابة مما يفضي إلى تأكيد فاعلية المؤشرات اللغوية التي أسماها ياكوبسون : المُحولات ( Shifters )(9).

أما المرحلة الثانية فقد شكلت منعطفاً كبيراً في المسار العقلاني النقدي لفكر بارت على صٌعدٍ مختلفة : السياسي والنقدي واللغوي .. فبعد التأثر الواضح في كتاباته في المرحلة الأولى بالفكر الماركسي والاشتراكي ، أصبحت النغمة الفكرية المتصاعدة في المرحلة الثانية هي فكر يميني معتدل ، والقصد من ذلك اتجاه بارت إلى تبني البرجوازية بعدما أظهرت الماركسية عدم قدرتها على التأثير بشكل كبير على الفكر الليبرالي المتنامي ، وبذلك اصطبغ الفكر البارتي الجديد بتلمس الجماليات السياسية من إمبراطورية النسق المتعالي ، ومن تفاعل المفاهيم الثورية الرأسمالية مع التسليم الدلالي في حركة النص .

إنَ نغمة بارت في السيميائية كانت دقيقة وواضحة ، ونغمته في البنيوية كانت خافتـة وباهتة لا سيما في كتابه " الأسطورة اليوم " ، و" مدخل إلى التحليل البنيوي للسرد " ، وانطلاقاً من ذلك يمكن القول أنَ بارت في أعماله النقدية لم يُعر أهمية للتحليل البنيوي بقدر انصرافه نحو التحليل السيميائي ، بل يمكن القول أنَ التحليل البنيوي عند بارت لم يكن إلا طريقاً يتوصل من خلاله إلى تأصيل وتفعيل الممارسة التحليلية للسيميائية ، ويكون هذا الرأي صائباً إذا عُلِم أنَ بارت تحول بشكل مباشر ـ في بداية السبعينيات تقريباً ـ إلى ما بعد البنيوية ، موجِهاً لها ـ أي البنيوية ـ انتقادات كبيـرة ، وإرساليات منهجيـة هدامـة ، واصفاً إيَاها بـ( السذاجة )(10)، ونظرة نقدية فاحصة لمُؤلفات بارت في هذه المرحلة تُؤكد صحة هذا القول .

وبنيوية بارت في هذه المرحلة لم تكن برنامجاً بارتياً خالصاً ، بل لقد مثلت ( مونتاجاً ) نقدياً لجهود نقاد كُثر في هذا الميدان ، بدءاً من ثنائية سوسير عن اللغة والكلام ، مروراً بشكلانية ياكوبسون ، وانتهاءً بمعطيات بنفنسنت اللغوية ، ومفاهيم شتراوس وفراي التنظيرية ـ على حدَ اعتراف بارت ـ(11).

وتشكل هذه المرحلة ممارسة طقوسية تزدان بالصبغة العلمية والموضوعية ، فقد رفع بارت بعض الشعارات لدراسة العلامة بين البنيات ، وبيان الإزاحة التي تُحدِثها الأنساق في حركة البنى داخل النص بشكل جزئي ، وداخل العالم بشكل كلي ، لأنَ كل شيء يتكون من بنى هو بناء إيحائي ونسق من التواصل(12)، هو حالة متواصلة متواترة لعلاقات الانسجام والتوافق بين حركة الأنساق من جهة ، وتشكيل البنى من جهة أخرى .

إنَ الثقل المنهجي والمعرفي استقر في هذه المرحلة على تأسيس مسلكٍ يتسم بالجدة والحداثة لدراسة السيميائية ، مسلكٌ منح المؤسسة البارتية خصوصية سيميائية ـ بل إبداع أحد اتجاهاتها ـ وهو ما يعرف بـ( سيمياء الدلالة : Semiotic of semantic ) ولم يكتفِ بارت بذلك ، بل حاول الحديـث عن النص بوصفه ( نظريةً ) محدِداً تمفصلات هذه النظرية بالأجزاء الآتية (13) : ( الممارسات الدالة ، الإنتاجية ، الدليل ، النص الظاهر ، النص المُنجـب ، النص الجامع ، التنـاص ، الأثر ، الممارسة النصية ) ، هذه الأجزاء تناصت بشكل كبير مع معطيات كريستيفيا في الإطار نفسه ، والفرق بين توجه بارت عن النص ، وتوجه كريستيفيا : هو أنَ بارت أراد تأسيس نظرية ذات معالم محددة ، وبناءٍ منهجيَ مُنتِج ، في حين أرادت كريستيفيا من حديثها عن النص تأسيس علم ذي مفاهيم لا تعرف التحديد لأنَها في حركة تصاعدية دائبة للكشف عن ( الميكانيزم ) الذي يكتنِز النص ، وأطلقت عليه ( الايديولوجيم ) ، فضلاً عن رؤية لاهوتية تتبناها كريستيفيا في أنَ النص سيرورة مزدوجة لإنتاج المعنى وتحويله ـ حسب تعبيرها ـ(14).

وتُشكل نظرية النص العتبة الرئيسة لتشكيل سيمياء الدلالة ، فالنص ـ حسب بارت ـ هو نسيج الألفاظ المنسقة ، وهو جزء من مجموعة مفاهيم تشكل العلامات ، وهو وعاء لمادية الدال ، ومفهومه مرتبط بميتافيزيقيا الحقيقة ، وهو الجامع الشكلي للظواهر اللسانية ، وهو ممارسة دالة ذات منزلة مخصوصة في السيميائية ، فضلاً عن أنَ النص إنتاجية وهو حقل لإعادة توزيع اللغة عن طريق التناص الذي يشكل قدر كلَ نص إبداعي بشري مهما كان جنسه …(15).

وشكلت المرحلة الثالثة التفعيل المنهجي لمسيرة بارت النقدية ، وفيها تحددت آراؤه ، وشهدت لها مواقع حيوية في الطرح الفكري والنقدي لما بعد البنيوية بسبب تبنيها لفكرة إزالة المركز ، وتغييب المعنى ، وإعادة صنع المفاهيم ، واللعب المستمر في ممارسة تأويل الدوال واستلاب المدلول ، وعد ( النص جسداً )(16) يتحمل اللذة والألم ، والرغبة في استثمار الدليل في مياديــن لا متجانسة . ويؤكد بارت على أنَ الانتقال النقدي المنهجي من البنيوية إلى ما بعد البنيوية هو باختصار انتقال من ( العمل ) إلى ( النص )(17)، ويمكن للقارئ أن يفصل بين مرحلة بارت البنيوية ومرحلته لما بعد البنيوية من خلال الفصل بين كتابيه : ( مدخل إلى التحليل البنيوي للسرد) وكتاب ( Z / S )(18)، وقد اتسمت هذه المرحلة الأخيرة بالتحليل النصي (Textal analysis ) ، ومن أهم أسباب تحول بارت من البنيوية ( صاحبة بناء المعنى المُحدد ) إلى ما بعد البنيويــة ( صاحبة تفكيك البنى والمعنى اللامحدد ) هو " نزوع العلمية الميكانيكية البنيوية وتحولها إلى نسبية فلسفية غامضة ، وإلى إحلال كلمات مثل الخطاب والدال

والنص محل المصطلحات التقليدية في الفلسفة ، وإحلال رقي وتعاويذ عدد التعيين اللامتناهي الخاص بالقراءة والتلميح ، محل الإشكاليات التي يمكن تحديدها في النظرية الأدبية "(19)، وهذا النزوع والتحول قد خالف منهجية بارت في مرحلته الثانية من تبسيط البنيوية والسيميائية وفتح مجالاتهما لتشمل كل الميادين الأخرى في حين اتجهت البنيوية إلى تقييد ممارساتها وتحليلاتها حتى غدت مختبـراً آليـاً لاستقـراء وإحصاء البنـى ، وقد وُصِـف تحـول بارت مـن البنيويـة إلـى ما بعـد البنيويـة بأنَـه نـوع من الراحـة الفنتازيـة من القيـد السـادي ـ المازوخـي ( Sadomasochism ) البنيوية(20).

وتأتي شهرة بارت الواسعة في الميدان النقدي ليس بسبب آرائه النقدية الناضجة ، وأسلوبه التحليلي المتميز حسب ، بل لأنَه عالج ودرس جميع مظاهر الحضارة الغربية وربطها بأسسها الأيديولوجية والفلسفية والفكرية ، انطلاقاً من عالم الأزياء والماكياج والسلوكيات الجنسية ، ومظاهر الأكل والشرب والكلام ، فضلاً عن أدق الأشياء كالمنظفات والصابون وتصفيف الشعر ، والرقصات الشعبية … الخ ، ولم يدع مظهراً من تلك المظاهر إلاّ وبيّن خصوصيـة ذلك الشيء أولاً ، وأهميته للحياة اليومية ثانياً ، ودور المؤسسات السياسية والاقتصادية في تفعيله إيجاباً أو سلباً ثالثاً ، فضلاً عن تحويل كل تلك المظاهر والأشياء عند دراستها إلى لغة تنتمـي ـ وفقاً لبارت ـ إلى ثقافة بورجوازية تُشعِل بصورة دائمة معركة الأنساق اللغوية(21).

