مصطلح ما بعد البنيوية ..
مصطلح ما بعد البنيوية ..
من التكوين إلى الإشكالية
د.محمد سالم سعد الله
تُمارس السلطة الاصطلاحية دوراً فاعلاً في تحديد أبجديات الأسئلة المعرفية ، وتستدعي صيغاً مُنظمة لإيضاح الفعاليات المُعقلنة التي تدور حول ترويج بعض المشاريع ذات الصِبغة الفرديـة ، أو ذات الصيغة الجماعية .
واتبعت تلك السلطة نهجاً متميزاً اتسم بالعزوف عن الوظيفة التجاوزية للدلالة إذ امتد إلى الجوانب المعرفية المحددة بميدان معين ، مستخدماً معيارية الفكر والرؤية المتكاملة لتقديم الدقة والموضوعية من جهة ، وضبط حدود الاصطلاح من جهة أخرى ، وبالرغم من ذلك الضبط المبدئي انبثقت إشكاليات عدَة من تحديدات اصطلاحية مختلفة ، اشتبكت أسبابٌ متنوعةٌ على نشوئها ، ويمكن إجمالها بالاتي(1) :
1. اختلاف ثقافة المترجميــن .
2. اختلاف بيئة الاصطــلاح .
3. أثر الممارسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية في تحديد وانتشار وانتقــال المصطلح .
4. عدم الوعي بطبيعة المصطلح أثناء إطلاقه على هذا الجانب المعرفي أو ذاك .
ومن خلال مسيرة مصطلح ( ما بعد البنيوية : poststructuralism ) يمكن وضع البصمات النوعية على الرصيد المتداول ، والمنهجي لهذا المصطلح ، مع تبني مسارٍ إجرائيَ للتنظيمات التي يستدعيها ، فضلاً عن تقديم المسوغات القانونية التي تقف على ارثً فلسفيٍَ محدَد لهويتها ، مُثيرٍ لدلالتها .
ونظراً لاتساع دور ما بعد البنيوية وقيمتها التي امتدت إلى أصعدةٍ معرفيةٍ عدَة ، يمكن تقسيم إشكالية هذا المصطلح على محورين رئيسين هما :
1. المصطلحات ذات التحديدات المنهجيَة .
2. المصطلحات ذات الممارسات المعرفيَة .
أولاً : المصطلحات ذات التحديدات المنهجية :
يقصُد البحث بالمصطلحات ذات التحديدات المنهجية ، تلك المصطلحات التي تداخلت وتضايفت ، وتناصت مع مصطلح ( ما بعد البنيوية ) ، وكان لتداخلها أثرٌ في التحديد المنهجيَ لتوزيع المباحث الإجرائية لما بعد البنيوية ، ويمكن عدَ هذه المصطلحات – في هذا المحور حصراً - مرتكزات لسانية حيوية تقدم فرضيات الخطاب الغائي المجاوز بطبيعته الدلالية مستوى الخطاب البنيوي ، والجاري تبعاً لمعايير الطرح المنهجيَ الجديد مع المعطيات التقويمية ، والنقدية لمسار البنيوية الجدلي .
ويمكن حصر هذه المصطلحات بأربعة ، هي :
1. ما فوق البنيوية : Superstructuralism .
2. ما بعد البنيوية :Postsructuralism .
3. التفكيكيـــة :Deconstructuralism .
4. اللابنيويــة : Antistructuralism .
يشير المصطلح الأول ( Superstructuralism ) إلى إمكانية منح البنيوية إطاراً موسوعياً ، باعتبار ما سيكون ، وليس باعتبار ما هو كائن ، أي بِعدَ الممارسات التي نهضت على أشلاء البنيوية ، صيغاً منهجيَة بعضها بعضاً ، وتشمل تلك الممارسات(2) :
1. البنيويـــة structuralism .
2. ما بعد البنيوية poststructuralism .
3. السيميائيــة semiotic .
4. الصيغ المنهجيَة المتفرعة من الممارسات السابقة ، وتشمل :
أ.اللاكانيـــة Lacanism .
ب. الالتوسيريـة Althusserism.
ج. الدريدريــة Derridaism .
د. الفوكويــة Foucanltism .
ه. البودريلاردية boudrillardism .
و. الديلوزيــة Deleuzism.
ز. البارتيـــة Barthesism .
والترجمـة التي يطمئِـن إليهـا البحـث لمصطلـح ( Superstructuralism) هي : ( مــا فوق البنيوية )(3) ، لأنَ المصطلـح السابـق تأتـى من مصطلح البنيـــة الفوقيـــة ( Superstructur ) الذي يشير إلى مجموعة تشكيلات اجتماعية اقتصادية مشروطة باختلاف أساليب الإنتاج المُحددة من قبل القِوى المُنتجة ، التي تشترط مطابقة علاقات الإنتاج لتوجهاتها(4) ، والجامع للممارسات السابقة التي انضوت تحت مصطلح ( ما فوق البنيوية ) أنَها تنبثق من معالجات تتجاوز البنيوية لتجعل من الأبنية التحتية المرتبطة بالنص ، والممثلة بـ ( اللاوعي ، الجنس ، المادة ، الصراع الطبقي ، المرجع ، الابستيم ، الاستهلاك ، اللذة ، الإله ، …. ) ، تجعل لها أولوية في الطرح ، والممارسة على الأبنية الفوقية للنص، والممثلة بـ ( النظام ، التركيب ، السياق ، اللغة ، العلامة ، الرمز ، الايقون ، …. ) .
لقد منحت البنيوية الأبنية التحتية للنص مساحةً واسعةً ، بل مطلقة في ميدان الطرح والممارسة ، في حين أبعدت الأبنية الفوقية للنص وعدَتها ميتافيزيقيا عبثية تُسئ للنص اكثر من إفادتها له .
ويُعدَ ( ريشارد هارلاند ) هو صاحب مصطلح ( ما فوق البنيوية ) حيث اطلقه لأول مرة عام ( 1987 ) ، وقصد منه تناول المعطيات المنهجية النقدية الحديثة بطريقة شاملة ، وذكر أنَ من اعلام هذا المصطلح : ( سوسير ، شترواس ، ياكوبسون ، بنفنسنت ، دريدا ، فوكو ، بارت ، كريستيفيا ، دولوز ، بودريلارد ، التوسير )(5) .
ويشير هارلاند إلى أنَ مصطلح ( ما فوق البنيوية ) مرَ بتحولات منهجية عديدة : من اللاعلمية ( Antisciencism ) ، ومن تقديم تحليلات وتأويلات لفرويد ، وماركس إلى نقد طروحاتهما وإيجاد البديل ، ومن دراساتٍ في اللسانيات ، والصيغ الاجتماعية إلى دراسات تخصُصية ، ودقيقة في السلوك اللغوي والاجتماعي .
وقد عدَ هارلاند المسار الفكري لمصطلح ( ما فوق البنيوية ) مُحدداً بمعطيات (سوسير ، ودوركايم ، وشتراوس ) ، أما المسار الفلسفي فقد تمثل بعدَِ مسلك ( ما فوق البنيوية ) فلسفةً تجريديةً تلتقي مع الفلسفة الميتافيزيقية ، وتتنافى مع كل من الفلسفة المثالية لهيجل ، وفلسفة الأنا الديكارتية(6) .
والمنهج الذي رسمه هارلاند لـ ( ما فوق البنيوية ) هو تمثل (الحقيقة الفلسفية المطلقة)، فضلاً عن إعادة تأهيل الديالكتيك الهيجلي ، والقيام بعمليات تطهير نقدية ، ومنهجية للطروحات البنيوية ، إذ يتم استثمار النتائج والبناء عليها(7) .
ويمكن القول أنَ هارلاند توجه إلى دراسة العلاقة وتطبيقاتها بين الفرد والبنية ، وحاول تقديم الحلول المعرفية لازاحة الأزمة الناشئة من تلك العلاقة جراء عدم الانسجام والتوافق بينهما ، لكنه ما لبث أنِ اعترف أنَِ منهج ما فوق البنيوية لم يكتسب وحدةً متجانسةً متماسكة، وأنَه ـ أي المنهج ـ لم يأت بنتائج مقبولة، ولم يدرك الحقيقة الفلسفية المطلقة .
وليس ذلك حسب ، فقد اتجه هارلاند إلى مقارنة ( ما فوق البنيوية ) بفلسفة لوك التجريبية ( Empiricism ) ، وبفلسفة التعالي الكانتية ( Transcendentatism ) ، وبظاهراتية هوسرل ، وبالفلسفة الوضعية المنطقية ( Logical Positivism ) ، ذاكراً أنَها جميعها لم تقدم الكليات المعرفية ، والنتائج العقلانية التي ترفع اللبس والحيرة ، وأنَها بوصفها منهجاً – أي ما فوق البنيوية - كانت تُمثل قصصاً ذا نهاياتٍ مفتوحةٍ غير محددة(8) .
ويذكر هارلاند أنَ فلسفة ( ما بعد البنيوية ) قد جمعت المتناقضات الفلسفية التقليدية وزادت عليها وضاعفتها ، وأنَ النتائج التي توصل إليها فوكو في كتابيه: (الكلمات والأشياء، وحفريات المعرفة) هي النتائج التي تبناها كل نقاد ما بعد البنيوية ، الذين أكدَوا الإشارات اللاجتماعية ( Antiscocaism ) التي تتصف بخاصيتين :
الأولى : أنَها إشارات متحركة متكاثرة ، الثانية : هي إشارات مادية محسوسـة .
ويستخدم نقاد ما بعد البنيوية هذه الإشارات للتدليل على الممارسات الخارجة عن القوانيـن ، والأعراف ، والعادات ، والمؤسسات المتحررة من السلطات ، ويحدد هارلاند نقاد ما بعد البنيوية بـ ( دريدا ، فوكو ، بارت ، كريستيفيا ، دولوز ، جوتاري ، بودريلارد )(9).
وقد جعل هارلاند مصطلح ( ما فوق البنيوية ) مصطلحاً واسعاً ، وشاملاً بحيث يغطي جميع الفعاليات المنهجية التي تُؤسس على الطرح البنيوي ، وبهذا جعل مصطلـــح ( ما بعد البنيوية ) تابعاً لمصطلح ( ما فوق البنيوية ) بل جزءاً منه ، ثم عمد إلى تحديد الصيغ المنهجية لما بعد البنيوية ممفصلاً إيَاها على معطيات أصحابها ، لا على معطيات مناهجها ، وليس ذلك فحسب ، إذ قسَم الطرق المنهجية لما بعد البنيوية على قسمين : (القسم الرئيس ، والقسم الثانوي)، يشمل القسم الرئيس معطيات جاك دريدا في ( اللغة Language ، ونظرية الكتابة Theory of writing ، وعلم الكتابة Grammatology ) ، وميشيل فوكو في ( الجينالوجيا Genealogy ) .
أما القسم الثاني فيشمل معطيات جوليا كريستيفيا في ( النقد النسوي Feminism ) ، وجيل دولوز وفيلكيس جوتاري في ( التحليل النفسي ، والفلسفي ) ، وجان بورديــلارد في (التحليل السياسي والحداثوي )(10) .
والذي يميل إليه البحث هنا هو القولُ بأنَ التوسعة في ميدان منهج ما بعد البنيوية قد لا يخدم الأُطر المعرفية التي تحاول ما بعد البنيوية تحجيمها ، فضلاً عن أنَ تلك التوسعة قد تُثير معالجاتٍ مختلفةً بطرق تكوين المفاهيم وصياغتها ، مما قد يقود إلى نتائج لا تتسم بالدقة النقدية ، وما وجده البحث عند هارلاند هو أشبه بلوحة فسيفساء متكاملة لا يمكن فهم إرسالياتها من دون إتقان أجزائها أولاً ، ثم تفعيل علاقة تلك الأجزاء مع بعضها البعض في حركة تصاعدية مستمرة ثانياً .
ومع هذا فقد حاول هارلاند محاورة النصوص النقدية التي انبثقت من معطيات البنيوية في الحديث عن الأركان الأساس وهي : ( اللغة ، والكلام ، والدال ، والمدلول ، والعلامة ، والرمز ، والنظام ، والصوت ، …. ) ، فضلاً عن تسليمه بأنَ تلك النصوص تستند إلى فلسفة نسبية تسعى لاكتساب المطلق ، وتجنح نحو الحقيقة الفلسفية المطلقة ، وقد قدَم في هذا الإطار نقداً ذاتياً، وإصلاحاً داخلياً لمنهج ( ما فوق البنيوية ) ، جعله ينتقل من مستوى منهجيَ إلى مستوى منهجيَ أعمق وأشمل ، وكأنَ العملية المنهجيَة غدت عملية توالد مسـتمرة ، والهدف من ( ما فوق البنيوية ) ، هو الاكتشاف الدائم ، وتعرية التزييف الذي يتمتع به هذا المنهج أو ذلك .
