عرفوني طفلا, استغلوا مخيلتي

عرفوني طفلا, استغلوا مخيلتي

أحمد توفيق

[email protected]

لا زالت صورة  ذلك الرجل الأقرع الضخم عدا بعض شعيرات على جانبي رأسه والذي يختبئ وراء الغيوم ويقهقه مستعرضا قدرته  بإنزال المطر مطبوعة في ذاكرتي منذ عصر ذلك اليوم,  حيث دأبت على مشاهدة الفترة المسائية للرسوم المتحركة, حينما كنت طفلا غضا قبل عصر القنوات الفضائية  .

كان ذلك كاف  لمن أراد أن يوصل الرسالة إلى طفل غض بريء , ويوهمه بان الذي يشاهد هي صورة الإله الذي  يعبد حاشا ربي أن يكون كذلك, والذي أخبره عنه أستاذ التربية الإسلامية ذو اللحية الحمراء المحناة,قائلا بان الله قادر على كل شيء وإنزال المطر هو اختصاص محض لله ولا لأحد سواه مقدرة بذلك.

اليوم وقد كبرت ,والصورة تزداد إلحاحا علي وقد أصبحت اعرف بان الصور المتحركة التي كنا نستمتع بمشاهدتها, وننتظرها بشوق كبير, ونقطع مسارنا اليومي في البحث عن أعشاش الطيور في بيارة جدي  لنعود أدراجنا ونجلس كأطفال طيبين أمام شاشة التلفاز لنشاهد إبطالنا" الكرتونيون " لم تكن على مقاس براءتنا وعفويتنا ,وتسليمنا بوحدانية الله وصفاته العليا عز وجل ,كيف لا وأنا ضحية هذا الإفساد لسنين عديد ة ,ولو على مستوى التصور والتخيل.

كبرت واتسائل ,كيف غاب عن بال أمي الرؤوم التي كانت ترسلني بين الحين والآخر  إلى جارتنا الهام ,التي كانت مميزة بالنسبة لنا كأطفال الحارة كونها ملثمة" منقبة"  لاستبدل كتاب اصفر كتب على غلافه رياض الصالحين بكتاب آخر لم أكلف نفسي عناء قراءة ما كتب على غلافه  لإدراكي بأنه فوق عمري لما بدا عليه من زخرفة محكمة وخط متقن ,كيف غاب عن بالها أن تراقب ما نشاهد وتبين لنا الغث من السمين, واستغرب لماذا لم تحررني من هذه الصورة التي لازمتني سنين عدة وكان بإمكانها ذلك. فإذا كان الأمر فوق براءتي كطفل فحتما هو دون علمها كأم ربتنا على احترام نساء الحارة ومن هم اكبر منا سنا .

الصور المتحركة هي سلاح ذو حدين منها ما يحمل قيما تربوية وجمالية وإنسانية راقية, ومنها ما يدمر ويشوه كالذي صادفت وما هي إلا حصان طروادة للأطفال وبمقاسهم , ولا يتعدى كونه مثابة دس السم في العسل لتدمير الأجيال وتشويه عقيدتهم  التي هي الركيزة الأساس لبناء الإنسان السوي بكل المقاييس والذي يمثل حجر الزاوية في بناء مجتمع سليم معافى من التشوهات ونقي من الشوائب .

اعتقد بانا كآباء وأمهات لسنا بحاجة إلى أن نكون ضاربين بآباط الأمور أو نعرف  إجماع علماء التربية على مدى خطورة الأفلام الكرتونية  كي نحتاط منها ونقنن ما يشاهده أبناؤنا  سيما اذما حملت قيما مستوردة لا تتماشى مع عقائدنا وعاداتنا وتقاليدنا كعرب ومسلمين  , فللأسف الشديد نجد أن معظم هذه الأفلام هي مستوردة وتحمل قيما غريبة عنا بل حتى تعدى الأمر إلى أن شخصيات تلك الأفلام تحمل أسماء أجنبية غير عربية , ألهذا الحد بلغت المهزلة؟ الم يكلف القائمون على هذه الأفلام أنفسهم تعريب تلك الأسماء على الأقل لحفظ ماء الوجه؟ مع تسليمنا بان تلك الخطوة لا تعفيهم من المسؤولية الأخلاقية لما يصيب أبناءنا من تشوه  جراء هذا الدمار.هل نحن عاجزين عن إنتاج برامج تتناسب مع عقيدتنا ونقدمها لأطفالنا كي تكون عامل مساعد في تربيتهم وإكسابهم قيما حميدة ومهارات اجتماعية جيدة. أين ملياراتنا نحن العرب؟ .

لذا لزام علينا نحن الأهل عدم إغفال هذا الجانب وايلاء أهمية كبرى إلى ما يشاهده فلذة أكبادنا ورجال الغد فأعداء الدين عرفوا أهمية ذلك ويحاربوننا من هذا الباب, فهلا عرفنا نحن ذلك؟

نشهد في الآونة الأخيرة انطلاق قنوات متخصصة للأطفال تفي بالغرض ولكنها تبقى محدودة العدد ولا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة في ظل طوفان قنوات الأطفال المغرض ففي الشهر الماضي بينما كنت اتنقل بين القنوات بحثا عن شيء جاد استوقفني برنامج للأطفال على غرار "السوبر ستار" وفيه أطفال بعمر الزهور يتغنون ويتمايلون مما أثار شفقتي وسخطي في آن واحد لذا وجب على كل أب وأم التنبه لهذه البرامج وتثقيف أبنائهم حول هذه البرامج إن أمكن  وتحصينهم  منها.أولادنا أمانة في أعناقنا فلنخاف الله فيهم.

دمتم بخير