في مفهوم الطائفية 1
في مفهوم الطائفية
د. عبد الله السوري
من المصطلحات التي زاد تكرارها واستعمالها في مواقع الانترنت السورية، مصطلح الطائفية، وانصب استعمال هذا المصطلح من بعض الكتاب الذين يرون أنهم علمانيون، أو ليبراليون، وكثر نقدهم لي بأني طائفي، وطائفي بامتياز، لأنهم يقرأون لي مواضيع أدافع فيها عن فكر الإخوان المسلمين ومواقفهم ومنهجهم . كما يكررون ليل نهار أن الاخوان المسلمين طائفيون، واتضح لي أننا لسنا متفقين على تعريف الطائفية، و خاصة بعض الكتاب السوريين الحاليين الذين يملأون مواقع الانترنت، بمفردات سـوقية دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث في معاني المفردات، ومجمل الأفكار، ومناهج الآخرين، واتضح لي أن كتابنا يفهمون مصطلح الطائفية حسب أهوائهم، ودون أن يضعوا لذلك ضابطاً أو معياراً يتفقون بـه مع الآخرين ، وهذا الغموض وعدم الاتفاق على مصطلح خطير وهام في واقع الشعب السوري، دفعني إلى الكتابة فيـه، سائلاً المولى العون والسداد ...
الطائفية والديموقراطية في اللغة :
جاء في المعجم الوسيط : الطائفة : الجماعة والفرقة، وفي التنـزيل { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما } . والطائفة : جماعة من الناس يجمعهم مذهب أو رأي يمتازون بـه . والطائفة : الجزء والقطعة . والطائفي : نسبة إلى الطائف ( مدينة في الحجاز ) أو نسبة إلى الطائفة، والطائفية : التعصب لطائفة معينة ( محدثـة ) ... هكذا يقول المعجـم الوسـيط أن لفظ (الطائفية) بمعنى التعصب لطائفة معينة محدث وليس قديماً في اللغة العربية .. وكان في الجاهلية التعصب للقبيلة كما هو معلوم، وكان أكثر قبحاً من الطائفية المحدثة ...
وعندما نقف عند قوله : الطائفة : الجزء أو القطعة، نفهم منها أن الطائفة ليست الكل، والكل لايسمى طائفة في نظري، لأن الكل ليس جزءاً وليس قطعة ...
وصار معنى الطائفية : هي التعصب لطائفة معينة ( لجزء معين من الكل )، ومعنى التعصب هو محاباة هذا الجزء على حساب الكل، ومن هنا يكمن خطرها، فلوكانت الطائفية تعصباً للكل لاتسمى عندئذ طائفية، بل تسمى انتماء وطني، وقد يكون التعصب للكل محموداً في بعض الأحيان، كما في نشوء الانتماء الوطني أو القومي، والاعتزاز الوطني والقومي، ولانلمس فيه خطراً لأنه تعصب للكل وليس للجزء .
أما الديموقراطية فهي حكم الشعب كما هو معروف لدى القاصي والداني، ومعناه أن يحكم الشعب نفسـه، والمقصود أن يسهم الشعب (كله ) في حكم نفسه ( بجميع طوائفه وفئاته دون استقصاء أحد)، طبعاً عن طريق صناديق الاقتراع حيث يقدم الشعب نوابـاً عنه يمثلونه في الحكم . وفي الديموقراطية يحصل كل جزء على حقـه، ولايتعصب ضـد أي جزء مهما كان حجمـه صغيراً، وتضمن الحقوق للجميع، كما أن الواجبات توزع على الجميع، ولايتحكم ( أي جزء ) في بقية ( الأجزاء ) ...
ومن الواضح أن الطائفية والديموقراطية ضـدان، (وبضدها تعرف الأشياء)، فالطائفية تخدم فئـة واحدة(جزءاًفقط) على حســاب الفئــات الأخرى ( الأجزاء الباقية من الكل )، أما الديموقراطية فإنها تخدم ( الكل ) الجميع , وإذا فرضنا جدلاً تناقض مصلحة الجزء مع الكل، فإن الديموقراطية تحاول جاهدة التوفيق، وعندما تعجز فإنها تحقق مصلحة الأكثرية دون إلحاق الضرر بالأقلية، و( الكل ) مقدم على ( الجزء ) في الديموقراطية، بعكس الطائفية ؛ حيث يقدم (الجزء ) على الكل .