أما المصطلح الثاني ( Poststructuralism ) : ما بعد البنيوية فقد امتلك تحديدات عدَة، وتعريفات متنوعة ، وقد دخلت تلك الاختلافات الميدان السياسي قبل دخولها الميدان النقدي بين المدرسة الفرنسية ، والمدرسة الأمريكية ولهذا أسبابٌ عدَة سيأتي بيانها .
إنَ القراءة النقدية لأُسس المتن الفلسفي لما بعد البنيوية تُحيل إلى تحليل المكونات المفاهيمية للمعالجات الفكرية في حل الأزمة الناشئة من تدهور واضمحلال البنيوية ، وبالرغم من التفاعل الحاصل ، والمنبثق من المعطى البنيوي ، ومعالجته للبنية واللغة من قبل المرحلة النقدية الجديدة ، فإنَ ما بعد البنيوية وجدت لها مكاناً متميزاً في الساحة النقدية العالمية ، لأن أفكارها قد اتسمت بالوصول إلى مرحلة النضج النقدي ، وفقاً لسلسلةٍ من التحولات النقديـة العالمية ابتدأت بـ ( موسكو ) ووصلت ( جنيف ) ، وحطَت بـ ( برلين ) ، وانتقلــت إلـى ( كوبنهاكن ) ، وتطورت في ( باريس ) ، واستقرت في ( واشنطن ) ، فقد تمخضت عن مجموعة ولادات في بنية النظام الثقافي الاجتماعي ، نظراً لان سلطات مرحلة ما بعد البنيويـة ، رفعت معدلات الرصيد النقدي ليتسلل إلى أنشطة مختلفة : ( السياسة ، الدين ، التعليم ، الاقتصاد ، الاجتماع ، الثقافة ، الأكاديمية ، …. ) .
وبهذا نصَبت القدرة النقدية لما بعد البنيوية نفسها لمواجهة العوامل التي قد تُضعف من تقدمها ، أو تقلل من أهمية نتائجها ، وبذلك تشكلت منطقتُها لتشمل معظم الساحة النقدية العالمية امتداداً من أمريكا إلى اليابان ، في حين تُشكل رقعة المنهجيات الأخرى نسبة هشةً من الرصيد النقدي العالمي ، وقد أدى هذا إلى أن يكون المسار النقدي لما بعد البنيوية موازياً لشعار القطبية الأحادية ، والتفرد الأيديولوجي ، والقرصنة التحليلية التي وجدت لها البنية المُثلى في المدرسة الأمريكية النقدية .
وقد مارست الاستراتيجية النقدية ما بعد البنيوية تناسبات عكسية بين انخفاض نسبـة الحضور الإنسانيّ ( Humanism ) ، وارتفاع نسبة النصية ( Textualism ) ، والخطابية Discourism ) ) في محاولةٍ للانضمام إلى إصلاحات هيكلية للتخلص من تركات البنيوية ، فبالرغم من قطبية ما بعد البنيوية إلا أنَ ناتجها الإجمالي الحالي لم يحقق بشكل مطلق الوحدة النقدية لاسباب عدة منها : اللاإتفاق على صحة معطياتها ، وارتباطها الكبير بالأيديولوجيا ، والتسيس المعرفي ، والتعرض للانتقادات من المدارس النقدية الكلاسيكية ، واليسارية المحافظة ، ولهذا بذلت ما بعد البنيوية – مُمثلة بنقادها – مساعي لتجاوز بعض الإشكاليات التي كانت سبباً في إعاقة عملها .
وفي خضم تلك المداخلات المربِكة – نوعاً ما - جاء تحديد مصطلح ما بعد البنيوية أشبه بلقاءٍ غيرِ منظم ، لرسم دور حيويَ ، وفعال في نشاط ما ، ويتضح ذلك من خلال البون الشاسع بين تحديدات النقاد ، والمفكرين لهذا المصطلح .
ويحدد ( مادان ساروب ) ما بعد البنيوية بمجموعة من أعلام النقد الحديث ، وهــم (دريدا ، فوكو ، ليوتار ، دولوز ، جوتاري ، هابرماس ) ، ويرى أنَ ما بعد البنيوية قد شاركت طروحات البنيوية في التحليل النقدي للتاريخانية ( Historyism ) ، والتحليل النقدي للدلالة ، والتحليل النقدي للفلسفة ، ثم امتازت ما بعد البنيوية بخصائص أهَلتها إلى قيادة النقد بعد مرحلة البنيوية ومن تلك الخصائص(11) :
1. زعزعة بنية اللغة ، وخلخلة الحصن المنيع لها ، لأنّها قوّضت وحدة العلاقة المستقرة بين الدال والمدلول .
2. أكدت أنَ التجاوب بين النص والقارئ هو إنتاجية ( porductional ) ، بعد أن كان التجاوب عند البنيوية بين النص ونفسه.
3. طال التحليل النقدي لما بعد البنيوية الميتافيزيقا ، ومفاهيم العلة ، والهوية ، والذات.
4. استكشاف إمكانيات الشهوة ، وطاقاتها عبر الاستفادة من معطيات التحليل النفسي ، لأنّ تحليل ما بعد البنيوية تُهيمن عليه الدلالات الجنسية .
5. خلقت ما بعد البنيوية مسافات توتر شديدة بين اللغة ، وعلاقتــها بالإنتــــــاج (producrion ) ، والآلة Machine ) ) ، والشهوة ( Desire ) ، والمـــادة (Matery ) ، والاستهلاك ( Consumption ) .
6. تبنت ما بعد البنيوية جميع طروحات ( نيتشه ) في مسيرتها النقدية ، التي تتمثل بالعداء لفكرة النظام ( system) ، ورفض فكرة هيجل للتطور ، وانتقاد مسيرة التشابه ، والتطابق ، والدعوة إلى الاختلاف ، والاهتمام البالغ بالقدرات الخارقة للفرد وإمكانياته غير المحدودة ( Infinity ) .
7. مناصبة العداء لكل أشكال النظرية السياسية ، والمعتقدات المختلفة التي أسهمت في تحجيم الممارسات الاجتماعية والتأثير عليها .
أما ( جوناثان كُيلر ) فيحدد صيغة ما بعد البنيوية بوصفها إفرازات لبعض المفاهيم المُربكة التي تهتم حصراً بالتأويل ، وقد نتجت تلك المفاهيم من قراءة لحظة البنيوية ، وقد حدد كيلر إتجاهين لما بعد البنيوية هما(12) :
الأول : الأفكار الأساسية لفوكو ، ولاكان .
الثاني : مفهوم ما بعد البنيوية هو قاعدة كاريكاتورية للبنيوية ، حاولت إيجاد صياغات جديدة في المسار النقدي التحليلي .
في حين حدد ( هاراري ) المعطيات النقدية لما بعد البنيوية بمعطيات : ( رولان بارت ، وميشيل فوكو ، وجاك دريدا ، وبول دي مان ، وادوارد سعيد ، وميشيل سيدرس ، وجيرار جينيت، وميكائيل ريفاتير)(13) .
ويحدد ( رامان سلدن ) الموقف النقدي لما بعد البنيوية بمتابعة فاعلية الدال المتواصلة في تشكيل سلاسل وتيارات متقاطعة من المعنى مع دوال أخرى ، وقد اكتشف هذا الموقف الطبيعة غير الثابتة في عملية الدلالة ، فالعلامة ( Sign ) ليست وحدة مجردة ، ذات وجهين إنَما هي تنوعات مهمة لصياغة نماذج معرفية للإنسانيات والعلوم الاجتماعية ، فضلاً عن تحديده - أي سلدن - ما بعد البنيوية بوصفها نظريات عدة شملت ( بارت ، وجوليا ، ولاكان، ودريدا ، وفوكو ، وادوارد سعيد )(14) ، وهذا التحديد لا يخرج كثيراً عن تحديد كاثرين بيلسي(15) ، وريتشارد هارلاند(16) ، وجون ستروك(17) ، واديث كيرزويل(18) ، وروبرت شولز(19) ، وتيري ايكلتون(20) ، وروبرت يونج(21))، فضلاً عن أنَ هناك من درس معطيات ما بعد البنيوية ضمن ما يعرف بنظريات الخطاب (Theories of Discourse) منطلقين من فكرة أنَ ما بعد البنيوية تستخدم الخطاب بدلاً من المنطق بوصفه المعيار الأساسي للمعنى(22).
وأما المصطلح الثالث ( Deconstructuralism ) الذي يُترجم بـ( التفكيكية ) ، فقد كان تداخله المنهجي مع مصطلح ما بعد البنيوية كبيراً جداً ، بحيث يصعب الفصل الإجرائي بينهما، وهو اتجاه معظم النقاد المعاصرين ومنهم : ( كاريس وودن(23) ، ديفيد هواي(24) ، وفرانك ليتريكيا(25) ، آيتين رايت(26) ، وسوزان سليمان(27) ، ووليم راي(28) ، ( سارة ميلس ، ولين بارس ، وسوا سبول ، وإلين ميلارد )(29) ، وليونارد جاكسون(30) ، وتيموثي كراي(31) ، وروجر جونس(32) ، وكاثرين بين(33) ، وريشيل ثومسون(34) ، وماري كلاجيس(35) ، وهانس كيلنر(36) ، وروجر فولر(37).
إنَ خيار مقاربة مصطلح ما بعد البنيوية لمصطلح التفكيكية هو خيار نقدي منهجيَ ، لانَ المتتبع لمسيرة تطور ما بعد البنيوية يجد تلازمها الكبير مع الطرح التفكيكي منذ بدايته ، فضلاً عن أنَ الممارسات النقدية لكليهما يصب في النبع ذاته .
وتشير الدراسات النقدية إلى أنَ ظهور مصطلح ما بعد البنيوية قد تأتى من الأحداث المهمة التي جرت بعد ثورة ( مايو 1968 ) في باريس ، في حين أنَ البنيوية أُعلِن عن موتها ( رسمياً ) بعد محاضرة جاك دريدا عام : ( 1966 ) ، التي حملت عنوان : ( البنية ، العلامة، اللعب في خطاب العلوم الإنسانية ) ، وأصبح المصطلح الجديد الذي حلَ محل البنيوية هو ( التفكيك )(38) .
فبعد عجز ما بعد البنيوية - بعد أحداث 1968 - عن تحطيم هياكل سلطة الدولة ، وجدت أنَ بإمكانها زعزعة بنية اللغة ، واتجهت إلى جعل الأنظمة الفكرية ، والاعتقادية نداً لها بوصفها - أي هذه الأنظمة - توجهات سياسية وتنظيمية تهدف إلى تحليل البنية الاجتماعية والتأثير عليها ، فضلاً عن محاولتها التهوين من الادعاءات العلمية والنقدية التي قدمتها البنيوية(39) ، حيث مثلت البنيوية طريقةً فلسفيةً في الطرح والتناول أقصت فيها الفعل الإنساني وأخفت ذاته ، وتمركزت حول البنية بوصفها الملاذ الأخير لإنعاش الطرح النقدي ، بعدما أُثقِل بخارجيات النص ، وبذلك تعددت المناقشات ، والطروحات التي قدمتها ما بعد البنيوية من طرح فلسفي، إلى سياسي، إلى اجتماعي، إلى لغوي لاهوتي في نهاية المطاف.
وبما أنَ ما بعد البنيوية قد نهضت على أشلاء البنيوية ، إلا أنَ الاختلافات بينهما كانت كبيرة على الصعيدين المنهجي والسياسي ، فالبنيوية فصلت الدال من المدلول ، في حين أنَ ما بعد البنيوية فصلت الدال عن المدلول ، والبنيوية اتخذت من مبدأ الثنائيات المتضادة (Binary opposition ) حداً لتوضيح المعقول واللامعقول ، والتمييز بين الحقيقة والزيف ، وبين السطح والعمق ، …. الخ(40) ، أما ما بعد البنيوية فقد اتخذت من مبدأ النقض والسلب والتقويض حداً لبيان آلياتها ، وبعد أن أقحمت البنيوية نفسهما في الميدان الفلسفي والسياسي ، شاءت ما بعد البنيوية الدخول إلى عالم السياسة بهدوء ، لتجنب المزالق الأيديولوجية التي قد تصيبها بالنكبة كما حصل للبنيوية عام ( 1968 ) .
