هل من مقارنة؟
د. محمود نديم نحاس
فلسطين جرحنا الدائم، تحرق قلوبنا منذ أن فتحنا أبصارنا على الدنيا، أبكتنا دماً في سنوات كثيرة، ومزقت نفوسنا في مناسبات عدة. وما كنا نظن أن مأساتها ستتكرر في مكان آخر، حتى جاءت أحداث سوريا، فأدمت قلوبنا، وملأت بالدمع مآقينا، ومزقت مشاعرنا، ألماً وحزناً، ونحن كل يوم ننتظر الفرج، لعل الله يكشف الغمة، فتبرأ الجراح، ويعود للشام تألقها الذي كانت عليه على مدى التاريخ، ويخرج حفيد أمير الشعراء أحمد شوقي ليطربنا بقصائد يضاهي بها قصائد جده الذي قال:
كانوا مُلوكاً، سَريرُ الشَرقِ تَحتَهُمُ *** فَهَل سَأَلتَ سَريرَ الغَربِ ما كانوا؟
من حقنا أن نتساءل هل من مقارنة بين المأساتين. فقد أرسل لي صديق إحصائية عن أحداث فلسطين الأخيرة تقول: بلغ عدد القتلى من الأطفال 561 طفلاً، ومن النساء 344 امرأة، ومن الذكور 1184 رجلاً، في حين بلغ عدد المصابين 10500 شخص. أما البيوت التي أُصيبت فبلغ عددها 36700، تهدم منها 5622، والمساجد التي أُصيبت 152، تهدم منها 64. كما أصيبت 230 مدرسة، و 33 مركزاً طبياً.
وأرسل لي صديق آخر إحصائية بعدد القتلى من الفلسطينيين منذ 1948 وحتى 2012 وهي ثلاثون ألفاً. أما عدد المعتقلين الفلسطينيين طوال تلك المدة فبلغ 800 ألف. ولم يتعرض منهم لاعتداءات إلا كبار قادتهم، والاعتداءات غالبها في فترة التحقيق، ثم تتوقف بعد نطق المحكمة بالحكم. وأما الأغلبية من الأسرى الفلسطينيين فلديهم تلفاز ويتمتعون بثلاثة وجبات يومية ويخرجون الى الساحة كل يوم، ولهم رعاية طبية، ومن يريد إكمال تعليمه فالأمر متاح للأغلبية، وكثير منهم أنهوا تعليمهم وحصلوا على بكالوريوس وماجستير!
ونكاد لم نسمع عن حالات اغتصاب لنساء فلسطينيات على يد الصهاينة إلا في حالات نادرة. فهناك أوامر صارمة لتجنب إثارة غضب وحمية الشعب الفلسطيني الغيور.
أما إحصائيات الثورة السورية فتتفاوت بين الأعداد التقديرية والأعداد الموثقة. إذ يُقدر عدد الشهداء بـ 238 ألفاً، تم توثيق أسماء 125 ألفاً منهم. بينهم 2350 فلسطيني، و 15000 طفل، و 14000 امرأة. وعدد الجرحى التقديري هو 200 ألف. وعدد المعتقلين التقديري هو 260 ألفا، بينهم عشرات الآلاف من النساء و 9 آلاف طفل. ويُعتقد أن كثيراً منهم ماتوا تحت التعذيب دون أن يتم تسليمهم لأهاليهم.
ويروي الذين نجوا من المعتقلات السورية قصصاً هي أقرب للخيال. وأسوأ طرق التعذيب هي الاعتداءات الجنسية على الرجال والنساء على حد سواء. هذا عدا عن حالات الاغتصاب التي يقوم بها الجنود على الحواجز، أو عندما يهاجمون البيوت. وقد تم الكشف عن 3500 حالة اغتصاب، وما خفي أعظم بكثير، لأن الناس يتجنبون الحديث عما يصنفونه من الفضائح.
وعند الحديث عن التدمير فتقدر نسبة الدمار في أحياء حلب وحدها 65%، كما يُقدر عدد المنشآت الصناعية التي دُمرت بشكل كلي أو جزئي بـ 60 ألف منشأة، وعدد المساجد المدمرة بألفي مسجد، وعدد المدارس المدمرة بحوالي أربعة آلاف مدرسة، مما حرم ثلاثة ملايين ونصف مليون طفل من التعليم، منهم أكثر من مليون بحاجة لدعم نفسي مما رأت أعينهم من الفظائع وعلى الأخص قتل ذويهم أو اغتصابهم أمامهم. هذا عدا عن عشرات الآلاف من المحاصرين، وملايين النازحين في الداخل، وملايين اللاجئين في دول الجوار.
المقارنة بين ما أصاب الفلسطينيين وما أصاب السوريين تبدو غير ممكنة من خلال هذه الأرقام، لكن المؤسف أن المعتدي على الفلسطينيين هو الذئب الذي من طبعه العدوان، أما المعتدي على السوريين فهو من نصّب نفسه مكان الراعي. ولذا قال الشاعر عمر أبو ريشة في قصيدته بعنوان (أمتي):
لا يُلامُ الذئبُ في عُدوانه *** إنْ يكُ الراعي عَدوَّ الغنمِ