ولذلك أحببت أن أوضح فهمي للطائفية، وأوضح ذلك المفهوم عندما أربطها أو أقارنها بالديموقراطية .
ولا أريد الاهتمام كثيراً بالعودة إلى قاموس اللغة العربية، وأريد أن أقلد الانجليز في هذا الأمر، فمفهوم الكلمة هو مايستعمله الناس اليوم، ومصطلح الطائفية يعني اليوم : ظلم يقع على طائفة من قبل طائفة أخرى من مواطنيهم، بسبب انتمائهم الديني، أو العرقي، أو السياسي، وإن كان سبب الانتماء الديني هو الأكثر شيوعاً .
وهي ظلم تلحقه طائفة ( جزء ) بالكل من أجل تحقيق مصالح خاصة لهذا الجزء، وهذا هو المعنى المتسق مع التعريف .
وينصرف ذهن بعض كتابنا في سوريا إلى أن تُظلم الطوائف القليلة العدد من قبل الطائفة الكبيرة العدد، كأن تـَظلـِم الطائفة السنية وهي (69 % ) من الشعب السوري، تظلم الطائفة العلوية مثلاً وهي (12 % ) من الشعب السوري، أو تظلم الطائفة الإسماعيلية وهي (5ر1 % ) أو تظلم الطائفة الدرزية وهم (3 % ) من الشعب السوري :
يقول ( فان دام ) في كتابه ( الصراع على السلطة في سوريا ) وهو رسالة للدكتوراة محققة وموثقة، ومع الأسف لا أجد غيرها، يقول : ص (16) من الطبعة الثانية :
( 7ر68 % ) من الشعب السـوري مسلمـون ســنيون، والعلـويون ( 5ر11 % )، والدروز (3 % ) والإسماعيليون (5ر1 % ) ...) .
وأعتقد لايوجد عاقل في سـوريا يقول أن شيئاً من الظلم يقع الآن في نصف القرن الذي عشناه ( وهو النصف الثاني من القرن العشرين المنصرم )، لايوجد عاقل يقول أن ظلماً وقع من الطائفة السنية على غيرهم من المواطنين السوريين، وهذا في العموم، أما أن توجد حالات خاصة وقع فيها ظلم، فلا أنكر ذلك، ولايستطيع عاقل أن ينكره ... أما أن يقول المواطنون العلويون لقد ظلمنا العثمانيون، ويحملون السنة السوريين أخطاء العثمانيين، فهذا ظلم لايجوز .. والعثمانيون لهم حالتهم ولامانع من مناقشة الموضوع في مرة أخرى، وأعترف سلفاً بأن ظلماً وقع من قبل العثمانيين ـ في آخر عهدهم ـ على السوريين عامة، على الطائفة السنية، وعلى الطوائف الأخرى، وخاصة على أهل الريف، وربما لحق العلويين أكثر من غيرهم ... كما وقع ظلم من الإقطاعيين على الفلاحين عامة، جميع الفلاحين ( سنيين وعلويين وغيرهم ) ... ومعظم الاقطاعيين كانوا من أهل السنة ( لأن الإقطاعيين هم بقايا الضباط العثمانيين ) ... ويوجد إقطاعيون علويون أيضاً، وأسماء الأسـر الإقطاعية العلوية مشهورة، ولايستطيع أحد إنكارها ...
الطائفيـة تمييز عنصري :
أي عندما يحرم مواطن من حقه في العمل مع أنه يملك مقومات العمل من شهادة وخبرة ولياقة بدنية .. إلخ، ثم يحرم من فرصة العمل لأنه من الطائفة الفلانية ... وتعطى هذه الفرصة لمواطن غيره أقل منه في الشهادة والخبرة واللياقة البدنية لأنه من الطائفة ( السوبر ممتاز ) ؛ فهذه هي الطائفية ... كما عشناها وفهمناها من الواقع وليس من القواميس ..
ووصل الأمر إلى أن يقتل مواطن أو عشرات أو مئات لسبب وحيد وهو أنهم من الطائفة الفلانية ..
هذا هو مفهوم الطائفية السائد اليوم، والذي نجاهد سياسياً وإعلامياً وتربوياً من أجل التخلص من هذا المرض في سوريا المستقبل، سوريا الحرة الديموقراطية، التي لاتقصي أحداًً من أبنائها .