وبعد أن زودت البنيوية اليسار الفرنسي بنظرية سياسية شبه متكاملة ـ حسب كيرزويل(41)ـ جاءت ما بعد البنيوية محملة بمعطيات راديكالية يمينية ردت السياسة اليسارية الارثوذكسية وبيَنت اخفاقها وفشلها ، وبذلك عُدَ الانتقال من البنيوية إلى ما بعد البنيوية بمثابة الاستجابة لتلك التغيرات السياسية ، لأنّ البنيوية كانت مُخيّمة على جميع الأجواء في فرنسا(42) .
إنَ التحول من البنيوية إلى ما بعد البنيوية هو تحولٌ من مسار احتكار البنية ، إلى مسار ترويضها ، بمعنى الانتقال من البنية المُمركزة إلى البنية المُهمشة ، وقد قاد هذا التحول إلى المطالبة بإحلال العلمية الميكانيكية إلى نسبية فلسفية غامضة ، وإلى إحلال ( الخطاب ، والدال ، والنص ) محل المصطلحات التقليدية في الفلسفة ( الجوهر، المادة ، الهيولي ،… ) ومن ثم إحلال بعض الثيمات المتعلقة بالتعيين اللامتناهي الخاص بتعدد القراءات ، بحيث مثلت إزاحة المعاني والمراجع الثابتة ضرباً من التحرر الجنسي الفنتازي ( Fantasy ) ، ونشاطاً بديلاً يقوم حين تستحيل الثورة السياسية ، أو لا يعود مرغوباً فيها(43) .
وإذا كان الطرح التفكيكي وما بعد البنيوي واحداً ، فما هو الاختلاف بينهما ؟.
يمكن القول أنَ الاختلاف بينهما هو اختلافٌ بيئي سياسي ، لا اختلاف منهجي وظيفـي ، لان مصطلح ( التفكيكية ) يُستخدم في أمريكا ، ويقابله مصطلح ( ما بعد البنيوية ) في فرنسا ، وقد أرادت المؤسسات الثقافية في هذه الأخيرة الاحتفاظ بكل ما يتصل بالموروث النقدي الفرنسي المتصل بالبنيوية ، فضلاً عن أنَ ولادة مصطلح ( ما بعد البنيوية ) كانت في الصُحف الفرنسية في بادئ الأمر ، ووُصفت بأنَها ردَ فعلٍ معقدٍ على إخفاق : ( المثالية الألمانية ، والماركسية ، وعلم الظواهر ، والتحليل النفسي ، والبنيوية الالسنية ) في فرنسا(44)، وقد أطلق النقاد المتحررون من بنيويتهم على معطيات دريدا عام ( 1966 ) بأنَها معطيـات ( ما بعد البنيوية ) ، في حين أطلق النقاد المتحررون من مدرسة النقد الجديد في أمريكا على تلك المعطيات بالنقد التفكيكي أو (التفكيكية ) .
ولم يرد الفرنسيون تناسي التحولات المهمة التي أحدثتها البنيوية ، وتصارعها المعرفي مع الهيجلية ، والوجودية ، والظاهراتية ، والربط العضوي الجدلي بين الفلسفة الفرنسية ، والبنيوية الفرنسية ، وبهذا تمت في سياق تلك التطورات عمليات كبرى لاقصاء الإنسان ، وبناء فلسفة جديدة متحررة من الميتافيزيقا ، مُتكيفة مع توجهات الإنسان الأوربي الجديد في التطلع لاكتساب الحاضر ، والانطلاق إلى المستقبل(45) .
وقد أشارت ( سوزان سليمان ) إلى أنَ مصطلح ما بعد البنيوية مناسبٌ تماماً لما حدث في فرنسا من تحولات واختراقات في جسد البنيوية ، وأنَ البنيوية وما بعدها وصلتا إلى الجامعات الأمريكية في وقت واحد ، بحيث لم يتسن للأمريكيين المنشغلين بـ( النقد الجديد ) استيعاب البنيوية قبل أن تحُل ما بعد البنيوية محلها ، وبسبب التشابه الكبير بين معطيات النقد الجديد والبنيوية ، لم يتقبل الأمريكيون البنيوية ، واتجهوا بشكل مباشر لتبني طرح ما بعد البنيوية لكن بصيغة قريبة من الفكر الأمريكي الحديث الذي اتجه إلى أنآه المتعاظمة ، وخصوصيته في كل الأصعدة ، وبهذا تقبل نقاد الجامعات الأمريكية طرح دريدا لما بعد البنيوية وأطلقوا عليه : (التفكيك) ، وفُسِح المجال لتطعيم النظرية الأمريكية ـ أو كما يحلو لبعضهم تسميتها : ( ألانجلو-ساكسونية أو ألانجلو-أمريكية ) ـ بالفكر الفلسفي الأوربي بأسره بدءاً من نيتشه ، إلى هوسرل ، إلى هايدجر ، وانتهاءً بدريدا ، وكانت نتيجة ذلك : الخلط الحاصل عند بعض المناهضين لدريدا في امريكا ، بين البنيوية وما بعدها ، وتبني (التفكيكية)(46) .
وانطلاقاً من طبيعة الفكر الأمريكي في استغلال إبداع الشعوب الأخرى ، حاول النقد الأمريكي الاستفادة من التحولات الاستراتيجية الحاصلة في فرنسا من إزاحة المنظومة البنيوية وإحلال منظومة ما بعد البنيوية محلها ، وذلك بإزاحة منظومة النقد الجديد المُهيمن على الوسط الثقافي الأمريكي وإحلال التفكيكية بوصفها المشروع الجديد الذي سيكشف القواعد التي تُبنى عليها الدوال ، ليتسنى له بعد ذلك التلاعب بها وتوجيهها إلى المعنى ( المُؤدلج ) ، والمُمثل للأشياء على أنَها انزياحات مستمرة لا نهائية لا ترتقي إلى صيغة الاستقرار ، وتبقى في حقله وحدات حرجة ذات معانٍ مُهشمة طبقاً لتعدد قراءاتها .
ويمثل التفكيك في أمريكا مدرسة ييل التفكيكية ( School of Yale ) ، التي تضم النقاد : ( بول دي مان ، وهيلس مُيللر ، وجوفري هارتمان ، وهارولد بلوم ) ، وقد عدَ هؤلاء ـ انطلاقاً من معطيات جاك دريدا ـ التفكيك ممارسةً سياسيةً في جوهره ، ونظاماً فكرياً محدداً ، وقوة نظامٍ كاملٍ من البُنى السياسية ، ولاحظوا أيضاً أنَ الاستخدام الأمريكي للتفكيك يعمل على الحفاظ على الانغلاق المؤسساتي الذي يخدم بدوره المصالح السياسية ، والاقتصادية المُهيمنة في المجتمع الأمريكي(47) .
وبهذا عُدَ التفكيك ( ألانجلو – أمريكي ) المرحلة الأخيرة من مرحلة الشك الليبرالي ، وعُدت كل النظريات ، والأيديولوجيات الملتزمة ، والخارجة عن ميدان الطرح التفكيكي بمثابة طروحات إرهابية ( Terrorism ) متأصلة ، وتأتي الكتابة التفكيكية لترد عليها وتقوضها بوصفها ـ أي الكتابة ـ آخر مقاطعة غير مُستعمرة ويتم ذلك باستخدام اللعب الحرَ للغة(48) .
إنَ انبثاق مدرسة ييل الامريكية كانت بمثابة نوعٍ من التوازن النقدي مع مدرسة تيل كيل (School of Tel Quel)(49) الفرنسية التي ضمت كبار النقاد المحدثين من مثـل : ( رولان بارت، وميشيل فوكو ، وجاك دريدا ، وتزفيتان تودوروف ، وجيل دولوز ، وفيليكس جوتاري ، وموريس بلانشو ، …. ) ، فضلاً عن أنَ النقد الأمريكي الجديد الذي استقبل معطيات ( دريدا ) كان بحاجة إلى مدرسة تنظمه وتضع الأسس ، وتكون بمثابة السند المنهجي للطروحات التنظيرية والتطبيقية .
وقد تحددت الرؤية الفرنسية النقدية – انطلاقاً مما ذُكر- باتخاذ موقف عدائي من الطرح الأمريكي التفكيكي ، فضلاً عن رؤيتها بأنَ معطيات ما بعد البنيوية قد صُدِرت خارج فرنسا للمثقفين الهامشيين والمنعزلين ، وأنَ تلك المعطيات تمتاز باللاعقلانية والتناقض الكبيـر ، والصوفية النصية ( Textal Mysticalty ) ، والمثالية الألسنية ، واليسارية البدائية(50) ،وليس ذلك حسب فقد منعت الجامعات الفرنسية استقبال ( جاك دريدا ) مؤكدةً على عدم منحه لأي منبر ثقافي في فرنسا ، ونعتته بـ( الفيلسوف غير المتزن ، والفيلسوف المتلاعب بالكلمات ) ، وبأنَ معانيه في التفكيك مختلطة وعائمة وليست ثابتة(51) .
والاختلافات السابقة تؤكدها الموسوعات العالمية الحديثة من أبرزها : الموسوعة البريطانية (Britannica,U.K,2001)(52)، والموسوعة الأمريكية (Encarta,U.S.A,2002)(53) إذ ذُكر في هذه الأخيرة أنَ ما بعد البنيوية حركة انبثقت من البنيوية ، وتدور أسئلتها المركزية حول البنية الاجتماعية ، واللغة ، وامتلاك فضاءات واسعة للتصورات المستقبلية ، ولا يرد مصطلح ما بعد البنيوية في هذه الموسوعة إلا في الأدب الفرنسي، أما مصطلح التفكيك فيرد عندها في الأدب ، والنقد الأمريكي حصراً .
وفي الموسوعة البريطانية هناك تفصيل أدق ، إذ عدت مصطلح ما بعد البنيويين : (poststructualist ) مصطلحاً مشتركاً بين النقد الفرنسي والنقد الامريكي ، في حين عدت مصطلح ما بعد البنيوي : ( poststructual ) يساوي التفكيكية حصراً ، وعدت مصطلـح ما بعد البنيوية : ( poststructualism ) يساوي السيميائية حصراً ، وبهذا التفصيل اكتسبت هذه المرحلة تحديدات ثلاثة :
1. السيميائيـة Semiotic = poststructualism ( ما بعد البنيوية ) .
2. التفكــيك Deconstruction = poststructual (ما بعد البنيـوي) .
3. النقد الفرنسي ، والنقد الامريكـي = poststructualist (ما بعد البنيويين) .
أما المصطلح الأخير في هذا المحور فهو : ( Antistructuralism ) الذي يطمئِن البحث إلى ترجمته بـ( اللابنيوية ) وهو يُطلق على مدرسة ييل الأمريكية ، التي برهن روادها على أنَ اللغة الأدبية تُنسِق معانيها بنفسها ، وأنَها – أي اللغة - تتحدث دائما عن فشلها ، والأدب الذي يتشكل بنظامها ما هو إلا مقبرةُ تبادل الأفكار المهشمة ، فضلا عن عدَهم النقد الأدبي تعطيلاً للاعتقادات الدوغمائية في العالم الأيديولوجي(54) .
ومصطلح اللابنيوية يتجه نحو إنكار المعطيات البنيوية ويسير ضدها ، بل ويشن عليها الحملات المتكررة للحطَ من قيمتها ، وهذه العملية لا تخلو من قصد سياسي ، إذ ذكر دريدا أنَ مصطلح اللابنيوية هو عملية سياسية محضة لأنّ غايته سطوة النموذج الأمريكي في النقد ، ومحاولة لتجريد المنطق الذي بوساطته يحتفظ بنظام معين من الفكر ، الذي تقبع خلفه تراكيب سياسية كاملة ، ومؤسسات اجتماعية ، ولا يريد دريدا - انطلاقا من ذلك - إنكار وجود حقائق نسبية محددة ، ومعانٍ ذاتية ونوايا ، بل يريد أن ينظر إلى هذه الأشياء على أنَها نتائج لتاريخ ممتد للاوعي وللغة وللمؤسسات(55) .
لقد خلقت اللابنيوية توجها مهما في تاريخ النقد الأدبي بشكل عام ، والأمريكي منه بشكل خاص ، لأنَها أرادت اكتساب السيادة النقدية العامة أولاً وآخرا ، وهذا ما يبرر بناءها النقدي المتسارع والمُكيَف مع جميع الطروحات الطارئة ، والمستجدة على الساحة العالمية.