ويمكن إجمال أهم المعطيات النقدية لبارت التي أسهمت في انتعاش الطرح النقدي لما بعد البنيوية ، ورفد الممارسة المنهجية للحركة الفكرية لها بما يأتي :

ـ سيمياء الدلالـــة : Semiotic of semantic .

ـ لذة النــــص : The pleasure of the text .

ـ موت المؤلـــف : The Dead of the Author .

ـ التحليل النصــي : Textal analyses .

يتضمن المعنى الأول ما أطلق عليه بارت : عناصر السيميائية Elements of semioticوهي أربعة عناصر تنتظم في أزواج ثنائية وكالآتي(22):

ـ اللسان والكــلام .

ـ الدال والمدلــول .

ـ المركب والنظـام .

ـ التقدير والإيحـاء .

ويتضح الأثر النقدي لسوسير في هذه العناصر ، فقد رُتبت وفقاً لتناول سوسير لها من قبل ، فاللسان ـ حسب بارت ـ مؤسسة جماعية ونظام من القيم ويقابل ( اللغة ) عند سوسير ، أما الكلام فهو فعل فردي للاختيار والتحقيق ، واللسان مُنتِج للكلام ، ولا لسان بدون كلام ، ولا كلام خارج اللسان(23)، والفرق بين تناول سوسير للغة والكلام ، وتناول بارت لهما ، أنّ سوسير انطلق من قاعدة جزئية اللغة وعمومية السيميائية ، في حين انطلق بارت من القاعدة نفسها لكن بصورة معكوسة حيث جعل الجزئية مقرونة بالسيميائية والمظهر العام من نصيب اللسانيات ، وهذا ما دفع بارت إلى التركيز على خصوصية السيميائية ومنحها الهوية النقدية بغية الوصول إلى مشروع اللغة العام الذي يلف جميع المظاهر والأشياء كما قرر سلفاً في كتابيه : ( الأسطوريات ، ونظام الموضة ) ، فضلاً عن أنّ تناول سوسير لهذه الثنائية كان امتداداً وتطوراً لعلم الانثروبولوجيا ، أما تناول بارت لها فقد كان امتداداً وتطوراً لعلم العلامات .

والدليل عند بارت مكون من عنصريّ الدال والمدلول ، حيث يشكل صعيد الدوال صعيـد العبارة ، ويشكل صعيد المدلولات صعيد المحتوى(24)، ويمارس الدال دوره بوصفه التشكيل اللفظي للصورة العيانية في الإحالة إلى مدلول أو أكثر ، مرتبطاً بشكل عضوي مع الدوال النصية الأخرى ، ومرتباً في أنساق تحمل معها التنوعات والتمثلات لحركة الدوال وصراعها مع بعضها للتموضع في النسق الجيد الذي يشتغل على تمثيل كل الأشياء ـ حسب تعبير بارت ـ(25)، ويحمل الدال كذلك مسؤولية دلالية في الحفاظ على ديمومة الخطاب وفاعليته ، وانتظام الدوال في النظام النصي هو الكفيل بتمثيل المعنى ، والبقاء على الترتيب المنسق للعلامات ، أما المدلول فهو رهينٌ بتأويل المُكون الدلالي لرُتب الدوال ، وقد يتيه المدلول في دروب إحالة الدال إلى دال آخر ، والانتقال من عتبة المقصد العلامي إلى واقع تبريري لاستيعاب تعدد الدوال ، وهنا يكون تحصيل الدليل عقيماً لأنّ صيغ المدلول ما عادت تجسد الحضور التقليدي القاضي بإحالة الـدال إلى مدلـول ، وهذه النقطة في شكلها النقدي المتواضع كانت تمثل ـ بل مثلت ـ ديمومة الفعل اللُّعبيّ الذي ساد العلاقة بين الدال والمدلول في معطى ما بعد البنيوية ، والمدلول بوصفه التشكل المعنوي للصورة الذهنية في الإحالة على الدلالة وكشف حُجب العلامة ، لم يعد يقوم بدور فاعل في معطيات ما بعد البنيوية بسبب الارتكاز على قوة الدال لغرض التلاعب بالمعاني حسب ما يقتضيه الموقف ، وحسب ما تقتضي الحالة الإيديولوجية في تجميل التوجه ، وتعرية الحقيقة .

وتقتضي الثنائية الثالثة تلّون اللغات بتشكل مزدوج ، وتضمين تعارضات تساعد على تنوع المعنى ، وتحتوي اللغة ـ حسب بارت ـ على نوعين من التعارضات الأول : تعارضات تمييزية بين الوحدات الصوتية ، والثاني : تعارضات دلالية بين الوحدات العلامية ، فضلاً عن المقصد النظامي لتناغم الأنساق الذي يعدّه بارت شرطاً مُلحاً لعملية تصيّد عقلانية الدلالة(26).

وتشير الثنائية الأخيرة إلى التفرقة بين النص المُشكّل علامياً ، والنص التقريري ، ويؤكد بارت في هذا السياق على أنّ البحث السيميائي يهدف إلى إعادة بناء اشتغال الأنظمة الدلالية غير اللسانية تبعاً للمشروع ذاته الذي يضعه كل نشاط بنيوي نصب عينه وتكوين هيكل عياني للأشياء(27)، بمعنى تكوين عملية إنبناء ( Structuralization ) الدوال وتشكيلها بوصفها علامات ، وهذه العملية تشبه إلى حد كبير عملية إضفاء ما هو علامي على ما هو غير علامي ضمن ما يعرف بالسمطقة ( Semiotization ) .

إنّ إطلاق ( سيمياء الدلالة ) على معطيات بارت في ( عناصر السيميائية ) هي من قبيل الخصوصية التي ميزت هذا النوع عن مثيليه في التقسيم ( سيمياء التواصل ) و( سيمياء الثقافة) ، والاختلاف بين هذه الاتجاهات هو اختلاف يرجع إلى وظيفة الدليل : ( Function of signification ) ، فسيمياء التواصل تقسّم العلامة على ( دال ومدلول وقصد ) ، والعلامة عندهم أداة تواصلية قصدية ، والدليل لا يكون فاعلًا ألاّ إذا كان أداة تواصلية قصدية ، لذا انحصرت عندهم موضوعات السيميائية في الدلائل على مبدأ الاعتباطية (Arbitrary ) ، وتنظر سيمياء التواصل إلى الوظيفة التواصلية على أنَها لا تختص بالرسالة اللسانية فحسب ، بل تتعداها إلى البنيات السيميائية التي تتشكل منها الحقول غير اللسانية الأخرى ، أما سيمياء الثقافة فقد انطلقت موضوعاتها من عدّ الظواهر الثقافية موضوعات تواصلية ، وانساقا دلالية ، وما الثقافة في نظر أصحاب هذا الاتجاه سوى إسناد وظيفة للأشياء الطبيعية وتسميتها ، وهي بذلك تكون مجالا تواصلياً تنظيميا للإخبار في المجتمع الإنساني ، والعلامة عندهم تتكون من بناء ثلاثي ( الدال والمدلول والمرجع ) وهو تصور يختلف عن بناء بارت الثنائي ، ويتفق إلى حدّ ما مع بناء بيرس الثلاثي ( الموضع ، الوسيلة ، الممثل )(28).

أما المعطى الثاني من معطيات بارت فهو ( لذة النص ) ، إذ يعدّها بارت قيمة انتقلت من الوصف الاجتماعي إلى مرتبة الدال ، وقد ربط بين تولّد الدلالة وبين إنتاج اللذة المتحصلة من النص ، ولهذا الأخير صوت محدد يطلق عليه بارت ( هسهسة Bruissement )(29) وتقوم هذه الهسهسة على تخيل ( الشبقية Erotic ) الحاصلة والكائنة في معطيات النص ، إذ تتحول عملية القراءة إلى عملية جنسية يلتحم فيها الطرفان ( القارىء والنص ) ، فالنص يمارس دوره في إعطاء اللذة ، والقارىء يمارس دوره أيضاً في تلقي تلك اللذة وتحليل علاماتها إلى أدلة ، وقد اتجه بارت إلى وصف الهسهسة بـ( اليوتوبيا Utopian )(30) لأنّها تساعد في عملية التلقي على تخيل انسياب المعنى والفوز بتحصيله ، ولـذلك فالنص الموصوف بـ( التلذذ ) ـ حسب بارت ـ هو النص الذي يرضي فيملأ ، فيهب المتعة ، إنّه النص المنحدر ثقافيا واجتماعياً ، ويرتبط بممارسة مريحة للقارىء عند عملية القراءة(31).