أمثلة عملية واقعية توضح المفهوم :
1 ـ عندما نقول في سوريا : دين الدولة الإسلام، أو دين رئيس الجمهورية الإسلام، وجميعنا يعرف أن نسبة المسلمين في سوريا ( سنة وعلويين ودروز واسماعيليين ) تقترب من ( 90 % ) من الشعب السوري، فهل هذا سلوك طائفي أم ديموقراطي !!!؟ هل هذا المطلب يحقق رغبة فئة قليلة أم يحقق رغبة أغلبية الشعب، ومتى يكون طائفياً، ومتى يكون ديموقراطياً !!!؟
بمعنى آخر لو طرحنا هذا المطلب :
دين الدولة الإسلام أو دين رئيس الجمهورية الإسلام
لو طرحنا هذا المطلب على استفتاء حـر ونـزيـه، بدون تزوير، وبدون (99ر99)، هل يحصل هذا المطلب على أكثر من خمسين في المائة من الناخبين !!!؟ وعندما يحصل على ذلك هل هو طائفي أم ديموقراطي !!!؟ إذا كان هذا مطلب الأكثرية، هل هو طائفي أم ديموقراطي !!!!؟
2ـ ولنذهب أبعد من ذلك، لو طرحنا المطلب التالي : دين رئيس الجمهورية الإسلام ومن المذهب السني، هل هذه طائفية أم ديموقراطية !!!؟
وأيضاً لو طرح هذا المطلب في استفتاء شعبي حـر ونـزيـه، لاتأتي فيه صناديق من إيران كما حصل في الانتخابات العراقية، بل يتم الانتخاب تحت رقابة قضاة شرفاء، كبعض القضاة المصريين الذين أشرفوا على الانتخابات التشريعية المصرية، هل يحصل هذا المطلب على أكثر من خمسين بالمائة، وكلنا يعلم أن أهل السنة والجماعة في سوريا يصلون إلى (70 % ) على الأقل من مجموع الشعب السوري ... وعندما يحصل هذا المطلب على أكثر من خمسين في المائة، هل نقول عنه طائفي أم ديموقراطي !!!؟
3 ـ لو أسس المسلمون السوريون حزباً سياسياً بمسمى إسلامي، هل هذا سلوك طائفي أم ديموقراطي !!!!؟ والمسلمون في سوريا قريب من (90 % ) من المواطنين، فلماذا يتهمون بالطائفية إذا فكروا بحزب سياسي إسلامي ... ألاتوجد في أوربا العلمانية أحزاب مسيحية ديموقراطية !!!؟ هل اعترض الآخرون ومنعوا قيام مثل ذلك الحزب المسيحي الديموقراطي !!!؟
ألا توجد في أوربا منظمات طلابية أو ثقافية إسلامية !!!؟ لماذا لم يقولوا هذه طائفية، وغير جائزة، مع أن المسلمين في أوربا أقليات وليسوا أكثرية كحال المسلمين في سوريا
4- مجـزرة المدفعيـة (1979) :
وتقدم لنا هذه الحادثة المؤلمة نموذجاً سـافرا جداً للسلوك الطائفي، هذا المرض الخبيث الذي رزحت سوريا تحته أكثر من أربعة عقود ...
يشكل المواطنون العلويون (5 ر11 %) من الشعب السوري، فكم كانت ومازالت نسبة العلويين في الجيش العربي السوري !!!؟
من حادثة مدرسة المدفعية المؤلمـة تبين أن ( 90 % ) من طلاب الضباط في مدرسة المدفعية كانوا من العلويين، حيث كان عدد طلاب المدرسة قرابة (300) طالب، أخرج منهم النقيب إبراهيم اليوسف (30) طالباً من أهل السنة ... وحاول أن يقتل الباقين، وهذا العمل الذي قام به إبراهيم اليوسف عمل طائفي لاشك، لأنه أراد أن يقتل طلاب الضباط في مدرسة المدفعية لسبب واحد فقط وهو أنهم علويون، وهذا تفسير واضح ومحدد للسلوك الطائفي ... وقد استنكر الإخوان المسلمون هذه المجزرة في حينها، وأصدروا بياناً نشرته مجلة المجتمع الكويتية ، في شعبان 1399 هـ، أعلنوا فيه استنكارهم لهذه العملية ...