إنَ تبني هذا المصطلح كان نتيجة العزوف – بشكل نسبي - عن مصطلح التفكيك لما يحمله من معطيات السلب والنقض والوهم والحدود اللامتناهية ، ومن نسف لقواعد اللغة … ونحو ذلك ، لأنَ معطيات المصطلحين متشابهة بل وقريبة جداً من بعضها البعض ، فضلاً عن أنَ الجهة النقدية التي أشاعتها واحدة ، وهي مدرسة ييل الأمريكية .
وقد اتجه بعضهم إلى تسمية معطيات ما بعد البنيوية التي لا تنتمي إلى البنيوية لكنها أسهمت في نشوئها وتطورها ، بمعطيات : ( ما بعد الطاهراتية postphenomenology ، وما بعد الفرويدية postfreudism ، وما بعد الماركسية postmarxism )(56) .
وبعد تلك التحديدات المتنوعة والكثيرة يمكن الاقتراب من الصواب ، وتبني مصطلح ما بعد البنيوية الذي يعني – في تصور البحث - التفكيك حصراً ، نظراً لما قُدِم آنفاً من المسيرة المنهجية والنقدية لكليهما ، ومن الأسباب التي تدفع إلى ذلك .
وفي نهاية هذا المحور يمكن التساؤل : هل يمكن تداول مصطلح ( ما بعد البنيوية ) بشكل ثابت وموحد ومتناسق في الميادين النقدية العالمية ، أم أنَ الطرح السياسي سيكون في مواجهة هذا المشروع ؟ نعتقد أنَ التباين سيحكم مسيرة هذا المصطلح، بسبب الطرح السياسي.
ثانيا : المصطلحات ذات الممارسات المعرفية :
يُقصد بالمصطلحات ذات الممارسات المعرفية ، تلك المصطلحات التي تداخلت وتضايفت ، وتناصت مع مصطلح ( ما بعد البنيوية ) ، وكان لتداخلها أثرٌ في تنوع الممارسة المعرفية لكل مصطلح منها ، بحيث حاولت وصف العالم بوساطة التعابير الموضوعية العقلانية والتجريبية ، وقد افترضت بأنَ هناك حقيقة يجب أن تكشف عن طريق الحصول على أجوبة مرتبطة بالشرط الإنساني للوجود ، فضلاً عن عدَ ما بعد البنيوية صياغات شرطية للممارسات المعرفية المختلفة .
ويمكن حصر تلك المصطلحات بأربعة ، هي :
1. ما بعد الحداثــة : Postmodernism .
2. ما بعد الإستعمارية : Postcolonialism .
3. العولمـــــة : Globalization .
4. النظرية النقديـة :Critical Theory .
يشير المصطلح الأول ( Postmodernism ) ما بعد الحداثة ، إلى إمكانية استثمار معطيات الطرح المتسامي ( Sublimation ) للنماذج المتعالية( Trancendental Model) التي قدمتها الحداثة ( Modernity ) بوصفها – أي النماذج - مشاريع جديدة كفيلة بالتعايش مع المعطى الرأسمالي ، والتوجه الإمبريالي الجديد ، الذي قاد مسار الفكر العالمي إلى مواطن العدمية التي بشَر بها ( نيتشه ) ، والى اختزال المعطى الميتافيزيقي – بل محاربته - وإعطاء الدور للمُنظِر (Theorist ) الذي سيمثل السلطة الفكرية النقدية المنهجية ، وسيمارس صناعة المشهد العقلاني لحضور المعنى .
وقد انطلقت معطيات ما بعد الحداثة من إفراز المعطى الكوني لوصف ثقافة بعينها ، وقد عدَ ( بورديو ) ذلك احتكاراً كونياً ، وخلاصة عملٍ ينحو للكونية( Universalisation ) ويتحقق في داخل الحقل البيروقراطي ، ويفرض اللغة والثقافة السائدتين بوصفهما شرعيتين ، واستبعاد خصوصيات الثقافات الأخرى ، وهنا تتم السيطرة الرمزية للمعطى الكوني القائمة على الاعتراف بمبادئ نقدية وثقافية تتم من خلالها ممارسة فعل التسلط(57) .
وأكدَ بورديو أنَ تلك السيطرة الرمزية تثير ( عنفاً رمزياً ) من خلال تحديد علاقات السيطرة والخضوع إلى علاقات عالمية كونية ، وإضفاء تلك السمة هي استراتيجية لكسب شرعية الهيمنة(58) .
ولم يحظ مصطلح بالعناية والتبويب والتفصيل ، فضلاً عن التناقض والتشتت واختلاف التوجهات ، بقدر ما حظي مصطلح ( ما بعد الحداثة ) ، فقد شهد تحديده أزمة منهجية طالت ثقافات ومدارس متنوعة ، ويعدَ التداخل والتقاطع بين ما بعد البنيوية وما بعد الحداثة ظاهرةً أشد وضوحاً في أمريكا منها في فرنسا ، بسبب التوجه الأمريكي الذي جعل من مصطلح ما بعد الحداثة معبراً إلى الغايات الأيديولوجية المتمثلة بالسيطرة على العالم في الأصعدة كافة ، أما التوجه الفرنسي فقد جعل من ما بعد البنيوية نقداً وتجديداً لأسس الحداثة لا إلغاء توجهاتها التي بُنيت أساساً على أركان ثلاثة(59) :
1- فكرة التنوير الأوربي .
2- السيادة الكونيـــة .
3- فكـرة التصنيـــع .
الفكرة الأولى قائمة على عداء الميتافيزيقا بوصفها غياباً ، والتعامل مع الواقع بوصفه حضوراً ، وبالتالي سيادة الإنسان الرأي واحتكار الحقيقة ، والفكرة الثانية قائمة على استغلال موجودات الآخر وصهرها بما يناسب مصالح ( الأنا ) ، وتقديم النموذج الأمثل للإنسان الأبيض الأوربي بوصفه النموذج المتعالي الذي يمتلك أسباب القوة والتطور ، ومن هنا انبثقت الفكرة الثالثة التي تقتضي تعزيز الفكرتين السابقتين من خلال امتلاك محاولات الابتكار ، والآلة الحديثة ، ويمكن عدَ تلك الأفكار مراحل تكتيكية للوصول إلى استراتيجية ما بعد الحداثة التي ما تزال تتسم بـ"اللاإستقرار الدلالي والتاريخي"(60) للعديد من معطياتها ومفاهيمها الأدبية والنقدية والمعرفية .
ومن أشهر نقاد ما بعد الحداثة ( ليوتارد ، وجيمسون ، وبورديلارد )(61) ، فضلاً عـن (أندرياس هايسن ، وألكس كالينيكوس ، وإيهاب حسن )(62) .
والتداخل المعرفي بين ما بعد الحداثة وما بعد البنيوية كبير جداً ، ولا يخضع لقوانين معينة، بل يخضع حسب بورديلارد – في سياق حديثه عن مصطلح الحداثة – لمعالم تجعل من الأزمة النقدية قيمة وأخلاقاً متناقضة ، وقد أسهمت تلك المعالم في هيمنة الدولة البيروقراطية ، وتفكيك نمط الثبوت والمطالبة المستمرة في التغيير(63) .
وجاءت ما بعد الحداثة لتقدم رؤية مزدوجة حول طائفة من القضايا منها تدمير القيم المتوارثة ، والمظاهر التقليدية ، وتدمير المعنى للبقاء في دوامـة لعبـة الدوال ، فضلاً عن تغييب الحقيقة ، ومسخ هوية الآخر ، وتقديم النمذجة المعرفية والنقدية التي تصطبغ بنزعة الهيمنة ، واستخدام الجنس ( Sex) بوصفه أداة فاعلة في التأثير والتوجيه، حتى يتم بلوغ مرحلة الاستئناس بنموذج ما بعد الحداثة ، ووصفه بأنَه النموذج الواقعي الذي يمتلك أسس بقائه ، وأسباب توجهه نحو المستقبل .
وقد تحول كل شئ في مرحلة ( ما بعد الحداثة / ما بعد البنيوية ) إلى لغـــــة : (الأمراض العقلية والجسدية ، الظواهر الحياتية المختلفة ، اللاوعي ، الجنس ، الآلة ، الحرب ، النزاعات والصراعات الفكرية والعقدية ) ، فالحرب مثلاً تحولت عند نقاد ما بعد الحداثة إلى لغةٍ بل إلى دلالة من دلالات الممارسة اللغوية غير المتجانسة ، تتضمن معايير معرفية وتاريخية وسياسية، وبهذا المعنى تحولت الحرب إلى دلالة متسامية ـ بالمعنى الكانتي ـ تتحدى المبادئ التي وضعت لأجل العدالة ، وبذلك عدَ الناقد التفكيكي ( كريستوفر نورس ) السكوت على المجازر التي أُرتكِبت بحق المدنيين العراقيين في حرب الخليج تطبيقاً على ما ذكر ، وفهرساً للعلاقة التواطؤية القائمة بين النظرية في اكثر أشكالها المتمثلــة بـ( ما بعد البنيوية ، وما بعد الحداثة، والبراجماتية الجديدة ) وبين مصالح نزعة الهيمنة التي تحاول تهميش الحقيقة ، وتحكم بالمنجز الإعلامي والرأي العالمي(64) .
ونظراً لتعدد المداخل المعرفية والفكرية لما بعد الحداثة فقد عدَ النقاد مسألة وضع تحديد منهجي شامل لها هو بمثابة الحلم ، لأنَها تمثل حرباً ضد الشمولية والكلية والعمومية ، إنّها حرب ضـد كـلّ المطلقـات والقيم ، ولا تخضع لقانون أو دستور أو معيار كلي ، وقد وُصفت بـ(الفاشية Foscism) ، و بـ (الإرهابية)(65) .
وتتمثل فاشية ما بعد الحداثة بافتقارها إلى مشروعية ما هو صادق وما هو عادل ، واستفحال الولادات المتكررة للحركات والظواهر الإرهابية ، وتعرض الرأسماليــــــة (Capitalism) إلى أزمة بل أزمات حقيقية ، وفيها يشهد المعطى النقدي والفكري العالمي مرحلة تفكك المذاهب والنظريات والاتجاهات الفكرية الكبرى ، وغياب أنساق المعتقدات التي تُوجه الإنسان في تفكيره وسلوكياته ، فضلاً عن تمثلها لحالة من التدهور والانحطاط الاجتماعي والثقافي ، وقد اتجهت ما بعد الحداثة إلى الاستعانة بمعطيات ما بعد البنيوية حتى وُصِفت – أي ما بعد الحداثة – بأنَها تمثل مشروعاً نقدياً واحداً مع ما بعد البنيوية ، وليس ذلك حسب إذ استثمرت ما بعد الحداثة كتابات ما بعد البنيوية في نظرية التفكيك ، ومارست فعل التلاعب باللغة كما هو عند نقاد ما بعد البنيوية(66) .
وقد جعل ( جيمسون ) تلمس خصوصية ما بعد الحداثة في سمتين : ( الخلط pastich ، والنصية Textual ) ، فضلاً عن الموقف من مفهوم الفرد الذي يُعدَ الأساس النظري للنزعة الفردية المُؤدلجة في عصر الرأسمالية المندمجة ، والبيروقراطية المنظمة ، وبنيان ما بعد البنيوية الفلسفي والثقافي ، ولهذا سعى جيمسون إلى الكشف عن اللاوعي السياسي المتضمن في النصوص الثقافية والنقدية ، وبيان إمكانية تعرية تلك النصوص من أقنعتها الأيديولوجية وشعاراتها التي قد لا تملك صيرورة تمثل الحقيقة(67) .
لقد رأى جيمسون أنَ تحولات المسار النقدي والمعرفي لما بعد الحداثة بوصفها محاولات لإعادة بناء المجتمع الرأسمالي ضمن مرحلة جديدة في التفكير ، من مراحل الرأسمالية التي تضمن بقاء نفس نمط الإنتاج الرأسمالي(68) ، وهذه التحولات ـ بطبيعة الحــال ـ لم تكن منفصلة عن تطورات المسار النقدي لما بعد البنيوية لتشابه الطرح المنهجي والغائي ، واقتراب مواكبة أزمة المعنى في نظام التمثلات الملتبس في قيادة العالم .
وفي السياق نفسه ، يجد جيمسون أنَ الربط بين مواقف ما بعد الحداثة الأمريكية ، وما بعد البنيوية الفرنسية ، هو وسيلة للنفاذ عبر الخطاب الجمالي إلى البعد الأخلاقي لنظرية خطاب ما بعد الحداثة ، ويسمى ذلك:اللاوعي السياسي( The political unconscious)(69).