وقد عمد بارت إلى التمييز بين اللذة ( pleasure ) ، والمتعة ( jouissance ) ، لترتبط لذة النص برسالته الفكرية ، بينما تغدو المتعة حالاً لازماً من أحوال اللذة التي لا تتعدى نفسها ، ولكن تنطوي على نوع من السرية والإشباع والتحقق الجنسي ، وبهذا تحول النص عند بارت إلى موضوع خالص للذة ينتظم في سلسلة من الشفرات الإيحائية التي تتخللها تنظيمات علامية تحيل جميعها إلى النشاط الجنسي(32)، فضلاً عن أنَ اللذة هي عنصر من عناصر إشباع الغريزة ـ سواء كانت بايولوجية أم فكرية ـ في حين تمثل لحظة المتعة ـ حسب بارت ـ حالة من الضياع تحيل الاستمتاع رهقاً وعذاباً ، واللذة فكرة يمينية معتدلة تسهم في إنعاش السلوك البشـري ، في حين تمثل المتعة فكرة يسارية متطرفة تجلب الشقاء أكثر من جلبها السعادة(33).

إنّ بارت سعى من خلال ما قُدِم سابقاً عن الفرق بين اللذة والمتعة ، إلى بيان أهمية النشاط الجنسي في قراءة النص ، فضلاً عن إيقاف أو تقليل عملية استلاب المعنـى المرتبطـة جوهريـاً ـ حسب بارت ـ بالاستلاب الجنسي الحاصل في الواقع اليومي ، والخاضع بشكل كبير إلى لغة انتهاكية قد لا تقف عند حدود فاصلة بين الرغبة الجامحة وبين الفعل المغتصِب ، ولذلك ربط بارت بين الشفرات الجنسية وبين لغة العنف ، لانّ الثانية هي من نتاج الأولى(34).

وقد آمن بارت بمذهب اللذة Heobuism الفلسفي(35)، وربطه مع معطى الألم Painلإثارة القراءة ، وتحفيز أسسه الثقافية وتفعيل علاقته مع اللغة ، وإيجاد حالة من التوازن في عملية التلقي بين نزعة الموافقة الثقافية مع الشكل النصي ، وبين الميل إلى تحطيم الأشكال اللغوية(36)، لذلك كان مبدأ اللذة النصية حالة من الاتساق تقتضي تحويل النص أو عملية الكتابة إلى جسد (Body ) يتم ممارسة فعل التلذذ مع أجزائه ، وتوصف عملية القراءة بأنّها حركة الجسد المتموج قياساً إلى الفعل الجنسي ، وقد أطلق على عملية القراءة هذه ، وتخيل النص بوصفه جسداً ، وإزاحة المعاني وتحصيلها عن طريق اللذة بـ( التحرر الجنسي الفانتازي )(37).

وتركيز بارت على تمثيل النص بالجسد ناتج من كون الجسد في الواقع حالة مشهدية دائمة إزاء الآخر ، فضلاً عن إمكانيـة الجسـد كي يصبح دالاً ، وحاملاً للعلامات ، وفضلاً عن مقاربة ـ لا تخلو من التأمل ـ بين تعرية النص من أقنعته ، وتعرية الجسد من تمايزه(38).

ويمكن القول أنّ بارت أراد المراهنة على إمكانية القارئ من الرقص على أنغامه الخاصة لا على أنغام النص ، وقيامه بالإسهام في وقائع الدلالة من خلال إبداع سياقات مؤتلفة ومختلفة بحيث تصبح كل قراءة بمثابة تحدٍ لذاكرة القارئ ، بل يغدو النص نفسه نصاً داخلياً أكثر منه نصاً نهائيا أو محدداً ، وبذلك يمكن ملاحظة الرابط الدلالي بين توجه بارت وتوجه نقد ما بعد البنيوية الذي يقتضي استحالة الحياة الدلالية خارج نصٍ لا نهائي(39).

ويتجسد المعطى الثالث ( موت المؤلف ) في لغة طقوسية موروثة عن ( نيتشه ) الذي تحدث عن ( موت الإله ) ، وقد استثمر بارت هذه الفرضية ليحولها إلى دينامية دلالية تطال فرضية النص واستئناف فاعليته ، وإعادة هيكلته ( Restructuring ) عن طريق فصله عن الناص والحكم عليه بالزوال .

وقد تحول الإنسان / الناص مع معطيات بارت إلى حقيقة لسانية متجسدة في داخل النص ، بحيث تمثلت العملية بإفراغ محتوى الناص في أنظمة النص ، ولهذه العملية توجه يقتضي ميلاد القارئ على حساب المبدع وكفاية النص لذاته(40)، وأنَ بإمكان عملية القراءة الإمساك بجوانب النص وتأويلها من دون اللجوء إلى إرشادات الناص أو خبرته أو تدخلاته التي تضع حدوداً وضوابط لنشاط التلقي ، لقد أصبحت فرضية موت المؤلف صيحة الحرب النقدية الجديدة التي يمكن للنقد الحديث إطلاقها الآن بكل ثقة ـ على حد تعبير إيكلتن ـ(41).

ويؤكد بارت أنّ شخصية المؤلف حديثة النشأة وهي من خلق الأيديولوجية الرأسمالية وأنّ نظرية النص لا يمكن لها أن تتم إلا بإتاحة المجال أمام أنظمة النص بالعمل من دون القيود التي يفرضها المؤلف ، فضلاً عن أنّ غياب أو زوال ( الناص ) يقود إلى لا نهائية الدال بمعنى التوليد الدائم المستمر داخل مجال النص وفقاً لحركة تسلسلية للتداخل والتغيير ، للتداعي والتجـاوز ، وأنّ النص يوصف بأنه تصدٍ وانتقال مستمر بين الدوال وهو لا يتصف بذلك إن لم يُحكم على المؤلف بالزوال(42)، فالنص لا ينشأ عن رصف كلمات تولّد معنى وحيداً ، ومعنى لاهوتياً طبقاً لرسالة المؤلف ( الإله ) وإنّما هو فضاء متعدد الأبعاد تتمازج فيه كتابات متعددة وتتعارض(43).

إنّ مقولة ( موت المؤلف ) عند بارت تأتت من فرضية ( موت الإنسان ) الفلسفية التي نادت بها البحوث الفلسفية الحديثة المتأثرة بشكل كبير بفرضية نيتشه عن ( موت الإله ) ، والنقد الذي يتبنى مقولة ( موت المؤلف / الإنسان ) يرد كل واقع إلى البنية من دون أن يرجع أبداً من البنية إلى الواقع الإنساني المولّد لها ، ولقد دعا ماركس ـ مثلاً ـ إلى كون الفرد هو جملة علاقاته الاجتماعية ، بمعنى تحول الفرد عند ماركس إلى علاقات البنى الاجتماعية مع بعضها البعض(44)، ولا شك أنّ دعوة زوال المؤلف / الإنسان هي دعوة الإطاحة بمركزيته في الكون وفي تفسير ومعرفة ما يجري حوله ، وهذه الدعوة سبقتها دعوات ثلاث لخلخلة مركزية الإنسان ، وهذه الدعوات هي(45):

1. ثورة كوبرنيكوس (Copernicus revolution ) ، التي حكمت على ميتافيزيقا الحضور بالانتهاء ، وكل ما يتصل بها من مناهج التحليل والشرح التي ترتكز على مركز واحد لا يرقى إليه الشك ، وابتعاد النص عن كونه المصدر والمركز الذي ينبع من معناه ، فضلاً عن دور هذه الثورة في قهر ( المركزية ) ، أي الابتعاد عن تصور الشخصية الإنسانية الأوربية بوصفها مركزاً للوجود(46).

2. ثورة داروين البايولوجية التي حولت حوار الإنسان مع الإله ، إلى ملحمة الحياة المتوحشة والصراع من اجل البقاء .

3. ثورة فرويد النفسية التي قيدت الإنسان بمجموعة من القِوى اللاواعية التي تحكم سلوكه وتصرفاته .