ومما لاشك فيه أن الإسلام يحرم هذه الأعمال أي قتل الإنسان بسبب دينه أو مذهبه، وقد أفاض العلماء بعد عمليات (11 سبتمبر عام 2000) ، وصرحوا أنه لايجوز قتل الكافر لأنه كافر، إذ { لا إكراه في الدين } ... ومن باب أولى لايجوز قتل الإنسان لأنه مخالف لنا في المذهب ...
والسلوك الطائفي الثاني، بل والأهم، الذي نستخلصه من حادثة مدرسة المدفعية هو وجود ( 270 ) طالباً علوياً من أصل (300) طالب مجموع عدد طلاب المدرسة، أي (90 % ) من عدد طلاب المدرسة . ولا أحد ينكر أن النظام الأسدي احتكر الكلية العسكرية للطائفة العلوية، لغاية في نفسـه، وكي يحقق أهدافه وغاياته، والكل يعلم أن عشرات الألوف من الشباب السوري ( غير العلوي ) رفض قبولهم في الكلية العسكرية لسبب طائفي ...
والخلاصة بينت لنا حادثة المدفعية السلوك الطائفي من جانبين :
1 ـ من جهة النظام الأسدي الذي احتكر الجيش للطائفة العلوية، حيث وجدنا نسبة الطلاب العلويين في مدرسة المدفعية (90 % ) .
2 ـ من جهة النقيب إبراهيم اليوسـف وهو بعثي سـني ( ضابط الأمن في مدرسة المدفعية )، الذي قتل هؤلاء الطلاب لأنهم علويون فقط .
والخلاصة أن السلوك الذي يخدم الأكثرية، دون أن يظلم الأقلية، يسمى سلوك ديموقراطي ولايسمى سلوكاً طائفياً، شريطة أن يكون متفق عليه لدى هذه الأكثرية، لأن الأكثرية يستحيل أن تتواطؤ على الظلم .
وأن السلوك الذي يخدم الأقلية على حساب الأكثرية هو السلوك الطائفي . وكذلك لو استغلت الأكثرية الأقلية وسلبتها حقها في المواطنة الحرة الكريمة، فهذا سلوك طائفي أيضاً ... ولكن الطائفية تتضح أكثر عندما تستعمر الأقلية الأكثرية، لأن المتضررين عندئذ أكثر عدداً ...
وقد استغل النظام الأسدي الطائفية ليصل إلى هدفـه، وسخر الطائفة العلوية لذلك، حتى أوصلته إلى ما أراد، ورسخ الممارسات الطائفية، كي يخرب الشعب العربي السوري، والطائفية تخريـب كلها؛ أينما ومتى كانت، وسواء كانت من الفئة القليلة للفئة الكثيرة، كما هي الحال في النظام الأسدي، أو من الفئة الكثيرة للفئة القليلة، وكي نتخلص منها ؛ لابد من الاعتراف بوجودها، فالمريض يقطع نصف الطريق نحو الشفاء عندما يتعرف على مرضه، وقبل أن يشخص الطبيب المرض، يصف له مسكنات ومهدئات وأدوية للوقاية ومقويات عامة، أما بعد تشخيص المرض، والتعرف على الجرثومة التي سببته فإن الطبيب يصف العقار اللازم الصحيح الكافي للقضاء على تلك الجرثومة ... ويؤلمني أن كثيراً من المثقفين في سوريا يتصرفون تجاه هذا المرض الخبيث كما تتصرف النعامة عندما ترى عدوها، فتدفن رأسها في الرمال، كي لا ترى عدوها، أو كما يقولون كي تغيب عن الواقع المؤلم، فلاتراه بعينها، بينما جسمها الكبير واضح أمام عدوها، الذي يتقدم نحوها ليأكلها ...
وهؤلاء المثقفون ـ أصلحهم الله ـ يحرمون عليّ التحدث عن هذا المرض، ويتهمونني بالطائفية، في حين أصف وأشخص الداء العضال، الورم الخبيث، كي نتعاون على معالجته، والشفاء منه ..
والعقار الذي يعالج هذا الداء الخبيث ( داء الطائفية ) هو الديموقراطية، الديموقراطية حيث لاتظلم فئة من قبل فئة أخرى، وحيث يسهم الجميع في خدمة الوطن، ورفع رايتـه، وحيث يسـود فهمنا الذي نطرحه ـ معشر الإسلاميين ـ وهو أن الحكم غـرم وليس غنماً، فهيا نتعاون على توزيع هذا الغـرم على الجميع ...
