مأساتي مع زوجي
محمود القلعاوي
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف
كثيرة هى شكاوى الزوجات من بعض عيوب أزواجهم .. كثيرة هى النداءات الغاضبة زوجى لا يتغيير .. زوجى يتعبنى .. زوجى به من العيوب كذا وكذا .. وأكثر من النداءات هذه المطالبة بالصبر والتحمل فطريق الجنة يحتاج لأكثر من هذا .. وقد وردت إلىّ شكوى من زوجة تشكو من كذب زوجها ولأن الأمر جد خطير أردت نقلها لكم لنعرف ونتعلم كيف نتعامل مع مشاكلنا .. وكيف نخرج من أزماتنا أقوى وأقوى .. حفظ الله بيوتنا من كل سوء .. وإليكم نص الرسالة :-
السلام عليكم وعلى أمة لا إله ألا الله أجمعين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد ..... مشكلتي إن زوجي يكذب في كل شىء حتى في الحياة اليومية وحتى في أصغر الامور في البداية قبل الزواج خدعني في أمور كثيرة أكتشفتها بعد الزواج لكن الله يشهد اني بقيت معه وعزمت على مساعدته للتخلص من هذه المشكلة لأنه لا يعني بكذبه إضرار الآخرين إنما الهروب من المسؤلية وهذه المشكلة اكتسبها من المشاكل بين والديه منذ صغره .. وأنا وبصراحة تامة أشعر بالرغبة في الطلاق بسبب هذه المشكلة إلا أني أخاف الله وأرغب في مساعدته لأني أشفق عليه فهو طيب جداً يسعى للاخرين بالخير أكثر من نفسه الا اني لااستطيع العيش على اساس الكذب وخاصة إذا رزقنا الله بطفل فكيف سيربيه .. أرجو منكم النصح .. والحل جزاكم الله خيراً
وكانت إجابتى عليها كالتالى :-
حيَّاكِ الله أختي الكريمة أهلاً وسهلاً ومرحباً بك في موقعك ، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع ، ونسأله جل وعلا أن يصلح لك زوجك ، وأن يغفر له ، وأن يتوب عليه ، وأن يعافيه من هذه الآفة المحرمة ، وأن يجعلك عوناً له على ذلك .. ونسأل الله أن يُعينكِ على ما ابتلاكِ به ، ويَهدي زوجَك إلى سبيل الرَّشاد.
ثناؤك على زوجِكِ رغمَ صعوبة ما تُعانين لا يَعني لي إلاَّ أنَّك زوجة واعية ناضجة ، تُفرِّق بين بُغْضِ الصِّفة وبُغْض الموصوف ، فبرغم ما يفعل زوجُك من كذب على طول الخط لهذه الدرجة المؤلمة وهذا الواقع الحزين ، إلاَّ أنَّكِ ما زلتِ تَرينَ فيه من المميِّزات ما يجعلك متمسكةً به ، وهمُّك إصلاحُه وإصلاح البيت.
أختى الكريمة :- دعينا نعالج سبب المشكلة .. إن زوجك لا يكذب لسوء طبع أو دناءة خلق بل هروب من المسئولية كما ورد برسالتك .. إذن دعينا نأخذ خطوات لعلاج أصل المشكلة وبه نتخلص من التبعات .. وإليك بعض الأفكار التى بها نعالج هروبه من المسئولية :-
أولاً :- أنصحكِ بدايةً بالتجلُّد والدُّعاء :- واعلمي أنَّهما ليسا سلاحَ العاجز ، وإنَّما هو صِدق الإيمان مع حُسْن اللُّجوء لِمَن يقول للشيء :- كن، فيكون.
وصدق الشاعر حين قال :-
تَجَلَّدْ وَلاَ تَسْتَكِنْ للَّيالِي فَمَا فَازَ إِلاَّ الصَّبُورُ الْجَلِيدْ
وقد جاء في الحديث :- (( واعلمْ أنَّ النصرَ مع الصبر، والفرجَ مع الكَرْب، وأنَّ مع العسر يُسرًا )) صحَّحه الألباني في "السِّلسلة الصحيحة" .. وورد في صحيح البخاري قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم :- (( ومَن يتصبَّر يُصبِّرْه الله، وما أُعطي أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسعَ من الصبر )).
فاجعلي الصبرَ رفيقَك في هذه الرِّحلة، واستعيني بالله وحدَه، وكَفَى به ناصرًا ومعينًا.
ثانياً :- أُذكِّرك بفضْل الاستغفار وأهميته :- وعظيمِ أثره في الدنيا والآخرة ؛ يقول الله عزَّ وجلَّ -: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا }سورة نوح: 10 - 11
ويقول رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم :- (( مَنْ لَزِم الاسْتِغفار، جعَل اللَّهُ لهُ من كلِّ همٍّ فرجًا، ومِن كلِّ ضيق مخرجًا، ورَزقَه من حيثُ لا يحتسب )) سنن ابن ماجه.
