قضايا لغوية(5)
قضايا لغوية(5)
في جذور الكلمات
(الهمزة 1)
د
. عبدالكريم مدلج( في لغتنا العربية كلمات قد يصعب على بعض الدارسين معرفة جذورها للوقوف على معانيها في المعاجم, وذلك بسبب بعض التغييرات التي طرأت على أصل كلّ كلمةٍ منها, فتغير شكل بنيتها, وأشكل معرفة جذرها, وهذا التغيير مردّه حدوث إعلالٍ أو إبدالٍ أو قلبٍ مكانيٍ في الكلمة. وسأذكر بعض هذه الكلمات, مبينًا جذرها وبعض معانيها, ومرتّبًا إياها بحسب أصولها وفق الترتيب الألفبائي ).
اتّخذ = (أخذ): أخذت الشيء آخذه أخذًا تناولته, وأخذه يأخذه أخذًا, والإخذ بالكسر الاسم, وإذا أمرت قلت: خذ, وأصله أؤخذ إلا أنهم استثقلوا الهمزتين فحذفوهما تخفيفًا. قال ابن سيده فلما اجتمعت همزتان وكثر استعمال الكلمة حذفت الهمزة الأصلية فزال الساكن فاستغني عن الهمزة الزائدة, وقد جاء على الأصل فقيل: أؤخذ, وكذلك القول في الأمر من أكل وأمر وأشباه ذلك, ويقال: خذ الخطام وخذ بالخطام بمعنى, و التأخاذ تفعال من الأخذ. وقد أخذ فلان إذا أسر, ومنه قوله تعالى: ] فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُم [ [التوبة 5]. معناه والله أعلم ائسروهم, والأخيذ المأخوذ, والأخيذ الأسير, والأخيذة المرأة لسبيٍ وفي الحديث أنه أخذ السيف وقال: "من يمنعك منى؟ فقال: كن خير آخذٍ" أي: خير آسر, والأخيذة ما اغتصب من شيء فأخذ, وآخذه بذنبه مؤاخذةً عاقبه, وفي التنزيل العزيز ] فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ [ [العنكبوت40]. وفي الحديث "من أصاب من ذلك شيئًا أُخِذَ به" يقال: أُخِذَ فلان بذنبه, أي: حبس وجوزي عليه وعوقب به, وإن أخذوا على أيديهم نجوا, يقال: أخذت على يد فلان إذا منعته عما يريد أن يفعله كأنك أمسكت على يده, وقوله عز وجل: ] وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ[ [غافر5]. قال الزجاج: معناه ليتمكنوا منه فيقتلوه, وآخذه كأخذه وفي التنزيل العزيز ] وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا [ [فاطر45]. والعامة تقول: واخذه وأتى العراق وما أخذ إخذه, وذهب الحجاز وما أخذ إخذه, وولى فلان مكة وما أخذ إخذها, أي: ما يليها وما هو في ناحيتها, واستعمل فلان على الشام وما أخذ إخذه بالكسر, أي: لم يأخذ ما وجب عليه من حسن السيرة, والأُخذة بالضم رقية تأخذ العين ونحوها كالسحر أو خرزة يؤخذ بها النساء الرجال من التأخيذ.
أخ = (أخو): الأخ أصله أخو بفتح الخاء؛ لأنه يجمع على آخاء مثل آباء, والذاهب منه واو؛ لأنك تقول في التثنية: أخوان, وبعض العرب يقول: أخان على النقص, ويجمع أيضًا على إخوان, مثل: خرب وخربان, وعلى إخوة بكسر الهمزة وضمها أيضًا, وقد اتسع فيه فيراد به الاثنان, كقوله تعالى: ] فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ [ [النساء 11]. وأكثر ما يستعمل الإخوان في الأصدقاء, والإخوة في الولادة, وأخ بين الأخوة, وأخت بين الإخوة أيضًا, وآخاه مؤاخاةً وإخاءً, وتأخيت أخًا, أي: اتخذت أخًا, وتأخيت الشيء أيضًا مثل تحريته, والآخيَّة بالمد والتشديد واحدة الأواخي, وهو مثل عروة تشد إليها الدابة. وقالوا: أخو وأخي وأخا, تقول: أخوك أخو صدق, وأخوك أخٌ صالحٌ, فإذا ثنوا قالوا: أخوان وأبوان؛ لأن الاسم متحرك الحشو, فلم تصر حركته خلفًا من الواو الساقط كما صارت حركة الدال من اليد وحركة الميم من الدم فقالوا: دمان ويدان وقد جاء في الشعر دميان, كقول الشاعر:
فَلَو أَنّا عَلى حَجَـرٍ ذُبِحنا
جَرى الدَمَيانِ بِالخَبَرِ اليَقينِوإنما قال: الدميان على الدما كقولك: دمي وجه فلان أشد الدما, فحرك الحشو, وكذلك قالوا: أخوان, وقال بعضهم: الأخ كان في الأصل أخو فحذفت الواو لأنها وقعت طرفًا وحركت الخاء. وقال بعض النحويين سمي الأخ أخًا؛ لأن قصده قصد أخيه, وأصله من وخى, أي: قصد, فقلبت الواو همزة. وحكي آخيت وواخيت وآسيت وواسيت وآكلت وواكلت, ووجه ذلك من جهة القياس هو حمل الماضي على المستقبل إذ كانوا يقولون: يواخي بقلب الهمزة واوًا على التخفيف وتقول: بيني وبينه أخوة و إخاء, وتقول: آخيته على مثال فاعلته, ولغة طيء واخيته, وتقول: هذا رجل من آخائي بوزن (أفعالي), أي: من إخواني ولقد تأخيتَ وآخيتَ وأخوتَ تأخو أخوةً وتآخيًا على تفاعلاً, وتأخيت أخًا, أي: اتخذت أخًا, وفي الحديث أن النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ آخى بين المهاجرين والأنصار, أي: ألّف بينهم بأخوة الإسلام والإيمان.