فلنتفق ـ أيها السوريون ـ على أن لانقصي أحداً، فسوريا تسـع الجميع، وتكفي الجميع، ونسأل الله عزوجل أن يخلص سوريا من هذا المرض الخبيث، قبل أن يستقر في سائر أنحاء البدن ... والله على كل شيء قدير ..
( 2 / 6 )
من الواضح أن الطائفية والديموقراطية ضـدان، ( وبضدها تعرف الأشياء )، فالطائفية تخدم فئـة واحدة على حساب الفئات الأخرى، أما الديموقراطية فإنها تخدم الجميع, أو تخدم الأكثرية على الأقل .
وكي نضبط مصطلح الطائفية، ونوحد هذا المفهوم في أذهاننا، سوف أتطرق إلى سلوك نظام طائفي واقعي، كأمثلة واقعية تبين مفهوم الطائفية . كي نتكلم عن أمثلـة حية عاشها ومازال الشعب العربي السوري ... ومفهوم الطائفية الذي طرحته في الجزء الأول : هو تحكم الأقلية في مصير الأكثرية، وتحقيق الأقلية لمكاسب على حساب الأكثرية .... وكذلك تحكم الأكثرية وتحقيق مكاسب على حساب الأقلية ... فالطائفية إذن تحقيق مكاسب على حساب الآخرين ... ولاشك أن تحكم الأقلية بالأكثرية أكثر ضرراً، لأن المتضررين أكثر عدداً .
1 ـ طـائـفيـة في الجـــيش :
يشكل المواطنون العلويون (5 ر11 %) من الشعب السوري، فكم كانت ومازالت نسبة العلويين في الجيش العربي السوري !!!؟
من حادثة مدرسة المدفعية المؤلمة تبين أن ( 90 % ) من طلاب الضباط في مدرسة المدفعية كانوا من العلويين، حيث كان عدد طلاب المدرسة قرابة (300) طالب، أخرج منهم النقيب إبراهيم اليوسف (30) طالباً من أهل السنة ... وحاول أن يقتل الباقين، وهذا العمل الذي قام به إبراهيم اليوسف عمل طائفي بغيض، لأنه أراد أن يقتل طلاب الضباط في مدرسة المدفعية لسبب واحد فقط وهو أنهم علويون، وهذا تفسير واضح ومحدد للسلوك الطائفي ... وقد استنكر الإخوان المسلمون هذه المجزرة في حينها، وأصدروا بياناً نشرته مجلة المجتمع الكويتية ، في شعبان 1399 هـ، أعلنوا فيه استنكارهم لهذه العملية ...
2- يقول الدكتور بشير زين العابدين ( دكتوراة في التاريخ السياسي ) في مجلة السنة :
تـولي أبناء الطائفة العلويـة معظم المناصب القيادية في الجيش
حيث تزيد نسبة الضباط العلويين في الجيش السوري اليوم عن90%. وكانت عملية فرض الهيمنة (العلويـة )على الجيش قد تمت بالتدريج، ففي الفترة 1963 - 1973 تمكن الضباط العلويون من إحكام السيطرة على فرق الجيش عن طريق تصفية العناصر السنية ثم الدرزية والاسماعيلية، ثم شهدت الفترة اللاحقة 1973 - 1983 تأسيس فرق ينتمي جميع أفرادها إلى الطائفة الحاكمة، بحيث أصبحت الهيمنة (العلوية ) تتجاوز قيادة فرق الجيش السوري لتشمل كذلك الضباط والجنود، فنسبة الضباط (العلويين )في اللواء (47) المدرع على سبيل المثال تبلغ 70%، وفي اللواء (21) الميكانيكي تصل إلى 80%، أما القوات الخاصة فتبلغ نسبة الضباط (العلويين ) فيها 95%، بينما كانت نسبة (العلويين ) من الجنود في سرايا الدفاع (التي تعتبر مثالاً صارخاً للفرق الطائفية التي شكلها النظام) تزيد عن 90%، وبعد حلها عام 1984 تم استيعاب هذه القوات في الحرس الجمهوري وسرايا الصراع. وكان لهذه القوات دور بارز في حماية أمن النظام وقمع المعارضة، حيث استخدم عناصرها لارتكاب المجازر الوحشية في جسر الشغور (1980) وحلب (1980) وسجن تدمر (1980) ومدينة حماة (1982).
