التطرف الديني وليد الهزيمة

بدون مؤاخذة

جميل السلحوت

[email protected]

التطرف الديني الذي يصل الى حد الجنون ليس ظاهرة جديدة، بل هو قديم قدم الديانات،والملاحظ انه ينمو ويترعرع في ظل الازمات والهزائم التي تعيشها الأمم .

ومعروف ان عصر الهزائم هو نتاج لعقود من الانحطاط والانحدار الفكري والاقتصادي والاجتماعي. وبما ان الانسان اقرب ما يكون الى الله هو في حالات ضعفه، لانه يبحث عن قوة منقذة تنتشله مما هو فيه،فان البعض رأى الخلاص في التطرف الديني،ولا مجال للتسامح الديني عنده،لأن التسامح من صفات الأقوياء،والتطرف والتعصب الأعمى من خصال الضعفاء بغض النظر عن الدين أو اللون أو الجنس.

والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه فإن امتنا العربية بشكل عام، وشعبنا الفلسطيني بشكل خاص يعيشون في قعر الهزيمة المتواصلة، واذا لم تدرك شعوبنا ذلك فإن الهزيمة ستتواصل الى ما شاء الله، واذا كان عدم تشخيص اسباب الهزيمة ليس صحيحا، فإن الخروج منها يصبح أمرا محالا، وبالتالي فإن التخبط الفردي هو الذي سيحكم الموقف، وما يصاحب هذا التخبط من (اجتهادات)وتقولات تجد من يؤيدها ومن يعارضها، وفي كلتا الحالتين فإن ذلك سيقود الى ضحايا .

ولعل التطرف الديني -والدين منه براء-هو من يجد الارض الخصبة في بيئة الهزيمة .

وغالبية (منظري) التطرف الديني اناس يعبدون الله على حرف، ويجهلون الكثير من أمور دينهم ودنياهم، ورؤوسهم مغلقة ثقافيا حتى في شؤون دينهم،  والمصيبة انهم يعتقدون انهم الوحيدون القابضون على تلابيب الدين الصحيح، وبالتالي فإنهم يوزعون شهادات التكفير لمن يخالفهم الرأي، ويستبيحون دماءه وأمواله دون وازع من دين أو ضمير حي، تماما مثلما تهون عليهم أرواحهم لاعتقادهم انهم يملكون مفاتيح الجنة .

ولعل ما حدث من فعل وردة فعل في مسجد ابن تيمية في رفح اثناء وبعد صلاة الجمعة يوم الرابع عشر من اب 2009 يدق ناقوس الخطر على الساحة الفلسطينية .فالإمارة التي أعلن عنهافي ذلك اليوم،وقضي عليها في ساحتها،وما صاحب ذلك من اراقة للدماء تدعو الى الوقوف كثيرا امام ظاهرة التطرف الديني، والتمترس خلف الشعارات الدينية، وما ينتج عن ذلك من اضرار تلحق بالمصالح العليا للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة .

واذا صحت الانباء الواردة من قطاع غزة ، بأن "جند الله " من حماة "الامارة المزعومة " هم من وضعوا المتفجرات في احدى حفلات الأعراس، وهم من فجروا مقاهي الانترنت، وصالونات الحلاقة، واحراق المكتبة المعمدانية، والمدرسة المعمدانية، وغيرها ... فإن ذلك اكبر دلالة على الفكر الظلامي والممارسة الظلامية للفكر التكفيري الظلامي . وخطر هؤلاء على شعبنا وقضيتنا لا يقل عن خطر الاحتلال، مع انهم هم أنفسهم ضحايا للاحتلال، وفكر التطرف الذي وصلوا اليه هو وليد طبيعي للاحتلال الذي طال أمده ، لكن انفجارهم الناتج عن شدة الضغوطات المصاحبة للاحتلال لا يصيب الاحتلال بمقدار ما يصيب الشعب الواقع تحت الاحتلال .

ومن هنا فإن فقر الفكر وفكر الفقر على رأي انيس منصور المعشش في رؤوس من يزعمون زورا وجهلا انهم دعاة دينيون -مع الاحترام للدعاة المؤهلين علميا- هو المسؤول عن التغرير ببعض الشباب، ودفعهم الى الهاوية، وهنا يأتي دور علماء الدين والمفكرين والمثقفين بضرورة التصدي دينيا للفكر التكفيري، وللتعصب الأعمى، وبيان بطلانه، وانه ليس من الدين في شيء وذلك من خلال منابر المساجد، ووسائل الاعلام، مع التذكير بان الاختلافات بين التيارات الدينية لا يأتي من باب الاجتهاد، بمقدار ما يأتي من باب الأطماع الشخصية لبعض القيادات، وخدمة لسياسات وأجندة اقليمية اكثر من كونه اختلافا على فهم النصوص الدينية، حتى ان البعض بات يتساءل ومن حقه ان يتساءل:أين الدين الصحيح في هذه المعمعة؟