ووفقاً لهذه النظريات أصبحت فرضية سيادة الإنسان على محيطه وعلى نفسه محظ وهم وخرافة ، وعلى هذا لم يعد بمقدور الإنسان التعريف عن نفسه بوساطة مفردات الذات ، وإنّما يتم ذلك عن طريق مفردات البنية ، إذ تحولت الثيمة من ( الذاتية ) إلى ( البنية ) ، واختزل الإنسان إلى وسائط للإنتاج ، وشيئية في مستوى التعامل .

إنّ سقوط الإنسان ـ وفقاً لما سبق ـ لم يتأت من ترف معرفي وفكري ، أو محظ تمرد عدمي على اللاهوت والكنيسة ، إنّما تأتى من كون " طاقة الإنسان على ممارسة قدرته في تدمير ذاتيته تزيد من طاقة أنظمته الارتدادية على تصحيح سلوكه "(47)، فالجوانب المعتمة في داخل الإنسان أي ( القيم المتدنية ) تكون ذات قوة كبيرة إذا ما أُتيح لها المجال لممارسة أفعالها .

وقضية تحويل ( النشاط الإنساني ) إلى ( بنية ) مسألة فيها نظر ، لأنه من غير المشروع اختزال الإنسان إلى دراسة الصنائع الإنسانية ، واستبدال دراسة الممارسة الإنسانية إلى دراسة للنتائج التموضعية داخل هذه الممارسات ، وهذا قد يقود إلى تصور مُفتعل للبنية يقتضي منحها قواماً وجودياً يتخطى حدوده العلمية ليمارس سلطته ـ من ثمّ ـ على الإنسان نفسه ، فضلاً عن أنّ عملية إسناد المعرفة المتراكمة لمستوى تموضع البنى قد يقود إلى ميتافيزيقا واقع البنى المتعالي ، أي تكوين لا وعي مُؤلّف من مقولات لا تحيل إلى ذات مفكرة ، وتكون مصدر سائر البنى المتعالية الأخرى وهذا هو حقيقة وصفها ( كانتية من دون ذات متعالية ) ، أي وجود نشاط معرفي ونقدي ، ووجود ممارسات متعددة حاضرة ، لكنها بلا ( كوجيتو ) إذ الذات فيها تكون غائبة(48).

لقد أرادت البنية من خلال مقولة ( موت المؤلف / الإنسان ) السيطرة على مقولات الناص وبناء الكيانات المعرفية المتموضعة في نشاطها ، وإضفاء سمة العلمية والاتزان على ممارساتها ، لكنها ما لبثت أن تمردت على ثبوتيتها العلمية وأعلنت عدم اتساق نتائجها ، مما جعل بعضهم يُشكك في مقولة ( موت المؤلف ) لأنّها مقولة أحادية وعاجزة عن فهم الظاهرة الإبداعية بكل شمولها ، والتشكيك كذلك في دوافع هذه المقولة الفلسفية والوجودية ، وعُدّت وفقاً لذلك مغالطة نقدية غير متماسكة ، لأنّ النص ظاهرة معقدة مرهونة بعوامل عدة ، ولا يمكن اختزالها إلى عامل واحد(49).

أما المعطى الأخير ( التحليل النصي ) فقد ألقى بظلاله على معظم التداول النقدي ، التحليلي لما بعد البنيوية ، لأنّه قدّم رفضاً مطلقاً للمتابعات النقدية التقليدية ، وأعاد للقدسية النصية المُنتهكة حقوقها الاستراتيجية ، وبعد أن كان التحليل النصي حواراً بين الناقـد والنـص بوجـود الرقيب ـ أيّاً كان شكله ونوعه ـ أصبح التحليل النصي مع بارت حواراً بلا رقيب وكشفاً بلا حدود ، وتمثلاً لاستئناف مستمر لمستويات المعنى ، ولم يكتفِ التحليل عند هذا الحدّ حسب ، بل أصبح دعوة إلى تعدد الحوار ، وفحص المقولات ، واستنتاج الفرضيات .

لقد اتجه بارت في خطته لتقديم تحليلٍ نصيٍ ذي نكهة حداثية ، إلى عدّ النقد ممارسة فوق اللغة ، بمعنى أنّ مهمة النقد لا تتحدد باكتشاف الحقائق بل الإقرار بأهلّيتها ، أو جوازها ، وأنّ اللغة هي نفسها ليست صادقة أو غير صادقة ، بل أنّ حدها يتمثل بجوازها أو عدم جوازها ، وحدّ جوازها هو أن تُؤلف نظاماً منسجماً متسقاً من العلامات في النص ، وأكدّ أيضاً على أنّ التحليل النصي يعمل على الكشف عن المعنى المُجسِد للقيم ـ سواء كانت إيجابية أم سلبية ـ وهو يقترح ذلك المعنى ولكن لا يُحدِده ، لأنّ المعنى مفتوح حسب تلقيه ، والنص ـ كما قرر بارت ـ " يتكلم وفقاً لرغبات القارئ "(50) ولذلك فإنّ مهمة التحليل النصي ليست إعادة بناء رسالة النص بل بناء نظامه حسب(51).

ومن الطروحات ذات الخصوصية التامة لبارت هـي مسألـة ( خيانة اللغة ) لأنّـه ـ ووفقاً لبارت ـ لم يتبق للتحليل النصي إلاّ مراوغة (Indeterminacy ) اللغة وخيانتها ، وهذه الخيانة تسمح بادراك اللغة خارج سيطرتها في ثورة دائمة ، وهذه هي وظيفة النص المتشكل من نسيج الدلائل والعلامات ، وقد أراد بارت من هذا التوجه الانفلات من فاشية اللسان وتسلط اللغة التي عدّها سلطة تشريعية اللسان قانونها(52)، وقد نسي بارت أنّه وقع في فاشية من نوع جديد تتمثل في الاعتداء على ملكية اللغة الأزلية التي تقتضي اشتغال وحدات العلامات بعيداً عن طرق التلاعب بها وتحويل مسارها الدلالي ، وما أراده هو تقديم المعنى البعيد والتلاعب بحقيقة النص وفقاً لرغبات فعل المراوغة ، ويتضح ذلك من خلال مقالته : ( من العمل إلى النص )(53).

إن مستوى التحليل النصي لبارت في هذه الكتابات هو مستوى رافض للمقولات البنيوية الجوهرية عن العلاقة بين البنى الصغيرة والنظام الكلي للنص ، وهو أقرب إلى التحليل التفكيكي منه إلى التحليل البنيوي الذي يدرس الأعمال الفردية ليستخلص منها البنى المرتبطة بعلاقات تحكمها قاعدة التضاد الثنائي ( Binary opposition )(54)، ويمكن تحديد خطوات التحليل النصي عند بارت بما يأتي(55):

1. الكشف عن الأصوات المتعددة داخل النص .

2. تصنيف المادة الدلالية في النص بالاعتماد على مكونات ثلاثة ( اللسانيات ، التحليل النفسي ، المفاهيم الماركسية ) .

3. بناء نظام النص من خلال تفكيك الرموز بالاعتماد على أُسس معرفية ذات منهج له أدواته في تفكيك النص .

وقد مارس بارت خطوات تحليله النصي بشكـل واسـع في كتابـه ( Z / S ) ، معالجاً رواية ( ساراسين ـ لبلزاك ) وفقاً لعدّها بناءً رمزياً مُشفراً مُرتكزاً على أركان ثلاثة هي : ( اللغة ، والاقتصاد ، والجنس ) ، محاولاً البحث عن الأقنعة الأيديولوجية البورجوازية لتعريتها ، وقد أسست المرتكزات الثلاثة هذه تأويلاً لمستوى الرمز في رواية ساراسين ، وأحال ترابطها إلى معارف ثلاث : ( اللسانيات ، والتحليل النفسي ، والمفاهيم الماركسية ) ، وقد أسس بارت رؤيته لهذا التحليل وفقاً للتعددية المنطوية على فكرة مراوغة النص والكشف عن ميزة اختلافه وتعدده انطلاقاً من رغبته في بيان العلاقة بين السيميائية والأيديولوجية ، فضلا عن هدفه في تكسير وتفكيك الرمزية الغربية وخطابها(56).

ولقد حدّد بارت شفرات خمس لتحليل رواية ساراسين هي : ( التأويلية ، والدلالية ، والرمزيـة ، والإيحائية ، والثقافية )(57)، وقد امتزجت هذه الشفرات مع الأركان الثلاثة السابقة مقدمة تحليلاً يتسم بالشمولية والاتساع ، ويمكن تحديد أهم المفاصل التحليلية التي استند عليها بارت في مقاربة نص ( بلزاك ) من خلال الاعتماد على الأركان السابقة ، وكما يأتي :

1. اللغة : ( النص المتألق The starred text ، النص المكسور The Broken text ، الشفرات الخمس The five codes ، نسيج الأصوات The weaving of voices ، إذابة الأصوات The Dissolve of voices ،التحول بوصفه لعبة Transformation As Game، المدلول والحقيقة Signified and Truth ، ثرثرة المعنى The prattle of Meaning ، …… )(58).