3- يقـول فـان دام :
وهكذا يبدو أن المعايير الطائفية قد طُبقت في تسريح الضباط وضباط الصف الذين دعوا إلى الخدمة في أوائل انقلاب 8 مارس (آذار) 1963: تأثر العسكريون السنيون بالذات من جراء هذه التسريحات .
ويتابع فان دام قوله :
إضافة إلى ذلك يبدو أن السنيين قد عانوا من التمييز لدى تقدمهم للالتحاق بالكلية العسكرية ومراكز التدريب الأخرى، وتكرر الأمر لدى السماح لأشخاص عسكريين جدد بالانضمام لتنظيم حزب البعث العسكري أو لدى تجنيد أعضاء جدد بالحرس الوطني البعثي أو الشعبة السياسية أو المخابرات أو مؤسسات السلطة البعثية، بينما كان يحظى العلويون والدروز والإسماعيليون والمسيحيون (الروم الأرثوذكس) بتمييز إيجابي في المعاملة في الكثير من الحالات .
4- انظر مطاع الصفدي. حزب البعث. ص339-340. الذي أعطى الوصف التالي المبالغ فيه حول هذه التسريحات: "إن التسريحات بالمئات استهدفت جميع الضباط من أبناء المدن الكبرى، ومن (السنيين) خاصة. حتى فرغت أسلحة كاملة من ضباطها الرئيسيين، كسلاح الطيران وسلاح البحرية، والآليات. وكذلك اتبعت نفس الخطة حيال صف الضباط والجنود. حتى أصبح من المتعارف عليه أن ألوية كاملة بأركان حربها وصف ضباطها وجنودها، وقف على طوائف معينة، كاللواء السبعين والخامس مثلا".
ويتابع فان دام في وصف الواقع الطائفي في الجيش السوري :
تم استبدال نحو نصف عدد الضباط المسرحين والبالغ عددهم نحو 700 بعلويين .
ومن الجدير بالذكر أنه أثناء الانقلاب كان خمسة من اللجنة العسكرية البعثية من الأربعة عشر عضواً من العلويين. لذلك فإنه ليس من المثير للدهشة أن يلعب الضباط العلويون فيما بعد دوراً هاماً في الجيش. علاوة على ذلك فإن القيادة العليا للجنة العسكرية كانت تقع في قبضة ثلاثة علويين هم محمد عمران وصلاح جديد وحافظ الأسد . وقد استطاع قادة اللجنة العسكرية العلويون الثلاثة أن يلعبوا دوراً عظيماً من خلال هذه المراكز العسكرية في "التحويل البعثي" الذي طرأ على القوات المسلحة السورية في الفترة التي تلت 8 مارس (آذار) 1963.
4- استبعاد الأقليات الأخرى من الجيش :
في 13 سبتمبر (أيلول) 1966 عقد حاطوم مؤتمراً صحفياً في عمان وسرد روايته لما حدث في السويداء، وصرح بأن "الوضع في سوريا مهدد بوقوع حرب أهلية نتيجة لتنمية الروح الطائفية والعشائرية التي يحكم من خلالها اللواء صلاح جديد واللواء حافظ الأسد والفئات الموجودة حولهما"، وأضاف حاطوم قائلاً:
إن الروح الطائفية تنتشر بشكل فاضح في سوريا وخاصة في الجيش سواء بتعيين الضباط وحتى المجندين وإن الفئة الحاكمة تعمد إلى تصفية الضباط والفئات المناهضة لها وتحل مكانها من أتباعها في مختلف المناصب، فقد بلغت نسبة العلويين في الجيش خمسة مقابل واحد من جميع الطوائف الأخرى .
وفي مقابلة مع حاطوم وأبو عسلي مع صحيفة النهار بتاريخ 14 سبتمبر (أيلول) 1966 صرح حاطوم بأنهم فروا إلى الأردن من أجل أن يناضلوا بأسلوب آخر أو بطريقة أخرى "لإنقاذ الجيش وإبعاد الروح الطائفية التي سيطرت عليه" ومضى قائلاً:
إذا ما سئل عسكري سوري عن ضباطه الأحرار سيكون جوابه أنهم سرحوا وشردوا ولم يبق سوى الضباط العلويين، إن الضباط العلويين متمسكون بعشيرتهم وليس بعسكريتهم وهمهم حماية صلاح جديد وحافظ أسد، إن الاعتقالات الأخيرة شملت مئات الضباط من جميع الفئات إلا العلويين .