أخت = (أخو): الأخت أنثى الأخ صيغة على غير بناء المذكر والتاء بدل من الواو وزنها (فعلة) فنقلوها إلى فعل وألحقتها التاء المبدلة من لامها بوزن (فعل) فقالوا: أخت, وليست التاء فيها بعلامة تأنيث وذلك لسكون ما قبلها, وهذا مذهب سيبويه وهو الصحيح, وقد نص عليه في (باب ما لا ينصرف) فقال: لو سميت بها رجلاً لصرفتها معرفةً ولو كانت للتأنيث لما انصرف الاسم, على أن سيبويه قد تسمّح في بعض ألفاظه في الكتاب فقال: هي علامة تأنيث وإنما ذلك تجوز منه في اللفظ؛ لأنه أرسله غفلاً, وقد قيده في (باب ما لا ينصرف) والأخذ بقوله المعلل أقوى من الأخذ بقوله الغفل المرسل, ووجه تجوزه أنه لما كانت التاء لا تبدل من الواو فيها إلا مع المؤنث صارت كأنها علامة تأنيث, وأعني بالصيغة فيها بناءها في (فُعْل) وأصلها (فَعَل) وإبدال الواو فيها لازم؛ لأن هذا عمل اختص به المؤنث, والجمع أخوات. فتاء الأخت أصلها هاء التأنيث, قال الخليل: تأنيث الأخ أخت وتاؤها هاء. والتثنية أختان والجمع أخوات. وقال الليث: الأخت كان حدها أخة, فصار الإعراب على الهاء والخاء في موضع رفع ولكنها انفتحت بحال هاء التأنيث فاعتمدت عليه؛ لأنها لا تعتمد إلا على حرفٍ متحركٍ بالفتحة, وأسكنت الخاء, فحول صرفها على الألف, وصارت الهاء تاءً, كأنها من أصل الكلمة, ووقع الإعراب على التاء, وألزمت الضمة التي كانت في الخاء الألف.
آدم = (أدم): ومنه حديث النكاح "لو نظرت إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما" أي: تكون بينكما المحبة والإنفاق, يقال: أدم الله بينهما يأدم أدمًا بالسكون أي: ألّف ووفق, وكذلك آدم يؤدم بالمد (فعل) و(أفعل). والأُدم جمع آدم كأحمر وحمر والإدمة في الإبل البياض مع سواد المقلتين, بعير آدم بيّن الأدمة وناقة أ دماء, وهي في الناس السمرة الشديدة. وقيل: هو من أدمة الأرض وهو لونها وبه سمى آدم عليه السلام.