2. الاقتصاد : ( المحتوى ـ العلامة ـ المال Index - sign-Money ، شفرات الطبقة الاجتماعية codes of class )(59).

3. الجنس : ( إثبات النرجسية Narcissistic proof ، ترجمة القبلة The Transposed kiss ، تصريح الحب The Declaration of love ، قبل فقدان الرجولة Before Castration ،…… )(60).

لقد مثل تحليل بارت لرواية ساراسين نقداً تصنيفياً للمادة الدلالية والسردية ، وكشفاً عن الأصوات المتعددة ومشروعاً اتسم بالاهتمام بمستويات ثلاثة هي(61):

1. مستوى الاهتمام بالإرسال .

2. مستوى الاهتمام بالتلقـي .

3. مستوى التلذذ بالنــص .

فضلاً عن تقديمه لمفهوم التعدد والاختلاف ، ونقد مفهوم الوحدة ومركزية النص ، وبيان أهمية القيمة العلائقية للعناصر النصية من خلال التفاعل الحاصل بين معطياتها : ( اللغة ، والاقتصاد ، والجنس ) ، ومن المهم ذكر أنّ كتاب ( Z / S ) قد قُسِم على مفاصل عديدة وصلت إلى ثمانين مفصلاً ، وقد أثّرت تلك المفاصل بشكل خاص وبقية جهود بارت بشكل عام على مسار التحليل النقدي في صعيد النقد العربيّ(62).

إنَ المراحل النقدية التي غذت الطرح النقدي النقد الثقافي المعاصر كثيرةٌ ومتشعبةٌ ، وقد انطلقت من ميادين مختلفة في مقاربة النصوص وكشف جمالياتها ، ويمكن الحديث عن أهم تلك اللحظات والمراحل من خلال لحظتين نقديتين مهمتين غذتا الطرح النقدي المعاصر ، نظراً لما قدمته من قراءات جديدة ، وطروحات نقدية مهمة ، وهي :

ـ قراءة لاكان لفرويــد .

ـ قراءة ألتوسير لماركس .

في القراءة الأولى أعاد لاكان ( - 1981 ) قراءة معطيات فرويد في ( اللاوعي ، والأحـلام ، والجنس ، والذات الإنسانية ) ورأى أنّ فيها طرحاً نقدياً مهماً لم يلتفت إليه النقاد والباحثون السابقون له ، وأولى مراحل لاكان النقدية هو استلهام معطيات سوسير اللغوية في التفرقة بين الثنائيات ( اللغة والكلام ، التزامن والتعاقب ، الدال والمدلول ، .. ) ، والمرحلة الثانية هي صهر جميع معطيات فرويد في مصطلح واحد هو ( اللاوعيUnconsciousness ) ، وفي المرحلة الأخيرة دمج معطيات سوسير بمعطيات فرويد وعدّ مصطلح اللاوعي ومظاهره وتشكلاته وحركته على أنّها ( لغة ) .

وفضاء اللاوعي هو فضاء علامي ونظام مشكل من بنية رمزية ، وعدّ ذلك الفضاء لغة هو اتجاه يحتاج إلى تأمل لأن اللاوعي اشتُهر عند فرويد ومن بعده على أنّه جزء لا ينفصل عن الغرائز ، وتمثل قراءة لاكان للاوعي تحليلاً جديداً لمعطى فرويد الذي لم يُفهم بشكل صحيح قبل طرح لاكان ، الذي أكدّ على أنّ اللاوعي لغة ، وهذه اللغة تختلف مع علامات اللغة الكتابية في فهم الأشياء في حالة الوعي بشيء ما ، وقد فتح هذا الطرح إمكانية جديدة لقراءة الأحلام وتفسيرها وإدراكها على أنّها مجموعة لغوية تتشكل من علامات وتجريدات واسعة(63).

ويمكن تحديد أهم السمات المنهجية لطروحات لاكان التي كانت بمثابة الرافد المهم لمعطيات ما بعد البنيوية ، بما يأتي :

1. معالجة لاكان للعلاقة بين الدال والمدلول والدليل بطرق جديدة .

2. التحليل البنيوي للاوعي .

3. العلاقة بين البنية والذات .

4. تحقيق التطابق بين الذات واللغة واللاوعي .

5. لغة اللاوعي ناتجة من الكبت والصراع بين الأنا والانا العليا .

6. يخضع تشكيل لغة اللاوعي إلى عنصري اللذة والدافع الجنسي .

لقد مارست الكتابة النقدية للاكان تحليلاً بنيوياً لمعطيات فرويد في التحليل النفسي ، وقدمت نتائجها بوصفها ولادة جديدة لنظرية فرويد في التحليل الأخير ، لأن لاكان لم يقنع بالدراسات التي كُتبت حول فرويد بسبب أحادية التوجه ، وأقلية الطرح .

لقد حدّد لاكان الدال بوصفه مجموع العناصر المادية ضمن اللغة ، أي العناصر التي تربطها بنية ، ورأى أنّ الدال يعمل بصورة مستقلة عن دلالته وفي غفلة من الذات ، وتتعين شبكة الدال ـ وفقاً لذلك ـ من خلال علاقات التعارض بين العناصر المادية وفي جميع مستويات التبيين التي تكشفها اللسانيات ، فضلاً عن رؤية لاكان في تحديد الدال المرتبط مع دوال أخرى بنظام من الشفرات ، أما المدلول فيتمثل حسب لاكان بالمجموع التعاقبي للخطابات ، ويكسب وجوده من خلال ترابطاته مع العناصر الأخرى ضمن الجملة ومع جميع عناصر نظام الشفرات(64).

ويرى أيضاً أنّ سلسلة الدال مستقلة عن المدلول ، وأنّ الحقيقة تتوارى دائما عن اللغة وينبغي إيجاد موقف تحليلي لكشف تلك الحقيقة لذلك عمد إلى تحليل بنية الرمز ـ وتُشكل هنا صعيد اللاوعي ـ بوصفها دالاً ليس لطبيعته أو خصائصه أية علاقة بالمدلول ، ولهذه الطريقة علاقة وثيقة باعتباطية سوسير من جهة ، وبميتافيزيقيا الحضور لدريدا من جهة أخرى ، ويتحدد رمز لاكان بكونه وسيلة مهمة لإجراء تعارضات تمايزية ، وتركيبات ضرورية ، لوجود بنية دالة ، ومجموعة هذه البنى الدالة تشكل التكوين الفردي البشري(65).

ويشكل عالم اللاوعي عالم تكوين الفرد ، ففيه تتحقق رغباته ودوافعه التي لا يستطيع تحقيقها في الوعي ، بل إنّ مساحة اللاوعي تتسم بمطلقية الزمان والمكان ، لذلك تجد ( الأنا ) متسعاً كافياً لتحقيق الغلبة على ( الأنا العليا ) ، لأنّ هذه الأخيرة تتلاشى سلطتها في ميدان اللاوعي .

ويتميز نسق لاكان بوصفه نسقاً متميزاً مُشكّلاً من بنيات ثلاث : ( البنية الخيالية ، والبنية الرمزية ، والبنية الواقعية ) وقد كونت هذه البينات بمجموعها ( بنية الذات في اللاوعي ) ، فالبنية الخيالية تعكس الرغبة في رسم الصورة اللاواعية التي تحملها الذات عن نفسها ، والبنية الرمزية تشكل صعيد إقامة الذات ، وتعكس البنية الواقعية المظاهر المُؤسلبة للأنا ، التي يتم إنتاجها في ظواهر اللاوعي ، فضلاً عن تشكيـل صـورة ( الأنا ) بوصفهـا معيـاراً منظماً للذات في الواقع ( الحضور ) ، وكشفاً لللاوجود بالترابط مع وحدة الموت ( الغياب ) ، وتنهض في هذا الإطار الوظيفة الرمزية لبيان العلاقة بين الحضور والغياب أي بيان العلاقة بين الواقع والموت(66).

لقد أراد لاكان الإجابة عن سؤال ، أيّهما يُشكل الآخر : الإنسان أم نظام الدال ؟ ، بمعنى : هل يُشكل الإنسان نظام الدال ، أم أنّ نظام الدال يشكل الذات الإنسانية ؟ ، وتوصل من خلال لغة اللاوعي أنّ الإنسان لا يملك سلطة وسيادة في تشكيل نظام الدال وحكمه ، إنّما يشكل هذا النظام صورة الإنسان المُزاح عن مركزه لصالح عالم يفلت من سلطته ، ويخترق حدودها(67).