وقد دعا هذا ( اللاوعي السياسي ) الى حرب عالمية ثالثة ، وصفت بأنَها ( خرساء ) لأنَ الموازين فيها تمثل غياب المعنى ، بل فقدانـه فـي ساحـة الحكم العقلاني غير المُسيس ، ففي هذه " الحرب الأطفال يقتلون محل الجنود ، وهناك ملايين العاطلين عن العمل محل ملايين الجرحى، ودمار المصانع والمدارس بدل تدمير الجسور ، إنَها حرب المديونية الخارجية ، سلاحها الأساس المصلحة وهو سلاح اشد فتكاً من القنبلة النووية ، وذو قدرة تحطيمية اكبر من أشعة الليزر "(70) .
ومن النقاد المعاصرين الذين تحدثوا عن المقاربة ، والمفارقة بين مصطلحي ما بعد الحداثة وما بعد البنيوية ، الناقد الأمريكي ( إيهاب حسن ) ، ويتمثل حديثه في ذلك من خلال مرحلتين :
الأولى : حديثه عن الفرق بين معطيات الحداثة ، وما بعد الحداثة .
الثانية : حديثه عن اوجه التشابه والاختلاف بين ما بعد الحداثة ، وما بعد البنيوية .
في المرحلة الأولى وضع إيهاب حسن مخططاً مهماً في تلمس اوجه الفرق بين مرحلة
الحداثة وإفرازاتها ، ومرحلة ما بعد الحداثة وإفرازاتها ، ومحتوى هذا المخطط كآلاتي(71) :
الحداثة |
ما بعد الحداثة |
ما بعد البنيوية |
الرومانسية / الرمزية |
الددائية / السريالية |
الماركسية / الوجودية |
الشكل ( متركب ، مغلق ) |
اللاشكل ( متقطع ، مفتوح ) |
الشكل ( مهشم ، مفتوح ) |
الغرض |
اللعب |
نظرية اللعب |
التصميم |
الصدفة |
الصناعة |
الهرمية |
الفوضى |
اللانهائية |
الإتقان / اللوجوس |
النقص / الصمت |
التسيس / الادلجة |
موضوع الفن / العمل المنجز |
الصيرورة / الأداء / الحدث |
من البنية إلى الصيرورة |
الانفصال |
الاشتراك |
التكوثر |
الإبداع / الكلية |
اللاإبداع / التفكيك |
خلق التفكيك |
التأمين |
التناقض |
التشظي / التشتت |
الحضور |
الغياب |
الحضور والغياب |
التمركز |
التبعثر |
اللاتمركز |
النوع / الحد |
النص / داخل النص |
علم الكتابة |
المثل |
النسق |
النمذجة |
ترتيب ( تنظيم ) |
تعقيب ( استئناف ) |
التفتيت |
الاستعارة |
الكتابة |
المجاز |
الاختيار |
المزج |
التغريب |
الجذر / العمق |
الجذر الممتد / السطح |
انساب الجذر / العمق |
التأويل / القراءة |
ضد التأويل / إساءة القراءة |
ضد التأويل / إساءة القراءة |
المدلول |
الدال |
لعبة الدوال |
الشفاهي |
الكتابي |
الكتابي |
السرد / القصة الكبرى |
اللاسرد / القصة الصغرى |
السردية / القصص الكبرى والصغرى |
الشفرة الرئيسة |
اللهجة |
المعنى |
العرض |
الرغبة |
الشبق |
العضو التناسلي / الذكر |
عضو متعدد الأشكال / الخنثى |
حرمان العضو / الأُنثى |
البارانويا |
الشيزوفرينيا |
الفنتازيا |
الأصل / السبب |
الاختلاف – الإرجاء / الأثر |
الاختلاف – الإرجاء / الأثر |
الميتافيزيقا |
المفارقة |
ميتا-مفارقة |
التوجه |
اللاتوجه |
الاختزال |
التحول |
الملازمة |
المراوغة |
وأظهرت ما بعد الحداثة ممارستها المعرفية بوصفها التكوين المفاهيمي المعاصر ، والتفكير المُعقلن والمتناغم ـ حسب توجهاتها ـ فضلاً عن كونها ممارسة تكتيكية وتفكيكية .
ومن أهم سمات ما بعد الحداثة هي الانعكاسية الذاتية ( Self Reflexivity ) ، التي تقدم فائدتها وحصيلتها إلى مقولات ما بعد البنيوية في أنَ المنهجية المختارة تشكل المادة نفسها عند دراستها ، ولذلك لم تؤمن ما بعد الحداثة بالفواصل ، والفوارق الثقافية المعرفية ، لأنَ أشكال المعرفة هي نفسها تنتج أشكال المادة المدروسة نفسها وتتأثر بها ، هذا فضلاً عن سمات أخرى تكشف المقاربة النقدية لها تؤكد تبنيها للطروحات البنيوية وما بعد البنيوية ، كما أنَ دراستها التطبيقية تحيل باستمرار إلى معطيات دريدا ، ولاكان ، وبارت ، وفوكو(72).
ويتحدد المنظور الفلسفي لما بعد الحداثة بتمركزها حول الفراغ الذي أوجده غياب وتقويض مرحلة الحداثة ، وقد استخدم هذا التقويض مفاهيم ما بعد البنيوية التي ألغت محدودية المعنى وإمكانية تفرده ، وأكدت على أنَ الحقيقة الثابتة ما هي إلا صناعة لغوية ، فضلاً عن دور ما بعد الحداثة في إعادة تعريف الحقائق المتغيرة ، وزعزعة الثقة بالثوابت ، مما يؤدي إلى تعرية صيرورة الحقائق وتحيزاتها ، وتسعى في الوقت نفسه إلى إبراز عملية تصنيع الحقيقة وإبطال مقولاتها المتعالية(73) .
أما المنظور الاستراتيجي لما بعد الحداثة فيتمثل في تأصيل النص ، وانفتاحه وكسره للحدَ، وينجم عن ذلك : التحول إلى لا نهائية الدلالة ، ولا محدودية المعنى ، وتعدد الحقائق والعوالم باختلاف القراءة ، والإساءة إليها ، ولذلك لا تتسم ما بعد الحداثة بالحيادية مطلقا ، لأنَها إن حاربت التميز باسم الحياد المطلق فإنَ هذا الحياد سينقلب إلى تحيزٍ بسبب طبيعته المؤدلجة ، وهي إن حاربت التمركز باسم تبني الهامش ، فإنَ هامشها نفسه سيتحول إلى مركز ومن ثمَ إلى تمركز(74) .
ويمكن إجمال الطرح المعرفي لمرحلة ما بعد الحداثة بما يأتي(75) :
1. تحويل العمل الإنتاجي إلى طابع استهلاكي – حسب بودريلارد(76) - .
2. تشويه العلاقة بين الثقافة والمجتمع .
3. البعد عن الأصالة .
4. تقديم الثقافة بوصفها خطاباً لا يحمل مضامين سياسية ـ حسب بودريلارد ـ .
5. غياب المعايير والأخلاقيات .
6. فقدان الضبط الاجتماعــي .
7. التحول من الاهتمام بالعقل إلى التركيز على القوة والسلطة .
8. لم يعد الهدف الصدق الواقعي بل أصبحت الاداتية (Performativity) القصد النهائي.
إنَ ظهور الطرح المعرفي لما بعد الحداثة ، واستفحاله أوحى إلى شراكة النمط الواحد لمصطلحي ما بعد البنيوية وما بعد الحداثة ، بحيث وصلا إلى مرحلة التطبيق النقدي المشترك لأفكار النظام والوحدة على صعيد الأسرة المنهجية ، ووضعا حدا للقواعد الثابتة القديمة ، وللثوابت السياسية الراسخة ، فضلاً عن أنَ أي توجه من توجهات ما بعد الحداثـة ـ على صعيد النقد ـ يجب أن يلتقي في تناوله للحملات وللحركات التي عنيت بأفكار ما بعد البنيوية(77) .
وقد انتفعت ما بعد الحداثة من الطرح النقدي الشامل لما بعد البنيوية من خلال ظواهره الخطابية التي يمكن وصفها بأنَها نِتاج شفرات عدة ، وقوانين وألعاب لغوية ، وأنظمة إشارية تكون وحدها القادرة على إعطاء التأويل المراد من زاوية سياسية مُعلقنة ، تكتسي نظرة مضادة للمعنى المتوارث عبر حقب التاريخ ، بوصفه ميدانا يتم فيه تفعيل خطابات مؤدلجة ، ويستخدم فكر ما بعد الحداثة تأويلا تفكيكيا لإعادة هيكلة تلك المعاني بما يناسب المرحلة الراهنة ، وبما يناسب التطلع إلى التخلص من ضرورات المشروعية والحقيقة(78) .
وانطلاقا مما ذكر يمكن أن تتحدد حقيقة ما بعد الحداثة في " الاحتمالات اللامتناهية لقراءة الأعمال قراءة مختلفة أو منحرفة ، وشنِ حرب عصابات من الرموز والعلامات على الأعمال الفنية التي ظنت الحداثة إنَها .. في حصنٍ منيع منها "(79) .
وقد عدَ البعض أنَ ما بعد الحداثة تشمل : ما بعد البنيوية ، التفكيكية ، الفلسفــة ما بعد التحليلية ، البراجماتية الجديدة ( Neo- pragmatism ) ، ووُصفت هذه المصطلحات بأنَها مقاربات تسعى إلى تجاوز التصورات العقلية ومفهوم الذات ، في حين رأى ( كالينكوس) أنَ عناصر ظهور ما بعد الحداثة هي ثلاثة : ( الردة على الحداثة ، وظهور ما بعد البنيوية ، وبروز نظرية المجتمع ما بعد الصناعي )(80) .
ومن الموضوعية ذكر أنَ هذه الأسطر لا تستطيع استيعاب التداخل الكبير الحاصل بين ما بعد البنيوية وما بعد الحداثة ، لشدته وتوسعه وتشظيه ، لكن البحث هنا سعى بشكل هادئ ، إلى الإلمـام بأهـم الآراء ، والمقاربـات التي ذُكـرت فـي هـذا السيـاق ، وتبقــى قضيــة الـ( ما بعدpost : )(81) سنداً نقدياً زعزع الروتين النقدي والمعرفي والفلسفي ، وقدَم دعوات لاعادة النظر بمجمل التغيرات الطارئة في المواقف المعلنة القاضية بالإيمان بضرورة إيجاد البدائل(82).
إنَ مناقشات الـ( ما بعد ) تسعى – بلا شك – إلى تطوير عجلة الفكر العالمي ، وتشير تلك المناقشات إلى ثقافة جديدة تُطرح بوصفها بديلاً للفكر الهرِم ، ولهذا جاءت ثقافة الـ( ما بعد ) ثقافةً مستقبليةً متوجهةً نحو الإصرار على تفعيل العمليات الاقتصادية ، والاستهلاكية ، والتفاوض على كل شئ لاجل إعلاء المصلحة الذاتية . ويبقى السؤال قائماً : هل مازلنا نعيش في عصر الـ(ما بعد) ؟ .
إنَ ثقافة الـ( ما بعد ) متجددة دائماً ، لأنَها تسعى إلى نزع العصور السابقة ، وإبدالها بالموضة المتفاعلة مع تطلع الحلم الطفولي للطرح النقدي ، والمتمثل بإنشاء سيناريوهات تضمن تقديم السلطة النقدية على أنَها فردوسٌ من يمكن اللجوء إليه ، والاطمئنان بجواره ، ولذلك فإنَ البحث يتجه إلى تفعيل النظر في ممارسات الـ( ما بعد ) لأنَ هذا سيقود حتما إلى كشف ميادين معرفية وعلمية متنوعة ومختلفة في الوقت نفسه ، فالحديث الان يأخذ مســار ( ما بعد البنيوية، ما بعد الحداثة ، ما بعد الإستعمارية ) وغداً يمكن الحديث عن ( ما بعد الحرب الكونية ، ما بعد الماركسية الجديدة ، ما بعد الأداة والثقافة ، ما بعد العولمة ، ما بعد الإرهاب ، ما بعد سياسة القطب الواحد والأحادية ، … ) ، افتراضات كثيرة قد لا ترتقي إلى نهاية قريبة .