5- ويقدم الدكتور بشــير زين العابدين قوائم بأسماء العلويين الذين احتلوا مناصب عليا في الجيش والقوات المسلحة، ووحدات الأمن قسمها على فترات ثلاث كما يتضح :
قائمة (1) : أهم ( العلويين ) الذين تولوا مناصب بارزة في المرحلة الأولى في سورية 1963-1970:
صلاح جديد : رئيس الأركان ثم الأمين العام المساعد لحزب البعث
ابراهيم ماخوس : وزير الخارجية
محمد عمران : آمر الفرقة 70 المدرعة ثم وزير الدفاع
عثمان كنعان : عضو القيادة العليا للجنة العسكرية لحزب البعث
سليمان حداد : عضو القيادة العليا للجنة العسكرية لحزب البعث
علي مصطفى : قائد كتيبة في اللواء 70 المدرع
كاسر محمود : قائد كتيبة في اللواء 70 المدرع
عزت جديد : قائد كتيبة في اللواء 70 المدرع
محمد ابراهيم العلي : قائد الحرس الوطني
محمد نبهان : أحد الضباط المشاركين في انقلاب 1963
عادل نعيســة : أمين عام فرع اللاذقية
وكان هناك عدد من المشاركين في التخطيط ورسم استراتيجية الطائفة في تلك المرحلة، وممن يمكن ذكرهم على سبيل المثال: علي حماد، شفيق عبدو، محمد الفاضل، وسهيل حسن حيث كان لهم اجتماعات دورية في منـزل صلاح جديد وحافظ أسد شارك فيها كذلك من أبناء الطائفة: علي ضحية وأحمد سليمان الأحمد.
قائمة (2) : أبرز العلويين في المرحلة الثانية، الذين تولوا مناصب داخل المؤسسة العسكرية وأجهزة الاستخبارات والحكومة السورية وحزب البعث، في الفترة 1970-2000
حافظ أسد : رئيس الجمهورية/ القائد الأعلى للقوات المسلحة/ الأمين العام لحزب البعث (سابقاً)
رفعت أسد : قائد سرايا الدفاع حتى 984/ نائب الرئيس لشؤون الأمن الوطني حتى 1998
جميل أسد : عضو مجلس الشعب عام 1973/ عضو المؤتمر القومي الثاني لمنظمة الحزب الحاكم 1975/ رئيس جمعية المرتضى (حلت عام 1984)
الرائد باسل حافظ أسد : رئيس أمن الرئاسة/ قائد لواء مدرع في الحرس الجمهوري
اللواء علي دوبا : نائب رئيس هيئة الأركان/رئيس شعبة المخابرات العسكرية (أحيل إلى التقاعد)
اللواء محمد توفيق الجهني : قائد الفرقة الأولى عام 1975
اللواء شفيق فياض : قائد الفرقة الأولى عام 1982/ عضو اللجنة المركزية لحزب البعث
اللواء علي ملاحفجي : قائد القوى الجوية والدفاع الجوي (أحيل إلى التقاعد عام 1994)
اللواء محمد الخولي : نائب قائد القوى الجوية ورئيس مخابرات القوى الجوية (أحيل إلى التقاعد)
اللواء علي الصالح : قائد قوات الدفاع الجوي. اللواء محمد عيد: القائد العسكري للمنطقة الشمالية
اللواء اسكندر سلامة : قائد سلاح الهندسة اللواء علي حيدر:قائد القوات الخاصة ( تقاعد ) .
اللواء علي حبيب : قائد القوات الخاصة منذ عام 1994.
اللواء حكمت إبراهيم :مدير إدارة شؤون الضباط . اللواء علي حماد : رئيس شؤون الضباط
العميد عبد الكريم رزوق : قائد فيلق الصواريخ (قتل عام 1977)
العقيد فؤاد إسماعيل : قائد اللواء (21) الميكانيكي العقيد نديم عباس : قائد اللواء (47) المدرع
الرائد علي حيدر : قائد حامية حماة (قتل عام 1976)
اللواء فؤاد عبسي : رئيس المخابرات المدنية (توفي فيما بعد)
اللواء محمد ناصيف : نائب رئيس المخابرات المدنية (استقال عام 1999)
العقيد يحيى زيدان : رئيس المخابرات العسكرية في حماة .