إنّ ما يقدمه لاكان يقتضي تحديداً تعارضياً بين صورة الإنسان في الواقع ، وهي صورة مُشكلة لذاته ، وبين صورة الإنسان في اللاوعي وهي صورة تشكلها الذات للإنسان ، فالذات في الصورة الأولى مفعولة ، وهي في الصورة الثانية فاعلة ، وينعكس هذا بشكل مباشر على المعطى اللغوي ، فاللغة في الصورة الأولى ذات بناء تراتبي لعلاقة الدال بالمدلول ، بمعنى إحالة الدال على سلسلة من المدلولات لا نهائية ، أما اللغة في الصورة الثانية فتقتضي تعارضات دلاليـة بين الدال والمدلول ، بمعنى ارتقاء الذات في تفكيك الشفرات المكونة في سلسلة الدوال المهيمنة على المدلولات .

إنّ خصوصية لاكان تكمن في نقده للكوجيتو الديكارتي ، وتقديمـه بصورة جديـدة لمعادلـة : ( أنا أفكر إذن أنا موجود ) من خلال نظريته عن ( مرحلة المرآة : The Mirror Stage )(68) بوصفها تشكيلاً جديداً للأنا بعيداً عن الوعي ، فالأنا وفقاً لمرحلة المرآة لا تتشكل نتيجة إدراك خالص ، بل نتيجة حاجات بايولوجية ونفسية جسدية يكشفها اللاوعي ويقدمها على هيئة صورة رمزية حُلمية ، وقد تأتى هذا الطرح اللاكاني من خلال صهر معطيات سارتر في ( الوجود والعدم ) وموقف الوجودية بشكل عام بشأن العلاقة بين الفرد والعالم ، وبناءً على علاقات علم اللغة البنيـوي ، والديالكتيك الهيجلي ، والتحليل النفسي لفرويد(69).

وقد انتفع الطرح النقدي لما بعد البنيوية من رؤية لاكان حول تشكيل الذات ، من خلال إبداع مجموعة تحاليل نقدية للتصور الديكارتي للذات الموحدة وللكاتب بوصفه وعياً ومصدراً وسلطة لتثبيت الدلالة والحقيقة ، وقدمت تلك المعطيات نتيجة مفادها أنّ الذات ليس لها وعي موحد بل هي تتشكل بواسطة البنية اللغوية ، وقد سحبت هذه النتيجة بحوث ما بعد البنيوية إلى تحليلات نقدية موسعة من ميتافيزيقيا ومفاهيم العلة والهوية والذات(70).

ولم تكن معطيات لاكان بعيدة عن المعطى الماركسي لاسيما ( المادية الجدلية ) ، فقد التحمت معطيات نظرية الدافع واللبيدو ( Libido ) والحافز الجنسي ولغة اللاوعي ومبدأ اللذة وإبطال التوتر الشبقي وإشباعه مع طبيعة الواقع الاجتماعي وبنيته الصراعية التحولية ، ودورها في تفعيل وإنتاج النظام الاجتماعي ، وقد حاول بعض النقاد الحديث عن ( الاقتصاد الجنسي ) ودوره في تشكيل النص أولاً ، وتفصيل الممارسات الاجتماعية ثانياً ، فضلاً عن أنّ إعادة إنتاج الايدولوجيا يخضع بشكل كبير إلى نظرية الدوافع ، وعملية إعادة الإنتاج هذه تؤثر على البنية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع وتؤثر على افرازات اللاوعي نتيجة للأزمات والكبت ( Repression ) الذي يتعرض له الوعي نتيجة التحولات السابقة(71).

كذلك لم تكن معطيات لاكان بعيدة عن معطيات التوسير في قراءته ماركس ، حيث أُطلق على معطياتهما معاً بالطرح ما بعد السوسيري : ( Post – Saussurean )(72)، فإذا كان لاكان قد أسس نظاماً جديداً لتشكيل الذات عن طريق لغة اللاوعي ، فإن التوسير استطاع بيان تناقضات الماركسية عن طريق البنية المهيمنة ، وكما عمّق لاكان محاربته النزعة غير الفردية في التحليل النفسي ، فإن التوسير فعل الشيء نفسه من خلال تعميق النزعة الماركسية المحاربة للنزعة الفردية الاقتصادية ، حيث هاجم ماركس في ( رأس المال ) النظام الاقتصادي التقليدي لأنه ينطلق من مصلحة الفرد أولاً ، وبناء مُلكيات خاصة لا شأن لها بالمجموع ثانياً(73)، وقد وسّع التوسير نقده الموجه نحو طرق التفكير السائدة ، التي وصفت المصلحة الفردية على أنّها نقطة البدء في التاريخ والاجتماع والفلسفة ، ووجه نقداً للكوجيتو الديكارتي ، لأن ديكارت انطلق من ( أنا أفكر ) بوصفها السبيل الوحيد للوصول إلى الحقيقة وتفسير العالم الخارجي ، ويبين التوسير أنّ الإنسان اجتماعي بطبعه وذا بناء تركيبي ، مرتكزاً على معطيات نظرية التطور لداروين(74).

ويؤكد التوسير أنّ المصلحة الفردية وُلدت مع فترة البروجوازية وعبّرت عن طموحاتها وتطلعاتها ، ويرى أنّ الدولة هي نتيجة حتمية للتطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ، على عكس ماركس الذي قَصَر بناء الدولة على حتمية التطور الاقتصادي حسب ، فضلاً عن أنّ التوسير حدد التنظيم الاجتماعي والاقتصادي بوصفه مرحلة ثقافية صُنعت بوساطة الفرد ويتغير كذلك بوساطته ، ويذكر أنّ الذي يقوم بالكفاح الإيديولوجي وتنظيم الثـورات والتغيـرات الاقتصادية هو ( الإنسان الاجتماعي ) ، وليس ( الإنسان الفرد ) بمعنى الإنسان الفاعل المُكيِّف لظروفه والداعي إلى تفسيرها ، الذي لا يرضى باستغلال حقوقه ، وأسلبة ذاته(75).

وتكمن خصوصية التوسير التحليلية ـ حسب كاثرين بيلسي ـ بمعالجته النشاطات السياسية والتطبيقات الاقتصادية لها ، وإعطاء اللغة دوراً فاعلاً في تحديد سمات الطرح الاجتماعي لأن الجامع بينهما أي بين اللغة والمجتمع ارتكازهما على مفهوم البنية ، وكلاهما يخضع لمبدأ الصراع بين البنية الفوقية والبنية التحتية ، وتؤكد ( بيلسي ) أنّ تحليلات التوسير مع تحليلات لاكان تمثل دفعاً نقدياً ، وفتحاً دلالياً مهماً في فهم حركة تطور التحليل الأدبي والنقدي(76).

ويتضمن مشروع التوسير كشف التناقضات الماركسية ، وقطع الروابط بين الجدل الماركسي والجدل الهيجلي ، لأنّ الأول يتضمن اتحاد الأضداد ( Unity of Opposites ) بينما يتضمن الثاني هوية الأضداد ( Identity Of Oppsites ) ، والانطلاق من فرضية البنيوية القائلة أنّ نسق العلاقات الدلالية هو جزء من القدرة اللغوية التي تخلق قارئاً نموذجياً ( Super- Reader ) يعيد قراءة النص ، ويرسم طرقاً جديدة لكشف التناقضات ، والأبنية اللاواعية الخفية عن طريق تفسير التحولات ( Transpositions ) ، والتناقضات ( Absurdities ) والأخطاء ( Errors ) فينتج عن ذلك ولادة نص مختلف دلالياً عن النص الأول ، وهذا هو جوهر قراءة التوسير للنصوص الماركسية(77).

لقد حولت قراءة التوسير لماركس الأيديولوجيات إلى مجموعة خطابات يمكن تحليل بنيتها اللغوية مستعيناً بطرح سوسير حول دراسة الدال والمدلول ، ويعيد تحليل التوسير مسألة إعادة الإنتاج من خلال تحليل الصراع الطبقي بين البروجوازية والبروليتاريا حول اكتساب رأس المال في نطاق الإنتاج ، وفي هذا الإطار استعان ( بيير ماشيري ) رؤية التوسير حول إعادة الإنتاج واستثمرها في الحديث عن نظرية الإنتاج الأدبي لاسيما في حديثه عن النقد والحكم ( Criticism and judgment ) ، والخلق والإنتاج ( Crition and production )(78)، لقد أمدت قراءة التوسير الممارسات الأيديولوجية بمناقشة الخطابات اللغوية ، فضلاً عن عملية نشوئها وترويضها لخدمة توجهاتها(79).