ومع هذا فإنَ البحث لا يطمئن كثيراً لولادات لا تخضع لمدة حملها الفيزيقي ، لأنَ التسارع قد يُوقع أحيانا في الفوضى ، وهذه الأخيرة قد تقود إلى العدمية ، ومن ثم إلى خسارة الغاية ، لكن من جمح بهم الحلم الميتافيزيقي – وهم الأمريكان - يتطلعون دائماً إلى سباق الزمن ، والتطلع إلى مرحلة ما بعد النزعة الإنسانية ( post-humanism) ، وما وراء الذكورة العنصرية ، وما بعد النزعة البطولية التي وصلوا معها إلى حد الإشباع(83) .
ويشير المصطلح الثاني في هذا المحور ( post-colonialism ) الذي يطمئن البحث إلى ترجمته بـ( ما بعد الاستعمارية ) ، إلى النظام الثقافي الذي مَحوَّرَ الخطاب الاستعمـاري (Colonial Discourse ) ، وناقش ممارساته التطبيقية على الساحة العالمية ، وجادل في أبعاده التاريخية الأيديولوجية ضمن إطار التطور البشري من ( مرحلة العبودية ، إلى مرحلة الإقطاعية ، إلى الاشتراكية ، ثم إلى الرأسمالية ) ، وفي كل مرحلة من هذه المراحل كان المُكون الأساس في التوجه هو دعم المصالح ، لا الالتزام بقوانين رعاية الإنسان في بقاع العالم المختلفة ، بالرغم من أنَ بعض شعارات تلك المراحل رفع لواء حفظ النزعة الإنسانية وصون نموذجها .
وفي كل مرحلة من تلك المراحل مارس الفعل الاستعماري دوره في صياغة مجمل النشاطات التي تضمن استغلال ثروات الأفراد أو الدول ، وتسخيرها لخدمة النُظم الاستعمارية على الصعيد السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي .
إنَ ظهور مصطلح ( ما بعد الاستعمارية ) كان بمثابة ردَة فعل ثقافي على السياسة الاستعمارية الأمريكية التي بنت صرحها ( Superconstitution ) على أشلاء الشعوب الأخرى ، وصعدت على أكتاف من لا يحسنون اتقان الفعل الحضاري ، ولا يستطيعون دحرجة عجلة التطور، إلا بالارتكاز على الدخيل الوافد ، بالرغم من توفر الإمكانات الإقليمية للنهوض والتقدم ، ومن ابرز من تحدث عن ذلك بشكل مفصل : (روجيه جارودي(84) ، وهنري كيسنجر(85)) .
ولذلك يمكن القول أنَ بحوث ( ما بعد الاستعمارية ) جاءت لصدَ النشاط الإمبريالي والاشتباك مع الخطاب الاستعماري ، ومراكز القوة والنفوذ ، والتراتبات الاجتماعية ، ولهـذا لا يقتصر عملها على وضع الخطط الفاعلة لمرحلة ما بعد استغلال الشعوب ، إنَما تمثل أثراً نصياً ، واستراتيجية للقراءة ، وشكلاً من أشكال النقد الثقافي ، والتحليل النقدي الثقافي ، وتتوجه هذه البحوث إلى تحرير المجتمعات من الهيمنة المقترنة بالهيكلية الثقافية ، وابراز التباينات الدالة قي تواريخ وثقافات ولغات وسياسات المستعمِر والمستعمر ، والتركيز على مسألة الاختلاف بينهما ، وهذا ما يميز بشكل أساس فاعلية بحوث ما بعد الاستعمارية(86) .
إنَ معطيات ( ما بعد الاستعمارية ) تعيد خلق التراتبات الزائفة ، والقراءات الخاطئة ، والنوازع اللاتاريخية التي تشكل جزءاً من المشروع الإمبريالي(87) ، وتشكل تلك المعطيات بديلاً عن الرؤية الاستبدادية ( Totalitarism ) التي تكمن خصوصيتها في نفي التمايز بالنسبة للآخر ، واباحة ( Libertin ) الاندماج في ثقافتها ومنظومة تسلطها ، ونتيجة ذلك ستتمثل في الانصهار في ثقافة الآخر المسيطِر ، ومسخ الهوية الذاتية ، والبحث عن تصورات مستوردة لاستثمار الموروث خشية غيابه .
ومن أشهر من تحدث عن مصطلح ما بعد الاستعمارية : ( لبيل اشكرونت ، والان لوسون، وجاريت جريفيت ، وهيلين تيفين ، وباتريك ويليامز ، ولاورا كريسمان ) ، فضلاً عن الكاتب الأمريكي ( ادوارد سعيد )(88)، الذي طوّر هذا المصطلح ووسّع مباحثه ، وقد كانت القضية الرئيسة التي تشغله هي قضية فلسطين ، والتحديات الثقافية التي تواجه الفرد والمجتمع ، فضلاً عن محاولات جادة عربية في الإطار نفسه(89) .
إنَ ولادة ( ما بعد الاستعمارية ) تشير إلى تحليل الاستعمارية التي بلورتها الثقافة الغربية إزاء مناطق العالم ، وتنطلق هذه الولادة من فرضية نهاية الاستعمار التقليدي ، وإيجاد مرحلة جديدة من الهيمنة تمثلت بـ( الإمبريالية Imperialism ) ، و ( الاستعمارية Colonialism ) ، وتوجه نقداً متصلاً للتحيزات الكامنة في المركزية الغربية ، لذلك نهض خطاب ما بعد الاستعمارية ضد مفاهيم ( العالمية Universality ) ، التي حاولت المركزية الغربية تعميمها على جميع المحطات في العالم ، بوصفها – أي المفاهيم – مظاهر كونية تمتلك رؤى إجمالية للمحافظة على هذا الكون(90) .
ومن المصطلحات القريبة جدا من مصطلح ما بعد الاستعمارية : مصطلح الاستشراق(91)(Orientalism ) الذي يُعنى بدراسة المعطيات الحضارية للنصف الشرقي من الكرة الأرضية ، ويُمثل إسلوباً من الفكر القائم على تمييز وجودي ، ومعرفي بين الشرق والغرب ، وغرضه الأساس التمييز بين الفوقية الغربية ، والدونية الشرقية(92).
والتداخل الحاصل بين مصطلحي ما بعد البنيوية ، وما بعد الاستعمارية كائن على صعيد التداخل الدلالي ، لا على صعيد الممارسة الفعلية ، لانَ ما بعد البنيوية تجنح لتفكيك القيود التي أثقلت كاهل المعنى ، والانطلاق إلى حرية ممارسة الدال ، والوصول إلى لا نهائيتـه ، فضلاً عن الخروج عن التقاليد الموروثة من تركات البنيوية وروافدها ، والحال نفسه مع ما بعد الحداثة التي تسلك مسار تفكيك القيم والعادات ، وتقدم نموذجها في اللاتحديد واللاإلتزام ، فضلاً عن الفوضى ، والتشتت واستغلال مواهب ومقدرات الآخر ، وتفكيك الحدود والمحددات التي تقوم على الهيمنة الاستعمارية ، التي تخلق علاقات غير متكافئة تقوم على مبادئ المصلحة والاستغلال والتفرد(93) .
إذن مسار التداخل بين المصطلحين واحد هو التفكيك ، لكن الممارسة الفعلية متباينة ما بين تفكيك للقيود النصية والدلالية والأعراف الاجتماعية والفردية ، إلى تفكيك لسلطة الهيمنة وإعادة بناء توازن القِوى بشكل متكافئ ، فضلاً عن كون نصوص ما بعد الحداثة المتشابكة مع نصوص ما بعد البنيوية نصوصاً سياسية ، في حين تمثل نصوص ما بعد الاستعمارية تبنياً لهدفٍ سياسي محددٍ وهو الخلخلة المستمرة للسلطة السياسية والثقافية المهيمنة للإمبريالية(94) .
ويجب الانتباه إلى أنَ معطيات هذه المصطلحات لا يُنظر إلى مسيرة تطورها الزمنية على أنَها نتاج فاعلية منهجية وفكرية واحدة عقب تطورها ، بل يجب أن ينظر أليها كل عشر سنوات(95) ـ حسب جيمسون ـ لأنَ تصورات هذه المصطلحات تاتي بطرح جديد كل عشر سنوات ، وتعكس الأحداث في سياقها المشاريع التطبيقية للطرح الفكري ، والمونتاج العقلاني الذي عُدَ لمحاربة هذا البلد أو ذاك ، ويتم ذلك وفقا لاستراتيجية دقيقة يرسمها جهابذة السياسة المعاصرة(96) .
ويشير المصطلح الثالث ( Globalization ) العولمة ، إلى تشابك معرفي على صعيد الممارسة مع مصطلح ما بعد البنيوية إذ يتفق المصطلحان كلاهما على تحديد الأسس والالتزام بالسير في الطريق نفسه ، نحو تمجيد الفرادة الغربية ، وتحويــل الثقافــــات (Intelligentsia ) المتعددة إلى ثقافة مُمركزة حول المعطى الغربي .
والمُتفحص لمشروع العولمة يجد أنَه ناتج من اندماج منظومات ثلاث رئيسة هـي : (المنظومة الرأسمالية ، والمنظومة الإعلامية والاتصالية ، والمنظومة المعلوماتية ) ، وقد قاد ذلك الاندماج إلى نفي إمكانية وجود خصوصية لثقافة مستقلة ، فضلاً عن هيمنة الثقافة المسيطِرة وتصدير نتائجها إلى الثقافات الأخرى ، وبهذا اتصفت العولمة بكونها جزءاً من استراتيجية الدول الرأسمالية الكبرى لتجديد وتجذير الهيمنة العالمية(97) .
ويشير ( فوكوياما ) ـ صاحب نظرية نهاية التاريخ ـ أنَ مسار الحركة الجدلية التاريخية لن يسمح للقوى المتصارعة بفرض شروطهما معا ، وتحديد مناخها الفكري بشكل متزن ، لأنَ الأيديولوجيا الليبرالية التي تمتع بها الغرب لعقود من الزمن ، ستكون كفيلة بسيادة العالم ، وبتقديم نموذجها ( المثالي ) الذي يصح تطبيقه على الدول الأخرى بوصفهـا ـ أي هذه الأيديولوجيا ـ مشروعاً واتجاهاً عالميا يضمن سعادة الإنسان(98) .
وبهذا تتحدد العولمة عند فوكوياما بوصفها شكلاً من أشكال الليبرالية التقدمية السائدة في المعطى السياسي الغربي ، وعدم تطبيق هذا الشكل سيقود إلى اختلال موازين صيغ الإنتاج بين دول العالم مما قد يؤدي إلى زعزعة الهيمنة الاستعمارية .
في حين يشير ( صومائيل هنتجتون ) ـ صاحب نظرية صِدام الحضارات ـ إلى أنَ العولمـة هي مظهـر من مظاهر الانتعاش الأمريكي ، وشكل جديد من أشكال الإمبريالية ، وأنّها ـ أي العولمة ـ مسعى حثيث لأمركة العالم(99) .
إنَ العولمة هي الاسم الحركي للأمركة ( Americanisation ) ، لأنَها تمثل رسالة المُتسلط الأمريكي ، فضلاً عن معانٍ أخرى من مثل : مؤامرة لغوية ، لعبة مميتة للإنسان ، تغريب العالم ، نهاية الحدود ، ….(100) .
وقد تداخلت معطيات العولمة بشكل أساس مع ما بعد البنيوية ، في كون الأخيرة تسعى إلى نمذجة طروحاتها لتكون بمثابة البديل النقدي لما هو سائد ، وإفراز صبغة : النقدية العالمية على تلك النمذجة ، والنظر إليها بوصفها جزءاً أساسا من عملية التحضر والمثاقفة ، التي يتطلبها العصر عن طريق جعل النموذج عاماً وشاملاً يصح الحديث عنه ، وتطبيقه في ميادين الثقافات والنقود المختلفة .
وفي الوقت نفسه نُظِر إلى معطيات العولمة على صعيد الثقافة ، بوصفها الجزء الأساس من عملية التحضر والمثاقفة التي تسعى لها الشعوب ، ولا شك أنَ تلك العولمة نتجت من عملية اكتساح اقتصادي وسياسي متقن إلى حد كبير، لأجل حفظ المصالح(101).