المقدم أحمد خليل : مدير الشرطة بوزارة الداخلية (قتل عام 1978)
اللواء معين ناصيف : نائب مدير المخابرات العامة
العميد غازي كنعان : رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية السورية بلبنان
أحمد اسكندر أحمد : وزير الإعلام في حكومة الكسم، مات .
محمد حيدر : نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية في حكومة الكسم
محمد سلمان : وزير الإعلام في حكومة الزعبي. علي حسن:عضو المؤتمر القطري السابع عام 1980
عبد الغني إبراهيم : مدير إدارة شؤون الضباط، عضو المؤتمر القطري السابع عام 1980
6--- قائمة (3) : التركيبة الجديدة للسلطة العلويـة في المرحلة الثالثة في الحكومة والحزب والجيش، 2000- ؟
الفريق بشار حافظ أسد : رئيس الجمهورية/ القائد العام للقوات المسلحة/ الأمين العام للحزب .
اللواء علي أصلان : رئيس هيئة الأركان/عضو اللجنة المركزية لحزب البعث
اللواء آصف شوكت : مسؤول في الاستخبارات العسكرية اللواء عدنان مخلوف :قائد الحرس الجمهوري
اللواء إبراهيم صافي : قائد الفرقة الثالثة/ قائد القوات المسلحة السورية في لبنان منذ 1994
اللواء بـهجت سليمان : رئيس قسم الأمن الداخلي في إدارة الأمن العام
اللواء عدنان إبراهيم أسد : قائد سرايا الصراع
اللواء حسن خليل : رئيس الاستخبارات العسكرية/ عضو اللجنة المركزية للحزب
اللواء علي حوري : مدير إدارة المخابرات العامة/ عضو اللجنة المركزية للحزب
اللواء عدنان بدر حسن : رئيس شعبة الأمن السياسي/ عضو اللجنة المركزية للحزب
اللواء ابراهيم حويجة : رئيس المخابرات الجوية/ عضو اللجنة المركزية للحزب
الرائد ماهر حافظ أسد : قائد فرقة في حرس القصر/ عضو اللجنة المركزية لحزب البعث
عدنان عمران : وزير الإعلام في حكومة ميرو/ عضو اللجنة المركزية لحزب البعث .
7 – منـا قـــشــة :
وكل من يكابر ويصم أذنيه عن هذه الحقائق المؤسفة بل المـرة التي رزحـت سوريا لها ومازالت ترزح قرابة نصف قرن ... بحجـة عدم إثارة النعـرة الطائفيـة ؛ يرسخ الطائفية المقيتة ويدعمها في سوريا، فالطائفيـة موجودة في سوريا، أوجـدها حافظ الاسد ليستفيد منها ..
وهذه الطائفية المتحكمة في الجيش والذي جعلته حكراً على الطائفة العلوية فقط، خربت الجيش، وحرمته من الكفاءات التي يجدها في غير الطائفة العلوية، ومن نتائجها هزيمة الخامس من حزيران، وعندما يتقدم للكلية العسكرية آلاف الشباب من مختلف طوائف الشعب السوري، ويمرون على الفحص الطبي، والثقافي، والنفسي، ثم ينتقى الأكفأ والأصلح، دون اعتبارات طائفية، تكون النوعية المنتقاة نوعية ممتازة، على عكس ما عشناه خلال الخدمة العسكرية، إذ كنا نلتقي ببعض الضباط لايصلحون عمالاً ( مستخدمين ) في المدارس، ولكن لأنه ( علوي ) صار ضابطاً، وأكرر هذا ينطبق على بعض من قابلناهم، وبالوقت نفسه قابلنا كثيراً من الضباط العلويين الأكفاء .
وأوصل هذا السلوك الطائفي إلى إنهاك الجيش السوري، لذلك يكتب قائد سرب طيران إسرائيلي عام (2005 ) يقول : أنا أدرب الطيارين الصغار الآن في الأجـواء السورية، دون أن يتعرض لنا أحد، لاطائرات ولامقاومة أرضية ...
وعندما ندعو إلى نبذ الطائفية، فإننا نريد سوريا لجميع أبنائها، من جميع الأديان والطوائف والعروق ... أي سوريا الديموقراطية ... وندعو الله عزوجل أن يكون ذلك اليوم قريباً .... والله على كل شيء قدير .