وأكد التوسير في قراءته رأس المال أنّ القراءة الفلسفية هي شيء مضاد للقراءة البريئة تمامـاً ، وإنّها قراءة آثمة لا تبرأُ من خطئها باعترافها به ، وإنّ ثورة ماركس النظرية لا تقوم على التفسير في الإجابات وإنّما على التفسير في الأسئلة ، وإنّ ثورة ماركس في نظرية التاريخ تقوم على التفسير في العصر الذي جعله ينتقل من مجال الإيديولوجية إلى مجال العلم(80)، وبذلك تحول التوسير إلى إرساء نظرية محكمة للعلم من خلال بحث دقيق عن الأدلة والبراهين في العلم الخارجي وهو علم يتكون من طرفيين فلسفيين ، الأول : طرف ( سيبينوزا ) الذي تأثر به التوسير في معارضته النزعة التجريبية الدوغمائية التي كانت تقف وراء المثالية الديكارتية ، وعلى هذا يفهم التوسير الماركسية على أنّهـا مستندة على رفض التناقض الجدلـي(81)، والثانـي : طرف ( هيجل ) الذي وقف التوسير ضده ، وقطع جميع الروابط بين معطيات ماركس ومعطيات هيجل التي اتسمت بمثالية مُمجِدة للفردية ، ويشير ( هارلاند ) إلى أنّ وقوف التوسير ضد هيجل ناتج من إرادته في تجنب التأثر بسارتر وفلسفته الوجودية ، حيث حاول الأخير الاستفادة من بعض طروحات هيجل لتنمية وجوديته ، فلكي يقف التوسير ضد سارتر وقف بالنتيجة ضد هيجل(82).

لقد أطلق التوسير صفة العلمية متأثراً بماركس الذي ركز على العموميات النظرية على حساب النماذج الحية ، وأكد التوسير ـ متأثراً بشكل كبير بعلمية جاستون باشلار ـ أنّه لا وجود لبداية مطلقة مع العلم فكل شيء يجري داخل الفكر ، وإنّ علاقة البشر المُعاشة بالعالم هي الايديولوجية ، ويتوصل البشر إلى تفسير علاقاتهم المعيشية بالعالم من خلال الايديولوجية ، واكتشف التوسير أنّ التناقض عند ماركس يتجسد في نمط فاعلية البنية ، فالبنيوية تسعى إلى تفسير العالم لا تغييره ، والماركسية تسعى إلى تغيير العالم لا تفسيره(83).

يتضح مما سبق أنّ مسار السلوك النقدي في قراءة النص كانت تتجه ومنذ قرون خلت إلى الطرح الشمولي ، وإلى محاولة رفع الحواجز الأجناسية بين الميادين المعرفية لغرض تسهيل عقد الموازنات أو المقارنات () بين جماليات النصوص المنتمية إلى ميادين مختلفة .

وانطلاقاً مما ذُكِر يمكن القول أنّ العلاقة بين النقد الثقافي والنقد الأدبي تتسم بالعموم والخصوص ، من حيث ارتكاز النقد الأدبي على حصيلة موغلة في معطيات النتاج الإنساني عبر قرون خلت ، وقد مرّ هذا النتاج في سلسلة متعرجة كان الهدف منها محاولة الاكتشاف الدائم لجماليات النصوص ، وإدراك الدلالات والمعاني وعندما أعلن الناقد تحرره من قيود النقد الأدبي وخروجه من أطره الضيقة اتجه نحو التعدد ، وانتقل من الصوت الواحد إلى الصوت المتعدد ، من الرؤية التي لا تجد إلا نفسها إلى الأفق الذي يشمل جميع الرؤى .

وقد كانت لإفرازات الساحة السياسية الدولية أثرها في صياغة مشاريع المعرفة وتوجهات الثقافة المعاصرة ، فقد تحولت المعرفة من نتاج حضاري مخصوص ومحدد في بيئة معينة ، إلى نتاج مهيمن وآخر غير مهيمن ، واصطبغت توجهات الثقافة بنموذج واحد يتم تسويقه وتصديره إلى ثقافات العالم المتنوعة ، وفي خضم ذلك ولدت العولمة لتعلن براءتها من كلّ محليّ وإقليميّ ، ولتشيع دمج الهويات الوطنية ومسخها ، فضلاً عن دعوتها إشاعة النتاجات العلمية والمعرفية والثقافية ، وكسر الحدود المصطنعة بين أجناسها .

وانطلاقاً من الدعوات السابقة حاول الناقد الخروج من دائرة النقد الأدبي الضيقة ، والدخول في ميادين الساحة الثقافية الممتدة والواسعة ، فنشأ النقد الثقافي المتسم بالشمولية والموسوعية ، متجاوزاً المدركات غير المسؤولة في تأويل النصوص وتحليلها .

إنّ النقد الثقافي الآن لا يتجه نحو الإستقلالية عن النقد الأدبي بل على العكس ، لأنّه يحتويه ويدعو إلى تطوير آلياته من خلال تفعيل أدواته النقدية ، والدعوة إلى كسر الحواجز المصطنعة بين العلوم الإنسانية ، ولذلك لم يرق النقد الثقافي بعد إلى أن يتحول من مرحلة العطاء الفتيّ إلى مرحلة الإستقرار المنهجيّ ، لأنّ المنهج طريقة في التفكير العلمي ، يستند إلى مجموعة من آليات التحليل والكشف ، ويلجأ إلى صيغ معرفية اصطلاحية تؤسس لمسيرته ، وعليه يمكن عدّ النقد الثقافي طرقاً إجرائية ـ تقترب من العلمية ـ لقراءة النصوص على اختلاف توجهاتها ، وكشف جمالياتها ، ومعرفة مرجعياتها .

الهوامش:

(1) اجتهد البحث في إخراج هذه المراحل معتمداً على كتاب : بُؤس البنيوية : الأدب والنظرية البنيوية . دراسة فكرية ، ليونارد جاكسون ، ت : ثائر ديب ، سلسلة دراسات فكرية (68) ، منشورات وزارة الثقافة ، ط1 ، دمشق ، 2001 : 19 .

(2) من بين الأشياء التي عدّها بارت طوطمية : المنظفات والزواج والحرب والنبيذ والحليب واللعب والإعلانات، ينظر : ميثولوجيات ، ت : مصطفى كمال ، مجلة بيت الحكمة ، العدد 7 لسنة 1988 : 30 ـ 49 .

(3) الدرجة الصفر للكتابة، ت: محمد برادة، دار الطليعة ـ بيروت، والشركة المغربية ـ الرباط، ط2، 1982: 28.

(4) المصدر نفسه : 29 .

(5) المصدر نفسه : 38 .

(6) عصر البنيوية : 181 .

(7) ينظر : الدرجة الصفر للكتابة : 40 ـ 41 .

(8) نقد وحقيقة، بارت، ت: منذر عياشي، الأعمال الكاملة (3) ، مركز الإنماء الحضاري ، حلب ، د.ت : 15.

(9) ينظر : عصر البنيوية من ليفي شتراوس إلى فوكو ، أديث كيرزويل ، ت: جابر عصفور ، سلسلــة آفـاق (9/10) ، دار آفاق عربية ، بغداد ، 1985: 182 ـ 184 .

(10) بؤس البنيوية : 194 .

(11) ينظر : عن الحياة والأعمال ، ت : مصطفى المسناوي ، بيت الحكمة ، العدد 7 لسنة 1988 : 15 ـ 16 .

(12) ينظر : الأسطورة اليوم ، بارت ، ت : حسن الغرفي ، سلسلة الموسوعة الصغيـــرة (345) ، دار الشؤون الثقافية العامة ، ط1 ، بغداد ، 1990 : 5 ـ 6 .

(13) ينظر : نظرية النص ، بارت ، في كتاب : آفاق التناصية : المفهوم والمنظور ، ت : محمد خير البقاعي ، سلسلة دراسات أدبية ، الهيئة العامة للكتاب ، القاهرة ، 1998 : 25 ـ 56 .

(14) علم النص ، جوليا كريستيفيا ، ت : فريد الزاهي ، مراجعة : عبد الجليل ناظم ، دار توبقال ، ط1 ، الدار البيضاء ، 1991 : 19 .

(15) ينظر : نظرية النص : 30 ـ 33 .

(16) رولان بارت وتوقيع الجسد ، حليمة الشيخ ، مجلة الموقف الأدبي ، العدد 358 لسنة 2001 : 1 .