فالعملية الثقافية والمعرفية التي ابتدأت مع نظريات سوسير اللغوية ، وتجليات سارتر في إزالة الحواجز بين الأدب والنقد والفلسفة والعمل السياسي ، ودلالات شتراوس وقدرة نموذجه اللغوي في إخصاب البحث الأنثروبولوجي ، وريادة فوكو في مجال الحفريات المعرفية وسلطة الخطاب ، وإنجازات بارت لمدَ الجسور بين الأدب واللغة والعلامة ، والطرح الفلسفي لدريدا ، ومنجزات بورديو في البحث الاجتماعي …. الخ ، كل تلك الإنجازات وغيرها أسهمت في إنعاش مسيرة العولمة ، ونضج المنظومة الثقافيــة المهيمنـة لها(102) ، وهذه المنطلقات قد نسجت تجليات طوباوية سلبية – حسب سمير أمين – في سعيها إلى تغيير العالم وتطويره ، وتواشجت مع معطيات ما بعد الحداثة وما بعد البنيوية والعولمة وعصر ما بعد الصناعي ، ومرحلة ما بعد النزعة الإنسانية ـ التي تُمثل استبعاد الإنسان عبر هيمنة البنية عليه ـ ومثلت في نهاية المطـــاف – بشكل أساس – الخضوع لمقتضيات الاقتصاد السياسي الرأسمالي ، على آمل إدارة ذلك الاقتصاد النظامي بأسلوب إنساني ، وهذا الأمل بات وهماً ، ولا شك أن تلك التجليات قد حملت معها أجنة تناقضاتها ، وعوامل تدميرها التي تتمثل بالاستلاب الديماغوجي ( Demoaggy) ، والاستقطاب العالمي، وتدمير الموارد الطبيعية(103).
أما المصطلح الأخير في هذا المحور فهو (Critical Theory ) النظرية النقدية ، الذي يُنسب إلى مدرسة فرانكفورت الألمانية التي استفادت من فعل التراكم الفلسفي والصياغات المنهجية والمعرفية لمسار الطرح النقدي المعاصر ، وحاولت تقديم بعض التغيرات النقدية ، وتجاوز رواسب التأمل العقلاني في مشروع الهيمنة ، واعادة النظر في انتصار البنى على الإنسان انطلاقاً من فلسفة البقاء للأصلح .
إنَ ما يميز النظرية النقدية هو أسلوب النظر الدائم إلى معطيات الحداثة ، والبحث عن أفق جديد لطرح الأسئلة ، وبذلك تحول النقد عندهم إلى وسيلة من وسائل مقاومة أشكال الاستقطاب والى فعل تغييري من منطلق النزعة الإنسانية ، وبالارتكاز على المعطى الاجتماعي(104) ، ولذلك وضعت النظرية النقدية في سلم أولوياتها مقاصد ثلاثة لتعميق الوعي النقدي وهي : ( العقل الأداتي ، التقنية ، فعل التواصل ) ، وأكدت مبدئياً أنّ ليس هناك نظرية تدعي امتلاك الحقيقة(105) .
والمقاصد السابقة مرتبطة مع بعضها ، فالعقل الأداتي هو عقل خصوصي يعطي للتنظيم الاجتماعي حقيقته العقلانية ، ونقد التقنية هو نقد عقلانية السيطرة والهيمنة ذاتـها ، فالتقنية تتحول من عقلانية نافعة إلى عقلانية سياسية غرضها الاستلاب والاستعمـار ، وتقود إلى التآكل التدريجي اللغوي(106) .
إنَ " الحداثة التقنية لم تكتفِ بانتزاع المقومات الوجودية للفرد سواء تعلق الأمر بعقله وبحريته أو برغبته وبميولات جسده ، بل أنَها توظف تعبيرات هذه العناصر لكي ينسلخ اكثر عن ذاته ويرتمي كليةً في الاقتصاد الثقافي ذي الامتداد الجماهيري(107) .
ومن هذا المنطلق اتجهت النظرية النقدية إلى تفكيك تشكلات قوى الهيمنة ، ورسمت لها أدوارا حاسمة في تحقيق ذلك ، وأسهمت في تنوير الفرد الملتزم بها ، وبهذا وصفت بأنها تمثل نقداً فاحصاً لأيديولوجيا المجتمع وتعرية لها(108) .
وقد حاولت النظرية النقدية تجاوز المراحل الاستبدادية ، وتشكيل نواة جديدة لنظرية في المجتمع ، تنبني على معطي الفاعلية التواصلية التي تتمثل بآلاتي(109):
1- جعل النقد اسلوباً رئيسياً في النظر إلى الأشياء والأفكار والأحداث.
2- الانسلاخ من كل نزعة تروم الدمج والاحتواء.
3- الابتعاد عن كل استقطاب مؤسساتي لا سيما الدولة والأحزاب.
4- عدم الفصل بين الممارسة الفلسفية وبين مختلف العلوم الاجتماعية.
5- التخلص من استبدادية الفعل ومن إنتاجيات الحداثة ذات التجليات الشاذة.
6- تفكيك ادعاءات الطروحات الممركزة والمتمثلة في الاكتمال والانفعالات وادعاء الامتلاك التام للحقيقة المطلقة.
7- محاربة النزعة العلمية لأنها تضفي الشرعية على النظام السياسي والاجتماعي المؤسس على العقلانية التقنية.
8- القيام بمحاكمة نقدية لأساسيات الفلسفة العلمية، ولنقد الأيديولوجيا.
ومن خلال ما سبق تتضح علائق السلوك النقدي بين الاتجاه العقلاني للنظرية النقدية ، والاتجاه العقلاني لما بعد البنيوية ، إذ يسعى كل منهما إلى اتخاذ السبيل النقدي قاعدةً أساس في النظر إلى الأشياء والموضوعات واللغة والنصوص ، وتفكيك وتحليل النظريات من اجل امتلاكها نقدياً ، واعادة بناء الموضوعات والمفاهيم ضمن تصور فلسفي جديد قائم على أنقاض التصورات الفلسفية السابقة التي قدمتها الحداثة(110).
أما علائق السلوك المعرفي بين الاتجاه العقلاني للنظرية النقدية ، والاتجاه اللاعقلاني لما بعد الحداثة فتتضح في كون كل شيء قابلاً للتأويل والنقد والتفكيك في ظلَهما ، وأصبحت المعرفة العلمية تُشكل خطاباً يتعين استنطاقه وتحديد علاقته مع السلطة ، ثم تفكيك الأطر المرجعية التي تمنح للسلطة مشروعيتها ، وتوفر لها شروط خلق التوازن وضبط النظام ، فضلاً عن اتفاق النظرية النقدية وما بعد الحداثة على نقد الحداثة ، وتفكيك عقلانيتها ، واعادة النظر في الطروحات الحضارية المتعددة الأشكال ، والطرح المتعدد المعاني(111).
وبالرغم من نعت ما بعد الحداثة من قبل النظرية النقدية بأنَها تمثل نوعاً من النزعة الفوضوية ، إلاَ أنَهما قد عارضا الرجوع إلى الأشكال المتطرفة للفكر التقليدي ، ونظرا إلى الحداثة الثقافية بكونها تمثل في الحقيقة سيادةً للرعب ، تتميز بمظاهر استبدادية لعقل مُتمركز حول الذات، فضلاً عن إتجاههما إلى إمكانية ربط الأوضاع الجديدة بالشروط الموجودة في العالم ، ضمن إعادة الإنتاج الثقافي(112).
إنَ نقاط الالتقاء بين نظريات ما بعد الحداثة ومعطيات النظرية النقدية من جهة ، وبين ما بعد البنيوية والنظرية النقدية من جهة أخرى ، لا تقل أهمية عن نقاط الاختلاف بينها ، إذ تسعى هذه النظريات جميعاً إلى نقد الفلسفة التقليدية ، والنظرية الاجتماعية الأكاديمية ، وتفيد هذه النظريات أيضا من الخطابات التخصصية ، ومن انتقادها للحداثة ، وأشكال الهيمنة السياسية والثقافية والاجتماعية ، فضلاً عن توظيف مختلف معطيات النظرية الاجتماعية ، والفلسفة ، والتحليل الثقافي ، والاهتمامات السياسية لكشف ميل الخطاب المهيمن(113).
لقد أرادت النظرية النقدية الفصل بين الاقتصادي والسياسي ، والثقافي والطبيعي، والثقافة العليا والثقافة الدنيا ، وتكريس مفاهيم التحرر والانعتاق ، والجدلية والأهمية الشعبية والتاريخ ، وعدَ المجتمع نظاماً مكتملاً ، في حين ترى ما بعد الحداثة كل نظام بمثابة جزيئات متشظية متفرقة متشعبة لا يربطها رابط ، لكنها ـ أي النظرية النقدية ـ ظلت مع ذلك عاجزة عن تقديم نظرية متكاملة منسقة ، ولم تفرز طرحاً نقدياً متزناً ، وقد جعلت همها كامناً في كشف مثالب الهيمنة الاجتماعية ، وليس إيجاد بديل عنها ، وبهذه الخاصية تكتفي بشحذ الوعي بحيل الهيمنة وألاعيبها، مما جعلها تقترب كثيراً من الطرح التفكيكي ، إن لم تكن قد استعانت به أصلاً(114).
الهوامش :
(1) ينظر : إنتاج الدلالة الأدبية ، صلاح فضل ، مؤسسة مختار ، ط1 ، القاهرة ، 1987م : 183 – 185 .
(2) see: Superstructuralism: The philosophy of structuralism & post-structuralism , Richard Harland , Methuen , London . New-York , 1986.
(3) ترجمها ثائر ديب في كتاب بؤس البنيوية بـ( السوبر- بنيوية ) ، ينظر : بُؤس البنيوية: الأدب والنظرية البنيوية . دراسة فكرية ، ليونارد جاكسون ، ت : ثائر ديب ، سلسلة دراسات فكرية (68) ، منشورات وزارة الثقافة ، ط1 ، دمشق ، 2001م : 170 .
(4) ينظر : المادية التاريخية . دراسة في نظرية المجتمع الماركسية ، كوفالسون ، ت : إلياس شاهين ، دار التقدم، موسكو ، د.ت : 68– 69 .
(5)See: Superstructuralism: 185 .
(6)See: Ibid : 125–170 .
(7 )See: Ibid : 1 – 5 .
(8 )See: Ibid : 70-71 .
(9) Ibid : 184 .
(10)See: Ibid : 123-170 .
(11) ينظر : بعض التيارات فيما بعد البنيوية أو شجرة الأنساب اليتشوية ، ت : خميسي بو غرارة ، مجلة نزوى ، عُمان ، العدد 20 لسنة 1999 : 36– 44 .
(12) See: Hermeneutics and poetics in the post-structuralist Era , Alif journal (Interpretation and Hermeneutics) , No . 8 , 1988 : 20 – 22 .
(13) See: Textal Strategies : Perspectives in poststructualism criticism, Edited by : Josue V. Haravi , Cornell University press , Ithaca , Third printing , New-York , U.S.A , 1984.
(14) ينظر : النظرية الأدبية المعاصرة ، ت : سعيد الغانمي ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، ط1 ، بيروت ، 1996م: 110– 115 .
·
(15)Critical practice, British Library, London , New-York, 1980 : 3 – 4(16) See: Superstractualism : 121 – 124 .
(17) البنيوية وما بعدها : من ليفي شتراوس إلى دريدا ، ت : محمد عصفـور ، سلسلة عالم المعرفة (206) ، المجلس الوطني للثقافة والعلوم والآداب ، الكويت ، 1996م .
(18) عصر البنيوية من ليفي شتراوس إلى فوكو ، ت : جابر عصفور ، دار آفاق ، بغداد ، 1985 : 256 .
(19) السيمياء والتأويل ، ت : سعيد الغانمي ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، ط1 ، بيروت ، 1994 : 15 .
·
(20) Literary Theory , Terry Eagleton, Basil Blackwell Oxford , U.K , 1983 : 134 .(21) Untying the text : post-structuralist reader, Edited by : Robert Young , Routeldge and Kegan Paul , Boston , London , U.K , 1981 : 8 .
(22) مقدمة في نظريات الخطاب ، ديان مكدونيل ، ت : عز الدين إسماعيل ، المكتبة الأكاديمية ، ط1 ، القاهرة ، 2001م .
(23) Feminist practice and post-structuralist theory , Chris Weedon , Basil Blackwell , U.K , Third printing , 1989 : 163.
(24) The Critical Circle: Literature . History & philosophical Hermenutics , David Couzens Hoy , University of California press , Berkeley , Los-Angeles , London , 1978 : 83 .
·
(25) After the new Criticism, Frank Lentricchia , the University of chicago press , U.S.A , (W. H ) : 157 .(26) التاريخ وعلم التفسير ، في كتاب : النقد والنظرية النقدية ، تحرير : بول هوثورن ، ت: عبد الرحمن محمد ، مراجعة : عناد غزوان ، سلسلة المائة كتاب ، بغداد ، دار الشؤون الثقافية العامة ، 1990 : 129 .