ثالثاً :- جرِّبي أن تطلبي منه المساعدةَ في بعض شؤون المنزل اليسيرة :- والتي لا تتطلَّبُ جهدًا كبيرًا ، كمناداته مرَّة لحَمْل شيء يثقُل عليكِ ، أو تركيب أنبوبة الغاز - مثلاً - وإظهار انبهارِكِ وإعجابك به وبقوَّته ، وترديد : لا أدري ماذا كنت سأفعل لو لم تكنْ في البيت الآن ؟
وكرِّري مثلَ هذا الموقف، حتى يترسَّخ في نفسه أنَّه قادر على المساعدة ، وأنَّه غير عاجز ، كما يحاول أن يُقنِعَ نفسَه ؛ ليرتاحَ من عناء تحمُّل المسؤولية .
فالإثابة .. التشجيع .. التحفيز سبل من أعظم سبل تفجر الطاقات وإكساب الثقة وتحقيق الذات والوصول إلى التفوق والنجاح .. ووسيلة من وسائل التربية الراقية .
في مرة من المرات جعلت مجلة إنجليزية جائزة قيمة لمن يجيب من الأدباء بأفضل إجابة على هذا السؤال :- ( ما الأمر الذي يتوقف عليه نمو العلوم وازهار الآداب ؟ ).. فكانت الجائزة لكاتبة مشهورة عندما قالت :- إنه التشجيع.. فهي في هذه السن وبعد تلك الشهرة والمكانة تدفعها كلمة التشجيع حتى تمضى إلى الأمام .. وتقعد بها كلمة التثبيط عن المسيرة..
رابعاً :- والدك أمامَك يا صَغيري :- وأيضًا لو طلَبَ منك ولدُك شيئًا على مَسمعٍ منه، قولي له :- والدك أمامَك يا صَغيري ، فلتطلب منه ما تشاء ، فباركَ الله لنا فيه - على أن يكونَ شيئًا في وُسعه تحقيقه.
خامساً :- ذكيره بلُطف بفضل الإنفاقِ على البيت وأجرِه عند الله :- ، والرسول صلَّى الله عليه وسلَّم يقول :- (( دِينارٌ أنفَقتَه في سبِيلِ اللَّه، ودينارٌ أنفقْتَه في رَقبةٍ، ودينارٌ تَصَدَّقْتَ به على مِسْكِينٍ، ودينارٌ أنفَقْتَه على أَهْلِك؛ أَعْظَمُها أَجْرًا الذي أنفَقْتَه على أهْلِك )) رواه مسلم.
سادساً :- الاستعداد للتخلية :- يبدو بالطبع أن زوجك ضحية تربية أسرية خاطئة، اكتسب منها هذه الآفة المدمرة ، وما أكثر ضحايا التربية الأسرية الخاطئة مع الأسف الشديد، والكذب كأي آفة وعادة ممقوتة ، ويحتاج إلى فترةٍ طويلة من العلاج ، وعلاجه ليس بالمستحيل ، وإنما هو سهل ميسر إذا صدقت النوايا ، وتم الأخذ بالأسباب الصحيحة للعلاج ، والتي من أهمها :- أن يعرف الشخص بأنه يكذب ، وأن يقتنع بذلك ، وأن يكون لديه الاستعداد للتخلي عن تلك العادة القبيحة التي تتعارض مع الإسلام وقيمه وأخلاقه .. فالكذب من أبرز صفات المنافقين، والعياذ بالله .. ولهذا افتحى معه الموضوع بشكل غير مباشر .. ( ما رأيك فى الكذب ؟) ( ما هو الكذب ؟ ) بشرط ألا تجرحى مشاعره ولا يحس بالفوقية منك ..ثم اعرضى عليه بعض مواقفه بطريقةٍ هادئة كما لو لم يكن هو الفاعل ، مثل :- ما رأيك في كذا ، وتذكرين له موقفاً واضحاً من مواقفه ، ثم تقولين له :- ما رأيك في هذا ؟ .. وإياك والتأنيب أو التوبيخ أو العنف ؛ لأن هذه أمور تنفّر ولا تؤلف ، وتفرق ولا تجمع ، فعليك باللطف واللين والحنان والرفق والعطف ، وإشعار زوجك بأن حبك له وحرصك عليه هو الدافع لهذا الحرص ، وعليك بالدعاء له، خاصةً في لحظات الإجابة ، وبظهر الغيب ، وإن شاء الله ستوفقين في مساعدة زوجك في التخلص من هذه العادة والإقلاع عنها في أقرب فرصة.
سابعاً :- اغتنمي تلك العَلاقةَ الطيِّبة التى بينكما :- وحاولي أن تجعليها خيرَ معين له ، وحافزًا على العمل ، وبذْل المزيد من الجهد ، فذكِّريه بين حينٍ وآخرَ بنعمة المحبَّة بينكما، وأنَّك لا تُكنِّين له إلاَّ كلَّ الحبِّ والاحترام ، ولا تَذكرينه أمامَ أهلك إلاَّ بالخير .
ثامناً :- الوعظ غير المباشر :- اجتهدى أن تضعى فى طريقه كتاب أو مقال عن خطورة الكذب وكونه لا يقبل من المؤمن أن يكون كذاباً .. وغير ذلك من أمور ووسائل تقليديه وغير تقليديه توصل له خطورة الكذب بشكل غير مباشر ..
أخى الكريمة ؟؟ انتظر رسالتك تخبرينى بجديدك .. وفقك الله لكل خير .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.