(17) Literary theory, Terry Euglton : 138 .

(18) بؤس البنيوية : 229 .

(19) المصدر نفسه : 245 .

(20) المصدر نفسه : 221 .

(21) ينظر هسهسة اللغة ، ت : منذر عياشي ، مركز الإنماء الحضاري ، ط1، حلب ، 1999 : 133 ، 486 .

(22) ينظر : مبادئ في علم الأدلة ، بارت ، ت : محمد البكري ، دار قرطبة ، الدار البيضاء ، 1986 : 33 ، 61 ، 91 ، 136 .

(23) ينظر : المصدر نفسه : 34 ـ 35 .

(24) المصدر نفسه : 66 .

(25) هسهسة اللغة : 486 .

(26) مبادئ في علم الأدلة : 115 .

(27) المصدر نفسه : 141 .

(28) ينظر : الاتجاهات السيميولوجية المعاصرة ، مارسيلو داسكال ، ت : حميد لحمداني ومحمد العمري وعبد الرحيم صنكول ومحمد الولي ومبارك حنون ، سلسلة البحث السيميائـي (1) ، دار أفريقيا الشرق ، الدار البيضاء ، 1987 : 6 ـ 10 .

(29) هسهسة اللغة : 115 .

(30) لذة النص رولان بارت ، ت : منذر عياشي ، مركز الإنماء الحضاري ، ط1 ، حلب ، 1992: 19.

(31) المصدر نفسه : 39 .

(32) عصر البنيوية : 195 .

(33) ينظر : لذة النص : 46 ـ 49 .

(34) ينظر : هسهسة اللغة : 110-111.

(35) موسوعة لالاند الفلسفية ، أندريه لالاند ، ت : خليل أحمد خليل ، إشراف : أحمد عويدات ، منشورات عويدات ، بيروت . باريس ، 1996 : 2 / 554 .

(36) البنيوية وما بعدها من ليفي شتراوس إلى دريدا ، جون ستروك ، ت : محمد عصفـور ، سلسلة عالم المعرفة (206) ، المجلس الوطني للثقافة والعلوم والآداب ، الكويت ، 1996 : 101 .

(37) بؤس البنيوية : 247 .

(38) ينظر : الجسد أيضاً وأيضاً ، مقابلة مع رولان بارت ، ت : أنطوان أبو زيد ، مجلة العرب والفكر العالمي ، العدد 7 لسنة 1989 : 145 ـ 147 .

(39) عصر البنيوية : 197 .

(40) أخيراً عُثِر على القارئ ، رالو ، ت : ثامر الغزي ، مجلة نوافذ ، العدد 8 لسنة 1999 : 125 .

(41) ما بعد البنيوية : 164 .

(42) See : The Death of the Author , Image . Music . Text , R . Barthes , in : Modern Literary theory :
142 –145 .

(43) درس السيميولوجيا ، رولان بارت ، ت : عبد السلام بنعبد العالي ، تقديم : عبد الفتاح كليليطو ، سلسلة المعرفة الأدبية ، دار توبقال ، ط1 ، الدار البيضاء ، 1986 : 85 .

(44) ينظر : البنيوية فلسفة موت الإنسان ، روجيه جارودي ، ت : جورج طرابيشي ، دار الطليعـة ، ط3 ، بـيروت ، 1985 : 12 ـ 14 .

(45) المصدر نفسه : 9 .

(46) Critical practice , Catherine Belsey : 37 .

(47) البنيوية في الأدب ، روبرت شولز ، ت : حنا عبود ، اتحاد الكتاب العرب ، دمشق ، 1984 : 223 .

(48) ينظر : البنيوية فلسفة موت الإنسان : 27 ـ 32 .

(49) ينظر : اللغة الثانية : في إشكالية المنهج والنظرية والمصطلح في الخطاب النقدي العربي الحديث ، فاضل ثامر ، المركز الثقافي العربي ، ط1 ، الدار البيضاء . بيروت ، 1994 : 131 ـ 133 .

(50) S/Z . An essay , Tra : R . Miller :

(51) See : What is Criticism , R . Barthes , in : Debating text , Edited : Rick Rylance : 82 – 85 .

(52) ينظر : درس السيميولوجيا : 12 ـ 14 .

(53) See : From work to text , in : Textual Strategies , Edited : Josue V. Harari : 73 – 80 .

(54) ينظر : المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك ، عبد العزيز حمودة ، سلسلة عالم المعرفة (232) ، الكويت ، 1998 : 218 ـ 219 .

(55) الدليل والنسقية ، عبد الرحيم العماري : التواصل ( المعرفة والسلطة ) ، عبد الرحيم العماري ، دار وليلي ، ط1 ، مراكش ـ المغرب ، 1997 : 57 .

(56) ينظر : المصدر نفسه : 65 ـ 67 .

(57) See : S/Z : 18 – 20 .

(58) See : Ibid : 13 ,14 , 18 , 20 , 41 , 58 , 61 , 78 .

(59) See : Ibid : 39 ,97 .

(60) See : Ibid : 143 ,165 ,176 ,185 .

(61) الدليل والنسقية : 35 .

(62) ينظر على سبيل المثال : تلقي رولان بارت في الخطاب العربي النقدي واللساني والترجمي ، محمد خير البقاعي ، مجلة عالم الفكر ، العدد 1 لسنة 1998 : 25 ـ 61.

(63) See : Superstructuralism : 33 – 35 .

(64) ينظر : استعمال لاكان للمعطيات اللسانية ، انيكا لومبير ، ت : مصطفى كمال ، مجلة بيت الحكمة ، العدد 8 لسنة 1988 : 80 ـ 81 .

(65) ينظر : المصدر نفسه : 83 ، 103 . وينظر : لاكان واللغة ، فيليب شملا ، ت : مصطفى كمال ، مجلة بيت الحكمة ، العدد 8 لسنة 1988 : 7 ـ 10 .

(66) ينظر : الخيالي . الرمزي . الواقعي ، كاترين كليمان ، ت : مصطفى كمال ، مجلة بيت الحكمة ، العدد 8 لسنة 1988 : 23 ـ 25 .

(67) مرحلة المرآة وتشكل الأنا ، بالميي ، ت : مصطفى كمال ، مجلة بيت الحكمة ، العدد 8 لسنة 1988 : 38.

(68) The Mirror Stage , Jacques Lacan , in : Literay Theory : 151 .

(69) عصر البنيوية : 152 .

(70) بعض التيارات فيما بعد البنيوية أو شجرة الأنساب النيتشوية ، مادان ساروب ، ت : خميس بو غرارة ، مجلة نُزوى ، أمانة عُمَان ، العدد 20 لسنة 1999 : 37 .

(71) ينظر : المادية الجدلية والتحليل النفسي ، فيلهلم رايش ، ت : بوعلي يايسين ، دار الحداثة ، بيروت ، 1980 : 47 ـ 49 .

(72) Critical Partice : 4 .

(73) رأس المال : نقد الاقتصاد السياسي ، كارل ماركس ، المجلد الأول : عملية إنتاج رأس المال ، الكتاب الثاني : ( الجزء الثاني : تحول النقد إلى رأسمال ، والجزء الثالث : إنتاج فائض القيمة المطلق ) ، ت : فالح عبد الجبار وغانم حمدون وآخرون ، دار ابن خلدون ، ط1 ، بيروت ، 1982 : 2 / 19 .

(74) See : Superstructuralism : 42 – 45 .

(75) Ideology and the state , in : Modem Litorany Theory : 69 .

(76) See : Critical Practice : 5 , 55 .

(77) ينظر : عصر البنيوية : 49 ـ 50 .

(78) See : Atheory of Liteary production , Tra : Geoffery Wall : 3 , 66 .

(79) ينظر : مقدمة في نظريات الخطاب ، ديان مكدوفيل ، ت : عز الدين إسماعيل المكتبة الأكاديمية ، ط1 ، القاهرة ، 2001 : 95 ـ 96 .

(80) ينظر : قراءة رأس المال ، ، لويس التوسير وجاك رانسيير وبيير ماشيري . الجـزء الأول ، ت : تيسير شيخ الأرض ، سلسلة أصول الفكر الاشتراكي ، وزارة الثقافة والإرشاد القومي ، 1972 : 11 ، 35 .

(81) مشكلة البنية أو أضواء على البنيوية ، زكريا إبراهيم ، سلسلة مشكلات فلسفيــة (8) ، مكتبة مصر ـ الفجالة ، دار مصر للطباعة ، القاهرة ، 1976 : 226 .

(82) Superstructuralism : 92 .

(83) ينظر: البنيوية فلسفة موت الإنسان : 51 ، 62 .