اتّزر = (أزر): أزر به الشيء أحاط, والإزار الملحفة, يذكر ويؤنث, قال أبو ذؤيب:
تَبَـرَّأُ مِن دَمِّ القَتيلِ وَبَزِّهِ
وَقَد عَلِقَت دَمَّ القَتيلِ إِزارُهايقول: تبرأ من دم القتيل وتتحرج ودم القتيل في ثوبها, وكانوا إذا قتل رجل رجلاً قيل: دم فلانٍ في ثوب فلانٍ, أي: هو قاتله والجمع آزرة, مثل حمار وأحمرة, وأزر مثل حمار وحمر, والإزارة الإزار كما قالوا للوساد وسادة, والإزر والمئرز والمئزرة الإزار, وفي حديث الاعتكاف "كان إذا دخل العشر الأواخر أيقظ أهله وشد المئزر", المئزر الإزار, وكنى بشده عن اعتزال النساء, وقيل: أراد تشميره للعبادة, يقال: شددت لهذا الأمر مئزري, أي: تشمرت له, وقد ائتزر به وتأزر, وائتزر فلان إزرة حسنة وتأزر ليس المئزر, وهو مثل الجلسة والركبة ويجوز أن يقول: اتّزر بالمئزر أيضًا فيمن يدغم الهمزة في التاء, كما تقول: اتمنته, والأصل ائتمنته, ويقال: أزرته تأزيرًا فتأزر, يقال أزره وآزره أعانه وأسعده من الأزر القوة والشدة ومنه حديث أبي بكر أنه قال للأنصار يوم السقيفة: "لقد نصرتم وآزرتم وآسيتم". وقال الفراء: أزرت فلانًا آزره أزرًا قويته, وآزرته عاونته, والعامة تقول: وازرته. وقرأ ابن عامر ] فَأَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِه[ [الفتح29]. على (فعله) وقرأ سائر القراء ] فآزَرَهُ [, وقال الزجاج: آزرت الرجل على فلانٍ إذا أعنته عليه وقويته. وجمع الإزار أزر, وأزرت فلانًا إذا ألبسته إزارًا فتأزر تأزرًا, وفي الحديث قال الله تعالى: "العظمة إزاري والكبرياء ردائي" ضرب بهما مثلاً في انفراده بصفة العظمة والكبرياء, أي ليسا كسائر الصفات التي قد يتصف بها الخلق مجازا كالرحمة والكرم وغيرهما وشبههما بالإزار والرداء؛ لأن المتصف بهما يشتملانه, والأزر معقد الإزار, وقيل: الإزار كل ما واراك وسترك, والإزار العفاف, وفلان عفيف المئزر وعفيف الإزار إذا وصف بالعفة عما يحرم عليه من النساء, ويكنى بالإزار عن النفس وعن المرأة, وفي حديث بيعة العقبة "لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا" أي: نساءنا وأهلنا, كنى عنهن بالأزر, وقيل: أراد أنفسنا, والأزر الظهر والقوة والضّعف, قال في قوله: ] اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي [ [طه31]. أي: اشدد به قوتي ومن جعله الظهر قال: شد به ظهري, ومن جعله الضعف قال: شد به ضعفي, وقو به ضعفي, وفي الحديث "ارجعن مأزورات غير مأجورات" أصله موزورات, ولكنه أتبع مأجورات, وقيل: هو على بدل الهمزة من الواو في أزر وليس بقياس؛ لأن العلة التي من أجلها همزت الواو في وزر ليست في مأزورات, فلما قابلوا الموزور بالمأجور قلبوا الواو همزة ليأتلف اللفظان ويزدوجا, واتزر الرجل ركب الوزر, وهو (افتعل) وتقول: وزر يوزر, ووزر يزر, ووزر يوزر, فهو موزور وإنما قال في الحديث مأزورات لمكان مأجورات, أي: غير آثمات, ولو أفرد لقال: موزورات, وهو القياس, وإنما قال: مأزورات للازدواج. وآزر اسم أعجمي وهو اسم أبي إبراهيم على نبينا وعليه الصّلاة والسّلام.
أرائك = (أرك): الأراك شجر معروف وهو شجر السواك يستاك بفروعه, قال أبو حنيفة: هو أفضل ما استيك بفرعه من الشجر, وأطيب ما رعته الماشية رائحة لبن. منه تتخذ هذه المساويك من الفروع والعروق, وأجوده عند الناس العروق, والأراك شجرة طويلة خضراء ناعمة كثيرة الورق والأغصان خوارة العود تنبت بالغور, والأراك شجر من الحمض الواحدة أراكة, وقد تجمع أراكة على أرائك, والإبل الأوارك التي اعتادت أكل الأراك والفعل أركت تأرك أركًا, وقد أركت أروكًا إذا لزمت مكانها فلم تبرح, وأركت الناقة أركًا فهي أركة مقصور من إبل أرك وأوارك أكلت الأراك, وجمع (فعلة) على (فعل) و(فواعل) شاذ, وأرك الرجل لجّ, وأرك الأمر في عنقه ألزمه إياه, وأرك الجرح يأرك أروكا تماثل وبرأ وصلح وسكن ورمه, والأريكة سرير في حجلة, والجمع أريك وأرائك, وفي التنزيل: ] عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَ [ [يس56]. قال المفسرون: الأرائك السرر في الحجال, وقال الزجاج: الأرائك الفرش في الحجال, وقيل: هي الأسرة, وهي في الحقيقة الفرش كانت في الحجال أو في غير الحجال, وقيل: الأريكة سرير منجد مزين في قبة أو بيت فإذا لم يكن فيه سرير فهو حجلة, وقيل: هو كل ما اتكى عليه من سرير أو فراش أو منصة, وأرك المرأة سترها بالأريكة, وأرك أرض قريبة من تدمر, قال القطامي:
وقد تعرَّجتُ لما وَرَّكَت أرَكاً
ذاتَ الشِّمالِ وعن أيمانِنا الرِجَلُيتبع