(27) ينظر : ما الذي يمكن للبنيوية أن تقدمه لنا في كتاب : ما هو النقد ، تحرير : بول هير ، ت : سلافة حجاوي ، مراجعة : عبد الوهاب الوكيل ، سلسلة المائة كتاب ، دار الشؤون الثقافية العامة ، ط1 ، بغـداد، 1989م : 77– 80.
(28) ينظر : المعنى الأدبي من الظاهراتية إلى التفكيكية ، وليم راي ، ت : يؤئيل يوسف عزيز ، وزارة الثقافة والإعلام ، دار المأمون ، ط1 ، بغداد ، 1987 : 141 - 151 .
·
(29) Feminist Readings , Feminists Reading, Harvester Wheatsheaf , New-York . London , 1989 : 247 .(30) بؤس البنيوية : 28 .
(31) See: Periodizing postmodernism : ( Internet) .
(32) See : Poststructuralism : ( Internet) .
(33) See : Poststructuralism & Deconstruction : ( Internet) .
(34) See: Ibid .
(35) See: Structuralism and poststructuralism : (Internet) .
(36) See: Narrative in History : ( Internet) .
·
(37) Adictionary of Modern Critical terms(revised and enlarged edition) Roger Fouler , Routledge and kegan panl , London . New-york , 1987 : 190 .(38) See: Untying the text : 8 – 10 .
(39) ينظر : بعض التيارات فيما بعد البنيوية : 44 – 45 .
(40) ينظر: البنيوية وما بعدها : 22 – 23 .
(41) عصر البنيوية : 14 .
(42) Literary theory : 148 .
(43) بؤس البنيوية : 245 .
(44) ينظر : المصدر نفسه : 11 ، 229 .
(45) ينظر : المصدر نفسه : 149 – 150 .
(46) ينظر : ما الذي يمكن للبنيوية أن تقدمه لنا ، في كتاب ما هو النقد : 78– 80 .
(47) Literary theory : 145 .
(48) Ibid : 147 .
(49) ينظر : عصر البنيوية : 257 – 258 .
(50) ينظر : بؤس البنيوية : 18 – 23 .
(51) هذا الكلام للاستاذ مطاع صفدي في حوار مع الباحث في مهرجان المربد الشعري السابع عشر في بغـداد : يوم الثلاثاء 25 / 12 / 2001 م .
(52) See: Encyclopedia Britanica , 2001 , CD – ROM .
(53) See: Encyclopedia Microsoft Encarta , 2002 , CD – ROM .
(54) see: Literary theory : 145 –147 .
(55) Ibid : 148 .
(56) ينظر : بؤس البنيوية : 12 ، 66 .
(57) ينظر : أسباب عملية . إعادة النظر بالفلسفة ، بيار بورديو ، ت : دار الأزمنة ، دار الأزمنة الحديثة ، ط1 ، بيروت ، 1998م : 135– 155 .
(58) ينظر : المصدر نفسه : 222 – 281 .
(59) الحديث . الحداثة . ما بعد الحداثة . صبحي حديدي ، مجلة الكرمل ، العدد 1 لسنة 1997 : 59 .
(60) نحو مفهوم لما بعد الحداثة، إيهاب حسن ، ت: صبحي حديدي ، مجلة الكرمل ، العدد 51 لسـنة 1997 : 15.
(61) See: Postmodernist culture , An Introduction to theories of the contemporary , Steven Connor , Basil Blackwell , Oxford , U.K . New-York ,U.S.A , 1989: 43 – 62 .
(62) ينظر : الحداثة وما بعد الحداثة ، بيتر بروكر ، ت : عبد الوهاب علوب : 33 – 35 . دليل الناقد الأدبي ، سعد البازعي وميجان الدويلي : 138– 144 . من الحداثة إلى ما بعد الحداثة ، عفيف البهنيسي : 83 – 90 . الخطاب والقارئ : نظريات التلقي وتحليل الخطاب ما بعد الحداثة ، حامد أبو أحمد : 191 – 200 . الحداثة وما بعد الحداثة ، مؤتمر جامعة فيلاديفيا ، تحرير : صالح أبو إصبع .
(63) ينظر : الحداثة ، ت : محمد سبيلا ، في كتاب : قضايا وشهادات ( الحداثة : الوطني ، الاختلاف ، حداثة الأخر) ، مجموعة باحثين ، مؤسسة عيبال ـ قبرص ، 1991م : 388 - 390 .
(64) نظرية لا نقدية . ما بعد الحداثة . المثقفون وحرب الخليج ، كريستوفر نـورس ، ت : عابد إسماعيل ، دار الكنوز الأدبية ، ط1 ، بيروت ، 1999م : 145 . وينظر : ما بعد الحداثة في عالم بلا حداثة ، فيصل دراج ، مجلة الكرمل ، العدد 51 لسنة 1997 : 89 .
(65) البحث عن ما بعد الحداثة ، احمد أبو زيد ، مجلة العربي ، العدد 506 لسنة 2001 : 21 .
(66) ينظر : البحث عن ما بعد الحداثة : 17 - 19 .
(67) ينظر : ما بعد الحداثة والمجتمع الاستهلاكي ، ت : فاضل جتكر ، في كتاب : قضايا وشهادات ، ملف الحداثة : 370 – 372 .
(68) سياسيات النظرية ، ت : فخري صالح ، مجلة الكرمل ، العدد 51 لسنة 1997 : 39 . وينظر : الرهانات السياسية لما بعد الحداثة ، محمد عبد الرحمن ، مجلة البحرين الثقافية ، العدد 22 لسـنة 1999 : 106 .
(69) See: The political Unconscious: Narrtive as asocially symbolic act , Fredric Jameson , Cambridge University press , Cambridge , U.K , 1981: 20 – 22 .
( 70) منظورات علم السياسة في مرحلة ما بعد الحداثة ، ايريك وينكر ، ت : محمد الميساوي ، مجلة إسلامية المعرفة ، العدد 4 لسنة 1996 : 145 .
(71) الحقل الأول والثاني من المخطط من وضع ايهاب حسن ، والحقل الثالث ( ما بعد البنيوية ) من اجتهاد البحث ، ينظر : Postmodernist Culture: (111).
(72) ينظر : دليل الناقد الأدبي إضاءة لأكثر من خمسين تياراً ومصطلحاً نقدياً معاصراُ ، ميجان الرويلي وسعد البازعي ، المركز الثقافي العربي ، ط2 ، الدار البيضاء . بيروت ، 2000م : 139– 143 .
(73) المصدر نفسه : 143 .
(74) المصدر نفسه : 144 .
(75) علم اجتماع الأزمة . تحليل نقدي للنظرية الاجتماعية في مرحلتي الحداثة وما بعد الحداثة ، أحمد حجازي ، دار قباء ، القاهرة ، 1998: 204 .
(76) ينظر : المجتمع الاستهلاكي ، دراسة في أساطير النظام الاستهلاكي وتراكيبه ، جان بورديـار ، ت : خليل أحمد خليل ، دار الفكر ، ط1 ، بيروت ، 1995م : 14– 16 .
(77) الحداثة وما بعد الحداثة ، بيتر بروكر ، ت : عبد الوهاب علوب مراجعـة : جابر عصفور ، منشورات المجمع الثقافي ، ط1 ، أبو ظبي ، 1995م .: 34 .
(78) ينظر : نظرية لا نقدية : 16 – 17 .
(79) ما بعد الحداثة ، روبرت راي ، في كتاب : موسوعة الأدب والنقد ، ت : عبد الحميد شيحة : 290 .
(80) مقاربات في الحداثة وما بعد الحداثة ، حوارات منتقاة من الفكر الألماني المعاصر ، ت : محمد الشيخ وياسر الطائي ، دار الطليعة ، ط1 ، بيروت ، 1996م : 16 .
(81) See: In the post , Brian Baker : ( Internet ) .
(82) See: Working with structuralism: Essays and Reviews on Nineteenth and twentieth century Literature , David Lodge , Routledge & Kegan Paul , Boston , London , 1981: 3 – 16 .
(83) الحداثة وما بعد الحداثة ، بروكر : 29 .
(84) ينظر : الولايات المتحدة طليعة الانحطاط ( كيف نجابه القرن الحادي والعشرين ) ، ت : صيّاح الجهيم وميشيل خوري ، دار عطية ، ط1 ، بيروت ، 1998م .
(85) ينظر : هل تحتاج أمريكا إلى سياسة خارجية ؟ نحو دبلوماسية للقرن الحادي والعشرين ، ت : عمر الأيوبي ، دار الكتاب العربي ، ط1 ، بيروت ، 2002م .
(86) ينظر : الدراما ما بعد الكولونيالية ، النظرية والممارسة ، هيلين جيلبرت وجوان تومكينز ، ت : سامح فكري، مراجعة : سامي خشبة ، وزارة الثقافة ، مهرجان القاهرة الدولي للمسرح ، ط1 ، القاهرة ، 1998 : 2 - 5 .
(87) المصدر نفسه : 6 .
(88) ينظر كتابيه : الاستشراق ، والثقافة والإمبريالية ، ت : كمال أبو ديب .
(89) ينظر : الحضور والمثاقفة . المثقف العربي وتحديات العولمة ، محمد محفوظ ، المركز الثقافي العربي ، ط1 ، الدار البيضاء . بيروت ، 2000م . التلقي والسياقات الثقافيـة : بحث في تأويل الظاهرة الأدبية ، عبد الله إبراهيم ، دار الكتاب الجديد ، ودار أويا ، ط1 ، بيروت . طرابلس ، 2000م . الإستشراق والإستشراق معكوساً، صادق جلال العظم ، دار الحداثة ، ط1 ، بيـروت ، 1981م .
(90) ينظر : دليل الناقد الأدبي : 91 ، 128 .
(91) الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة ، الندوة العالمية للشباب الإسلامـي ، ط2 ، الرياض ، 1989م : 20 .
(92) ينظر : الإستشراق : 38 ، 56 .
(93) الدراما ما بعد الكولونيالية : 4 .
(94) المصدر نفسه : 4 .
(95) هذا الكلام يفسر تغير الأحداث العالمية في العقد الاخير من القرن العشرين ، وبداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ومنها : حرب الخليج 1991 ، حرب يوغسلافيا 1998 ، حرب التحالف ضد الإرهاب 2001.
(96) See: Periodizing postmodernism : ( Internet ) .
(97) ينظر: ثقافة العولمة وعولمة الثقافة، برهان غليون وسمير أمين، دار الفكر، ط1، دمشـق، 1999: 16،170.
(98) ينظر : نهاية التاريخ وخاتم البشر : حسين أحمد أمين مركز الأهرام للترجمة والنشر ، ط1 ، القاهرة ، 1992م .: 68 - 74 .
(99) ينظر : صِدام الحضارات .. إعادة صنع النظام العالمي ، ت : طلعت الشايب ، 1998 : 73 .
(100) ينظر : العولمة وانعكاساتها، جورج طرابيشي، مجلة البحرين الثقافية، العدد 26 لسنة 2000 : 104 – 107. العولمة والأقلمة : ريتشارد هيجوت ، ت : مركز أبو ظبي للبحوث الاستراتيجية : 3 – 4 . العولمة والهيمنة الثقافية عبد الإله بلقزيز ، في كتاب : العرب والعولمة ، تحرير : أسامة الخولي : 319 .
(101) ينظر : دليل الناقد الأدبي : 124– 125 .
(102) العولمة والعولمة المضادة ، عبد السلام المسديّ ، كتاب سطور (6) ، شركة مطابع لويس ، ط1 ، القاهرة ، 1999م : 64 .
(103) ينظر: مُناخ العصر. رؤية نقدية، دار سينا، ومؤسسة الانتشار العربـي، ط1، بيروت، 1999 : 40 ، 112 .
(104) ينظر : الحداثة والتواصل في الفلسفة النقدية المعاصرة . نموذج هابرماس ، محمد نور الدين أفايـة ، دار أفريقيا الشرق ، ط2 ، بيروت ، 1998م : 17– 18 .
(105) المصدر نفسه : 25 .
(106) المصدر نفسه : 32 .
(107) المصدر نفسه : 39 .
(108) دليل الناقد الأدبي : 200 .
(109) ينظر : الحداثة والتواصل : 48 ، 62 .
(110) المصدر نفسه : 105 .
(111) المصدر نفسه : 119 .
(112) ينظر : المصدر نفسه : 156– 158 .
(113) دليل الناقد الأدبي : 203 .